الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

محاضرات حول المناهج المستخدمة في البحوث الاجتماعية

من المناهج الرئيسية التي تستخدم في البحث الاجتماعي أربعة مناهج حي: المسح الاجتماعي، ودراسة الحالة، والمنهج التاريخي، والمنهج التجريبي. ويستخدم المسح الاجتماعي في البحوث الوصفية، ويهتم بدراسة الظواهر الموجودة في جماعة معينة وفي مكان معين، ويتناول أشياء موجودة بالفعل وقت إجراء المسح وليست ماضية، كما تغلب عليه الصفة العملية وإن كانت بعض المسوح تنصب على الجانب النظري. ويستفاد بالمسح الاجتماعي في جمع الحقائق عن الظاهرة الاجتماعية بعد أن تكون قد أجريت بحوث كشفية عليها، كما يستفاد به في عمليات التخطيط القومي، وفي دراسة المشكلات الاجتماعية القائمة، وفي قياس اتجاهات الرأي العام نحو مختلف الموضوعات. وللمسوح الاجتماعية تصنيفات. فهناك المسوح العامة التي تعالج عدة أوجه من الحياة الاجتماعية، والمسوح الخاصة التي تهتم بنواحي خاصة محددة من الحياة الاجتماعية، والتصنيف السابق يفرق بين نوعي المسح على أساس مجال الدراسة. وهناك تصنيف آخر يفرق بين المسوح الاجتماعية من ناحية المجال البشري ويقسمها إلى قسمين: مسح شامل يتناول جميع مفردات المجتمع، ومسح بطريق العينة يكتفي فيه بدراسة عدد محدود من المفردات أو الحالات. وليس من شك في ان المسح بطريق العينة هو الذي يكثر استخدامه نظراً لأنه يوفر الوقت والجهد والمال كما أنه يأتي بنتائج دقيقة. هذا ويشيع استخدام المسح الاجتماعي في جمهورية مصر العربية لعاملين هما: أ_ ظلت البحوث التي سبق اجراؤها في الميدان الاجتماعي. ولذا فإن الطبيعة المنهجية للبحث الاجتماعي تملي على الباحثين أن يقوموا بدراسات كشفية ومسيحية ليستفيدوا بها في مراحل تالية. ابتاع الدولة لسياسة التخطيط القومي. وهذه السياسة تستلزم إجراء مسوح اجتماعية للحصول على بيانات عن إمكانيات المجتمع واحتياجاته والتعرف على المشكلات التي تصاحب التغير. ومن الملاحظ أن المسح الاجتماعي قد تعددت موضوعاته، فلم يعد قاصراً على دراسة أحوال الطبقات الفقيرة كما كان الحال في الماضي. وأصبح يشمل دراسة الخصائص الديموجرافية لمجموعة من السكان، وكذا دراسة البيئة الاجتماعية والاقتصادية لهم، ودراسة أوجه نشاطهم، وآرائهم واتجاهاتهم العامة. ويمر المسح الاجتماعي في مراحل هي رسم خطة المسح، وجمع البيانات من الميدان، وتحليل البيانات، وعرض النتائج، وكتابة التقرير. وقد عوضنا لأغلب هذه الخطوات في الباب السابق. ويلاحظ ان المسح الاجتماعي لا يكتفي بأداة واحدة في جمع البيانات، وإنما يستعين بمعظم الأدوات المستخدمة في البحوث الاجتماعية وأهمها: الملاحظة، والمقابلة، والاستبيان، وتحليل المحتوى. أما عن منهج دراسة الحالة فإنه يتجه إلى جمع البيانات العلمية المتعلقة بأية وحدة سواء اكانت فرداً او مؤسسة أو نظاماً اجتماعياً أو مجتمعاً محلياً أو مجتمعاً عاماً. وهو يقوم على أساس التعمق في دراسة مرحلة من تاريخ الوحدة أو دراسة جميع المراحل التي مرت بها، وذلك بقصد الوصول إلى تعميمات علمية متعلقة بالوحدة المدروسة وبغيرها من الوحدات المشابهة لها. ويفيد هذا المنهج في دراسة المواقف المختلفة دراسة تفصيلية في مجالها الاجتماعي ومحيطها الثقافي، كما أنه يفيد في التعرف على حقيقة الحياة الداخلية للأفراد، وفي الحصول على حقائق متعلقة بمجموعة الظروف المحيطة بموقف اجتماعي. هذا وليس هناك تعارض بين استخدام الإحصاء ودراسة الحالة في البحث الاجتماعي فكلاهما ضروري في الكشف عن الحقائق العلمية، وفي تفهم العوامل المختلفة المحيطة بالظاهرة المدروسة. فالإحصاء يمكننا من معرفة الحقائق بتلخيصها بصورة قياسية رقمية. ومنهج دراسة الحالة يساعدنا على التغلغل في أعماق الموقف، والتعرف على العوامل الديناميكية المؤثرة في الموقف الكلي. ولا تختلف خطوات البحث باتباع منهج دراسة الحالة عن الخطوات التي تتبع في أي بحث علمي. فالباحث يبدأ بتحديد المشكلة والمفاهيم وتحديد الفروض وتحديد مجالات البحث، وجمع البيانات وتصنيفها وتحليلها، ويستخلص النتائج منها بغية إصدار تعميمات على المشاهدات المدروسة. ويستعان بعدد كبير من الأدوات في دراسة الحالة. ومن بين تلك الأدوات: الملاحظة، والمقابلة، والوثائق الشخصية التي تتضمن تواريخ الحياة، والسير، والسير الخاصة، واليوميات والخطابات. ويرى بعض الباحثين أن منهج دراسة الحالة له حدود في مدى إمكانية الاعتماد عليه في البحث وذلك لعدم صدق البيانات التي يجمعها الباحث باستخدام هذا المنهج، لعدم إمكانية تعميم النتائج التي يصل إليها الباحث لاختلاف الحالات بعضها عن بعض، ولأن الباحث يتكبد في دراسته للحالات كثيراً من الوقت والجهد والمال. إلا ان هذه الاعتراضات لا نوافق عليها وقد ناقشناها بشيء من التفصيل. وبالنسبة للمنهج التاريخي فانه يستخدم في البحوث الاجتماعية بقصد الوصول إلى المبادئ والقوانين العامة عن طريق البحث في أحداث التاريخ الماضية وتحليل الحقائق المتعلقة بالمشكلات الإنسانية والقوى الاجتماعية التي شكلت الحاضر. والباحث الاجتماعي عندما يستخدم المنهج التاريخي لا يقصد من وراء ذلك تأكيد الحوادث الفردية ولا يهدف إلى تصوير الحوادث او الشخصيات التاريخية بصورة جديدة، وغنما يحاول تحديد الظروف التي أحاطت بجماعة من الجماعات أو ظاهرة من الظواهر منذ نشأتها لمعرفة طبيعتها وما تخضع له من قوانين. هذا ويمر البحث التاريخي في خطوات أربعة رئيسية هي: تحديد مشكلة البحث، وجمع الحقائق المتعلقة بالمشكلة، وتصنيف الحقائق وتحليلها والربط بينها، وعرض النتائج. ويجب أن يراعي عند اختيار المشكلة أن تكون من بين المشكلات التي تهم الباحث بالإضافة إلى أهميتها العامية. كما يجب مراعاة مران الباحث على استخدام المنهج التاريخي، وتوفر الوثائق المتعلقة بالمشكلة، وجدة الموضوع، مع مراعاة الزمن المخصص للبحث. أما عن جمع الحقائق فيجب تحليل المصادر تحليلاً خارجياً وداخلياً، والتحليل الخارجي ينصب على نقد الوثيقة ومصدرها، اما التحليل الداخلي فإنه ينقسم إلى نوعين أحدهما إيجابي والآخر سلبي. والتحليل الإيجابي يقصد به فهم المعنى الحقيقي الذي ترمي إليه ألفاظ وعبارات الوثيقة. أما التحليل السلبي فيفيد في معرفة الظروف التي وجد فيها كاتب الوثيقة حين سجل ملاحظاته، وهل قصد إلى تشويه الحقائق أم لا. وبعد ان يقوم الباحث بجمع الحقائق فإنه يتجه إلى تصنيفها وتحليلها ومحاولة الربط بينها، كما يعمد إلى تعليل النتائج وتفسيرها في ضوء الحقائق الموضوعية التي توصل إليها، وفي النهاية يقوم الباحث بصياغة النتائج بحيث تتمشى مع الخطوات المختلفة التي استخدمت في الوصول إليها وعرض النتائج بمنتهى الدقة والأمانة. أما بالنسبة للمنهج التجريبي فإنه المنهج الذي تتمثل فيه معالم الطريقة العلمية بصورة واضحة. فهو يبدأ بالملاحظة ويتلوها بالفرض، ويتبعها بتحقيق الفرض بواسطة التجريب، ثم يصل عن طريق ذلك إلى معرفة القوانين العامة التي تحكم الظواهر. وللتجارب العلمية تصنيفات منها: التجارب الصناعية والطبيعية. والتجربة الصناعية هي التي تجري في المختبر العلمي وتعتمد على تحكم الباحث في جميع المتغيرات، أما التجربة الطبيعية فهي التي يتم فيها التحكم من جانب الطبيعة لا من جانب الباحث، التجارب ذات المدى الطويل التي تستلزم فترة طويلة لإجرائها. والتجارب ذات المدى القصير التي تتطلب فترة زمنية قصيرة لإجرائها، التجارب التي تستخدم فيها مجموعة واحدة من الأفراد، والتجارب التي تستخدم فيها أكثر من مجموعة. هذا وقد وضع جون سيتوارت مل عدة طرق لتحقيق الفروض أهمها: طريقة الاتفاق، وطريقة الاختلاف، وطريقة التلازم في التغير. وتقوم طريقة الاتفاق على أساس أنه إذا وجدت حالات كثيرة متصفة بظاهرة معينة، وكان هناك عنصر واحد ثابت في جميع الحالات في الوقت الذي تتغير فيه بقية العناصر، فإننا نستنتج أن هذا العنصر الثابت هو السبب في حدوث الظاهرة. وتقوم طريقة الاختلاف على أساس ان النتيجة ترتبط بالسبب وجوداً وعدماً فإذا وجد السبب وجدت النتيجة، وإذا غاب السبب غابت النتيجة. أما طريقة التلازم في التغير فإنها تقوم على أساس أنه إذا وجدت سلسلتان من الظواهر فيها مقدمات ونتائج، وكان التغير في المقدامات في كلتا لسلسلتين يتيح تغيراً في النتائج في كلتا السلسلتين كذلك، وبنسبة معينة، فلابد أن تكون هناك علاقة سببية بين المقدمات والنتائج. وتستخدم عدة أنواع من التجارب منها، التجربة القبلية البعدية التي تستخدم فيها مجموعة واحدة من الأفراد تقاس قبل إدخال المتغير التجريبي وبعده، ثم يحسب التغير الناتج، والتجربة البعدية التي تستخدم فيها مجموعتان إحداهما تجريبية والأخرى ضابطة، ويتم القياس فيها بعد التجربة ويحسب الفرق بين المجموعتين، والتجربة القبلية البعدية التي تستخدم فيها مجموعتان إحداهما ضابطة والأخرى تجريبية، والتجربة القبلية البعدية التي تستخدم فيها مجموعتان يجري عليهما القياس بالتبادل، والتجربة القبلية البعدية التي يستخدم فيها مجموعتان إحداهما ضابطة وأخرى تجريبية، والتجربة القبلية البعدية باستخدام مجموعة تجريبية ومجموعتين ضابطتين، إلى غير ذلك من تصميمات. ولما كان من الضروري في البحوث التجريبية وجود عينات تجريبية وأخرى ضابطة، فقد بذل الباحثون جهوداً كثيرة في إيجاد طرق علمية دقيقة للمزاوجة بين أفراد المجموعتين وذلك بالتأكد من ان كل فرد في إحدى المجموعتين يتعادل تماماً مع فرد آخر في المجموعة الثانية، ومحاولة المزاوجة بين المجموعات على أساس التوزيع التكراري واستخدام المعاملات الإحصائية كالمتوسط ومقاييس التشتت ثم الاستعانة بمبدأ الاختيار العشوائي لتوزيع الأفراد بطريقة تضمن تحقيق الفرص المتكافئة لكل أفراد المجتمع. ومن الواضح أن مناهج البحث الاجتماعي متكاملة بحيث لا يستغني الباحث بأحدهما عن بقية المناهج، ونحن في حاجة لهذه المناهج جميعاً لفهم الظواهر الاجتماعية ومعرفة الظروف التي تحيط بها، والقوانين التي تخضع لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق