ونحن نقرأ في
تاريخ الأوطان تلمع في جباه أهلها خارطة المكان. وتنبئ عن اعتداد بالمكان، والنفس،
والتاريخ. إلا نحن بسبب الطُغيان المُتعاقِب علينا، والحروب التي أكثرها مُصطنعة،
والفقر، والأمراض، والجهل، وحالة التمزُق السياسي، الاجتماعي، والانحدار الأخلاقي
للسلطات المتعاقبة ، والمتصارعة على الكرسي؛ كل ذلك جعل همنا في اليمن ينحصر في تأمين
لقمة العيش لأفراد الأسرة مُقدمٌ على كل شيء، ونتيجةً لهذا صار اليمنيون لا
يكترثون في الغالب بمسائل الانتماء الجُغرافي، إلا في حالة الاكتفاء الاقتصادي.
ولذلك كل من له اتصال ببلدنا من داخلها، أو خارجها، يستطيع إقرار سياسة التحكم
بمصير اليمن وشعبها، وما خوض الحروب لصالح أدعياء النسب لأكثر من 1250 عاماً،
والحرب القائمة الآن إلا أكبر دليل على ضياع بوصلة الاستقرار، والسلام. وفي ظل هذا
الوضع نكون في أحسن الأحوال أدوات للنزيف الداخلي، موارداً ومُقدرات ، وفي أسوئها
نكون الضحية، وأداة قتلها للخارج.
شعورٌ بالألم
فضيع، وغُصةٌ بسبب ما أنشأناه لأنفسنا من ذُل ومهانة بين الأمم، وخُسران لمعالم
المستقبل الجميل، بعد أن كُنا منبع العزة، والكرامة، فضلاً عن أن المثل كان يُضرب
بمروءة، وابداع أهل
السعيدة الحضاري، الثقافي.
وحينما انطلق أقيال
اليمن الأحرار لترتيب أوضاعهم ، و استراتيجيتهم؛ من أجل تخليص اليمن من براثم
الجهل ، والمرض ، والتخلف، والاستبداد؛ بثورة تستطيع تلبية طموحات شعب هذه البلدة
الطيبة ، وإتاحة الفرصة له ليعبر عن قدراته ، وجدارته من أجل التواجد إلى جانب شعوب
العالم المتحرر التي استطاعت الخلاص من الاستعمار بأنواعه المختلفة ،
والديكتاتورية ، و الاستبداد التي تعد قيود العصر لتكبيل الشعوب ، وحجب نظرتها نحو
المستقبل؛ فكانت لأحرار اليمن شمالاً ، وجنوباً الكلمة الفصل التي أزاحت الظلم ،
وكسرت قيده ، وحطمت جدران الإمامة المحاصرة لأفق اليمنيين.
لذلك كانت ثورة
26 سبتمبر 1962م هي التعبير الأجلى ، والبيان الأنصع الذي مكننا من الوصول إلى وضع
أهداف ثورتنا ، والتي مضامينها تتلخص في الوحدة ، والقوة ، والاستنارة ، والسيادة
، والاستقلال؛ ما أدى إلى إتاحة الفرص الكثيرة في مجالات عديدة ، مثل: التعليم ،
والصحة ، وما يتصل بهما ، ويعزز إرادة اليمنيين من التطور ، والقدرة على الابتكار
، والمساهمة في التحضر على المستوى المحلي ، والاسهام الحضاري على المستوى
الإنساني.
إنما المؤسف هو
أن المؤسسات الناجمة عن ثورة 26 سبتمبر ، وسلطاتها المختلفة اُخترقت منذ وقت مبكر
بأيادي خارجية دعمت هذا الاختراق ، وساعدته على النمو بصورة مباشرة عبر تجذير هذا
الاختراق في مؤسسات الجيش ، والأمن ، ومؤسسات المال ، والسياسة الحساسة. وكان أكبر
دعم للانقلاب على الثورة هو تولية السلطة في اليمن لشخص تمحورت اهتماماته حول
مطامعه ، وأسرته ؛ ما جعله يستعين بأساليب الشيطان من أجل البقاء. وحينما شعر أن
الشعب قد كشف ألاعيبه ، ومل من مراوحته ما بين الفساد ، والظلم ، والاستبداد ،
ونكرانه للسلام ، والسيادة ، والاستقلال عد ذلك خسران لسلطته التي كان يظن من
خلالها أن اليمن ليست إلا شركة مساهمة لأسرته ، وقبيلته. الأمر الذي دفع علي
عبدالله صالح إلى تمكين ادعياء النسب إلى الرسول صل الله عليه وسلم من المال ،
والقوة ، وسلم رقبة الشعب لهم.
وها هي بلدنا
تذبح ، وتنزف كل يوم ، ويراد لها أن تعود إلى الزمن المظلم في القرون الوسطى فلا
فرص للتعليم ، ولا للعيش الكريم ، والجميع يشعر في ظل هذا الوضع أن الإنسانية في
بلدنا تنتهك ، و الحرية تقمع ، والإرادة تصادر ، والحياة مقفلة على الإرادة
القادمة من ظلام الكهف.
لذلك لابد من
التأكيد أن استعادة ثورة 26 سبتمبر بأهدافها ، ومبادئها هي مسؤولية الجميع ، وأنه لا
يجوز ترك الشعب يواجه مصيره المظلم ، و البلد تصير إلى التمزق. وهذه المسؤولية لا
يمكن تأكيدها ، وتحققها إلا بتجديد الإيمان المطلق بهويتنا اليمنية الجامعة ، وبمصيرنا
الواحد المشترك ما يمكننا من الدفاع عن بلدنا ، وثورتنا والثقة تملئ نفوسنا ، و
الطموح بالعيش الكريم على قاعدة العدالة الاجتماعية ، والمساواة ، وفي ظل سيادة
القانون ، والتنافس الشريف في بناء بلدنا هو ما يملئ أفقنا.
وكي نستعيد
بوصلة الثورة ، والأمل بالمستقبل لابد أن نعي أن المعاناة ستكون حاضرة ، وأن الألم
سيكون ماثلاً في طريقنا ، ولكن النجاح و الانتصار سيكون هو النتيجة التي تعزز
عملنا ، وتدفعنا في المضي نحو أملنا بوحدة وطننا العظيم ، وسيادته ، و استعادة
قرارانا في المجالات شتى.
أكاديمي وسياسي
يمني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق