الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

محاضرات في العصبية وعلاقتها بنظام القرابة في المجتمعات العشائرية البدوية :

لعل " ابن خلدون "هو أول عالم تناول موضوع العصبية وتحدث عنها بإسهاب مستعرضاً أشكال العصبية ومحدداً صورها المختلفة ومتتبعاً أدوارها في حياة الجماعات العشائرية البدوية . لذلك يحسن في البداية أن نلقي الضوء على فكر " ابن خلدون " الذي تعرض مباشرة لموضوع العصبية وذلك على النحو التالي : أولاً- مصادر العصبية : يرى " ابن خلدون " أن العصبية تعود : الى الطبيعة البشرية و الى أثر القرابة في الحياة الاجتماعية و الى أنها " نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا " و اعتبر " ابن خلدون " أن العصبية تتولد من القرابة التي تستند على وحدة النسب وحتى وحدة النسب هذه تبدو على مراتب ودرجات متفاوتة من حيث قوة " الاتحاد و الالتحام " من عدمه . كما وسع " ابن خلدون " مفهوم النسب وضمنه الحلف و الولاء و الدخالة أيضاً كمصدر من مصادر العصبية . ثانياً – العصبية من خصائص البداوة : ومرد ذلك الى أن النسب – الذي اعتبره ابن خلدون أساس العصبية – يبقى محفوظاً وصريحاً في الحياة البدوية " الصحراوية " دون غيرها و العصبية المتولدة عن النسب تكون قوية بفضل تلك الحياة في المجتمعات الصحراوية إلا أن النسب يفقد صراحته و العصبية تفقد قوتها في رحاب الحياة الحضرية بمختلف أنماطها وصورها سواء الريفية منها أو المدنية أو الصناعية ..الخ في رأي " اين خلدون " وذلك للأسباب الآتية : (أ‌) أن حياة البداوة تتضمن شيئاً من العزلة التي تحد كثيراً من اختلاط الانساب . (ب‌) أن حالة البداوة تقضي بطبيعتها وجود عصبية قوية لأن الدفاع عن الحي يتم إلا يد " أنجادهم المعروفين بالشجاعة " هذا على خلاف الحياة الحضرية التي تتولى فيها الدولة مسئولية أمن المواطنين وحمايتهم . ثالثاً – الادوار المختلفة التي تعلبها العصبية في حياة المجتمعات البدوية : وهذا الادوار هي في رأي " ابن خلدون كثيرة وهامة ومتنوعة ويمكن لنا إيجازها على الوجة الآتي : (أ‌) العصبية تحمل الافراد على التناصر و التعاضد في المدافعة و الحماية و المقاتلة من أجل حماية أمن وكيان المجتمع البدوي ضد الاعداء أيا كانوا. (ب‌) تلعب العصبية دوراً هاما في تأسيس الملك وتكون الدولة لأن " الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك "و " الملك إنما يحصل بالتغلب و التغلب إنما يكون بالعصبية " . وليس هذا فقط بل إن " ابن خلدون " يقرر بوضوح أن " اتساع الدولة يكون متناسبا مع قوة تلك العصبية " . (ج) أن العصبية عنصر أساسي في كل أمر يحمل الناس عليه من نبوءة – أي نبوة – أو إقامة ملك أو دعوة أو قتال . رابعاً – العصبية سلاح ذو حدين : فبينما يقرر " ابن خلدون " من جهة أن العصبية ضرورة لتأسيس الدولة يلاحظ من جهة أخرى . أن العصبية قد تعرقل قيام الدولة أو استمرارها , وذلك اذا كانت متعددة ومتخالفة , مع ما يستتبعه ذلك الاختلاف من تنوع في الآراء و الاهواء وما يرتكز عليه هذا التنوع من عصبيات تشد أزره الامر الذي يؤدي في النهاية الى الخروج على الدولة و انهيارها . خامساً – العلاقة بين العصبية و الدين في المجتمعات البدوية : (أ‌) يقول " ابن خلدون " في ذلك " إن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم إن الشرائع و الديانات وكل أمر يحمل عليه الجمهور لابد فيه من العصبية إذ المطالبة لا تتم إلا به ... فالعصبية ضرورية للملة ." (ب‌) ويلقى ابن خلدون الضوء على التشابه في الادوار و التأثير المتبادل بين كل من العصبية و الدين ويقرر أن:" الديانة تؤلف القلوب وتوحدها الى وجهة واحدة وتذهب التنافس و التحاسد وتحمل على التعاون تماماً كالعصبية حيث إن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على العصبية التي كانت لها من عددها " . (ت‌) هذا ويضيف ابن خلدون أيضاً أن الاجتماع الديني يضاعف قوة العصبية ويجعلها أكثر توهجاً و أقدر على أداء أدوارها . (ث‌) أما عن أثر الدين في حالة أو ظاهرة البداوة فيقرر " ابن خلدون " أن الدين يلعب دوراً هاما في جمع كلمة القبائل وتعاضدهم " وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة و الانفة الوازع عن التحاسد و التنافس . سادساً- العصبية و النسب : صنف " ابن خلدون" النسب – أساس العصبية في رأية – إلى نسب عام ونسب خاص وتعرض عند تحديده لمراتب العصبية الى الاسرة و البيت و البطن و الحي و العشيرة و القبيلة أو " القبيل " كما كان يحب أن يسميها و أوضح قوة العصبية في كل منها على حدة و ارتباط ذلك كله بالرياسة و المشيخة . سابعاً : اختلاط الانساب وكيف يقع وأثر ذلك في العصبية : أوضح " ابن خلدون " كيفية اختلاط " الانساب وبين أن النسب يمتزج في نسب آخر يتم من خلال القرابة أو الحلف أو الاجارة أو الولاء الذي يتم أو يحدث نتيجة لفرار البدوي – طبقاً للأعراف البدوية – طلباً للامان أو الحماية عند قوم غير قومه وذلك وفقاً لإجراءات معروفة ومقدرة من الجميع . كما يوضح ابن خلدون كذلك تبعات هذا الاختلاط في صورة المختلفة, وذكر مثالاً لذلك دفع الدية اعتبار أن من " يدعى بنسب هؤلاء يعد منهم في ثمراته من النعرة و القود وحمل الديات وسائر الاحوال و إذا وجدت ثمرات النسب فكأنه وجد لأنه لا معنى لكونه من هؤلاء ومن هؤلاء إلا جربان أحكامهم و أحوالهم عليه و كأنه التحم بهم " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق