الاثنين، 5 أكتوبر 2015
محاضرات مفهوم البداوة وخصائصها وغاية علم الاجتماع البدوي من دراستها:
محاضرات مفهوم البداوة وخصائصها:
حول مفهوم علم الاجتماع البدوي :
يمكن ان نعرف علم الاجتماع البدوي على النحو التالي:
علم الاجتماع البدوي هو العلم الذي يهدف الى تحديد هوية ظاهرة البداوة وتتبع مختلف مظاهر وخصائصها ونظمها الاجتماعية وغير الاجتماعية . فضلاَ عن التعرف على طبيعة البنيان الاجتماعي للمجتمعات البدوية بوجه عام , والتعرف كذلك على الخصائص الاجتماعية والنفسية والحضارية للجماعات والعشائر والقبائل البدوية بوجه خاص .
خصائص علم الاجتماع البدوي :
يمكننا ايضاَ ان نوضح عناصر او خصائص هذا التعرف لعلم الاجتماع البدوي من خلال :
(أ) ان علم الاجتماع البدوي علم باعتباره احد علوم الاجتماع الخاصة التي تتوفر على دراسة ظاهرة او مجموعة ما من الظواهر المحددة سلفاً وعلم الاجتماع البدوي في تناوله لظاهرة البداوة لا يتناولها مجردة وانما على اعتبار انها واحد من كل عليها ان تتساند وتترابط مع غيرها من الظواهر الاجتماعية وغير الاجتماعية المختلفة .
(ب) تعتبر ظاهرة البداوة اذن هي محور الاهتمام الاساسي لعلم الاجتماع البدوي والامر يستلزم هنا تحديداً واضحاَ او على الاقل متفقاً علية للبداوة باعتبارها الاهتمام الرئيس لعلم الاجتماع البدوي وذلك من خلال التحديد الدقيق لمفهوم البداوة وما يتصل بها من خصائص وملامح .
ب_ مفهوم البداوة وخصائصها:
(أ)تعريف البداوة : البداوة هي انماط الحياة المجتمعية توجد أو تسود بوجه خاص في المجتمعات البدوية - القبلية او العشائرية – محلية كانت ام قومية ام عالمية وتعتبر ظاهرة البداوة بداية التكيف الاجتماعي لكل من الفرد و الجماعة والمجتمع مع الظروف البيئية الصعبة والقاهرة التي أحاطت بمختلف وحدات المجتمع البدوي وارتكز ذلك التكيف سواء بالنسبة للإنسان أم الجماعة أم المجتمع على مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والاعراف والنظم الصعبة والقاهرة وبصفة خاصة ظروف عدم الاستقرار والعزلة شبة التامة المفروضة عليه .
(ب) بعض خصائص البداوة وملامحها :
البداوة كانت تمثل منذ القدم حضارة ما قبل التاريخ او طفولته وهي كانت تختلف – في الماضي العتيق – في معظم صوره عما هي عليه اليوم الا ان جمهرة المؤرخين قد أجمعت على أن الانسانية المبكرة قد نشأت بين احضان البداوة القديمة, حيث كانت بداوة إنسان ما قبل التاريخ ترتكز على عدم الاستقرار والتنقل سعياً وراء الماء والشعب والصيد العشوائي ومن هنا من استمرار تميز حياة البداوة بالترحال وبالتنقل طلباً للماء و العشب وصيد الحيوان البري , علاوة على عدم الاستقرار تؤكد تلك الجمهرة على انه كان هناك ما يشبه اجماعا من العلماء وخاصة الانثربولوجيين منهم على ان الانسان بدأ حياته بدوياً وظل على بداوته وتجواله حتى استقر على شواطئ الانهار بعد اكتشافه للزراعة وكان ذلك قبل الاف السنيين واتسمت بداوة ما قبل التاريخ بأنماط مختلفة مازالت بعض صورها أو حلقاتها متصلة حتى اليوم فقد عرفت البداوة الصيد وجمع الثمار والرعي والزراعة البعلية وما زالت معظم انماط هذه النشاطات على أصالتها حتى اليوم وعلى الاخص الرعي والصيد الذي يشكل كل منها جانباً اساسياً وهاما من ملامح البداوة في عصرنا على الرغم من ولوج العالم للألفية الثالثة وفقاً للتقويم الميلادي مع ما يتطلبه ذلك النشاط من حركة وتنقل تحدده طبيعة الحيوان السائد أو الراعي لدى الجماعات والعشائر البدوية فرعاة الإبل والخيل والرنة هم أكثر البدويين تجوالاً او ظعنا في الصحراء على العكس من رعاة الاغنام والماعز والبقر الذين يميلون الى الاستقرار حول منابع المياه ومصادر العشب وخصوصاً عند اطراف الصحارى حتى لا تنفق حيواناتهم
(ج) المجتمع القبائلي هو مجال دراسة علم الاجتماع البدوي :
يعتبر المجتمع البدوي – القبلي أو العشائر- هو مجال الرئيس الذي يمارس فيه علم الاجتماع البدوي نشاطاته المختلفة لذلك يحسن أن نتفق على تعريف محدد لماهية المجتمع البدوي ولسوف نذكر هنا التعرف الذي توصلنا اليه في عجالة لان ماهية المجتمع البدوي كانت الاهتمام الرئيس لفصل اخر من هذا الكتاب .
وعلى كلاً فنحن نرى أن المجتمع البدوي أو العشائر هو ذلك المجتمع الذي يضم العشائر والقبائل وغيرها من الوحدات الاجتماعية القبائلية الرحل و اشباه الرحل أو يضم أي المجتمع البدوي تلك المجتمعات البدائية المحلية التي تحيا في عصرنا الحاضر حياة تقليدية غير مستقرة تتميز بالبساطة وعدم التعقيد فضلاً عن تشابك العلاقات والنظم الاجتماعية والادوار وتعدد وظائفها وتمثل تلك المجتمعات البدائية حالة حضارية اقل تقدماً لو قورنت بحالات حضارية أخرى متقدمة سواء كانت سالفة أم معاصرة هذا فضلاً عن أن البداوة بصوره المتعددة ومحتواها المادي والبشري تعتبر هي حجر الزاوية بالنسبة للمجتمعات القبائلية أو العشائرية البدوية .
توضيح عدد من المفردات والمصطلحات المتضمنة في التعريف :
ولو أردنا توضيحا لبعض المصطلحات أو المفردات التي يتكون منها التعريف السابق لعلم الاجتماع البدوي , او تلك التي تحدد ملامحه لتبين لنا ان :
اولاً المجتمع :
لعل اصطلاح مجتمع Society من اكثر المصطلحات اثارة للجدل بين علماء الاجتماع ولكنا سنعرض هنا لتلك التعريفات على سبيل التوضيح والاسترشاد فقط:
أ_ تعريف "موريس جينز بورج M.Ginsberg" , حيث يرى ان كلمة مجتمع تعني مجموعة من الافراد (تربطهم او تجمعهم صلات معينة او طرق من سلوك تميزهم عن افراد اخرين لا تشملهم او تربطهم هذه الصلات او يختلفون عنهم في السلوك .
ب_ يرى " روبرت ماكيفر وشارلزبيجPage and Maclver " ان المجتمع – أي مجتمع – ما هو الا نسق من العادات والاجراءات والسلطة والمعونة المتبادلة , كما يتكون ايضاً - ذلك المجتمع – من تجمعات واقسام عديدة من ضوابط السلوك الانساني والحريات , والمجتمع لذلك نسق معقد دائم التغير ومن هنا كان المجتمع في رأيهما هو " نسيج من العلاقات الاجتماعية الي يتطور ويتغير باستمرار "
ثانياً المجتمع المحلي :
من رأى " روبرت مايكفر وتشارلزبيج Page and Maclver "ان المجتمع المحلي sommunity : هو مجموعة من الناس يحتلون بقعة معينة من الارض يربطهم معاً نظام عام من القواعد التي تنظم حياتهم وتحدد الصلات بينهم , على ان لا يمنع هذا من ان يكون المجتمع المحلي جزء من مجتمع محلي اكبر ,وتصبح المجتمعات المحلية بهذا المفهوم مجتمعات صغيرة تعيش داخل مجتمعات محلية اكبر .
ثالثاً خصائص المجتمع :
يعتبر " هاري جونسن Johanson.H" ان المجتمع بصفة عامة ما هو الا جماعة تتميز بأربع مواصفات او خصائص رئيسية هي :
أ_ ان يكون للمجتمعات اقليمها المحدد الذي تقيم وتتحرك فيه , واعتبر المجتمعات البدوية او البدائية مجتمع وأن كان يتحرك داخل اقليم مترامي الاطراف , فضلاً عن ان ملامحه غير محدده بدقة , وبصرف النظر عن كبر او صغر حجم الارض التي يشغلها ذلك المجتمع في وقت ما عن الوقت الاخر , "وبرر هاري جونسن " ايضاً موقف اعضاء هذه المجتمعات البدوية حيث ينظرون الى كل مكان يذهبون اليه باعتبار انه بلادهم , كما أوضح "جونسون" كذلك أنه يوجد داخل كل مجتمع بدوي او قبلي جماعات اقليمية كالعشائر او الوحدات الادارية والسياسية الاخرى مثل المحافظات والمدن والقرى ..الخ
ب_ أن تتكاثر هذه المجتمعات عن طريق الجنس او التولد بمعنى ان يحصل المجتمع على اعضائه عن طريق التكاثر الجنسي داخل الجماعة وان كان ذلك لا يمنع أن يحصل المجتمع على اعضائه جدد بطريقة أخرى كالهجرة او التبني او الغزو او الاسترقاق .
ج_ أن يكون لتلك المجتمعات ثقافة جامعة بمعنى ان يكون للمجتمع اكتفاؤه الثقافي الذاتي حتى لا يكون عالة – ثقافياً – على غيره من المجتمعات وليس المقصود بأن تكون للمجتمع ثقافة جامعة أن تنعدم الثقافات الفرعية المتصلة بالجماعات الاقليمية المندرجة تحت الجماعات الرئيسية التي تشكل البنية الاساسية للمجتمع .
د_ أن يكون للمجتمعات استقلالها الخاص بها بمعنى ألا يكون المجتمع جماعة فرعية من اخر سواء بالاحتلال او غيره لان ذلك لو وجد تكون الجماعة التي احتلتها و بالتالي لم يعد هناك مجتمع مستقل بذاته .
ما الغايات التي يسعى اليها علم الاجتماع البدوي :
لاشك أن علم الاجتماع البدوي شأنه في ذلك شأن بقية العلوم اجتماعية كانت أم طبيعية – يسعى الى الكشف عن القوانين التي تحكم الحياة الاجتماعية داخل المجتمعات البدوية و الامر الذي لا جدال فيه أيضاً ان وسيلة علم الاجتماع البدوي في ذلك تتمثل في : منهج علمي مرتكز على مجموعة من الطرق والاساليب والادوات التي تتناسب وطبيعة المجتمعات البدوية او العشائرية محل البحث او الدراسة .
والاعتقاد عندي أن أهم غايات علم الاجتماع البدوي هي :
1_القيام بدراسات وصفية للمجتمعات البدوية المعاصرة يتم من خلالها تقديم وصف دقيق للبناء الاجتماعي للمجتمعات البدوية عالمياً وقومياً ومن ثم للمجتمعات العشائرية والبدوية واقليمياً او محلياً بصفة خاصة .
2_ تحديد النماذج والوحدات الاساسية الداخلية او المكونة للبناء الاجتماعي للمجتمعات البدوية وتقديم وصف دقيق لبنية كل منها مع تحديد صور واشكال التفاعل الاجتماعي داخل تلك الوحدات وصولاً للقوانين التي تسير تلك التفاعلات وتوجهها .
3_ اجراء العديد من الدراسات المقارنة سواء على مستوى النظم والأنساق البدوية المحلية او بينها وبين ومجتمعات بدوية اخرى يمكن وصفها بأنها قومية او عامة بهدف التعرف على تلك الانماط والسمات الاساسية التي تشكل الملامح العامة لتلك المجتمعات البدوية سواء على المستوى المحلي ام على المستوى القومي وكذلك على المستوى الاممي او العالمي .
4_ دراسة مختلف التحولات والتغيرات الهيكلية او الوظيفية التي تحلق بهذه المجتمعات من خلال تحديد مختلف الخصائص التي تتصل بتلك التغيرات التي تحدث في ابنية المجتمعات العشائرية مع تحديد أسبابها واشكالها و اثارها قدر الامكان .
5_تقديم بعض الانماط والنماذج العامة المستخلصة من الدراسات التي اجريت حول عدد من المجتمعات التي تتسم بالبداوة على نطاق العالم كله وذلك يهدف التعرف على مختلف خصائص ظاهر البداوة عالمياً لأن تقديم هذه النماذج لن يساعد فقط في ايجاد لغة مشتركة للدراسة والبحث في مجال المجتمعات البدوية ولكنه سوف يمكن ايضاً من نقل بعض التجارب الحضارية التي ساعدت على تحديث عدد من تلك المجتمعات العشائرية للاستفادة بها على المستوى المحلى و القومي .
أذن فإن المهمة الاساسية لعلم الاجتماع البدوي تكمن في كشفه عن مختلف القوانين التي تحكم ظاهر البداوة محلياً وقومياً وعالمياً من خلال منهج علمي قادر على :
(أ) وصف الاوضاع الراهنة للمجتمعات البدوية والعشائرية او القبلية على مختلف المستويات المحلية والاقليمية والقومية العالمية .
ب) دراسة مختلف التغيرات التي تحلق بينية تلك المجتمعات القبائلية وخاصة ما تعلق منها بالأسباب والنتائج الصالحة للتطبيق او الاقتباس .
(ج) محاولة تقديم نماذج وأنماط تتسم بالعالمية لظاهرة البداوة وتحديد سبل الاستفادة منها .
(د) تقنين التحولات التي التحقت ببنيان المجتمعات البدوية ومحاولة الاستفادة منها في تعديل مسار تلك المجتمعات نحو التحضير او التحديث او النمو في نطاق برنامج تنموي متكامل .
(و) استثمار ذلك التراث العلمي في نطاق مسئولية علم الاجتماع البدوي عن تحديث وتنمية المجتمعات البدوية وعلى الصورة التي سنتعرض لها فيما بعد مع الاستفادة قدر الامكان من افرازات الثورة المعلوماتية والتكنولوجية المعاصرة .
بعض رواد علم الإجتماع البدوي وأطروحاتهم دكتور جزاك الله خيرا
ردحذف