الأربعاء، 18 نوفمبر 2015
الدراسات الاجتماعية الريفية في أوربا :
ظهر "علم الاجتماع الريفي " بالمعنى الأمريكي في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية ، ويبدو ذلك مدهشاً لأول وهلة .
وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن قطاعاً هاماً من السكان الأوربيين ما يزالون ريفيين من حيث الإقامة ، بالإضافة إلى أن أصول علم الاجتماع العام أصول أوربية وليست أمريكية .
يوضح الأستاذ "هوفستى Hofstee" رئيس الجمعية الأوربية لعلم الاجتماع الريفي أسباب ذلك في محاضره ألقاها في أحد اجتماعات جمعية الاجتماع الريفي الأمريكي وهي منشورة بالمجلد الثاني والعشرين في مجلة علم الاجتماع الريفي الأمريكية فهو يذهب إلى أن غير المتخصصين كانوا لا يعولون ، على الإطلاق ، على علم الاجتماع بوصفه علماً تطبيقياً ، وهي خاصية هامة من خصائص علم الاجتماع الأمريكي ، وكانت نظرتهم هذه صحيحة إلى حد كبير ، فقد كان علم الاجتماع الذي يدرس في أوربا قبل الحرب مصطبغاً بالصبغة النظرية وربما الفلسفية ، ولذلك لم يكن هناك مكان لعلم الاجتماع الريفي يوجه اهتمامه الرئيسي نحو التطبيق والممارسة ، وقد كان من الصعوبة بمكان أن يضع علماء الاجتماع الذين يفرقون في التعميمات ويسعون إلى أعلى مستوى منها أن يضعوا في اعتبارهم الفروق بين المجتمع الريفي وغير الريفي ، (وهذا مع وضعنا في الاعتبار الجهود التي بذلها الرواد الأوربيون في إقامة ثنائيات تميز بين أنماط من المجتمعات نذكر منهم دور كايم الفرنسي ، وفيبر وتونيز الألمانيين وإذا كانت هذه الجهود الرائدة قد توقفت فيما بعد ) ، بالإضافة إلى أننا يمكن أن نسوق أمثلة لدراسات علمية بحتة ومجردة للحياة الريفية من فترة ما قبل الحرب ومن أبرزها دراسة "وبولدفون فيز" L. Von wiese)) بعنوان القرية " (Das Dorf )عام (1928) ولكن يمكن القول بأن علم الاجتماع الريفي المعروف في أمريكا لم يكن يلائم التصور الأوربي العام لعلم الاجتماع قبل عام (1940) .
وقد يرى البعض بأن ذلك الأمر لا يصدق على أمريكا نفسها كما هو صادق بالنسبة لأوربا حيث أن علم الاجتماع الريفي الأمريكي لم يكن ابنا مرغوباً فيه بالنسبة لعلم الاجتماع هناك فقد نبع الأول هناك من معاهد متخصصة في التعليم التطبيقي العالي ولم ينبع في الجامعات العامة وقد مر وقت طويل حتى تم الاعتراف بشرعية بنوة علم الاجتماع الريفي لعلم الاجتماع العام ، وظلت بقايا تلك الشكوك حتى مرحلة متأخرة وتجلت في شكل ضروب من التوتر بين المتخصصين في الاجتماع الريفي وعلماء الاجتماع ، كما أن هناك بعض من علماء الاجتماع ما يزالون غير مقتنعين بأن علم الاجتماع الريفي نوع محترم من علم الاجتماع العام .
ومن أسباب تأخر ظهور عام الاجتماع الريفي بالمفهوم الأمريكي في أوربا حتى هذه المرحلة المتأخرة انقطاع الصلات بين دارسي الاجتماع الأوربيين والأمريكيين قبل الحرب حيث ظل علماء الاجتماع في أوربا على غير علم بما يجري عليه هذا العلم في أمريكا ، ومن الخطأ الزعم بأن علم الاجتماع الأمريكي لم يكن معروفاً تماماً في أوربا ، ولكن من الخطأ أيضاً الادعاء بأن علم الاجتماع الأمريكي قد مارس أي تأثير على التفكير السوسيولوجي الأوربي ، فقد كان "بيترم سوروكن" هو الذي يحظى بشهرة واسعة في أوربا حتى عام (1935) مهما كانت مزايا "سوروكن" أو مساوئه فإنه لا يمكن أن يعد ممثلاً لعلم الاجتماع الأمريكي .
ولم يكن علماء الاجتماع الأوربيين ـ باستثناءات قليلة ـ واعين بأن الأمريكيين ، بجمعهم الحاذق للبيانات ، واستخدام وسائل العمل الميداني ومعالجتهم الماهرة لهذه البيانات بواسطة الأساليب الإحصائية ، لم يكونوا واعين بأن هؤلاء يقدمون نموذجاً جديداً للبحث سوف يغير وجه علم الاجتماع تغييراً تاماً .
"وقد مكنت هذه الأساليب المنهجية علم الاجتماع الريفي الأمريكي من أن يحظى بالاعتراف بأهميته لأنها مكنته من أن يقدم للناس نتائج واقعية ذات قيمة " .
وهناك مؤلف أمريكي حظي بشهرة واسعة في أوربا في الثلاثينات إذا ما قورن بغيره ، ذلك هو مبادئ علم الاجتماع الريفي الحضري "لسوروكن وزمرمان" لكن سوروكن لم يوضح تماماً في هذا المؤلف ما يمكن توقعه من هذا الفرع الجديد الذي ينمو في الولايات المتحدة .
يضاف إلى ذلك أن المناخ السياسي الذي ساد أوربا في هذه الفترة لم يعق نمو الاجتماع الريفي في أوربا وإنما أوقف تقدم علم الاجتماع العام ونموه كذلك .
فتوقف إسهامات إيطاليا "بلد باريتو" تحت الحكم الفاشي ، وتوقفت إسهامات ألمانيا "بلد ماكس فيبر" تحت الحكم النازي .
وحينما نقول إن علم الاجتماع الريفي ، بالمعنى الأمريكي ، لم يعرف في أوربا إلا متأخراً فإن ذلك لا يعني أنه لم تكن هناك معرفة منظمة بالحياة الريفية أو أن مثل هذه المعرفة كانت مفتقدة تماماً .
فقد أبدت فروع أخرى من المعرفة العملية في بلدان متعددة اهتماماً بالحياة الريفية ، فدرست الحياة الريفية في فرنسا في نطاق الجغرافيا البشرية ودرست في ألمانيا في نطاق السياسة الزراعية ((Agrapolilik التي كانت ضمن البرامج التي تدرس للطلاب في الكليات والجامعات ، وأجريت عدة دراسات في هولندا عن المناطق الريفية للحصول على درجة الدكتوراه بإشراف شتينمتز ((Steinmetz بجامعة أمستردام ، حيث أدخل هذا العالم في هذه الجامعة ما أسماه بالسوسيوجرافيا ((Sociography حينما كان عليه ، وهو سوسيولوجي ، أن يقوم بتدريس مادة الجغرافيا البشرية ، وحينئذ حاول أن يشيد الجغرافيا البشرية على دعائم سوسيولوجية متينة .
وقد درست المناطق الريفية دراسة مستفيضة في نطاق السوسيوجرافيا هذه ، ولكن مناهج دراستها كانت مختلفة عن المتبع الآن فيما يعرف بعلم الاجتماع الريفي.
وقد كانت هناك بالإضافة إلى ذلك معرفة بالحياة الريفية وإن لم تكن منظمة تمتد في جذورها إلى القرن التاسع عشر في شكل تقارير وصفية عن الحياة الريفية نشرت هنا وهناك وهي تعد الآن بمثابة وثائق في غاية من الأهمية عن التاريخ الريفي . ولذلك فإن علم الاجتماع الريفي في أوربا لم ينبع من العدم .
لكن ظروف نموه لم تكن مواتية إذا ما قورنت بظروف هذا النمو في الولايات المتحدة .
لكن هذه الظروف قد تغيرت بعد الحرب حيث حدث اتصال وثيق بين العلماء الأوربيين والأمريكيين وأغرقت المؤلفات الاجتماعية الأمريكية السوق الأوربية العلمية بما في ذلك من منشورات الاجتماع الريفي ، وأحاط الأوربيون علماً بهذا الوضع الجديد لعلم الاجتماع وترتب على هذا الاتصال أن بدأ العلماء الأوربيون يعيدون النظر في الوضع الأكاديمي لعلم الاجتماع ومتأثرون بمناهج البحث الجديدة وقد ساعد هذا التكامل بين التصور الأوربي لعلم الاجتماع والتصور الأمريكي له على نمو" علم الاجتماع الريفي " مضافاً إلى ذلك ظهور مشكلات جديدة في النطاق الاجتماعي ، وتغير نظرة الحكام المحليين والمخططين وواضعي السياسة إلى علم الاجتماع مما ترتب على الوعي بأهمية المعرفة العلمية المنظمة في حل هذه المشكلات ومعالجتها ، وبدأ المتخصصون في الإرشاد يدركون أن مشكلات الفلاح الاقتصادي لا يمكن أن تحل تماماً بواسطة الأساليب الاقتصادية والفنية الخالصة . وبدأوا يدركون أن العمل الإرشادي ليس عملاً طائشاً ولكنه يقوم أساساً على المعرفة المستمدة من علم الاجتماع وعلم النفس وغيرهما من العلوم الاجتماعية ، وشعرت جميع المؤسسات العاملة في الريف بأهمية الإفادة من علم الاجتماع في عملها وهنا يمكن القول أن البحث السوسيولوجي في المناطق الريفية بدأ في أوربا الغربية .
والآن نحاول أن نعرض الحال التي عليها الدراسات الاجتماعية الريفية في أوربا وسوف نستعين في عرضنا لتيار علم الاجتماع الريفي بالمعنى الأمريكي بخطاب "هوفستى" المشار إليه من ناحية وسوف نشير إلى بعض المراجع الأخرى في تتبع التيارات الأخرى لدراسة المجتمعات الريفية في أوربا من ناحية أخرى ، وسنشير إلى ذلك كله في موضعه .
توضح النظرة العامة أن موقف الجامعات العامة ، وعلى الأقل تلك التي لا تضم كليات للزراعة ، في أوربا من "علم الاجتماع الريفي " موقف غير ودي ، وقد ذكر مندرا ((Mendras في المسح الذي نشر في مجلة ""Sociolgic Ruralis في المجلد الأول الذي ظهر عام (1960) ذكر أن هناك جامعة واحدة وهي جامعة ستكهولم ، يدرس منها " علم الاجتماع الريفي " كجزء منفصل من منهج في علم الاجتماع العام ، كما أن هناك طلاباً من جامعات أخرى يفدون إلى جامعة "فاجننجن" ((Wabeningen الزراعية بهولندا لحضور محاضرات في "علم الاجتماع الريفي " بوصفها جزاءً متمماً لدرجته النهائية .
وربما يفسر هذا الموقف الأكاديمي بأن الجامعات في القارة الأوربية ذات خلفية حضرية وصناعية قوية ولذلك تبدى مقاومة شديدة لما يمكن اعتباره علماً تطبيقياً إلا أن أمل "علم الاجتماع الريفي " وأصحابه ، معقود على الجامعات الزراعية والكليات الزراعية في الجامعات العامة وهو أمل ليس بضعيف ، فهناك معهد زراعي واحد أو أكثر في كل دولة من دول أوربا الغربية يقدم دراسات في الاجتماع الريفي .
لكن ذلك لا يعني على الإطلاق تخريج متخصصين في هذا الميدان فإن هذا العلم يدرس بوصفه مادة إضافية في نطاق تخصصات أخرى .
وهناك جامعة واحدة فقط تقريباً . وهي جامعة "فاننجن" الزراعية بهولندا هي التي تسمح بتخصص تام في "علم الاجتماع الريفي " حيث يكرس الطلاب جهودهم بعد السنة الإعدادية لدراسة الاجتماع الريفي والعلوم المتصلة به ويستغرق هذا التخصص خمسة أعوام ، بالإضافة إلى أن الباحث الذي يرغب في مواصلة دراساته ويتفرغ تفرغاً تاماً لرسالته للدكتوراه يستطيع أن ينجزها في عامين ، أي أن التخصص التام في الاجتماع الريفي في هذه الجامعة يستغرق سبعة أعوام . وهناك تخصص مماثل متاح بالكلية الزراعية بالنرويج أيضاً ، ولكنها تتيح فرصة التعليم الكامل في علم الاجتماع العام .
ويؤثر الوضع الأكاديمي لعلم الاجتماع الريفي في أوربا ، بدون شك على البحوث الاجتماعية الريفية خارج الجامعات ، فعدد التخصصين في هذا النوع من الدراسات ما يزال محدوداً مع وجود الحاجة من قبل الحكومات والمؤسسات إلى المعرفة بالحياة الريفية مع وضعنا في الاعتبار أن هناك بحوثاً ذات أهمية تطبيقية قد أجريت في إيطاليا وألمانيا وهولندا على وجه التخصيص أجراها متخصصون في علم الاجتماع العام والعلوم الأخرى المتصلة به .
وينعكس هذا الوضع على التنظيمات المهنية ، كما ينعكس أيضاً على الدوريات والنشرات في هذا الميدان , فقد قررت الجمعية الأوربية للاجتماع الريفي التي تأسست عام 1957م من أعضاء أغلبهم غير متخصصين , قررت إصدار نشرة دورية لها إلا أن هذه الدورية التي هي بعنوان "sociologies' Ruralis " لم تظهر إلا في عام 1960م , ولكنها تعاني من عدم الانتظام في النشر نتيجة لقلة البحوث والمتخصصين وقد ظهر تباعًا , بالإضافة إلى هذه المجلة عدة مجلات قومية , فظهرت في بلجيكا مجلة ربع سنوية متخصصة في ظواهر المجتمع الريفي الاقتصادية والاجتماعية والذيموجرافية والثقافية بعنوان (Rural Scripts) le Cahiers Rnraux وظهرت في ألمانيا مجلة بعنوان التاريخ الريفي والاجتماع الريفي Zeitschrift Fur Agrarwschichte and Aggrarsoziologic.
وهي مجلة غير منتظمة كما أنها قليلة الأهمية في هذا الميدان . وفي عام (1961) بدأت الجمعية الإيطالية في علم الاجتماع الريفي في نشر مجلتها بعنوان المجلة الربع سنوية في علم الاجتماع الريفي "Sociologia Rnralis Quanderni" وفي فرنسا ، وفي نفس السنة ظهرت مجله بعنوان "دراسات ريفية مكرسه " وهي مجله ربع سنوية لتاريخ الريف وجغرافيته واجتماعه واقتصاده .
ويمكننا أن نلخص موقف تيار الاجتماع الريفي في أوربا الغربية بأنه أي هذا التيار قد حقق تقدماً سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية كما أنه ينمو نمواً واعداً .
لكن هذا التيار في أوربا يختلف في بغض جوانبه عنه في الولايات المتحدة الأمريكية فهو أي الأوربي ما يزال يهتم بثقافة المجتمعات الريفية وقيمها اهتماماً كبيراً حيث تعالج موضوعات مثل الانتشار في ضوء النظريات الكبرى للانتشار الثقافي من ناحية وفي ضوء القيم والمعايير التقليدية من ناحية أخرى ، وتتضح مثل هذه القضية إذا ما استعرضنا دراسات "برونوبنفيوتي" ((Benvenuti بعنوان ((Frming in Cultural change فقد كتب فصلاً مطولاً عن الخصائص الاجتماعية الثقافية للمجتمع الريفي موضوع دراسته كذلك دراسة فان دون بان (Van den Ban) حيث عالج فيها نفس المشكلة .
ومن المعروف أن الاهتمام الأمريكي بثقافة المجتمعات الريفية اهتمام جانبي . وربما يرجع السبب في اهتمام الدراسات الأوربية بالثقافات الريفية إلى أن المجتمعات الريفية في أوربا تختلف عنها في أمريكا فهي مجتمعات تاريخية أو تقليدية أو لها ثقافات خاصة مازالت تتباين فيما بينها .
هذا عن "تيار علم الاجتماع الريفي " بالمفهوم الأمريكي ولكن ماذا عن الدراسات الاجتماعية الريفية الأخرى ؟
نستطيع أن نقول باختصار أن هناك دراسات ريفية أخرى قام بإجرائها متخصصون في علم الاجتماع العام أو الأنثروبولوجيا الاجتماعية في أوربا من ناحية وأن هناك مدارس علمية نمت في بعض الجامعات الأوربية وقادت حركة الدراسة العلمية للمجتمع القروي في مختلف أنحاء العالم ، وبخاصة في الدول النامية من ناحية أخرى .
فمن الناحية الأولى ظهرت عدة دراسات في بعض الدول الأوربية عن المجتمع القروي إما تكرس جهودها لدراسة مجتمع قروي بوصفه كلا دون التركيز على موضوع أو ظاهرة بعينها أو تعالج موضوعا بعينه داخل مثل هذا المجتمع ولنضرب الآن مثالاً على ذلك بثلاث دراسات على النحو التالي :
1ـ دراسة شاملة عن قرية إنجليزية ظهرت بعنوان :English Village Cosoforth أجراها و. م. وليامز W. M. Williama وهي تتناول مختلف جوانب الحياة الاجتماعية في هذا المجتمع متبنية للمنهج الأنثروبولوجي ، ولذلك نرى الباحث يكرس فصلاً كاملاً مطولاً عن نسق القرابة وعلاقته بالأنساق الأخرى.
2ـ دراسة بعنوان ( اختيار القادة في قرية بوللي بيج ) بأيرلنده الشمالية ، أجراها هاريس Harris وهو يتعرض فيها أولاً لوصف القرية موضوع الدراسة ، ويناقش التقسيمات الدينية فيها وانعكاسها السياسية ، وقد أجريت هذه الدراسة فيما بين عامي (1952ـ 1953) وهو يدرس في هذه القرية على أساس أنثروبولوجي وبدأ تحليله كما سبق أن ذكرنا بدراسة التقسيمات والطوائف الدينية وتأثير هذا التقسيم على الاتجاهات نحو القادة .
3ـ دراسة ب . جالسكي Gakeksi حول "التقسيم الطبقي الاجتماعي " للمناطق الريفية في بولنده . وقد بدأت هذه الدراسة منذ عام (1947) على يد فريق الأخصائيين الملحقين بمعهد الاقتصاد الزراعي بوارسو وكان يستهدف إجراء بحوث عن التغير في البناء الاجتماعي للمناطق الريفية في بولنده ، تلك البحوث التي تعد استمراراً للعمل الذي بدأه معهد الاقتصاد الاجتماعي لما قبل الحرب تحت إشراف العالم الاجتماعي والاقتصادي البولندي الشهير لدفيك كرزفيكي Ludwik Krzywtcbi وتقوم هذه الدراسات جميعاً بما فيها الدراسة الحالية على استخدام المناهج الكمية أو الأساليب الإحصائية في الدراسة ، فظلت البحوث موجهه على أساس جمع معلومات في مدى عدد من السنوات عن طريق كشوف أسئلة في بعض القرى المختارة كنماذج لمنطقة معينه وقد شملت بحوث ما بعد الحرب (148) قرية تضم 18000أسرة ريفية .
وقد استعين أيضا بالإحصاءات الحكومية والتقارير الرسمية . كما أجريت عدة زيارات سريعة لهذه القرى المختارة من وقت لآخر .
ويمكن أن تعد هذه الدراسة نموذجا دقيقا للدراسات العلمية التي تجري في دول أوربا الشرقية والمعسكر الاشتراكي فقد اتجهت هيئة البحث إلى اختيار موضع هام كما اتجهت أيضا إلى وضع مشكلة البحث في سياقها النظري العام فيقول التقرير مشاكل البحث المتعلقة بالتقسيم الطبقي الريفي لا يمكن تحديدها بدون الإجابة بصورة افتراضية ، عن الأسئلة الأساسية عن التقسيم الطبقي بوجه عام .فعلينا أولا أن نحدد المدلول الحقيقي لكلمة "طبقة" التي تستخدم في كثير من الحالات لتوضيح العنصر الأساسي للبناء الاجتماعي بوجه عام .
وقد اهتم فريق البحث في دراسته للبناء الاجتماعي للمناطق الريفية بتحليل العلاقات الطبقية بين الفلاحين ذوي الزراعات الفردية ، وعلى أساس تعريف "لينين" للطبقات ، صنفنا عائلات المزارعين الذين شملتهم أسئلتنا طبقا لملكية وسائل الإنتاج وفصلنا عنها الجماعات الحضرية التي ظهر فيها تفاوت في أوضاعها الاجتماعية لتمييزها طبقا لموضعها في علاقات الملكية وعلاقات العمل وتحديد الروابط الأساسية والمتبادلة بينها .
ويهمنا أن نستعين بالملخص الذي ورد في نهاية التقرير في توضيح أبعاد هذه الدراسة الهامة ، ويذهب هذا التلخيص إلى أن دراسة التقسيم الطبقي الريفي تشمل النقاط التالية :
1ـ تعريف الاصطلاح الأساسي " طبقة اجتماعية " التي تستخدم عادة في دراسات التقسيم الطبقي .
2ـ تشخيص الجماعات الطبقية الأساسية في المناطق الريفية التي تؤخذ جميعها من التدرج الأساسي للمركز الاجتماعي بين الريفيين وبذلك يمكن تحديد الخصائص الأساسية للريف كوحدة اجتماعية ، والجماعات التي تتضمنها هذه الوحدة .
3ـ تنظيم أنواع التقسيم الطبقي في مختلف الوحدات الريفية أو الإقليمية وبذلك يمكن تحديد الطبيعة الخاصة للبنيان الاجتماعي الريفي .
4ـ التعرف على الطرق الرئيسية التي تشكل هذا البنيان ، وعلى القوانين التي تتحكم في اتجاه مثل هذه العمليات .
وتحتاج دراسة مشاكل هذا التقسيم الطبقي إلى تسجيل وتحليل الحقائق الاقتصادية أولا بأول وقبل كل شيء . ومع ذلك يجب أن يضاف إلى هذه الطريقة ، إذا أردنا أن نحصل على صورة شاملة للمسائل موضوع البحث دراسة النشاط الاجتماعي والعادات والثقافة ، مع أنها تمكننا من ملاحظة العناصر الأساسية للتقسيم الطبقي ، ولذلك يعد منهج التحليل الاقتصادي في دراسات التقسيم الطبقي ذا أهمية أساسية ولكنه مع ذلك غير كاف في ذاته .
وتعد هذه الدراسة بحق ، وبالوجه الذي ظهرت عليه في التقرير دراسة رائدة ، من الناحية النظرية والمنهجية وهي ، كما سبق أن ذكرنا تقف دليلا على ما يمكن أن يلعبه التوجيه النظري في اختيار موضوعات البحوث وتأصيلها وإجرائها .
تبقى الناحية الثانية التي أشرنا إليها وهي التي مؤداها أن بعض الجامعات الأوربية قد قادت حركة الدراسات القروية في الدول النامية ، وبخاصة بعض جامعات انجلترا التي شجعت الدارسين فيها إلى العودة إلى بلادهم لإجراء دراساتهم في مجتمعاتهم القروية ، ومن ثم وجهت اهتمامهم نحو الاستمرار في هذا الضرب من الدراسات وصدرت معظم هذه الدراسات في سلسلة المكتبة الدراسية لعلم الاجتماع وإعادة البناء الاجتماعي The International Library Sociology and Social Reconstructio .
ومنها دراسة حامد عمار عن التنشئة الاجتماعية في قرية مصرية ودراسات ديوب Dube"" عن" قرية هندية" و "قرى الهند المتغيرة " وغير ذلك مما سوف نعرض له بالتفصيل عند حديثنا عن الدراسات الاجتماعية الريفية في الدول النامية .
وفي ختام حديثنا عن الدراسات الاجتماعية الريفية في أوربا نستطيع أن نقول إن تيار الاجتماع الريفي في أوربا يعد امتدادا لهذا التيار في أمريكا ويرد إليه ، أما تيار الأنثروبولوجيا الاجتماعية الريفية فيمكن رده مباشرة إلى تراث الأنثروبولوجيا الاجتماعية الأوربي والاتجاه الوظيفي بوجه خاص وهو اتجاه أوربي خالص وانجليزي على وجه التخصيص .
أي أن هذا النوع من الدراسات ليس وافدا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوربا وإنما هو ابن شرعي لها . ومن الأهمية بمكان أن نعاود الإشارة إلى صعوبة الفصل بين تيارين لا ثالث لهما ، وتقف دراسة جالسكي شاهدا على ذلك حيث أنها قد أفادت من الأساليب السوسيولوجية والأنثروبولوجية معا ، ومن الطريف أنها نبعت من معهد الاقتصاد الزراعي ومع ذلك لم تفتقر إلى التأصيل النظري أو المنهجي .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق