الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

محاضرات وسائل جمع البيانات : ثالثاً وسائل أخرى لجمع البيانات:

ناقشنا فيما سبق من فصول هذا الباب بعض وسائل جمع البيانات. وقد تبين لنا من العرض السابق لتلك الوسائل أنها تستخدم في البحوث الميدانية حيث ينزل الباحث إلى الميدان ويتصل بالمبحوثين ليحصل منهم على البيانات اللازمة للبحث. ونود أن نشير في هذا المجال إلى أنه ليس من المفروض في كل بحث اجتماعي أن يحصل الباحث على البيانات المطلوبة من مصادر ميدانية، فقد يحصل على ما يلزمه من معلومات بتحليل محتوى المادة التي نقدمها وسائل الاتصال الجمعي والمجلات والكتب وأفلام السينما وبرامج التلفزيون، أو بالرجوع إلى السجلات الإحصائية. ويمتاز استخدام تحليل محتوى الاتصال في البحوث الاجتماعية بأن مادة الاتصال تفيد في الكشف عن القيم والآراء والاتجاهات الثقافية التي تسود المجتمع في ماضيه وحاضره. ولذا فأنها تستخدم في تصوير الأوضاع الاجتماعية والثقافية القائمة، كما يستعان بها في الدراسات المتعلقة بالتغير الاجتماعي. فيجمع الباحث المواد التي ظهرت في مجتمع معين خلال فترات تاريخية متتالية، محاولاً تحديد اتجاه التغير ومداه بالنسبة لظاهرة أو ظواهر معينة. ولا تقف أهمية مادة الاتصال عند هذا الحد، بل أنها تفيد في دراسة اتجاهات الرأي العام العالمي باستخدام الملاحظة أو الاستبيان. ولذا لجأ الباحثون الاجتماعيون إلى معرفة اتجاهات الرأي العام العالمي نحو دولة ما بدراسة اتجاهات الصحف والمجلات والكتب التي تصدر في الدول المختلفة، وكذا برامج الإذاعة والتلفزيون التي تمس هذه الدولة. ولما كانت مواد الاتصال الجمعي لا تنتج أساساً لغرض البحث الاجتماعي، بأنها تكون صادقة في تعبيرها عن الواقع إلى حد كبير، بعيدة عن التحريف الذي قد يحدث خلال الملاحظة أو المقابلة أو الاستبيان. أما السجلات الإحصائية فإنها تمد الباحث بكثير من البيانات التي تلزم إثبات صحة أو خطأ فرض من الفروض، للتأكد من صحة بيانات جمعت في البحث الميداني، أو لغير ذلك من أغراض نشير إليها فيما بعد. أولاً تحليل مضمون المحتوى content analysis: _ تعريفه: يعرف تحليل المضمون بأنه "الأسلوب الذي يهدف إلى الوصف الموضوعي المنظم الكمي للمحتوى الظاهر للاتصال. وعلى أساس هذا التعريف يمكن تحديد السمات الرئيسية لأسلوب تحليل المضمون فيما يلي: 1_ يستخدم هذا الأسلوب في وصف محتوى مادة الاتصال لما لهذه المادة من أهمية في مجال البحث الاجتماعي، وقد اقتصر استخدام هذا الأسلوب في بداية الامر على الأبحاث الصحفية ثم اتسع مجال استخدامه بحيث شمل الكتب والرسائل والخطب والمحادثات والصور وأفلام السينما وبرامج التلفزيون، أما في وقت الحاضر فإنه يستخدم في كثير من أبحاث علم النفس، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتربية. 2_ يهتم هذا الأسلوب بدراسة المضمون الظاهر للاتصال. وليس من الضروري أن يشغل الباحث نفسه بمحاولة التعرف على نوايا ومقاصد الكاتب أو المتحدث، وإن كان من الممكن تبين دوافع الكاتب أو المتحدث من خلال كتاباته أو أحاديثه. 3_ ينبغي مراعاة الموضوعية التامة في تحليل مضمون مادة الاتصال بحيث لا يتأثر الباحث بأهوائه الشخصية أو دوافعه الخاصة. ولتحقيق هذه الغاية توضع فئات محددة للتحليل يستطيع الباحث أن يستخدمها في دراساته، كما يستطيع أن يطبقها غيره من الباحثين، على مضمون المادة التي يقوم بتحليلها فيصلوا جميعاً إلى درجة كبيرة من الاتفاق والثبات التي يقوم بتحليلها فيصلوا جميعاً إلى درجة كبيرة من الاتفاق والثبات. 4_ ينبغي أن يتم تحليل مضمون مادة الاتصال بطريقة منظمة، فلا يصنف الباحث المواد التي تستدعي انتباهه فحسب، أو التي تخدم فكرة معينة يأخذ بها، وإنما يصنف جميع المواد المناسبة في العينة في ضوء جميع الفئات التي سبق تحديدها حتى يمكن الوصول إلى تعميمات علمية سليمة. 5_ يستلزم استخدام تحليل المضمون ترجمة الفئات إلى أرقام، وذلك عن طريق رصد تكرار الفئات المختلفة، وتحديد درجات لانتشار وسيلة الاتصال، وشدة تأثيرها في جمهور القراء أو المشاهدين أو المستمعين. _ أسس استخدامه: 1_ من الممكن إلى حد ما تبين الدوافع والاهداف التي يرمي إليها الكاتب أو المتحدث من محتويات كتابته أو أحاديثه، كما ان من الممكن إلى حد ما معرفة تأثير مضمون مادة الاتصال على أفكار الناس واتجاهاتهم. 2_ أن المعاني التي اشتقها الباحث من مادة الاتصال تتفق بعد تبويبها وتحليلها مع ما يقصده الكاتب أو المتحدث ومع ما يفهمه القراء والمستمعون. وبعبارة أخرى يمكن القول بأن الباحث، والمرسل "المؤلف أو المتحدث"، والمستقبل "القارئ او السامع"، يلتقون عند نقطة واحدة، وهذه النقطة هي المعاني والأفكار التي يهدف إليها الكاتب أو المتحدث، والتي تصبح محور الاهتمام في الاتصال. 3_ أن الوصف الكمي لمضمون مادة الاتصال هو وصف ذو معنى، أي أن الأرقام لها مدلولات محددة، وهذا يعني ان تكرار خواص فئات معينة في مادة الاتصال هو في حد ذاته عامل هام من عوامل الاتصال. وعلى ذلك فإن تحليل المضمون لا يكون صحيحاً إلا عندما تتساوى أوزان وحدات المحتويات التي يستخدمها الباحث. _ أوجه استخدامه: يحصر "برلسونberelson" أوجه استخدام تحليل المضمون فيما يلي: 1_تحديد خصائص المحتوى: ويتضمن لك وصف الاتجاهات البارزة في محتويات الاتصال، أو الكشف عن الفروق القائمة بين دولة وأخرى بتحديد المفاهيم التي اسقرت في كل دولة من الدول كالاشتراكية أو الحياد الإيجابي أو الاتجاهات العنصرية، أو المقارنة بين أدوات ومستويات الاتصال، أو محاولة الربط بين محتوى الاتصال وأهدافه أو تحديد معايير معينة يمكن تطبيقها على مادة الاتصال، أو تحليل وسائل الدعاية وأساليبها، أو قياس إمكانية قراءة المادة المكتوبة التي تعرضها وسائل الاتصال او الكشف عن خصائص الأسلوب الذي تكتب به. 2_ تحديد اهداف الاتصال والطرق التي اتبعت في عرض مادته: ويتضمن ذلك تحديد الأهداف التي يرمي إليها المرسل، والتعرف على الحالة السيكولوجية للأفراد والجماعات التي تعرض عليها مادة الاتصال، والكشف عن وجود دعاية في دولة ما وخاصة من حيث اتصالها بالجوانب القانونية. 3_ دراسة الجمهور المستمع أو القارئ أو المشاهد وتأثير الاتصال على الجمهور: ويتضمن ذلك الكشف عن الاتجاهات والاهتمامات والقيم السائدة في الجماعات المختلفة، وتحديد محور الاهتمام في محتوى الاتصال، ووصف تأثير مادة الاتصال في تغير الاتجاهات والأساليب السلوكية للجمهور المستمع أو القارئ أو المشاهد. _ خطوات تحليل مضمون الاتصال: تختلف مادة الاتصال المراد تحليل مضمونها حسب نوع المشكلة المراد دراستها، فقد يتخير الباحث مجموعة من الصحف، أو الكتب، أو الخطابات، أو المحاضرات أو الأفلام، أو السير الشخصية ليقوم بتحليلها. ويتم هذا التحليل دائماً وفق خطة مرسومة لا تختلف كثيراً عن خطط البحث في العلوم الاجتماعية. فإذا افترضنا ان الباحث يرغب في تحديد اتجاهات الصحف الأمريكية نحو تمويل مشروع السد العالي، في هذه الحالة يمكن تحديد الخطوط العريضة لخطوات الدراسة فيما يلي: 1_ اختيار عينة المصادر: لإجراء بحث بطريق العينة ينبغي البدء بتحديد مجتمع البحث. وقد سبقت الإشارة إلى أن مجتمع البحث قد يتكون من مجموعة أفراد أو مصانع أو مزارع. وأما في بحثنا هذا فإن مجتمع البحث يتكون من مجموعة الصحف الامريكية. ولا يكفي في مثل هذا البحث أن نحصي الصحف التي تصدر في الولايات المتحدة، ونحدد حجم العينة المطلوبة، ثم نختار عينة عشوائية من بين تلك الصحف. ويرجع ذلك إلى أن الصحف تختلف فيما بينها من ناحية درجة توزيعها وانتشارها، وتمثيلها للمناطق الجغرافية المختلفة، وتعبيرها عن اتجاهات فئات او أحزاب سياسية معينة. لذا فإن اختيار عينة ممثلة للمجتمع يستلزم تقسيم الصحف إلى فئات طبقاً لخصائص معينة، واختيار عينة طبقية يراعى فيها تمثيل كل فئة في العينة بنسبة وجودها في المجتمع. وقد نتغلب على صعوبة تحديد الفئات المختلفة باختيار أكبر عشر صحف في الولايات المتحدة طبقاً لأحجام توزيعها. وفي هذه الحالة لا ندعي تمثيل العينة للمجتمع تمثيلاً كاملاً، إلا ان هذا الاختيار يتم بطريقة موضوعية سليمة. وإذا استلزم الامر القيام بدراسة مقارنة بين اتجاهات الصحف في مختلف البلاد المختلفة نحو تمويل مشروع السد العالي، فإن من الممكن اختيار الجريدة الرسمية أو الجريدة التي تعبر عن الاتجاه الغالب في كل بلد من البلاد، ويكون الاختيار في هذه الحالة أيضاً موضوعياً وصحيحاً إلا أنه لا يمثل المجتمع الأصلي تمثيلاً كاملاً. ولتوضح طريقة اختيار العينة في بعض الدراسات التي استخدمت طريقة تحليل المحتوى نضرب مثالين أحدهما من واقع إحدى الدراسات التي أجريت بالولايات المتحدة، والآخر من واقع إحدى الدراسات التي أجريت بجمهورية مصر العربية. فقد قام " برلسون وسولتر berelson and satler" بدراسة عن النمطية القومية في سنة 1946 متبعين طريقة تحليل محتوى المجلات القصصية. وقد حدد الباحثان مجتمع البحث بأنه المجلات القصصية التي صدرت في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1937_ 1943. ولاختيار العينة حدد الباحثان ثمانية من أكثر المجلات القصصية انتشاراً في الولايات المتحدة خلال الفترة الزمنية المحددة للبحث، وقاما باختيار 185 قصة قصيرة من التي نشرت في تلك المجلات، وحلل الباحثان السمات الرئيسية لجميع الأفراد الذين قاموا بأدوار هامة في تلك القصص. وفي دراسة أخرى أجريت بجمهورية مصر العربية قام الدكتور إبراهيم كاظم بدراسة تتبعية لقيم الطلاب المصريين في خمس سنوات تمتد من سنة 1957 إلى 1962 متبعاً طريقة تحليل محتويات سير الحياة. وكانت عينة الطلاب مكونة من أربعين طالباً وطالبة في السنتين الأخيرتين في الجامعة والمعاهد العليا، وكان نصفهم من الذكور ونصفهم الآخر من الإناث. وقد اتبع الباحث طريقة موحدة في جمع سير الحياة بتكليف بعض الأساتذة بجمع هذه السير من الطلبة والطالبات بعد إعطائهم تعليمات مكتوبة، كما ألحق بالتعليمات أسئلة تكميلية يقرأها الطالب بعد الانتهاء من كتابة تاريخ حياته وله أن يجيب عليها إن إحتاج الامر. وقد جمع الباحث أربعة وثلاثين تاريخاً للحياة في سنة 1957 انتقى من بينها عشرين تاريخاً للحياة: عشرة للذكور وعشرة للإناث. وفي سنة 1962 جمع الباحث تسعاً وعشرين تاريخاً للحياة انتقى من بينها عشرين تاريخاً للحياة، وكان نصفهم ذكور والنصف الآخر من الإناث. وكان أساس اختيار تاريخ الحياة الصالح للدراسة هو مقدار المادة المكتوبة وخصوبتها ودرجة اهتمام وجدية الكاتب وتعاونه وتلقائيته في التعبير عن نفسه. وفي دراسة أخرى قام بها الدكتور محمد الشنيطي لتحليل مضمون مجموعة من القصص القصيرة التي ظهرت في بعض المجلات المصرية الذائعة الانتشار بين فبراير 1957 وأكتوبر سنة 1958، بقصد التعرف على أهم الملامح الشخصية لبطل القصة، قام الباحث باختيار مائة قصة قصيرة موزعة على عشر مجلات روعي في اختيارها أن تمثل قطاعاً عريضاً من المجلات المصرية، كما روعي أن يكون عدد القصص مائة لتيسير عملية جمع البيانات ورصدها وتفريغها وتحليلها من جهة أخرى. وفي دراسة رابعة قام بها الدكتور حامد ربيع ياستخدام أسلوب تحليل المضمون لبعض عينات من الأعلام المكتوب بدول غرب أوروبا، بقصد الكشف عن مقومات المنطق الدعائي الإسرائيلي، اختار الباحث ثماني صحف ومجلات صدرت في مجتمعات غرب أوروبا في الفترة الزمنية من يناير 1953 إلى مايو 1967، وكانت من بين الصحف التي تعبر عن مواقف واضحة من حيث تأييدها لوجهة النظر الإسرائيلية. 2_ اختيار العينة الزمنية: يتطلب البحث الميداني تحديد المجال الزمني للدراسة، أي الفترة التي يقوم فيها الباحث بجمع البيانات من الميدان. وفي البحوث التي يستخدم فيها أسلوب تحليل المحتوى ينبغي ان يحدد الباحث اتجاهات الصحف الامريكية نحو تمويل مشروع السد العالي من أواخر عام 1954 أي منذ خرج مشروع السد العالي من نطاق البحث العلمي حتى شهر يوليو 1956 وهو الشهر الذي سحبت فيه أمريكا العرض الذي سبق أن قدمته بشأن تمويل المشروع. وتختلف الفترة الزمنية من بحث إلى آخر حسب طبيعة المشكلة والهدف من الدراسة. 3_ اختيار عينة الوحدات: بعد اختيار العينة الزمنية ينبغي على الباحث ان يختار عينة الوحدات. ويقصد بها جوانب الاتصال التي يمكن اخضاعها للتحليل، وتستخدم لتحليل محتوى مادة الاتصال خمس وحدات أساسية هي: أ_ الكلمة word: وتستخدم الكلمة حينما يراد الكشف عن بعض المفاهيم التي استقرت في دولة ما كالحرية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والديموقراطية والتعاونية والتعايش السلمي والحياد الإيجابي. وتستخدم الكلمة كذلك في تحديد الألفاظ التي يستخدمها الادباء في بلد ما. وفي هذه الحالة يحاول الباحث أن يسجل الكلمات والتكرارات المختلفة لكل كلمة. وتستخدم كلمة أيضاً في البحوث التي تجري لتحديد درجة سهولة أو صعوبة قراءة المادة المكتوبة. ب_ الموضوعtheme: يعتبر الموضوع من أهم وحدات التحليل في دراسة المضمون لأنه يكشف عن الآراء والاتجاهات الرئيسية في مادة الاتصال. فقد يدون الموضوع الذي تعالجه مادة الاتصال هو "جمهورية مصر العربية قد حققت نجاحاً كبيراً في سياستها الداخلية"، أو "أن أهل هذا البلد يؤمنون بالخرافات" أو "أن الولايات المتحدة تؤيد سياسة التمييز العنصري"، أو أي موضوع من الموضوعات التي تتناولها مادة الاتصال. ج_ الشخصيات: تستخدم الشخصية في تحليل القصبي والدراما وتواريخ الحياة. فنحلل الشخصيات لمعرفة ما إذا كانت شخصيات خيالية أو تاريخية. د_ المفردةitem : تختلف المفردة باختلاف وسيلة الاتصال. فقد يكون كتاباً أو مقالاً او قصة أو حديثاً أو خطاباً او برنامجاً إذاعياً... إلخ. وتستخدم المفردة وحدة للتحليل إذا وجدت عدة مفردات دون أن توجد بينها فروق جوهرية. وفي هذه الحالة يمكن تصنيف القصص حسب موضوعاتها مثلاً "إلى سياسية أو خلقية أو اجتماعية... إلخ. ه_ مقاييس المساحة والزمنspace and time measures: تستخدم مقاييس المساحة والزمن كوحدة للتحليل وذلك عن طريق حساب عدد السطور أو عدد الاعمدة أو الصفحات، أو الزمن الذي استغرقته أحاديث إذاعية من نوع معين أو وحدات الطول في الأفلام السينمائية. 4_ تحديد فئات التحليل: ينبغي أن تتناول الدراسة التحليلية لمحتوى الاتصال المادة التي تتضمنها وسيلة الاتصال، وكذا النواحي الشكلية التي صيغت بها هذه المادة ويقترح برلسون الفئات التالية لتحليل كل من مادة الاتصال وشكل الاتصال. أ_ فئات مادة الاتصال: تشتمل هذه الفئات على ما يأتي: 1_ موضوع الاتصال: غالباً ما ينقسم الموضوع الأصلي الذي تدور حوله مادة الاتصال إلى عدد من الموضوعات الفرعية. ولذا ينبغي أن يتجه الباحث وهو بصدد التحليل إلى تحديد الفئات الرئيسية والفرعية التي يتضمنها الموضوع ومدى الأهمية التي توليها مادة الاتصال إلى كل فئة من الفئات. ولسنا هنا بصدد وضع فئات محددة يمكن أن يعتمد عليها أي باحث، لأن هذه الفئات ترتبط بمشكلة البحث. وهذه المشكلات ولا ريب تختلف من بحث إلى آخر. ونكتفي في هذا المجال بإعطاء مثال من واقع إحدى الدراسات التي أجريت بجمهورية مصر العربية لتوضيح الغرض المقصود. ففي دراسة قام بها الأستاذ الدكتور سيد عويس لمحتوى الخطابات التي أرسلت بالبريد إلى ضريح الإمام الشافعي حاول الباحث أن يحدد مضمون الرسائل. هل هي شكاوى فقط؟ أم طلبات؟ أم شكاوى وطلبات؟ نذور؟ ثم قسم الشكاوى إلى أنواع منها الشكاوى بسبب الاعتداء على الأموال، والشكاوى بسبب الاعتداء على الأشخاص، وشكاوى في نطاق الأسرة، وشكاوى في نطاق العمل، وشكاوى أخرى. حاول الباحث أن يحدد المشكو في حقهم، وجنس مرسلي الطلبات وأنواع الطلبات وما في ذلك من نواحٍ تتصل بموضوع الاتصال. 2_ اتجاه محتوى الاتصال: من الضروري بعد تحديد الموضوعات التي تدور حولها مادة الاتصال الكشف عن اتجاه هذا الاتصال. هل هو اتجاه مؤيد أو محايد أو معارض. وينبغي تحديد الفئات التي تصنف بمقتضاها الاتجاهات. 3_ المعايير التي تطبق على محتوى الاتصال: ويفضل وضع مقاييس ومعايير ثابتة يرجع إليها في تصنيف اتجاه مضمون الاتصال. ويفضل وضع مقاييس كمية لتحديد الاتجاهات وتقديرها تقديراً سليماً. 4_ القيم التي يعتنقها الأشخاص: لك فرد مستوى أو معيار يستهدفه في سلوكه، ويسلم بأنه مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه. ويعرف هذا المعيار أو المقياس بأنه القيمة التي يؤمن بها الفرد. وكما توجد قيم خاصة بالأفراد توجد قيم أخرى خاصة بالجماعات والمجتمعات. وهذه القيم توجد بين أفراد المجتمع الواحد وتجعلهم يشعرون بالانتماء لبعضهم البعض رغم الاختلافات الفردية القائمة بينهم. ومن الضروري في تحليل مادة الاتصال، وخاصة إذا كانت الرواية أدبية أو سيرة حياة، وضع فئات لتحليل القيم الفردية والجماعة وتقديرها تقديراً صحيحاً. وقد قام رالف هوايت r. white بأول بحث في القيم مستخدماً فيه أسلوب تحليل المضمون. وقد اثبتت دراسته تلك أن من الممكن الوصول إلى درجة عالية من الموضوعية باستخدام أسلوب تحليل المضمون بدون النصيحة بالفهم الشامل للجوانب المختلفة المحيطة بالإنسان. 5_ طرق تحقيق الأهداف والغايات: يختلف الناس فيما يسلكونه من سبل لتحقيق أهدافهم وغاياتهم. فقد يسعى عدد من الناس إلى جمع الثروة والحصول على الجاه، ولكنهم يختلفون فيما بينهم في طريقة حصولهم على الثروة. فقد يجمعها بعضهم بطريق شريف. بينما يجمعها البعض الآخر بطريق غير شريف. والمجتمعات كذلك شأنها شأن الأفراد كثيراً ما تسعى إلى تحقيق غاية واحدة ولكن بطرق مختلفة. فأغلب المجتمعات تسعى إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية لأكبر عدد ممكن من الناس. ولكنها تختلف فيما بينها فيما تصنعه من وسائل لتحقيق الرفاهية المنشودة. فبعض المجتمعات يستخدم الأساليب الثورية لتحقيق أغراضه، وبعضها الآخر يؤمن بالتطور، وبعضها الثالث يستخدم أسلوباً وسطاً بين الاثنين. ولذا ينبغي عند تحليل محتوى الاتصال تحديد الفئات التي تستخدم للتحليل والتي يمكن بمقتضاها الكشف عن الطريق التي يسلكها الأفراد أو الجماعات لتحقيق أهدافهم وغاياتهم. 6_ تحديد السمات: تستخدم هذه الفئة لتحديد السمات الشخصية للأفراد مثل السن والجنس والخصائص السيكولوجية، وكذا السمات المتعلقة بالجماعات والمجتمعات مثل الجماعات الأولية والثانوية، والجماعات المتعاونة والمتنافرة والمجتمعات الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية... إلخ. 7_ تحديد الفاعل: وذلك بتحديد الفئات التي تساعد على الكشف عن الشخص أو الجماعة التي تبدو في محتوى الاتصال على أنها تقوم بفعل معين أياً كان هذا الفعل. 8_ تحديد السلطة: وذلك للتعرف على المصدر أو المراجع الذي تنسب إليه مادة الاتصال. ويفيد ذلك في التعرف على مدى موضوعية المصدر وإمكانية الثقة فيما يسوقه من معلومات. 9_ تحديد المكان الذي تصدر منه مادة الاتصال: وتستخدم هذه الفئة للتعرف على نوع البيئة التي تصدر منها هذه المادة. هل هي قرية أو مدينة صغيرة أو كبيرة؟ وهل هي عاصمة محافظة أو عاصمة الدولة كلها؟ ويفيد ذلك في الكشف عن القيم السائدة بتلك البيئة، ومدى ما يمكن أن تمارسه من نفوذ على غيرها من البيئات. 10_ تحديد الهدف: تستخدم هذه الفئة للتعرف على نوع الأفراد أو الجماعات التي توجه إليها مادة الاتصال. ب_ فئات شكل الاتصال: وتشتمل على الفئات التالية: 1_ نوع الاتصال: تستخدم هذه الفئة للتفرقة بين الأشكال المختلفة للاتصال مثل تحليل برامج الإذاعة إلى أحاديث وأخبار وموسيقى وأغاني ومتنوعات، وتحليل الكتب إلى روائية وغير روائية... إلخ. 2_ شكل الموضوع: قد يعبر الموضوع عن بعض الحقائق أو الاماني أو كليهما ولذا ينبغي التفرقة بين هذه الأشكال جميعاً. 3_ شدة التعبير: تستخدم هذه الفئة لقياس مدى الانفعال الذي يظهر في محتوى الاتصال: هل العبارات محايدة أو حماسية؟ وهل كان الخطيب أو المحاضر أو المذيع متحمساً عند إلقائه الكلمات أو هادئاً؟ 4_ الوسيلة: ويقصد بها تحديد الطريقة التي تتبع في الإقناع. هل يتم ذلك عن طريق الاستشهاد بكثير من المصادر؟ أو عن طريق تزييف الحقائق... إلخ. 5_ تصنيف المواد المناسبة في العينة: بعد تحديد فئات التحليل، ينبغي تصنيف محتوى الاتصال بطريقة منظمة، فلا يصنف الباحث المواد التي تسترعي انتباهه فحسب، أو التي تخدم فكرة معينة يأخذ بها، وإنما يصف جميع المواد المناسبة في العينة في ضوء جميع الفئات التي سبق تحديدها حتى يمكن الوصول إلى تعميمات علمية سليمة. 6_ تحليل البيانات المصنفة: يستلزم استهداف أسلوب تحليل المحتوى ترجمة الفئات إلى أرقام، وذلك عن طريق رصد تكرار الفئات المختلفة، وتحديد درجات لانتشار وسيلة الاتصال، وشدة تأثيرها في جمهور القراء أو المشاهدين أو المستمعين. وقد اتفق على أن يراعي في الترجمة الكمية للاتجاهات النظرية التي تتضمنها المسائل الإعلامية المختلفة الشروط التالية: 1_ أن يقدر لمضمون المادة الإعلامية درجة واحدة. 2_ أن يضاف لمضمون المادة الإعلامية درجة ثانية لانتشار الوسيلة الإعلامية مثل التوزيع في حالة الصحف. 3_ أن يضاف لمضمون المادة الإعلامية درجة ثالثة لشدة تأثير ونفوذ الوسيلة الإعلامية. 4_ أن يضاف لمضمون المادة الإعلامية درجة رابعة لمكان النشر ودرجة الظهور في الصحف، كما ينطبق ذلك على مكان الخبر بالنسبة للنشرة الإذاعية أو التلفزيونية أو السينمائية. وباتباع هذا المعيار يصير تقويم كل مقال بين درجة وأربع درجات بحسب الشروط السابقة. هذا، ولا ينبغي في سعينا وراء الكم أن نهمل الكيف لأن كليهما له أهميته في البحوث الاجتماعية. 7_ التأكد من ثبات التحليل: لابد لتحليل المحتويات _ باعتبارها أداة علمية_ من توفر صفة الثبات أي لابد أن يحصل الباحث على نفس النتائج لنفس التحليل حتى ولو اختلفت المحلل أو تفاوت الزمن الذي يتم فيه تحليل. وهناك نوعان من الاتفاق لابد أن يتوافر في الاستخدام السليم لأسلوب تحليل المحتوى هما: 1_ الاتفاق بين المحللين المختلفين بمعنى أن يصل المحللون المختلفون لنفس النتائج عندما يستخدمون نفس وحدات التحليل. 2_ الاتفاق بين المحلل ونفسه في فترتين زمنيتين متفاوتتين، بمعنى أن المحلل أو مجموعة المحللين _كل على إنفراد_ يحصل على نفس النتائج عند استخدام نفس الوحدات لنفس المحتويات في فترات زمنية متفاوتة. _ أمثلة واقعية لدراسات تحليل المضمون: قبل أن نختم مناقشة أسلوب تحليل المحتوى نضرب مثالين لدراستين أجريتا في جمهورية مصر العربية، واستخدام فيهما أسلوب تحليل المحتوى الأولى لدراسة قيم الطلاب المصريين في خمس سنوات تمتد من سنة 1957 إلى سنة 1962 قام بها الدكتور محمد إبراهيم كاظم، والثانية قام بها السكتور سيد عويس لدراسة محتوى الخطابات التي أرسلت بالبريد إلى ضريح الإمام الشافعي. أولاً دراسة قيم الطلاب المصريين: قام الدكتور محمد إبراهيم كاظم بدراسة قيم الطلاب المصريين في سنة 1957 متبعاً طريقة محتويات سير الحياة. ولمعرفة اتجاهات التغيرات القيمية قام بدراسة أخرى في سنة 1962 على عينة مماثلة للعينة الأولى. وقد اتبع الباحث طريقة موحدة في جمع سير الحياة بتكليف بعض الأساتذة بجمع هذه السير من الطلبة والطالبات بعد إعطائهم تعليمات مكتوبة، كما ألحق بالتعليمات أسئلة تكميلية يقرأها الطالب بعد الانتهاء من كتابة تاريخ حياته وله أن يجيب عليها أن أحتاج الامر. وفيما يلي وصف الطريقة التي استخدمت في هذه الدراسة لتقدير القيم كمياً. وهي تتكون من ثلاث خطوات: 1_ تحديد العبارات التي تحمل القيم، ثم تفسيرها وتنقيح وتعديل هذا التفسير قي ضوء السياق العام لتاريخ الحياة، والوصول إلى تحديد القيم المعينة المكتشفة ودرجة تأكيدها. 2_ تجميع وتنظيم الوحدات القيمية الخاصة بكل قيمة. 3_ تصنيف وتبويب الدرجات الخام _ أي الوحدات القيمية_ وحساب نسبها المئوية. وفيما يلي الخطوات العلمية لإجراء التحليل: 1_ (أ) اقرأ تاريخ الحياة كله بعناية. (ب) حدد العبارات التي تكشف أو تتضمن قيماً، وعين ماهية هذه القيم. (ج) أمام كل قيمة مكتشفة اكتب الوزن الخاص بها أي عدد الوحدات القيمية التي تصف قوة العبارة التي تضمنت القيمة ومدى تأكيدها لأهميتها. وهذه الأوزان أو الوحدات القيمية تتراوح بين 1، 2، 3، فإذا تضمنت العبارة مجرد قبول القيمة عيّن لها وزناً واحداً أي وحدة قيمية واحدة(1)، فإذا صرحت العبارة بقبول القيمة عيذن لها (2)، فإذا صرحت العبارة بتأكيدها الشديد للقيمة عيّن لها (3). وهذه الوحدات تمثل المرغوب فيها عند كاتب تاريخ الحياة، فإذا كانت القيمة سلبية أي غير مرغوب فيها، أضف للقيمة حرف النفي "لا" كما في "اللاعدوان". 2_ (أ) أعد قائمة بالقيم المتضمنة في مادة الاتصال. وأسفل هذا قائمة بالقيم التي استعملت. وقد اتبع في هذه القائمة تصنيف القيم إلى مجموعات قيمية. وفيما يلي قائمة المبينة في سير حياة الطلبة المصريين: 1_ المجموعة القيمية الأخلاقية: الأخلاق، الصدق، العدل، التقاليد، الطاعة، الدين، اللاتقاليد، اللاطاعة، اللادين. 2_ المجموعة القيمية الاجتماعية الأولى: الظرف (الشخص اللطيف)، الصبر، التواضع، التسامح... إلخ. 3_ المجموعة القيمية الاجتماعية الثانية: حب الوطن، حب الأسرة، الصداقة... إلخ. 4_ المجموعة القيمية الذاتية الأولى: القوة، الذكاء والحكمة، التصميم، المظهر... إلخ. 5_ المجموعة القيمية الذاتية الثانية: اعتبار الذات، الاستقلال، النجاح والوصل... إلخ. 6_ مجموعة قيم الامن: 7_ مجموعة القيم الجسمانية: الصحة، النشاط، الراحة. 8_ مجموعة القيم الترويجية: الخبرات الجديدة، الإثارة، الجمال، المرح... إلخ. 9_ مجموعة القيم العملية: القيمة العملية، القيمة الاقتصادية، التملك... إلخ. 10_ مجموعة القيم المعرفية. 11_ مجموعة القيم المتنوعة: الحرص، النظافة، التثقيف، التكيف، السعادة. ب_ تعتبر القائمة النهائية للقيم التي تكونت في الخطوة السابقة أساساً لجدول يتضمن القيم المتضمنة في تاريخ الحياة. ج_ تجمع الاوزان الخاصة بكل قيمة على حدة وتوضع في مكانها في القائمة وهذا يمثل درجة تأكيد هذه القيمة بالنسبة لغيرها في نفس تاريخ الحياة. د_ تحسب النسب المئوية لكل قيمة ولكل مجموعة قيمية حتى يمكن إجراء المقارنات الإحصائية. 3_ (أ) الخطوات السابقة _كلها خاصة بتواريخ الحياة الفردية. وهي خطوات تتكرر في كل تاريخ حياة وتسجل النتائج في جدول عام ثم تحسب وسيطات النسب المئوية للعينات الفرعية. (ب) تعد جداول لتفريغ النتائج وتوضيح مقدار الوحدات القيمية ونسبها المئوية بالنسبة لكل عينة فرعية. (ج) تستخدم طريقة التحليل العاملي للمقارنة بين العينات الفرعية المختلفة بالنسبة لعامل فرق الزمن وعامل الجنس وعامل التفاعل بين الزمن والجنس. _ ثانياً دراسة ظاهرة رسائل الإمام الشافعي: قام الدكتور سيد عويس بدراسة اجتماعية للرسائل التي أرسلت إلى ضريح الإمام الشافعي عن طريق البريد. وتتمثل أهمية هذه الدراسة في أنها تكشف عن جانب هام من جوانب ثقافتنا. فمن المعروف أن هناك عادات شائعة بين أفراد الشعب تتمثل في التردد على أضرحة المشايخ والأولياء، ونذر النذور لهم، والاستعانة بهم عند الشدائد. ويصل الامر ببعض الناس إلى كتابة عرائض يضمنونها شكاواهم وطلباتهم. ويسقطونها في المقصورات التي تحيط _ في العادة_ برفات الشيخ أو الولي. غير أنه استلفت نظر الباحث، وأثار دهشته الشديدة، ما عرفه من أن هناك أشخاصاً يرسلون إلى الاولياء رسائل بالبريد يضمنونها شكاواهم وطلباتهم. وأهتم الباحث بالرسائل التي أرسلت إلى ضريح الإمام الشافعي في المدة من 1952_1958م. وقد اتبع الباحث في تحليل الرسائل، أسلوب تحليل المضمون. وقد قام بتحليل 162 خطاباً تحليلاً كمياً وتحليلاً كيفياً، ثم انتهى إلى تفسير الظاهرة واضعاً في الاعتبار مقومات ثقافتنا المصرية، والعوامل التي أثرت فيها منذ حضارة الفراعنة حتى عصرنا الحاضر. ونعرض في هذا المجال لطريقة التحليل الكمي التي اتبعت في البحث وكذا الفئات الرئيسية وبعض الفئات الفرعية التي استخدمت في البحث. 1_ عناوين الظروف: "أما موجهة إلى شخص الإمام بدون ذكر ألقاب تعظيم. أو بذكر ألقاب تعظيم. وقد يوجه المظروف إلى ضريح الإمام الشافعي أو إلى المقام أو إلى المسجد). 2_ تواريخ الرسائل. 3_ الأماكن التي أرسلت منها الرسائل. 4_ مرسلو الرسائل. ( وجود اسم مرسلي الرسائل من عدمه ، مكان وجود الاسم، شكل الاسم "إمضاء، ختم، بصمة... إلخ). 5_ نوع الورق المكتوب عليه الرسالة. 6_ وجود البسملة في اول الرسالة من عدمه. 7_ توجيه الرسائل. موجهة إلى الإمام أو إلى الله أو إلى الرسول... إلخ. 8_ أسلوب بداية الرسالة. 9_ مضمون الرسائل. 10_ جنس مرسلي الشكاوى. 11_ أنواع الشكاوى. 12_ المشكو في حقهم. 13_ جنس مرسلي الطلبات. 14_ أنواع الطلبات. 15_ جنس الواعدين بالنذور. 16_ أنواع النذور. 17_ أسلوب خاتمة الرسالة. 18_ صفة الموقعين على الرسالة. 19_ جنس الموقعين. وبالإضافة إلى نظام التحليل الكمي السالف الذكر. قام الباحث بتحليل الخطابات تحليلاً كيفياً على أساس تصنيفها إلى شكاوى وطبقات، ثم حلل كل نوع تحليلاً متعمقاً. _ ثانياً السجلات الإحصائية statistical beeords: أشرنا في بداية هذا الفصل إلى أنه ليس من المفروض في كل بحث اجتماعي أن ينزل الباحث إلى الميدان، ويقوم بجمع البيانات اللازمة من أشخاص معينين. فكثيراً ما تكون البيانات المطلوبة مدونة في سجلات حكومية أو أهلية، ويمكن الإفادة منها والاعتماد لتحقيق أغراض البحث. في هذه الحالة يستطيع الباحث أن يأخذ من السجلات كل ما يسد حاجته من بيانات، موفراً على نفسه كثيراً من الوقت والجهد والمال. وتتميز البيانات الإحصائية التي يستقيها الباحث من السجلات الإحصائية المختلفة بعدة مزايا. فهي فضلاً عن توفيرها كثيراً من الوقت والجهد والمال تسجل لنا مقادير الظاهرة التي ندرسها وما يطرأ عليها من تغيرات مع الزمن. ولما كان من المفروض أن البيانات الإحصائية تقاس بنفس المتغيرات التي تطرأ على الظاهرة موضوع الدراسة، وتساعد على معرفة أسباب الوحدات وبنفس الطريقة خلال الأزمنة المختلفة، فإنها تفيد في الكشف عن هذه التغيرات ونتائجها، وما يمكن أن يكون هناك من علاقة بين هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر. ويعتمد رجال الاقتصاد اعتماداً كبيراً على البيانات الإحصائية في دراسة التغيرات التي تطرأ على الظواهر في الزمن، ويعملون على تحليل ما يسمونه باسم السلاسل الزمنية أو السلاسل التاريخية أي دراسة قيم ومقادير الظاهرة في سلسلة تواريخ متتابعة، ويلون من وراء ذلك إلى تحديد الاتجاهات العامة للتغير، ومعرفة القوانين المتعلقة بالتغيرات المنظمة والعرضية والدورية. وبالمثل يستطيع الباحثون في أي ميدان اجتماعي ان يدرسوا ما يطرأ على الظواهر التي يقومون بدراستها من تغيرات. قام الدكتور فتح الله هلول مثلاً بدراسة التطور العددي للسكان الريفيين والحضريين بالإقليم المصري، وحاول الكشف عن الخصائص الاجتماعية لسكان الريف معتمداً على التعدادات السكانية للإقليم المصري في الفترة ما بين 1917_ 1947م. كما قام باحثون من المركز القومي للبحوث الاجتماعي والجنائية بعدة بحوث عن ظاهرة تشرد الأحداث معتمدين على البيانات الإحصائية. من بين هذه البحوث ما قام به الدكتور سيد عويس وآخرون في دراسة لهم تحت عنوان ظاهرة تشرد الأحداث حدد مجالها الزمني بعام واحد بدأ من أول فبراير 1961 وانتهى في آخر يناير 1962، وروعي أن تمتد هذه الفترة طوال عام كامل حتى يكون هناك احتمال لاستخلاص بعض الدلالات من الإحصاءات، كتأثير فصل الشتاء والصرف على ممارسة أنماط التشرد المختلفة. وحتى تكون الإحصاءات حصيلة وحدة زمنية محددة يمكن اتخاذها أساساً للمقارنة أو القياس. وفي دراسة أخرى قام الدكتور سيد عويس وآخرون بدراسة صور الإجرام في مصر. وقد قسمت فترات الدراسة إلى: الأولى من عام 1925_ 1944، والثانية من 1945_ 1953، والثالثة من 1953_ 1958، واعتمد الباحثون على الإحصاءات الرسمية وكان هدفهم للكشف عن اتجاهات إجرام الأحداث على مر هذه السنين، ومحاولة تفسير التغير في هذه الاتجاهات. وفي دراسة أخرى قام بها طلبة بكالوريوس الخدمة الاجتماعية تحت إشراف المؤلف، حاول الباحثون دراسة ظاهرة الانتحار والشروع فيه في الجمهورية العربية المتحدة. وقد اعتمد الباحثون على احصائيات تقارير الأمن العام لوزارة الداخلية خلال ثلاثة عشر عاماً من 1950 إلى 1962 وأمكنهم أن يحددوا الاتجاهات العامة لظاهرة الانتحار والشروع فيه وتوزيع كلمن هاتين الظاهرتين بالنسبة للذكور والإناث، وفئات العمر والمهن، وما إلى ذلك من تقسيمات. هذا ولما كانت البيانات الإحصائية تجمع بانتظام وبطريقة روتينية فإنها لا تثير مقاومة المبحوثين كما هو الحال في جمع البيانات بطريق الملاحظة والمقابلة والاستبيان. _ أوجه استخدام البيانات الإحصائية: يمكن الاستفادة من البينات الإحصائية فيما يلي: 1_ صياغة الفروض المتعلقة بالمشكلة: ليس من شك في ان البيانات الإحصائية تجمع لأغراض أخرى غير أغراض البحث الذي يقوم به الباحث. ولذا يمكن الاستفادة منها في صياغة فروض متعلقة بالمشكلة موضوع الدراسة. وينبغي على الباحث أن يتعمق في قراءة البيانات الإحصائية حتى يستطيع أن يوجه الأسئلة المناسبة التي يمكن الإجابة عليها باستخدام هذه البيانات. كما ينبغي أن يكون مرناً في وضع الأسئلة المتعلقة بفروض البحث بصورة يتيسر معها استخدام البيانات المتوفرة لديه. 2_ التحقق من صحة الفروض الموضوعية: تفيد البيانات الإحصائية في التحقق من صحة الفروض التي يضعها الباحث. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما قام به دوركايم في دراسته التي أجراها عن الانتحار إذ استطاع باستخدام البيانات الإحصائية أن يفند بعض الفروض عن أسباب الانتحار مثل العوامل الجوية والنفسية، وأن يثبت أن الميل إلى الانتحار يتناسب عكسياً مع درجة التكامل في الهيئة الدينية ومع درجة التماسك في الأسرة، ومع الوحدة في الهيئة السياسية. فكلما قويت هذه الهيئات الثلاث واشتدت سلطاتها على الأفراد كلما قل عدد المنتحرين. 3_ اختيار عينات البحث: تفيد البيانات الإحصائية في اختيار بعض الحالات التي يمكن دراستها دراسة متعمقة والتي تساعد على تزويد الباحثين باستبصارات جديدة عن الموضوع الذي يرغبون في دراسته، كما تفيد في اختيار عينة من المدارس تختلف في مستوياتها التعليمية. أو عينة من المصانع تختلف في مستوياتها الإنتاجية... وهكذا. 4_ التأكد من البيانات التي سبق جمعها بوسائل أخرى: يمكن الاستفادة من البيانات الإحصائية في التأكد من صحة البيانات التي سبق جمعها بوسائل أخرى كالملاحظة والمقابلة والاستبيان أو لتكملة هذه البيانات. _ مصادر البيانات الإحصائية: تختلف المصادر الإحصائية باختلاف الظاهرة موضوع الدراسة ويمكن تحديد أهم المصادر الإحصائية فيما يلي: 1_ تعداد السكان: هو عبارة عن عملية عد تشمل جميع سكان البلد ف وقت واحد. وهذه العملية ترمي في نفس الوقت إلى التعرف على الأوضاع المختلفة للسكان مثل العمر والنوع والحالة المدنية والحالة العلمية والحالة العملية والديانة والجنسية، وغير ذلك من الأوضاع التي تساعد على إعطاء صورة كاملة لأحوال الشعب. وقد أجري أول تعداد السكان في مصر سنة 1882 وتلاه آخر سنة 1897، ومنذ ذلك التاريخ تقوم الحكومة بعمل تعداد للسكان مرة كل عشر سنوات بانتظام وقد أجري تعداد السكان الثامن بالجمهورية في سبتمبر 1960 نظراً لأن ظروف العدوان الثلاثي على مصر حالت دون إجرائه في سنة 1957، ويتميز بالآتي: 1_ اتخذت الوحدات الإدارية أساساً للعمليات الميدانية بخلاف التعدادات السابقة التي تجري وفقاً للعمليات المالية. وكانت الشياخة أو القرية أصغر الوحدات الإدارية في عملية جمع البيانات. 2_ صدرت نتائج التعداد النهائية في جزئين: الأول: كراسة لكل محافظة. وتعتبر الشياخة أو القرية أصغر الوحدات التي تنشر عنها بيانات تفصيلية. الثاني: كراسة للجمهور. بعض جداولها على مستوى المحافظة والباقي بيانات إجمالية عن الجمهور. هذا وتفيد تعدادات السكان في إعطاء صورة واضحة لحالة السكان من جميع النواحي، نعرف بواسطتها أثر التشريع القائم في سرعة نهوض الشعب وتقدمه، وتحكم على صلاحية النظم والتقاليد السائدة وملاءمتها لتطورات العصر ومقتضيات الأحوال. وقد فكرت كثير من الدول في جعل التعداد كل خمس سنوات بدل عشر، ولكن النفقات الكبيرة والمجهودات الفنية اللازمة لإجراء التعداد تحول دون تحقيق هذه الرغبة. 2_ إحصاءات المواليد والوفيات: تسجيل المواليد والوفيات أمر تحتمه القوانين. وفي مصر تقوم مكاتب الصحة بتسجيل المواليد والوفيات وتبلغ هذه البيانات تباعاً إلى مصلحة الإحصاء حيث تبوب وتنشر في جداول ونشرات دورية منظمة. 3_ إحصاءات الزواج والطلاق: توجد في كل البلاد المتحضرة إحصاءات وافية عن الزواج والطلاق إلا ان السجلات الخاصة بالزواج في مصر لم يبدأ تنظيمها إلا في سنة 1931 للمدن الكبرى، وفي سنة 1935 لجميع البلاد المصرية. أما عن الطلاق فلم تكن مصر أية إحصاءات عن الطلاق قبل سنة 1935. اما الآن فيتحتم تسجيل الطلاق وإعطاء بيانات كافية عن أسباب الطلاق وظروف الزوجين وهذه البيانات ترسل تباعاً إلى مصلحة الإحصاء وتبوب وتنشر في جداول ونشرات دورية منتظمة. 4_ الإحصاءات المتخصصة: وأهم هذه الإحصاءات ما يأتي: 1_ إحصاءات الأمن العام: تصدر إدارة الأمن العام بجمهورية مصر تقريراً سنوياً يتضمن إحصاءات متعلقة بأنواع الجنايات التي وقعت بالمحافظات وحوادث الانتحار والشروع فيه والوسائل التي استخدمت في الانتحار، وبيانات عن الفارين من الجندية والهاربين من الليمانات والسجون وبيان الجنح التي وقعت بالمحافظات. 2_ الإحصاءات الاجتماعية: يصدر المجلس الدائم للخدمات العامة أطلساً للخدمات باللغتين العربية والانجليزية. ويحتوي على الخدمات الصحية والتعليمية وأثر تنفيذ برنامج الوحدة المجمعة في انتشار الخدمات في الريف. ونسب المناطق المخدومة، وتكاليف الإنشاء والإدارة السنوية للوحدة المجمعة وعدد المراكز والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات التعاونية والخيرية، كما يشتمل على بعض المقرنات عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وتصدر مصلحة الإحصاء والتعداد إحصاء عن الأجور وساعات العمل. 3_ الإحصاءات التعليمية: تصدر مصلحة الإحصاء والتعداد الإحصاء العام لمعاهد التعليم، كما تصدر إدارة الإحصاء بوزارة التربية والتعليم الإحصاء السنوي للتعليم، وإحصاءات عن المؤهلات والمستويات لهيئات التدريس، ونتائج الامتحانات واتجاهات الخريجين. 4_ الإحصاءات الزراعية والتجارية والصناعية واحصاءات النقل والمواصلات: تصدر نشرات متعددة متعلقة بالنواحي السابقة. ويمكن الرجوع إليها في دليل المصادر الإحصائية. _ حدود البيانات الإحصائية: ليس من شك في أن البيانات الإحصائية لها أهميتها الكبرى في مجال البحث الاجتماعي، إلا أن هناك مواطن ضعف في هذه البيانات نذكرها فيما يلي: 1_ كثيراً ما تنطوي الإحصاءات الرسمية على بعض الثغرات التي تعوق الباحث عن مواصلة البحث، فقد تكون البيانات ناقصة أو مدونة بصفة إجمالية بحيث لا يتيسر للباحث الاستفادة منها سواء في فرض الفروض أو في التحقق من صحة ما وضعه من فروض. ويلاحظ أن هذه الشكوى عامة من الباحثين المختلفين في المجتمعات المختلفة مع تفاوت في الدرجة. وقد ناقش المركز القومي للبحوث الاجتماعية هذه النقطة بقوله: إن كثيراً من جوانب خبرتنا الاجتماعية تشير إلى صحة هذا الافتراض كما أن كثيراً من جوانب خبرتنا العلمية الناتجة عن إطلاعنا على عدد من البحوث الاجتماعية تشير إلى أن هذه الشكوى عامة من الباحثين في المجتمعات المختلفة مع تفاوت في الدرجة. غير أن هذه الخبرات جميعاً لا تبرر المغالاة في الاهتمام بهذا الاعتراض إلى الدرجة التي قد تشل الباحث عن مواصلة البحث، لاسيما وأن الإحصاءات الاجتماعية هي المادة الخام التي يعتمد عليها في عدد كبير من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وعلى ذلك فليس أمام الباحثين في هذه الميادين إلا ان يختروا واحداً من أمرين. فإما أن يتقبلوا هذه الحقيقة ويحاولوا التغلب على بعض آثارها السيئة مع التواضع فيما يولونه من ثقة للاستنتاجات التي يرتبونها على تحليل هذه الإحصاءات غير الدقيقة، أو يمتنعون تماماً عن البحث في الظواهر الاجتماعية حتى تتوافر الاحصائيات الدقيقة دقة تامة. على أن الاحصائيات ذات الدقة التامة مثل أعلى يندر أن يتحقق وبخاصة فيما يتعلق بجوانب الحياة الاجتماعية. ويبدو أن تحققها سيظل كذلك مثل أعلى نادر الحدوث، نظراً للعوامل التي لا نهاية لعددها التي تتدخل _ بطرق لا حصر لها_ في تحديد المستوى الذي تصل إليه هذه الدقة. ومعنى ذلك أن اختيار الامتناع عن البحث حتى تتوافر الاحصائيات الدقيقة اختيار عقيم لأن هذا الاختيار ينطوي من الناحية المنطقية على القضاء التام على الدراسة العلمية لمظاهر النشاط الاجتماعي جميعاً. 2_ قد لا تكون معاني المصطلحات واحدة في الإحصاءات المختلفة. فقد تختلف باختلاف المصدر والزمان والمكان مما يجعل من الصعوبة بمكان استخدام البيانات الإحصائية في الدراسات المقارنة. 3_ قد لا تكون الوسائل التي اتبعت في جمع البيانات الإحصائية صحيحة أو لا تكون معبرة تعبيراً دقيقاً عن الواقع. فاحصاءات الجريمة مثلاً تعتمد على الحالات التي ضبطت فعلاً، ولكن توجد حالات أخرى يتستر عليها المجتمع ولا يعرف عددها. ولذا ينبغي قبل استخدام الإحصاءات التأكد من دقتها وصحة الأساليب التي استخدمت في جمعها. 4_ لا تكفي البيانات الإحصائية وحدها في فهم المواقف الاجتماعية فهماً كاملاً، أو لإعطاء صورة متعمقة للظاهرة المدروسة. ولذا ينبغي الاستعانة بأكثر من أسلوب من أساليب جمع البيانات والاستفادة من الكيفية والكمية معاً، حتى يتيسر فهم الموقف الاجتماعي فهماً صحيحاً كاملاً.

هناك تعليق واحد: