السبت، 17 أكتوبر 2015
محاضرات علاقة علم اجتماع البدوي بالأنثروبولوجيا
ماهي الأنثروبولوجيا الاجتماعية :
تعني الأنثروبولوجيا Anthropology بصفة عامة بدراسة الانسان مشاركة في ذلك العديد من العلوم الطبيعية والاجتماعية ولسنا هنا بصدد توضيح نشأة الأنثروبولوجي كعلم فلذلك مراجعة ومدارسة ونظرياته الكثيرة والممنوعة , وانما الذي يعنينا في هذا المجال هو أن نوضح ان علم الأنثروبولوجيا يدرس الانسان من زاويتين أولهما على اعتبار ان الانسان واحد من اعضاء المملكة الحيوانية , والثانية على اعتبار أن ذلك الانسان عضو في مجتمع واهتمام الأنثروبولوجيا ليس مقصوراً على انسان ما بالذات أو حتى على زمن معين أو في مكان محدد و إنما هو – أي ذلك الاهتمام للأنثروبولوجيا –ممتد لكل انسان في أي مجتمع وفي كل العصور والأزمنة والامكنة ايضاً .ومن هنا تمركزت أو تمحورت اهتمامات الأنثروبولوجيا في ثلاث نقاط وربما كان ذلك التمحور أو التمركز يدور حول (ثلاث ) اتجاهات رئيسية هي :
النقطة الاولى هي : دراسة كل مراحل التطور التي اثرت في التركيب العضوي للإنسان .
النقطة الثانية : دراسة كل تغير اصاب حضارة ذلك الانسان واثر فيها سواء بالحذف أم بالإضافة أما النقطة .
الثالثة والاخيرة : فتبرز أو تتضح من خلال الاتجاه نحو الدراسات المقارنة والتي احتلت مكانا مبرزاً من الدراسات الأنثروبولوجي بصفة عامة .
ولقد اهتم ذلك الاتجاه الاخيرة بإبراز نقاط الالتقاء أو الاختلاف بين العديد من المجتمعات والحضارات محل الدراسة .
وعلى الرغم من بروز الاتجاهات الثلاثة الاخيرة بإبراز نقاط الالتقاء او الاختلاف بين العديد من المجتمعات والحضارات محل الدراسة .
وعلى الرغم من بروز الاتجاهات الثلاثة السابقة الذكر إلا أنه من المتفق عليه علميا أن مجال الدراسة في علم الأنثروبولوجيا يقتسمه اهتمامان اساسيان أولهما :دراسة الانسان ككائن طبيعي ويتوافر على ذلك ما يعرف باسم علم الانسان الجسمي أو الانثروبولوجيا الجسمية Anthropology Physical .
وثانيهما : دراسة الانسان ككائن اجتماعي ويتوفر على ذلك ما يطلق عليه علم الانسان الحضاري أو الأنثروبولوجيا الحضارية Cultural Anthropology .
هذا وقد نشأ عن التقسيم السابق مجموعة من التفريعات ليس هنا مجال ذكرها ولكن المهم هو أن نوضح أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية تمثل إحدى تلك التفريعات الرئيسية سواء اعتبرت الأنثروبولوجيا الاجتماعية فرعاً من الأنثروبولوجيا الحضارية كما ترى المدرسة الامريكية أم اعتبرت قسماً مستقبلاً من أقسام علم الأنثروبولوجيا بصفة عامة كما ترى المدرسة الانجليزية إلا أنه من المهم أن نتفق على أن الاهتمام الرئيس للأنثروبولوجيا الاجتماعية هو تحليل البناء الاجتماعي للمجتمعات الانسانية بصفة عامة والمجتمعات البدائية وشبة البدائية " البدوية" بصفة خاصة وذلك من خلال الدراسة المركز للبناء الاجتماعي لهذه المجتمعات القبلية أو العشائرية و توضيح عوامل الترابط و التأثير المتبادل لمختلف تلك النظم الاجتماعية التي بداخل تلك المجتمعات .
هذا وتعتمد الأنثروبولوجيا الاجتماعية في دراستها تلك للبناء الاجتماعي للمجتمعات البدائية وشبة البدائية على المجموعة من الاتجاهات والطرق المختلفة كما انتظمت في العديد من المدارس المتنوعة سواء من حيث الفلسفة او المنهج وذلك ابتداء من المدرسة النشوئية المدرسة التطورية المدرسة الانتشارية المدرسة الوظيفية واخيراً المدرسة الايكولوجية .
وان كنا نتعقد ان أظهر هذه المدرسة جميعاً هي المدرسة الوظيفية التي اسسها " رادكليف براون "والتي تقوم على تصور نظري مؤداه أن النظم الاجتماعية في أي مجتمع ما هي الا نسيج تتشابك عناصره وتؤثر كل منها في الاخرى وتعمل تلك العناصر على خلق وايجاد وحدة اجتماعية تسمح لمجتمع بالبقاء واستمرار النمو.
اهتمامات الأنثروبولوجيا الاجتماعية :
يمكن أن نعود لنحدد معاً في عجلة اهتمامات الانثربولوجيا الاجتماعية لنجد أن تلك الاهتمامات تكاد تنحصر فيما يلي :
(أ)دراسة النظم الاجتماعية بغرض تحديد العلاقة والتأثر المتبادل بين تلك النظم بعضها وبعض سواء في ذلك المجتمعات التاريخية عن طريق ما خلفته من اثار وشواهد أو بالنسبة للمجتمعات المعاصرة من خلال الملاحظة المباشرة والمعايشة
الكاملة أو شبة الكاملة طبقاً لما تتطلبه الدراسة العلمية الحقلية لتلك المجتمعات محل البحث والدراسة .
(ب)من هنا يمكن القول بأن الانثربولوجيا الاجتماعية قد اهتمت بدراسة البناء الاجتماعي وخاصة للمجمعات البدائية مع تأكد مبدأ "الدراسة العميقة لمنطقة محدودة أو مشكلة معينة " .
(د) هذا مع اعتبار أن دراسات الميدانية أو الحقلية قد صارت تشكل اليوم أهم ملامح المنهج الرئيس لعلم الانثربولوجيا الاجتماعية .
(ه) توجد عدة اتجاهات معاصرة نقلت بعض اهتمامات الأنثروبولوجيا الاجتماعية لدراسة المجتمعات المدينة أو المتمدينة , وإن كان ذلك لا يمنع من القول بأن الاهتمام الرئيس للأنثروبولوجيا الاجتماعية مازال يتركز حول المجتمعات البدوية وشبه البدوية والتي قد تسمى – تجاوزا- بالمحتمات البدائية أو شبه البدائية وهي على كل حال مجتمعات صغيرة الحجم لا تخرج عن كونها عدة بدنات أو عشائر أو جماعات صغيرة تعيش حياة تكنولوجية بسيطة وان كان ذلك لا يعني بساطة النظم الاجتماعية فيها فإن بعضها قد يعيش على الصيد وجمع الثمار والرعي وفي نفس الوقت يطبق نظما قرابية أو دينية أو قانونية أو سياسية على درجة عالية من التعقيد.
دعائم وأشكال الصلات بين علام البدوي والأنثروبولوجيا الاجتماعية :
لعنا نكون بعد هذا العرض السريع لماهية الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتعرف على اهتماماتها ومناجاتها في البحث ,نقول : لعلنا نكون قد أمطنا اللثام عن كنه ذلك العلم الذي نعتقد بحق أن هناك صلات قوية وعميقة وبينه وبين علم الاجتماع البدوي ويمكن أن نتعرف على تلك الصلات من خلال النقاط التالية .
(أ)هناك تشابه كبير في مجال البحث بين كل من الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع البدوي ويتضح ذلك التشابه من خلال دراسة كل منها للمجتمعات البدوية المتعددة وان اختلفت مناهج البحث وطرقه في كل من العلمين الى حد ما .
هذا وقد يعتبر البعض أن هذه النقطة موضع اختلاف لا موضع اتفاق أو تشابه وهم يرون أن مجال الاختلاف الوحيد بين علم الاجتماع العام وبين الأنثروبولوجيا الاجتماعية إنما يقتصر على مجال الدراسة الذي يتمثل في تقسيم التقليدي بين العلمين – أي بين علم الاجتماع العام وعلم الأنثروبولوجيا الاجتماعية – حيث يهتم الاول بدراسة المجتمعات الحديثة بينما يهتم الثاني بدراسة المجتمعات البدائية .
ونحن نعتقد أن ذلك قد يكون صحيحاً نقطة الخلاف الوحيدة هذه هي نقطة الالتقاء الرئيسية ايضاً على اعتبار أن المجتمعات البدوية التي قد يطلق عليها احياناً المجتمعات البدائية أو شبة البدائية تمثل الاهتمام الرئيس كذلك لعلم الاجتماع البدوي كما أوضحنا ويتضح من خلال صفحات هذا الكتاب .
هذا و "لايفانز بريتشاد " رأي فيما يتعلق بالتمييز بين علم الاجتماع العام والأنثروبولوجيا الاجتماعية يحسن الرجوع اليه حتى تتكامل الصورة .
(ب) تسمى الأنثروبولوجيا الاجتماعية احياناً بعلم الاجتماع المقارن . وذلك راجع لأنها تهتم بالدرجة الاولى بدراسة البناء الاجتماعي والتنظيمات الاجتماعية أما اهتمامها بدراسة العادات فيأتي في الدرجة الثانية بينما يهتم علم الاجتماع البدوي كما سبق أن أوضحنا بتحديد ظاهر البداوة وتتبع مختلف مظاهرها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن التعرف على طبيعة البنيان الاجتماعي للمجتمع البدوي بوجه عام مع اكتشاف الخصائص الاجتماعية والنفسية والحضارية للجماعات البدوية بوجه خاص ولعل النقطة الاخيرة هذه تمثيل أشد نقاط الالتقاء وضوحاً بين علم الاجتماع البدوي والأنثروبولوجيا الاجتماعية .
(ج)يمكن أن يستمد علم الاجتماع البدوي – كواحد من فروع علم الاجتماع العام – صلته الافتراضية بالأنثروبولوجيا الاجتماعية من خلال صلتها –أي الأنثروبولوجيا –الثابتة علميا بعلم الاجتماع العام ومن علامات هذه الصلة تأثر المدرسة الانجليزية في الأنثروبولوجيا بنظريات و آراء " أميل دور كايم " في علم الاجتماع والتي أكدها " رادكليف براون " وخاصة فيما يتعلق بأفكار وتصورات البناء الوظيفي .
(د)قدمت الابحاث والدراسات الأنثروبولوجيا العديدة المناخ الخصب لهذا الكتاب الذي بين ايدينا الان , وقد اعتمدنا عليها اعتماداً يكاد يكون اساسياً ونحن نقدم نماذج للمجتمعات البدوية خلال الباب الاول لهذا الكتاب , وكلها بغير استثناء نماذج دراسية ممتازة أعانتنا الى حد كبير في تحديد الصلات الافتراضية الموجودة بين علم الاجتماع البدوي والأنثروبولوجيا الاجتماعية علاوة على انها كانت –مع دراسات اخرى – ممهدة لظهور علم الاجتماع البدوي ذاته كأحد العلوم الخاصة لعلم الاجتماع العام كما تصورناه ويجده الان القارئ الكريم بين يدية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق