الثلاثاء، 26 يناير 2016
السفاح السياسي في العلاقة بين ايران والغرب
*تشهد العلاقات العربية الفارسية تغيرات مضطربة بين المد ، والجرز ، و التقارب ، و التباعد و محور هذه العلاقات يستند إلى أن ايران من جهة تبحث عن الوسائل وان كانت غير شرعية التي تمكنها من الهيمنة على منطقة الخليج العربي ، و الجزيرة العربية ، و من جهة أخرى يريد العرب الحفاظ على الهوية ، و الحفاظ على المكتسبات التاريخية ، و الهيمنة الشرعية على الموقع الجيو سياسي الذي له تأثير حاسم على العلاقات بين الأمم المختلفة.
*وفي تغيرات العلاقات الفارسية العربية ثمت عوامل خارجية تؤثر في صنع الأحداث ، و توجيهها نحو ما يؤثر على طرف لصالح طرف آخر تارة ، و في مرة أخرى العكس وذلك بغرض الابتزاز السياسي الغربي الموجهة نحو الفاعلين في صنع القرار السياسي في منطقة الخليج ، والجزيرة العربية ، و من ثم في الشرق الأوسط ، وعلى الخارطة الاقتصادية العالمية سلباً ، وإيجاباً.
*لنتذكر أن فارس منذ تدخلاتها السياسية ، وهيمنتها على دولة العراق ، وبعض مناطق الخليج قبل الإسلام ، ومنذ دعوة سيف بن ذي يزن المشؤومة للدولة الفارسية لتتدخل في تحرير اليمن من الغزو الحبشي ؛ افتتحت شهيتها للسيطرة المطلقة على منطقة الجزيرة ، وحصر شبهة جزيرة العرب بين كماشتي فارس من جهة العراق ، و اليمن ، حتى جاء الإسلام فتحررت المنطقة من الاستعمار الفارسي بل هُزمت فيما بعد دولة كسرى ليدخل المظلومين فيها ، و المقهورين الإسلام سبيلاً للنجاة من استبداد دولة كسرى ، وأقول: المظلومين ، و المقهورين لاعتقادي صدق اسلامهم ، أما الطبقة السياسية ، و العسكرية فإنها قد اضمرت الكفر ، و الانتقام ، و صب حقدها عبر تآمراتها المستمرة على الإسلام رغم إعلان هذه الطبقة إسلامها.
*وهذا ما يؤثر في العلاقات السياسية ، والاقتصادية ، و الاجتماعية ، والدينية بين ايران ، ومنطقتنا العربية سلباً لأن هذه الدولة لم تقتنع مطلقاً في أن تكون جزءاً من النسيج الديني ، السياسي ، الثقافي ، الاقتصادي ، الاجتماعي للأمة ، رغم علاقات التصاهر ، و التبادل الحياتي في المجالات شتى.
*وهذا ما تؤكده الأحداث التاريخية في التآمر على دولة الأمة سواء كان في العصر الأموي ، أو العباسي ، و العثماني . واعتقد ان من يقرأ تاريخنا متعمقاً في الاحداث السياسية يكتشف هذا الأمر.
*فإن الدولة الصفوية تشتغل بالتقية السياسية فضلاً عن التقية الدينية لتخفي ما تضمره نحو الأمة العربية ، و الإسلامية من الأحقاد ذات الجذور التاريخية التي تدفعها نحو استعادة بسط نفوذها على بلادنا العربية ، و لم يواجه العرب فارس في حقيقة الامر مواجهة حاسمة إلا مرات معدودة وكانت حاسمة ، ومؤثرة جعلت هذه الدولة تحمل الحقد التاريخي ، فمعركة ذي قار ، و القادسية ، والحرب مع العراق ، وغيرها من الاحداث التي كشفت عن قدرة العرب في حال توحدهم على هزيمة فارس . ليست إلا دلائل قاطعة على ما تلعبه إيران من دور سياسي غير منسجم مع ما تدعيه من أحقية الانتماء إلى الأمة الإسلامية ، و عبر أياديها الممتدة في منطقتنا وفي مختلف الأزمنة التاريخية أدت دوراً ممقوتاً في هزيمة الأمة ، وما أحدثته الشيعة عبر تحالفاتهم مع اليهود أيام ابن العلقمي عبر تمكين التتار من هزيمة دولة الخلافة الإسلامية ، وقبل ذلك تآمرات البرامكة الذي جاء هارون الرشيد ليضع لها حداً ، و يقضي على طموحاتها غير الشرعية ، ثم تحالفات الدولة الصفوية مع البرتغال ضد الدولة العثمانية من أجل هزيمتها والسيطرة من ثم على منطقة الخليج ، و العودة إلى تحقيق الأحلام القديمة المتمثلة في فرسنة المنطقة سياسياً ، وثقافياً ، وتجيير كل مقدراتها لصالح الدولة الإيرانية الحديثة ، وهذا ما لم تتمكن منه ، لتعيد الكره عبر تحالفات سرية مع اليهود ؛ وأؤكد على قول سرية لأن المعلن هو الصراع ، وشدة الخصومة بين ايران ،وإسرائيل ، وامريكا ، والغرب عموماً ، وهذه التحالفات الهدف منها ابتزاز العرب سياسياً ،واقتصادياً من قبل الولايات المتحدة ، ودول أوروبا كما كان حادثاً أيام الشاة إذ جعل الغرب من إيران بُعبعاً ، أو وحشاً مخيفاً كما يُصور لدول المنطقة.
*لنتجاوز كثير من التفاصيل إلى ما نشهده الآن من ثورة عربية حقيقية بقيادة المملكة العربية السعودية ، وعبر ملكها الحر الذي لا يقبل الارتهان ، ولا الابتزاز لأياً كان ، ومن قبل أي طرف. ومضمون هذه الثورة ، وجوهرها هو إعادة الاعتبار للأمة واستعادة قرارها ، والحفاظ على مقدراتها ، وبسط سيادة الأمة على أراضيها ، التي كانت شكلية حتى قيام التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ، وعبر رؤية ملكها الفذ التي ستعيد جوهر حقوق العرب إلى قيادتها عن جدارة.
*نتذكر بعد بداية عاصفة الحزم في اليمن الغزل الأمريكي الأوروبي مع ايران بغرض إعادة التحالفات القديمة على حساب مصالح وسيادتنا العربية ، ونتذكر التصريحات في شهر 6/2015 المعبرة عن الخطط السياسية العسكرية الأمريكية بسحب الإمكانيات العسكرية المتمثلة بالأسطول الأمريكي وما يحتويه من قدرات ،و ذلك من أجل إفساح المجال للهيمنة الإيرانية على طريق بداية التطبيع العلاقات الغربية الإيرانية ، وكأن إيران ستمثل اليد الطولى للغرب في رعاية المصالح الجيوسياسية ، والاقتصادية الثقافية وذلك من باب رد الجميل إذ مكنت أمريكا ايران من العراق وتغاضت عن ما يحدث في سوريا لنفس الهدف وأعطتها مساحة سياسية واسعة في التأثير على القرار السياسي في أفغانستان وتدريجياً تحاول تمكينها من منطقة آسيا الوسطى تحجيماً للدور التركي الذي هو في الأساس عضو فاعل في حلف الناتو ، ومع هذا فأوروبا ، وأمريكا بالتعاون مع إسرائيل تمارس السفاح السياسي في علاقتها مع إيران المكشوفة حتى تستطيع تقليص النفوذ التركي الإسلامي من جهة ، والدور العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة أخرى. ذلك لأن الغرب يعتقد أن في مرونة الشيعة من الناحية الاجتماعية ، والثقافية ، تماهي هذه المرونة مع الأهداف الصهيو غربية يجعل من إيران وحلفاءها في العراق ، وسوريا ، ولبنان ، و اليمن حليفاً حقيقياً في الحرب ضد الإرهاب المصطنع المتمثل بداعش التي أظن أنها صناعة مئة بالمئة صناعة صهيو أمريكية إيرانية الهدف منها إيجاد المبرر تحت الغطاء السني لاستنزاف المنطقة وتدمير مقدراتها ، والهيمنة على قرارها السياسي عبر التجزئة ، والتمزيق ، بعد إضعافها بسبب المشاكل المختلفة سواء كان في المجال السياسي ، او الاقتصادي التي يقف وراء صناعتها من لا يريدون للأمة العربية أن تنتقل من حالة الصراع إلى حالة الاستقرار ومن ثم الاسهام الفاعل ، والايجابي في صناعة القرار السياسي الأممي على قاعدة توازن المصالح ، والحفاظ على الثوابت وعدم الخضوع ، أو الارتهان لأطراف خارج الأمة ،وانما التعاون ، و الاحترام المتبادل هو ما يجب أن يسود.
*وفي هذا الصدد نؤكد أن قراءتنا للأحداث تستند إلى معرفة عميقة بما يُحاك للأمة من قبل التحالف الصهيو غربي الإيراني الهادئ والذي سيسفر عن وجهه القبيح قريباً. فما لاحظناه من اندفاع للسياسية الأمريكية نحو تطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية ، والعمل بكل السبل بإزاحة كل العوائق السياسية ، و الاقتصادية على طريق ازدهار هذه العلاقات على حساب المصالح العربية الغربية. وفي المقابل كان إلغاء شركات الاتصالات الإيرانية لنغمة الصرخة ضد أمريكيا ليس إلا دليلاً آخر على رضا المرشد المعلن عن الصديق الأمريكي بعد أن كان هذا الرضا مخفياً بغرض التأثير العاطفي على عوامل الأمة العربية ، والإسلامية ولكي تظل إيران في نفوس هؤلاء الحامل السياسي الحقيقي لقضايا الأمة وهذا مجرد وهم تحمله الجماهير من دون وعي.
*ترى أمريكا ، و أوروبا أن الحليف الشيعي هو من يستطيع حرب ما يسمى بالإرهاب التي تؤكد السياسة الصهيو غربية إن مصدر هذا الإرهاب يأتي من المسلمين السنة ، و أظن أن هذا ما تريده السياستان الصهيو غربية من جهة ، و الإيرانية من جهة أخرى بشق عصا الأمة ، و إضعافها ، و النيل من هيبتها عبر تكريس الخلافات الطائفية ، و المذهبية ليوصف طرف من الأمة أنه مصدر الخطر ، لذا يجب قمعه ، و النيل من إمكانياته وتدميرها (الجانب السني). إذ يشاع أن الطرف الآخر هو حمامة السلام لذا كما تعتقد السياسة الغربية يجب تمكينه من السيطرة على القرار السياسي للأمة الإسلامية ، و إفساح المجال له من ممارسات القمع ، و القتل العبثي للطرف السني كما هو حادث في العراق ، و سوريا ، و لبنان ، و اليمن. وتدرك السياسات الغربية أن الأموال المتدفقة إلى إيران التي كانت مجمدة لن توظف في إحداث عملية تنمية حقيقية في المجال الاقتصادي ، و الثقافي ولن تكون عامل مساعد لإشاعة الحريات ، و الممارسات الديمقراطية بل أن معظم هذه الأموال ستوجه لدعم العصابات المسلحة في اليمن ، و لبنان ، و سوريا ، و غيرها من الخلايا النائمة في دول أخرى سواء كان في الخليج ، او في مصر ، و السودان ، و دول المغرب. و يبدو أن هذا غير مزعج لأمريكا ، و الغرب طالما أن الإرهاب السني كما تعتقد هذه الدول لن يصلها وفي هذا المنوال لا بأس أن تقوم مليشيات الحشد الشعبي ، و الحوثي ، وحزب الله بعمليات التصفية المذهبية ، و الذبح بدم بارد من يخالفها ، و تدمير مقدرات الطرف الذي يُشاع انه إرهابي ، و كما تزعم ذلك السياسة الغربية لتكن الوصي الوحيد على القرار السياسي في الوطن العربي يشاركها في الهيمنة دولة فارس التي سيكتشف الغرب أنها الثعبان القادم الذي سينفث سمه في جسد العالم. ليستعيد الهيمنة القديمة على الشرق ، وإن أمكن التوسع إلى أبعد مدى.
*فلطرف المذهبي الذي ترعاه فارس الحق في أن يقتل الرجال ، و الأطفال ، ويدمر المقدرات ، و ينتهك الأعراض ما دام أن هناك رضا غربي عن هذا الأمر. ولكي يُحد من هذه المسألة فلابد للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ، و بتنسيق أكيد مع الطرف القطري ، و البحريني ، و الكويتي العمل على الإنجاز السريع في تحقيق أهداف التحالف ، من دون الاعتماد الأكيد على القيادة المصرية التي تتخبط في كل اتجاه وتحاول اللعب في كل المسارات السياسية وهذا ما قد يؤثر على نجاح التحالف في التعبير عن مصالحنا ، و حتى يكون التحالف أكثر أداءً ، و عمقاً في صناعة القرار السياسي العالمي لابد أن يُفعل التحالف الإسلامي ، و إتاحة المجال للدول ذات الفاعلية السياسية ، و الاقتصادية كتركيا إلى جانب الدول العربية التي أسلفنا ذكرها ، إضافة إلى الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا. وذلك من أجل الحفاظ على الهوية ، ومنع قيام علاقات غير شرعية لإيران مع أطراف غير رسمية في سبيل إضعاف القرار السياسي للوطن العربي ، و الأمة الإسلامية ، و إجبار إيران على إقامة علاقات صحية ، و صريحة تنبع من المصالح المشتركة مع منطقتنا عبر الطرق المتعارف عليها دولياً وتحت مظلة القوانين ، و البروتكولات الدولية وعلى قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بهذه الوسيلة يمكن منع علاقات السفاح السياسي الصهيو غربي مع إيران ، و دفع الطرفين لجعل علاقتهم تعمل في النور.
د. أحمد محمد قاسم عتيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق