السبت، 7 نوفمبر 2015

محاضرة عن التصميم المنهجي للبحث

التصميم المنهجي للبحث: _ ماهيته وأهمية وإجراءاته: البحث العلمي ذو طبيعة متماسكة، تتصل فيه المقدمات بالنتائج، كما ترتبط فيه النتائج بالمقدمات، لذا فإن من الضروري أن يقوم الباحث _ منذ اختياره للمشكلة_ بوضع تصميم منهجي دقيق لكافة الخطوات التي يشتمل عليها البحث. ويتطلب هذا التصميم بلورة المشكلة وصياغتها صياغة دقيقة، وتحديد نوع الدراسة ومناهج البحث والأدوات اللازمة لجمع البيانات، والطريقة التي تعالج بها البيانات من حيث التحليل والتفسير. مع مراعاة الزمن المناسب لإجراء البحث، واستبعاد جميع العوامل والظروف غير المرغوب فيها والتي قد تؤثر في سير الدراسة. ونظراً لأهمية التصميم المنهجي للبحث، فإننا نحاول في هذا الفصل أن نحدد ماهيته، وأهميته، والعمليات والإجراءات المتصلة به. أولاً معنى البحث: حاول كثير من المشتغلين بمناهج البحث الاجتماعي وضع تعريف دقيق لمفهوم البحث. من بين تلك التعريفات أنه " سعى وراء المعرفة باتباع أساليب علمية متقنة"، ومنها أنه " استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف علمية يمكن توصيلها communicable، والتحقق من صحتها، عن طريق الاختبار العلميverifiable ، ومنها أنه " استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق وقواعد عامة يمكن التحقق منها مستقبلاً"، ومنها أنه " وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة، وذلك عن طريق الاستقصاء الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة". ومن الممكن تعريف البحث بأنه: ( الدراسة العلمية المنظمة لظاهرة معينة باستخدام المنهج العلمي للوصول إلى حقائق يمكن توصيلها والتحقق من صحتها). ووفقاً لهذا التعريف، فإن من الممكن تقسيم عناصر البحث الأساسية إلى ثلاثة أنواع: الموضوع، والمنهج، والهدف. فمن حيث الموضوع يستلزم البحث وجود ظاهرة أو مشكلة معينة تتحدى تفكير الباحث وتدفعه إلى محاولة الكشف عن جوانبها الغامضة. ومن الممكن أن تكون الظاهرة المدروسة ظاهرة سوية أو ظاهرة مرضية، كدراسة نظام الزواج في المجتمعات الريفية او الحضرية، أو مشكلة الطلاق، أو جناح الأحداث، أو البطالة بين المتعلمين. ومن الضروري أن يتجه البحث إلى تحقيق أهداف عامة غير شخصية. صحيح أن كل بحث يبدأ بشعور الباحث بمشكلة معينة، غير أن من الضروري أن تكون المشكلة ذات قيمة علمية، أو دلالة اجتماعية عامة. ومن حيث المنهج يستلزم كل بحث استخدام المنهج العلمي في الدراسة، ويتطلب ذلك اتباع خطوات المنهج العلمي التي سبقت الإشارة إليها، والالتزام بالحياد والموضوعية، والاستعانة بالأدوات والمقاييس التي تعين على دقة النتائج، والاقتصار على دراسة الوقائع المحسوسة بالصورة التي توجد عليها لا كما ينبغي أن تكون. ويترتب على استخدام المنهج العلمي ان نتائج البحث تكون قابلة للاختبار والتحقق بحيث إذا اختار باحث آخر نفس المشكلة، واتبع نفس الخطوات، واستخدام نفس المناهج والأدوات التي استخدمته في البحث أمكنه أن يحصل على نفس النتائج. أما من حيث الهدف فإن البحث يهدف إلى تقديم إضافة جديدة، وهذه الإضافات تختلف من بحث إلى آخر. فقد يسعى باحث وراء حقيقة علمية جديدة لم يسبقه إليها أحد، في الوقت الذي يسعى فيه باحث آخر إلى التحقق من صدق بعض النتائج التي توصل إليها غيره من الباحثين. وفي بعض الأحيان تكون الإضافة غير قابلة للتعميم إلا في أضيق المجالات، وفي أحيان أخرى تكون الإضافة على مستوى عال من التجريد والعمومية. وليس من الضروري في كل بحث أن يوفق الباحث في الوصول إلى الحقيقة فقد يضع فروضاً معينة يحاول التحقق من صحتها ثم يثبت له بطلانها وليس في ذلك ما يقلل من قيمة البحث، فالعلم يستفيد من الفروض الصحيحة والفروض غير الصحيحة، وكلما أثبت البحث خطأ فرض من الفروض، كلما اقترب الباحثون من الحقيقة. ومن الضروري أيضاً نقل وتوصيل نتائج البحث إلى الأشخاص الذين تعنيهم هذه النتائج، ولذا فإن كل بحث لا يكتب عنه تقرير مفصل تعرض فيه الخطوات وتدون فيه النتائج يعتبر ناقصاً. ثانياً معنى التصميم المنهجي: يعرف التصميم بأنه" عملية اتخاذ قرارات قبل ظهور المواقف التي ستنفذ فيها هذه القرارات". وبعبارة أخرى يمكن تعريفه بأنه عبارة عن "عملية توقعات متعمدة تتجه نحو إخضاع موقف متوقع تحت الضبط. ونستطيع أن نضرب مثالاً نوضح به معنى التصميم بما يقوم به القائد في الميدان. فالقائد الذي يضع تصميماً للمعركة، إنما يفكر مقدماً في الظروف الموضوعية التي تواجهه، ثم يتخذ قرارات محددة بالنسبة لكل موقف من تلك المواقف المستقبلية، فيقرر عدد الوحدات وأنواع الأسلحة التي سيستخدمها في المعركة، وطريقة الوصول إلى العدو، ثم يحاول رسم نموذج للخطة على ضوء القرارات التي يتخذها. وهذا النموذج يمكنه من معرفة مدى ارتباط القرارات بعضها ببعض، كما يمكنه من تعديل الخطة أو تغييرها إذا لزم الأمر. ولا شك في أن تطبيق هذا المنال على البحث واضح. فلو أننا نظرنا في المشكلة موضوع الدراسة، والمشكلات المتفرعة منها، وقررنا ما الذي سنعمله لحل هذه المشكلات، فإننا بالتالي سنزيد من فرص ضبط إجراءات البحث عند التنفيذ العلمي لهذا البحث. ويستلزم التصميم المنهجي من الباحث معرفته بالأسس التي يبني عليها قرارات التصميم. فإذا قرر الباحث اختيار عينة طبقية من أفراد المجتمع بدلاً من اختيار عينة عشوائية بسيطة، أو الاعتماد على الاستبار interview في جمعه للبيانات التي تلزمه عن موضوع بحثه بدلاً من الاعتماد على الاستبيان البريدي mailed questionnaire وكان قادراً على تقديم المنهج الذي اتبعه للوصل إلى هذه القرارات، أو على الأقل جملة قابلاً التقويم، فإننا نكون بصدد منهجي للبحث. وعلى هذا فإن التصميم يستلزم ما يأتي: 1_ تخطيط البحث بدرجة كافية قبل تنفيذه. 2_ تقويم المنهج الذي اتبع للوصول إلى قرارات التصميم، أو جعل هذا المنهج قابلاً للتقويم. ثالثاً الاستراتيجية والتكتيك في التصميم: تشير الاستراتيجية إلى القدرة على التفكير في المشكلة بأسرها تفكيراً شاملاً يهدف إلى وضع خطة هامة أو تنظيم شامل. أما التكتيك فإنه يعني الاستخدام الصحيح للوسائل المتاحة لتحقيق الهدف. ولكي يتم استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً لابد وأن تكون هذه الوسائل موزعة وفقاً لخطة حسنة الإعداد من شأنها أن تمكن واضع التكتيك من أن يستغل جميع الأدوات التي تحت تصرفه استغلالاً كاملاً. ومن مستلزمات التصميم المنهجي للبحث الاجتماعي أن تكون هناك خطط استراتيجية وأخرى تكتيكية تعين الباحث على تحقيق أهداف البحث، وتساعد على الحصول على أحسن النتائج. فالخطط الاستراتيجية تساعده على تعيين المراحل الكبرى للبحث، والمعالم الرئيسية لنوع المعلومات المطلوبة في كل مرحلة، ونوع الأدوات اللازمة لجمع هذه المعلومات ونوع التحليلات الكمية أو الكيفية التي ستجري عليها الخطط الاستراتيجية. أما الخطط التكتيكية فإنها تنشأ لمواجهة المواقف العلمية أثناء جمع البيانات والتصرف في هذه الموقف سواء أكانت متوقعة او غير متوقعة تصرفاً سليماً. ومن الضروري أن يتصف التعميم بالمرونة لمواجهة التغيرات الطارئة، والمواقف غير المتوقعة، ولتصحيح انحرافات التقدير التي لا مفر منها مهما ارتفع مستوى التقدير والتصميم. رابعاً أهمية التصميم: يتساءل بعض الباحثين: هل هناك ضرورة لتصميم البحث تصميماً منهجياً قبل بدء في جمع البيانات؛ أليس من الممكن النزول إلى الميدان وإجراء الملاحظات وجمع البيانات دون ما حاجة إلى تصميم؛ ولماذا لا نحدد الوسائل التي تعين على تصنيف البيانات وتحليلها بعد جمع البيانات. ويرى أصحاب هذا الرأي أن الوقت المطلوب للتصميم يضيع عبثاً، كما أن التصميم الشامل للبحث يكلف الكثير، ومن الممكن الحصول على البيانات الدقيقة دون الحاجة إلى الانتظار الطويل حتى تتم إجراءات التصميم. ويرى كثير من المشتغلين بمناهج البحث ان هذه الحجة قد تصدق بالنسبة لبعض المواقف الطارئة في البحث، ولكنها لا تصدق بالنسبة لجميع مواقف البحث العلمي وذلك لعدة أسباب أهمها: 1_ يفيد التصميم في أنه يهيئ للباحث سبيل الحصول على بيانات دقيقة بأقل جهد. وفي هذه الحالة يمكن أن ينظر إلى التصميم على أنه اقتصادي في المدى الطويل، وعلى أنه عامل رئيسي في نجاح أي بحث من البحوث. 2_ يحدث في كثير من البحوث التي لا تقوم على أساس التصميم المنهجي أن يكتشف الباحث أثناء جمعه البيانات أنه لابد من إحداث بعض التعديلات التي لم تكن في الحسبان، أو أن بعض جوانب الدراسة يستأهل الحذف أو التغيير لأنها بالصورة التي هي عليها لا تجدي كثيراً. وقد كان من الأفضل أن يقدم الباحث على البحث الأصلي وقد أعد خطته على أساس من الحذف أو التعديل بدلاً من الاندفاع إلى الميدان معرضاً نفسه للخطأ المستمر، ومضيعاً وقته وجهده فيما لا جدوى من ورائه. 3_ يحدث في بعض الأحيان أن يقوم الباحث ببحث يستغرق عدة أعوام، ثم يتبين له بعد جمعه للبيانات أنها عديمة الجدوى، وأنه لا يستطيع تبويبها أو تصنيفها في نسق معين، بحيث يمكنه استخلاص النتائج منها. وقد كان من الممكن تفادي هذه الأخطاء بتصميم البحث قبل البدء في عمليات جمع البيانات. 4_ هناك مسائل جديدة لا يستطيع الباحث أن يواجهها بنفس الأساليب القديمة. وفي هذه الحالة يجد الباحث نفسه مضطراً الاصطناع أدوات ومناهج جديدة تمكنه من دراسة الموضوع بالأسلوب الذي يناسبه. ومن الملاحظ أن الباحث الذي لا يعني بتصميم البحث يحاول استخدام الأدوات القائمة دون أن يعمل على تحسينها أو تطويرها بخلاف الباحث الذي يعني بالتصميم. وليس من شك في أن على الباحث الاجتماعي في هذه الظروف واجباً يلزمه بإعادة النظر في المناهج والأدوات التي يستخدمها حتى يستطيع أن يرتقي بطرق البحث، وحتى يستطيع أن يساهم مساهمة إيجابية في دراسة الظواهر والمشكلات والعلاقات الاجتماعية بأساليب أكثر دقة وإتقاناً. ونحن لا نستطيع أن ننتظر اكتشافاً يأتي لنا عن طريق الصدفة وحدها لتحسين مناهج البحث وأدواته. ولن يأتي لنا ذلك إلا عن طريق التصميم المنهجي الدقيق للبحوث الاجتماعية. ونود أن نشير في هذا المجال إلى أن التصميم المنهجي للبحث قد يختلف عن الإجراءات العملية التي تستخدم أثناء تنفيذ البحث، ذلك لأن التصميم المنهجي ينصب على تحديد طرق البحث المثالية التي يمكن اتباعها إذا لم توجد عقبات عملية أثناء إجراء البحث، غير أن الباحث قد تصادفه ظروف تضطره إلى التنازل عن المثل الأعلى الذي ينبغي تحقيقه، والعمل على الملائمة بينه وبين الواقع العملي الذي يمكن تحقيقه. وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين النماذج المثالية التي يضعها الباحث وبين ما يقوم به فعلاً أثناء التنفيذ العملي للبحث، فإن هذا لا يعني عدم جدوى التصميم المنهجي، بل يؤكد أهميته لأن الباحث عن طريق النموذج الذي يضعه يستطيع أن يحدد العوامل المختلفة التي تؤدي إلى الانحراف عن ذلك النموذج، ومدى تأثيرها في نتائج البحث. وباستيعاد أثر هذه العوامل يستطيع الباحث ان يحدد ما يمكنه الوصول إليه من نتائج في حالة عدم وجود هذه العوامل. خامساً عمليات الاتصال في البحث الاجتماعي: يهتم العلماء الاجتماعيون بعمليات الاتصال التي تنشأ بين الأشخاص المشتركين في عملية البحث وبينهم وبين البيئة الاجتماعية التي يتفاعلون معها. ويحاول العالم الأمريكي" أكوف ackoff" تحديد الأشخاص الذين يقومون بأدوار مختلفة، كما يخطط نموذجاً لعملية البحث "انظر الشكل رقم 2" يوضح فيه أوجه الاتصال القائمة بينهم. ويتضح من النموذج أن هناك أربعة أشخاص موضع اتصال في البحث، وهؤلاء الأشخاص هم: 1_ المستفيد أو المستفيدون the consumer (s) 2_ العالم أو العلماء the scientist (s) 3_ الملاحظ أو الملاحظون the observer (s) 4_ الملاحظ (المبحوث) the observed فإذا قلنا أن مدير أحد المصانع طلب إلى أحد الباحثين أن يقوم بدراسة ميدانية لمعرفة أسباب غياب العمال في مصنعه. في هذه الحالة يكون المستفيد هو صاحب المصنع، والعالم هو الباحث الذي يضع تصميم البحث، أما الملاحظون فهم جامعو البيانات، على حين أن الملاحظين لا يخرجون عن كونهم عمال المصنع المتغيبين. ومن الملاحظ أن هؤلاء الأربعة لا يمثلون بالضرورة أربعة أشخاص يتميزون بعضهم عن بعض، ولكنهم في الواقع يمثلون أدوار اتصالية. وكثير من هذه الأدوار قد يملؤها شخص واحد. فقد يكون العالم في أحد البحوث هو الملاحظ والمستفيد، ومن ناحية أخرى فإن كل دور من الأدوار الأربعة قد تملؤه جماعة بدلاً من ان يملأه فرد واحد. وبصرف النظر عن الأفراد الذين تشملهم العملية سواء أكانوا واحداً، أو جملة أفراد، فإن الأدوار الاتصالية توجد في كل بحث. وتنحصر أوجه الاتصال فيما يلي: 1_ يقوم المستفيد بإحالة المشكلة على الباحث. 2_ يقوم الباحث بتصميم البحث، وتدريب الملاحظين (جامعي البيانات) والإشراف عليهم. 3_ يجمع الملاحظون البيانات اللازمة سواء عن طريق الملاحظة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل جمع البيانات. 4_ يحصل الملاحظون على استجابات المبحوثين. 5_ يسجل الملاحظون الاستجابات ويقومون بتبويبها ثم إحالتها إلى البحث. 6_ يحلل الباحث البيانات التي يحصل عليها ويستخلص النتائج ويضع المقترحات ثم يعرضها على المستفيد ليختار منها الحلول المناسبة. ولا ريب في أن فهم أوجه الاتصال المختلفة يساعد إلى حد كبير على اكتشاف مصادر الخطأ المحتملة تعتمد على عدد كبير من الملاحظين والمستجيبين. وتتجه الجهود دائماً نحو التقليل من الأخطاء التي قد يقع فيها جامعو البيانات، إلا أن عمليات الاتصال المختلفة تكتشف لنا عن حقيقة أخرى وهي أن المستفيد ومصمم البحث، والمستجيب قد يكونون مصدراً محتملاً للخطأ. ولذا فإن من الضروري عند تصميم البحث، العمل على تقليل الأخطاء المحتملة "التي قد يكون مصدرها جميع المشتركين في عمليات الاتصال. الشكل رقم 2 نموذج لعملية البحث عن كتاب أكوف، ص9 (أ) لديه مشكله "المستفيد" 1_ يحيل المشكلة (ب) يصمم البحث "العالم، الباحث" 2_ يدرب ويشرف (ج) ينتقل إلى مواقف الملاحظة أو يوجدها "الملاحظ، جامع البيانات" 3_ يلاحظ الملاحظ "المبحوث" 4_ يستجيب (د) يسجل الاستجابات " الملاحظ، جامع البيانات" 5_ يبوب الاستجابات (هـ) يحلل البيانات "العالم، الباحث" (6) يعرض النتائج (و) يختار طريقة للعمل لحل المشكلة " المستفيد"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق