الثلاثاء، 26 يناير 2016

مادة علم اجتماع السكان

بسم الله الرحمن الرحيم جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية استاذ المقرر: د/ أحمد محمد قاسم عتيق المقرر: علم اجتماع السكان عدد ساعات المقرر: 3 ساعات تلفون : 0543003456 الايميل: ahmedateeq444@gmail.com المستوى الرابع الفصل الدراسي الثاني 1436/1437هـ توزيع الدرجات الأعمال الفصلية مجموعة من الاختبارات الجماعية والفردية داخل قاعة المحاضرات حسب توفر المعلومات المناسبة موضحة في جدول الأسابيع مجموع درجاتها 100 درجة الواجبات الاسبوعية عشر أوراق عمل خلال الفصل الدراسي يتم إعطاء كل مجموع من الطلاب بداية كل محاضرة تعد لها كل مجموعة أسبوعاً كاملاً وتعطي كل مجموعة من 5_7 دقائق للعرض مجموع درجاتها 100 درجة حلقات النقاش تعتمد حلقات النقاش على القراءة الاسبوعية حسب الجدول الاسبوعي للمحاضرات ويتم مناقشة موضوع ورقة العمل الاسبوعية داخل القاعة لكل مجموعة من المجموعات من 5_7 دقائق الاختبار النهائي 100 درجة توزيع المقرر حسب الأسابيع الاسبوع الموضوع ملاحظات الأول 30/12/1436هـ مقدمة عامة عن المنهج الثاني 16/12/1436هـ الظواهر السكانية وضرورة دراستها في المجتمع علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الأول الصفحات21_54 الجزء الأول21_30 الثالث 23/12/1436هـ الظواهر السكانية وضرورة دراستها في المجتمع علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الأول 21_54 الجزء الثاني 30_54 الرابع 1/1/1436هـ الاختبار الأول للمجموعات علم اجتماع السكان بين الديموغرافيا والدراسات السكانية علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثاني الصفحات 55_89 الجزء الأول55_68 الخامس 8/1/1437هـ علم اجتماع السكان بين الديموغرافيا والدراسات السكانية علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثاني الصفحات 55_89 الجزء الثاني68_89 السادس 15/1/1437هـ نظريات علم اجتماع السكان علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثالث الصفحات89_116 الجزء الأول 89_106 السابع 22/1/1437هـ نظريات علم اجتماع السكان علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثالث الصفحات 89_116\الجزء الثاني107_116 الثامن 29/1/1437هـ الاختبار الثالث للمجموعات بناء السكان والنظم الاجتماعية علم اجتماع السكان: جبلي الفصل السادس الصفحات 161_174 التاسع 7/2/1437هـ الخصوبة والبناء الاجتماعي علم اجتماع السكان: جبلي الفصل السابع الصفحات 181_208 الجزء الثاني202_208 العاشر 15/2/1437هـ الخصوبة والبناء الاجتماعي علم اجتماع السكان: جبلي الفصل السابع الصفحات 181_208 الجزء الثاني202_208 الحادي عشر 22/2/1437هـ الهجرة ودورة الأسرة علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثامن الصفحات209_236 الجزء الأول209_215 الثاني عشر 29/2/1437هـ الهجرة ودورة الأسرة علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثامن الصفحات209_236 الجزء الثاني215_236 الثالث عشر 7/3/1437هـ الوفيات والطبقات الاجتماعية علم اجتماع السكان: جبلي الفصل التاسع الصفحات 241_260 الرابع عشر 15/3/1437هـ بناء السكان وديناميات التنمية علم اجتماع السكان: جبلي الفصل الثاني عشر الصفحات 309_332 الخامس عشر 22/3/1437هـ الاختبار السادس للمجموعات اختبار شامل على المنهج الهدف من دراسة المادة: 1_ التعرف على الخليفة التاريخية لدراسة الظاهرة السكانية ، و محاولة الإحاطة بمفاهيم المادة. 2_ التعرف على الظاهرة السكانية ، وما يتصل بها من حيث الحجم ، و الكثافة ، و التوزيع . 3_ التعرف على النظريات في مجال علم اجتماع السكان. 4_ التعرف على الهجرة ، و تأثيرها على حركة السكان بين الزيادة ، و النقصان. 5_ التعرف على سياسات الدولة في مجال نمو السكان. أمور يجب مراعاتها: 1_ يفضل الحضور إلى المحاضرة في وقت مبكر حتى يتسنى للجميع الاستفادة من الوقت المحدد للمحاضرة. 2_ لا يسمح لأي طالب بالدخول بعد دخول وقت المحاضرة. 3_ تعتمد المحاضرة على القراءة المسبقة حسب الجدول الأسبوع والمواضيع المحددة لكل أسبوع على الطالب المتابعة والإعداد للمحاضرة من خلال قراءة الموضوع المحدد لكل محاضرة، حيث تعتبر المناقشة وإبداء الرأي أمران مهمان لإثراء المحاضرة وتكوين وبناء المادة العلمية لها، وهذا يعني أن الطالب يشارك في البناء المعرفي والعلمي للمقرر ولا يحضر كمستمع. 4_ ورقة عمل اسبوعية جماعية تعطى في بداية كل محاضرة من كل أسبوع ويتم التحضير لها بقراءة الموضوع مسبقاً وقبل الوقت المحاضرة يتم العمل عليها 25 دقيقة من وقت المحاضرة ثم تناقش في الوقت المتبقي من المحاضرة حيث تقدم كل مجموعة ورقتها من 5 إلى 7 دقائق. 5_ تستطيع كل مجموعة أن تجمع 100درجة خلال الفصل الدراسي في خمس اختبارات وتعتبر هذه الأعمال الفصلية لكل مجموعة. 6_ مجموعة من الاختبارات الفردية لكل طالب تعطى داخل القاعة خارج نطاق المجموعات وتعتبر هذه الاختبارات فرصة لكل طالب أن يعزز قدراته وثقته في نفسه ويعتبر الحد الأدنى لمجموع الاختبارات الفردية هو 85 درجة لحد أدنى للأعمال الفصلية. 7_ تعتبر المذكرة أساسية في كل محاضرة والطالب الذي لا يحضر المذكر لا يسمح له بالبقاء في القاعة. 8_ القلم والدفتر مؤشران لجدية الطالب واهتمامه ويعتبران من الأهمية بمكان أن يرافقا الطالب في كل محاضرة يحضرها. 10_ المذكرة توجد في مكتبة المواهب حي الفلاح قريب من مقر الجامعة العربية المفتوحة. 11_ إغلاق الجوال بشكل تام أثناء المحاضرة ومخالفة ذلك يعتبر مخالفة صريحة يتم إقصاء الطالب من المحاضرة، وإذا تكرر الأمر قد يطلب منه حذف المقرر. مراجع ينصح بالرجوع إليها في علم اجتماع السكان: 1_ جبلي، علي عبدالرزاق 2013، علم اجتماع السكان، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان: الأردن 2_ عبد الجواد، مصطفى خلف 2013، علم اجتماع السكان، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان: الأردن 3_ عبدالجواد، مصطفى خلف2009، علم اجتماع السكان، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان: الأردن 4_ الخريف، رشود بن محمد2003، السكان المفاهيم والاساليب والتطبيقات، جامعة الملك سعود، الرياض 5_ كرادشة، منير عبدالله2009، علم السكان الديموغرافيا الاجتماعية عالم الكتب، عمان: الاردن 6_ عبدالرزاق، محمود 2011، اقتصاديات السكان والموارد البشرية، الدار الجامعية، الاسكندرية: مصر 7_ اسماعيل، أحمد علي 2006 أسس علم السكان وتطبيقاته الجغرافية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة: مصر 8_ ريتشارد أنكر1985 المرأة والمشكلة السكانية في العالم الثالث، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة :مصر 9_ لطفي، عبد الحميد والساعاتي ، حسن1979 دراسات في علم السكان، دار المعارف، القاهرة: مصر 10_ البدو ،خليل عبدالهادي 2009 علم الاجتماع السكاني، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان: الأردن المقدمة : إن الدراسات العلمية للسكان تفرعت عن الدراسات ديموجرافية كثيرة منها الديموجرافيه الوصفية وهي التي تبحث في وصف السكان من حيث العدد و التوزيع و الخصائص المميزة لهم وقضايا البشر متنوعة ومتعددة وهي بحاجة الى دراسة وذلك للبحث عن انتشارهم ومواليدهم و أنماط معيشتهم وغير ذلك من الاحوال الاجتماعية التي تعتري البشر. وهذا الكتاب سنبين فيه العلم الذي يسلكه علماء الاجتماع في النظرة الى السكان و أي مجتمع من المجتمعات لابد أن يكون فيه دراسات سنوية تبحث في حجم السكان و الزيادة السريعة في كل مجتمع و التغيير الكبير في المجتمعات من ناحية المواصلات و المدارس و الطرق . ويتم في بعض الاحيان توزيع السكان حسب ما تشتهر به فمثلاً المدن الصناعية تزيد فيها نسبة المواليد ويحافظون على زيادة المواليد حتى تبقى المدن الصناعية في تقدم و ازدهار وتقل نسبة المواليد في الريف فزيادة السكان و نقصانهم يكون حسب اتجاه السكان تعداد المجموعات البشرية تعود الى الافراد الذي بينهم تفاعل مستمر بين بعضهم البعض فمنهم يضعون انفسهم ويربطهم بين بعضهم البعض روابط مهنية او سياسية او دينية . وقد يكون التعداد السكاني بزيادة عالية بسبب الهجرة ومفهوم الهجرة هو من أحدث المفهومات الهامة في علم الاجتماعي والسكان بعد تزايد الافراد في الهجرة زاد العلماء بدراسة علم السكان و المجتمعات الحديثة وقد تكون الهجرة ريفية حيث أجريت ابحاث في الولايات المتحدة الامريكية في بعض المدن حيث أصبحت مركز للصناعات الحديثة وكان من أهم النتائج أن الهجرة من الريف تمد الصناعة في المدينة بعمال معظمهم في أنشط سنوات عمرهم . علماء الاجتماع و الفكر اهتموا اهتماما كبيراً في دراسة العلم السكاني و الزيادة الطبيعية للسكان صعوداً أو هبوطاَ نتيجة للمؤثرات المختلفة على ارتفاع أو انخفاض المواليد أو الوفيات مع مراعاة نسبة النساء في التعداد السكاني وعادات الزواج السائدة في المجتمع والاهتمام في مستوى الصحي ومعيشة الامهات السائدة في المجتمع وتوضيح نوعية الحياة التي يعيشها السكان الفكرية و الادارية . وسنطرح في هذا الكتاب مفهوم العلم السكاني و الهجرة مع ذكر أهم العوامل المشجعة للهجرة من منظور علماء الاجتماع . مفهوم علم السكان : يطلق اصطلاح علم السكان Demography على الدراسة العلمية للسكان و الكلمة مكونة من أصلين يونانيين أولاً كلمةDemos ومعناها ناس أو بشر وثانياً كلمة Graphien ومعناها كتابة . أي أن الاصطلاح Demography يعني كله الكتابة عن الناس وهو ما يطلق الآن على علم السكان . وتعرف الديموجرافيا بأنها هي الدراسة العلمية للمجتمعات البشرية من حيث حجمها وتركيبها وتطورها . وقد تفرعت شعب كثيرة متميزة من الدراسات الديموجرافية منها على سبيل المثال لا الحصر " الديموجرافية الوصفية " وتبحث في وصف السكان من حيث العدد و التوزيع والخصائص المميزة لهم الديموجرافية فيما بينها دون النظر في علاقاتها بالظواهر الاخرى كالاقتصادية و الاجتماعية ويتناول علاقة الديموجرافيا بهذه الظواهر فروع أخرى حديثة " الديموجرافيا الاقتصادية "," الديموجرافيا الاجتماعية " . الى آخره و أخيراً فان هناك " التحلي السكاني "أو "التحليل الديموجرافيا " ويشمل هذا الجزء من الديموجرافيا النظرية الذي تستخدم فيه الطرق الرياضة للعلاقات الديموجرافيه و التعبير عنها بدوال رياضية يمكن تعبيرها وتطبيقها على البيانات الاعتبارية . لا يصح أن نمضي في الحديث قبل أن نضع تحديداً مبدئياً للعلم الذي نتناوله وهو "علم السكان " فنحن نعني بعلم السكان هو دراسة قضايا البشر من حيث توزيعهم و انتشارهم و أنماط معيشتهم ومواليدهم ووفياتهم وزواجهم وطلاقهم وغير ذلك من أحوالهم الاجتماعية . كان شمول العلم واضحاً إلا أن الجغرافيين يرون أن المباحث المتصلة بأحوال البشر إنما تؤلف جزءاً لا يتجزأ من علم الجغرافيا وهو " الجغرافيا البشرية" أو " الايكولوجيا الانسانية " اما الاجتماعيون فيذهبون الى ان هذه المباحث ترجع كلها الى علم الاجتماعية ومنه الديموجرافيا أوالمورفولوجيا الاجتماعية " علم التشكيل الاجتماعي " . إن لعلم السكان روابط وشيجه بالجغرافيا وبعلم الاجتماع لكن الجغرافيا البشرية تدرس الانسان من حيث تأثره بالبيئة الطبيعية و أثره فيها وعلم الاجتماع انما يهتم بنشأة الاوضاع الاجتماعية وتطورها خلال العصور بينما علم السكان لا يعني كثيراً بأثر البيئة ولا يتقهقر بعيداً في الماضي التاريخي و إنما يكاد يحصر مداه في الواقع العددي و تأويله . وفي الحقيقة ان هناك فارق في وجهتي النظر عند دراسة السكان بين كل من عالم الجغرافيا وعالم الاجتماع . فبينما أن عالم الجغرافيا يهتم بالسكان على اعتبار أنهم كتلة بشرية فوق نقطة ما على خريطة العالم وعالم الاجتماع يهتم بأكثر من ذلك خاصة ما قد يطرأ على السكان من تغير و أثر هذا التغيير على حجم وتوزيع وصفات السكان ومدى اختلافهم في ذلك بين المجتمعات وهكذا يمكن القول بأن علم السكان علماً وسطاً بين الجغرافيا البشرية وعلم الاجتماعي . - المكونات التي تتعلق في علم السكان : 1- عدد السكان The Size of Population : حيث يهتم علم السكان بعدد السكان وما يطرأ عليه من تغيير و أثر هذا التغيير وما يعنيه من ناحية السكان عامة . وفي الحقيقة إن مجرد التغير في حجم السكان في مجتمع من المجتمعات أو في دولة من الدول أو حتى في العالم ككل من شأنه أن يخلق أوضاعاً اجتماعية مختلفة تتطلب الاهتمام بدراسة هذا التغير لما يتطلبه ذلك من محاولة التوفيق بين التغير الحادث وبين الاوضاع الاجتماعية الموجودة في المجتمع فالزيادة السريعة في سكان مجتمع حضري تصاحبها في الوقت نفسه الحاجة السريعة الى المدارس و الملاعب للصغار ووسائل الترفيه للكبار وتغير كبير في طرق المواصلات ووسائلها – وعلى العكس من ذلك تظهر كثير من المشاكل فيما يتعلق بالمجتمعات التي يتضاءل سكانها كبعض المجتمعات الريفية مثلاً حيث يصبح من الصعب أن تتوافر لها كثير من الخدمات كالمدارس المكتملة اللائقة و الطرق الجيدة و الخدمات التي يعتمد توافرها الى حد كبير على عدد من يستفيدون منها . وبذلك أصبح كل مواطن في الوقت الحاضر يشعر أن أي تغير في حجم السكان في المجتمع الذي يعيش فيه أو في بلده أو وطنه من شأنه أن يؤثر عليه وعلى أسرته بشكل مباشر وهذا يدعوه بالتالي الى الاهتمام بهذا التغير . و للتغير الذي يطرأ على حجم السكان أثره في تحديد القوة الحربية للمجتمعات المختلفة وهذا التغير لا يكون بنسبة واحدة في كل الدول ففي سنة 1790م مثلاً كان عدد سكان الولايات المتحدة حوالي 1\45 من عدد سكان أوروبا بينما يبلغ في الوقت الحاضر حوالي الربع كما كان عدد سكان فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر معادلاً لعدد سكان ما أطلق عليه فيما بعد الامبراطورية الألمانية ثم تغير الامر عند قيام الحرب العالمية الأولى حيث أصبح سكان فرنسا حوالي 40 مليوناً بينما إزداد عدد سكان الامبراطوريات الالمانية الى حوالي 68 مليوناً وكذلك تفوق مصر كثيراً من البلاد الاخرى من ناحية زيادة سكانها حيث نجد أن هذه الزيادة قد بلغت حوالي 160% خلال الستين عاماً التي انقضت من القرن العشرين . وعلماً من أن عامل العدد ليس هو العامل الوحيد في تحديد القوة العسكرية لدولة من الدول فهو عامل له حسابه في هذا التحديد وهذا من شأنه زيادة اهتمام الانسان بالتعدادات المختلفة في وطنه في خارج وطنه بقصد المقارنة الداخلية و الخارجية وما يختفي وراء هذه المعاينات من معاني مختلفة . 2- مناطق توزيع السكان The distribution of Population : يمثل هذا التوزيع الناحية الثانية التي تثير الاهتمام بالدراسات السكانية فالتغير في توزيع السكان في مساحة معينة ينشأ عنه تغير نسبي في أهمية النشاط الاقتصادي في تلك المساحة ويمكن أن يمثل لذلك بالمنطقة التي تحتلها المحلة الكبرى في الوقت الحاضر فمهما يكن فإنها لتستوعب كل هذه الاعداد التي تسكنها حالياً عندما كانت تعتمد أساساً على النشاط الزراعي كذلك يمكن أن نقول أن اقتصادنا في مصر عندما تحول من إقتصاد يعتمد كلية على الزراعة الى اقتصاد متأثر الى حد كبير بالصناعة و التجارة وقد صاحبة تغير في توزيع السكان تبعاً لهذا التحول ويعتبر وصف هذا التغير وتحليله جزءاً هام من دراستنا السكانية . التغير في التوزيع أي في حجم السكان النسبي للمجتمعات و المناطق يحدث من وجهة النظر السكانية عن طريقين : الأول : إن سكان مجتمع ما قد تزيد بينهم نسبة المواليد و الوفيات عنها في مجتمع آخر فيزدادون تبعاً لذلك بنسبة أكبر . أما الطريق الثاني للتغير في التوزيع فهو الهجرة (Migration) وذلك حين ينقل الناس من منطقة الى أخرى ( Emigration) فتقل نسبة الزيادة تبعاً لذلك في المنطقة التي هاجروا منها بينما تزداد في المنطقة التي هاجروا أخرى فالمناطق الصناعية تتجه في الوقت الحاضر الى الرغبة في إنجاب عدد كبير من الاطفال لكي لا ينخفض فيها عدد السكان بينما نجد عكس ذلك في المدن الكبرى . أما في المجتمعات الصغيرة وخاصة الريفية منها فنجد إن نسبة زيادة النسل فيها واضحة وعلى ذلك أصبح توزيع السكان بين أشكال المجتمعات المختلفة ذا أهمية كبرى من ناحية تحديد إتجاه السكان نحو الزيادة أو النقص . ولدراسة التغير في توزيع السكان أثره و أهميته أيضاً في مختلف الاعمال و المشاريع فمن الواضح أنه حيث يوجد الناس يوجد العمال وتوجد الاسواق ولهذا اثره في ظهور الاهتمام بالتغير الذي يحدث في توزيع السكان عند إنشاء المصانع الجديدة أو عند وضع خطط البيع و التسويق . 3- صفات تغير السكان :The Characteristic of Population: دراسة صفات السكان لنتعرف على أنفسنا أكثر فإذا كانت صفاتنا تتغير ففي أي اتجاه يسير هذا التغير وكيف تتأثر ظروفنا الاجتماعية بهذا التغير وكلما زدنا اقتناعنا بأن التقدير فيما نسميه طبيعة التركيب السكاني (Composition of Population ) يؤثر في حياتنا بطرق مختلفة ازداد اهتمامنا بدراسة هذا التغير . و أهم ما يجذب إهتمامنا في هذا التكوين من الكثافات السكانية هو النوع و السن كما نجد للجنس أهمية أيضاً في بعض المجتمعات التي تختلف جنسياً بشكل واضح كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية واتحا جنوب افريقيا . والى جوار هذه الصفات الطبيعية يوجد عدد آخر من الصفات الاجتماعية و الاقتصادية الجديرة بالدراسة وهس صفات لا تقل أهمية عن الصفات الطبيعية إذا أردنا فهم الاختلافات بين المجتمعات بل الواقع أنه في دراستنا السكانية لا يمكننا أن نفصل بين كل من الصفات الطبيعة و الصفات الاجتماعية و الاقتصادية ذلك لأن الاختلافات بين السكان عموماً في نسبة الذكور الى الاناث وفي نسبة السن المختلفة وفي كل مجتمع حسب اختلاف هذه الصفات . وسنخصص في هذا الكتاب قسماً مستقلاً تدرس فيه الصفات السكانية الطبيعية بقصد وصف أثر اختلاف توزيع نسب النوع و السن على حياة المجتمع وتحليلها . أما عن الصفات الاجتماعية و الاقتصادية و اختلافها من مجتمع لآخر فسنرى أن أثر ذلك يكون أكثر وضوحاً من ناحية تأثير ذلك الاختلاف في حياة الناس ورفاهيتهم . و من أهم الصفات الاجتماعية و الاقتصادية ما يتعلق منها بالوضع الزواجي (MaritiaStatus) ووضعهم التعليمي ( EducationalStstus) ووضعهم الاقتصادي (Economical Status) ومدى عمق شعورهم الديني ( Religious Afifliation) وتوزيعهم بين مناطق حضرية وغير ذلك مما يتصف به سكان المجتمعات عامة . وتحدد الصفات الاجتماعية و الاقتصادية لمجتمع من المجتمعات تبعاً للظروف التي يعيش سكانها في ظلها فكلها ازدادت المجتمعات اختلافاً في نسبة سكانها الذين يحتلون وضعاً اجتماعياً واقتصادياً معيناً إزدادت اختلافاً الظروف الاجتماعية بين هذه المجتمعات وكذلك نجد أن مجتمعات تقل فيه نسبة المتعلمين يختلف من نواح كثيرة عن مجتمع تزداد فيه هذه النسبة . وكذلك الحال في اختلاف الدخل وما يصاحب ذلك من اختلاف في الظروف الاجتماعية . الاهتمام بموضوع علم السكان في العصور القديمة : لقد كانت الاهتمامات السكانية قديمة قدم ظهور الانسان نفسه على اعتبار أنها فكر اجتماعي شغل عقل الانسان منذ القدم . ومن استقراء الاثار و المعابد و البرديات و الاوراق المصرية القديمة نلاحظ إهتمام المصريين القدماء بالموضوعات السكانية ولدينا قصة مدونة على بردية تعرف ببردية (وستكار) وتعرف هذه القصة بين القصص التي جاءت على البردية بقصة أطفال الآلة (رع) وهي ملخص طريف من ناحية الطبية لأطوار الوضع عند المرأة المصرية ومنها نعلم حساب تاريخ الموضوع عند المرأة المصرية قبل حدوثه فقد ورد أن فرداً سأل متى ستضع السيدة وكان الجواب أنها ستضع في 15 من شهر طوبه وكان المولود يغسل بالماء ويفحص فحصاً طبيعاً كما تشير الورقة الى مدة زمن النفاس فقد ورد في متن الورقة أن الوالدة طهرت من النفاس مدة أربعة عشر يوماً و أن القابلة حضرت و أغلقت باب الحجر على الوالدة وعندما انتهى الوضع ذهبت القابلة الى الوالد و أخبرته الحادث السعيد . وتحدثنا نقوش الاسرة الثانية عشرة صدفة بمعلومات عن الوباء الذي يقضي على الاطفال وهو المرض الموسمي الذي ظهر بعد الفيضان في وقت الزرع شهري أكتوبر ونوفمبر وسمي بالوباء (آت) و الذي يصاحب (الآلة سخمت ) التي تمثله وهو ما يسمى حالياً بمرض الملاريا . ومنذ عصر الاسرات وبداية بنار مرمينا الذي اهتم بعدد السكان في الولايات حيث قسم المجتمع المصري الى ولايات ووجهتين شمالي وجنوبي قام بتوحيدهما ونصب على كل ولاية حاكم جعله يرتبط به وكلف كل حاكم ان يقدم عرضاً لعدد السكان الموجودين بالولاية وجمع الضرائب وتكوين الجيش وزاد الاهتمام في عصر بناء الاهرمات أثناء حكم الملك خوفو و الذي قام بحصر الفلاحين الذين يقومون ببناء الهرم أثناء موسم الفيضان . ثم جاء رمسيس الثاني ليزيد الاهتمام بالسكان فنظم الجيش وجعل الالتحاق بالجيش إجبارياً وعمل حصر تقريبي لمن هم في سن التجنيد بل أن أحمس بعده قام بعد دخول الهكسوس لمصر بإجراء حصر للسكان لإعداد جيش لمحاربة الهكسوس. وتظهر الاهتمامات السكانية فيما لدينا من آثار سواء في أرض الجزيرة بالعراق أو المعابد المصرية أو السجلات البردية الكثيرة العدد يوضح انه كانت توجد حسابات لأشغال تجارية وحكايات وقصائد شعرية ومراسلات خاصة ومنها نعلم حياة الموسرين وذوي النفوذ في مدن من أمثال بابل وطيبة المصرية تكاد تبلغ من التهذيب و الترف مبلغ من يستظلون بالرفاهية في أيامنا الحالية وكذا نوضح لنا طريقة ترتيب المنازل من الدخال و الثياب التي يرتدونها و أيام الاعياد و الحفلات ووجود راقصين بها وخدم المنازل و النزهة بالقوارب في النيل . كما نلمح اهتمامات سكانية عند الاربيين البدائيين 200ق.م وهم قوم ذوي فصاحة ولسان وكانوا يبعثون في تجوالهم البهجة بما يقيمون من حفلات ويسرفون في الشراب وكانت حياتهم الاجتماعية تركز حول دور زعمائهم ويظهر لنا تقسيم مجتمعاتهم الى اشرف وعوام ودرج القبائل على ضرب من الشيوعية قائم على نظام الابوة في كل شيء عدا الاسلحة و الحلي والآلات . وكذا وجود اهتمامات سكانية في الامبراطورية البابلية الاخيرة و امبراطورية داراً الاول فبفضل زيادة عدد السكان أصبحت مملكة آشور دولة عسكرية عظيمة تحت "حكم تجلات بلسر الثالث" ومغتصب العرش " سرجون الثاني " وتشير الدرسات الى فوق عدد السكان بابل القديمة عن سكان مدينة " نينوى " و إزدهار الامبراطورية البابلية منذ 606 الى 395ق.م وحفاظها على السلم بينها وبين الامبراطورية الميديه الاقوى منها بأساً . الهجرات من بلد الى آخر و التوزيع السكاني : نلاحظ كذلك اهتمامات سكانية في مجال الهجرات وتوزيع السكان في الصين القديمة منذ بداية القرن السادس قبل الميلاد وحتى سنة 1125 ق.م تمثل في جموع كبيرة من القبائل المتماثلة لغة وطرائق عيش عرفت بإسم الهون و المغول و الاتراك و التتار كانوا يغير بعضهم على بعض وينقسمون ويتحدون وهم جميعاً يتناسلون بصورة كبيرة وظهر فيهم الفيلسوف كونفوشيوس الذي أقام ضرباً من الاكاديمية لإستكشاف الحكمة وتعاليمها واهتم بالسلام الراجع الى نسيان النفس ودعاً الى زيادة النسل باعتباره واجب مقدس . اليونانيون كانوا من أولى شعوب العالم الذين اهتموا بتعداد السكان وانه لابد ان يتناسب مع القوت و أشاروا الى الحجم الامثل للسكان وفي كتاب المدينة الفاضلة وكتاب القوانين لأرسطوا حدد العدد المناسب بأنه 5040 نسمة وذلك حتى لا تكتظ المدينة بالسكال لان القوت لا يكفي أكثر من هذا العدد وسبقت كتابات أفلاطون (427- 347 ق.م ) أرسطوا والذي يوضح تصوراً للمجتمع الاثيني وهي دراسة في علم السكان كما وضح خصائص السكان الرئيسية المختلفة وعدد أفراد الشعب وفئات الجند و النبلاء و أصحاب رؤوس الاموال و التجار و الفلاسفة و الذي يجب أن يكون منهم الحاكم وذلك في جمهوريته الفاضلة وهو الاول من كتب كتاباً في البوتوبيه " الطوبى" أن رسم خطة لمجتمع يختلف عن أي مجتمع قائم ويكون أفضل منه .كما تناول هيرودوت (384- 406ق.م) وصفاً لتاريخ وجغرافية مصر وعادات وتقاليد سكانها وحيواناتها كما تناولت تلك الكتابات الخصائص السكانية لتلك الدول والتي زارها باعتباره رحالة يوناني شهير . أما الرومان فقد كانت لديهم كذلك اهتمامات سكانية حيث شجع الرومان على التزايد وكانوا يعدون كثرة النسل أمراً محموداً وعندما وجدوا أن علامات قلة النسل قد بدأت في الظهور عقب الحرب اليونيه فكروا في وسائل مختلفة للإكثار من النسل . وفي اليهودية كانت الاهتمامات في يد الرجل القوي كما حضوا على زيادة النسل ويدون سفر الملوك و الايام بالتوارة وصفاً لعرباته الالف . وفي المسيحية أنصبت الاهتمامات السكانية على زيادة النسل وكثرة الانجاب ومنعت الاجهاض منعاً باتاً ولعل خير مثال على ذلك ما حدث في أوروبا أثناء العصور الوسطى من الآثار التوسعية للدين المسيحي وما ترتب من إزدياد سلطة رجال الدين وفي الاسلام – جاءت الكثير من الآيات التي تدعو الى زيادة النسل فقد ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى : ( المال و البنون زينة الحياة الدنيا ) " الكهف 46" وقد وردت آية اخرى : (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) " الاسراء 31" وجاء في الحديث الشريف : (تزوجوا وتناسلوا فإني مباه بكم الامم يوم القيامة ) " حديث صحيح " الاهتمام في علم السكان في العصور الوسطى : لقد حملت الفترة الانتقالية بين العصور القديمة و العصور الوسطى بين طياتها الكثير من الامور الجسام و التي ما زالت آثارها ونتائجها تحدد الافكار الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية و السياسية للعالم في العصور الحديث وبين ظهور الديانات اليهودية و المسيحية و الاسلامية وقيام الامبراطوريات العربية بدأ من الفتوح الاسلامية و الدولة الاموية و العباسية حتى الفتح العثماني واحتلال الشرق الاوسط وبداية الكشوف الجغرافية و النهضة الاوربية في العصور الوسيطة وقيام المدن البحرية في حوض البحر المتوسط تفاعل الفكر و انتقل مشعل الحضارة من الشرق الى الغرب إلا أننا نلمح في جميع هذه المراحل الاهتمامات السكانية متواترة معها جميعاً بين كتابات الرحالة العرب و الاوربيين ومن الدوافع التي دعت الى قيام الكشوف الجغرافية لجلب الثروات . أهم المؤلفات التي تتعلق في التوزيعات السكانية عند العرب : 1- كتابات الرحالة العربي ( ابن خردذابه الذي عاش في القرن التاسع الميلادي و ألف كتاب المسالك و الممالك ) و الذي حوى دراسة مستفيضة عن الطرق الموجودة في العالم ووصف طريق الحرير المشهور الى الصين و المدن و موقعها وسكانها . 2- كتابات (ابن حوقل) الذي عاش في القرن العاشر الميلادي وربط بين الظواهر الطبيعية و الظواهر الاجتماعية وقسم العالم المعروف في عصره الى قسم شمالي و آخر جنوبي وقام بوصف سكان الاقليم الجنوبي بأنهم يمتازون بالبشرة السوداء التي تشد سمرتها كلما اتجهنا جنوباً وسكان الاقليم الشمالي الذين يمتازون بالبشرة الفاتحة كما شملت كتاباته صفات السكان مثل وصفه لسكان ما وراء النهرين " سيحون وجيحون " فيقول أنهم يمتازون بالتقوى و الطهر و أنهم محبون للسلام كما أنهم كرماء لا يرفضون ضيفاً يطرق بابهم ولذلك يمكن أن نتصور أن كل العائلات الموجودة في هه البلاد يعيشون كأنهم في بيت واحد , ثم يذكر بطريقة مبالغ فيها أنه وجد في بلاد ما بين النهرين ما يزيد على الفي فندق يمكن أن يجد فيها المسافرون الغذاء الكافي لهم و لحيواناتهم كما تعرض في كتاباته لوصف المدن وطريقة كلام السكان . 3- كتابات" ياقوت الحموي " الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي في كتابه (معجم البلدان ) والذي عمد الى ذكر الكثير من الحقائق السكانية في البلاد التي زارها وعاش فيها و البلاد التي سمع عنها . 4- كتابات " ابن خلدون " كاتب القرن الرابع عشر بلا منازع ومؤلفاته المتعددة و التي اهتم فيها بتطوير الاوضاع الاقتصادية للمجتمع البشري ووصف سكان الحضر والبدو وتناول في المقدمة الثالثة البحث في المعتدل من الاقاليم و المتحرف وتأثير الهواء في لون السكان و الكثير من أحوالهم كما بحث في مقدمته الرابعة أثر الهواء في اخلاق السكان فذكر في هذا الصدد قوله (ان من خلق السودان على العموم الخفة و الطيش وكثرة الطرب ولما كان السودانيون سكان الاقاليم الحار واستولى الحر على امزجتهم وأصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم و اقليمهم فتكون أكثر نفسياً وتكون أسرع فرحاً وسروراً و اكثر نبساطاً ويجيء الطيش على أثر ذلك ) ثم تناول في المقدمة الخامسة اختلاف العمران في الخصب و الجوع وما ينشأ عند لك من آثار في ابدان السكان و اخلاقهم . 5- كتابات الفارابي في كتابه (آراء اهل المدينة الفاضلة ) كتابات "ابن مسعود "في كتابه (مروج الذهب) وكتابات ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان ) وكتابات الجبرتي ووصفه لأحوال البلاد العباد في كتابه ( عجائب الآثار في التراجم و الاخبار) وكتابات الطبري في كتابه ( تاريخ الأمم و الملوك ) . 6- رحلات الرحالة العربي مثل بطوطة في رحلته و أمين جبير في رحلته . الكتابات السكانية في الفكر الأوروبي : نجد أن الكتابات السكانية تظهر في كتابات الرحالة ماركو بولوا (1254-1324) والذي أورد فيه الرحالة البيدقي ذكريات السنة عشرة عاماً التي قضاها متجولاً في ربوع آسيا روي فيها مشاهداته خلالها . ومنذ القرن السادس عشر حتى وقت ظهور نظرية مالتس في السكان سنة 1798م ظهرت آراء كثيرة عن السكان وتعددت وجهات النظر عن كثرتهم وما إذا كانت خيراً يجب التشجيع عليه أو شراً يجب محاربته . تأثير التجاريين : فحين كان التفكير السياسي في أوروبا واقعياً تحت تأثير التجارين Mercantilisi الذين كانوا يشجعون كثرة النسل وقد تحول غرب أوروبا الى دولة قوية لها حكومات مركزية تدير دفة التجارة و الصناعة للمصلحة القومية مما يجعل هذه المشروعات تحتاج الى ايدي عاملة كثيرة وكانت السيطرة السياسية تحتاج الى جنود وبحارة كثيرين إنقضى الأمر تشجيع كثرة السكان بشتى الوسائل الى درجة أن بعض الحكومات سنت قوانين لهذا الغرض ففي عهد الملكة اليزابيث سن قانون يحد من حرية الذعاب وفي كثير من المدن الالمانية كانت هنالك وظائف عامة معينة لا يشغلها إلا المتزوجون كما نص القانون في بعض المناطق على ان تؤول ملكية الاغراب المتوفي الى دولة ما لم يكن ولدان أو إخوة أو أخوات غير متزوجات على قيد الحياة . وكذلك شجعت بعض القوانين على الزواج و الانجاب تشجيعاً مباشراً مثل قانون كولبير سنة 1666 و الذي نص على إعفاء كل من يتزوج قبل العشرين من الضرائب الى ان يبلغ الخامسة و العشرين كما أعفي من الضرائب كلية كل من كان له عشرة أطفال شرعيون أحياء . ظهر قوانين مشابهة في دول أخرى كالقانون البروسي الذي جعل الزواج إجبارياً قبل الخامسة العشرين ومنح المتزوجين حديثاً مساعدة لا بأس بها , كما شجع على كثرة النسل بخفيف قود الانجاب غير الشرعي وقد ذهب فردريك الاكبر الى أبعد من ذلك حين ألغي أنواع العقوبات الكنسية التي توقع على الامهات غير المتزوجات وسمي " جستاف أدلفس " ملك السويد ومحبذ النسل الكبير لانه انشأ مستشفيات للأمومة و اللقطاء . حركة الطبيعيين Physisorats : وهي التي أثرت على التفكير السياسي في اوروبا حوالي منتصف القرن الثامن عشر كان من أثارها رد فعل عكسي لوجهة نظر التجاريين من السكان فقد اهتم الطبيعيون بتخفيف حدة الفقر الذي يعانيه عامة الشعب أكثر من إهتمامهم بملء خزانة الدولة بالذهب و الفضة و أولوا الزراعة أكثير من عنايتهم بالصناعة و التجارة ذلك لانهم عدوا الزراعة المصدر الاول للرخاء وهكذا غيروا مبدأ الاهتمام بالقوة الى الاهتمام بمبدأ قوة الشعب . لقد كان الطبيعيون يحبذون تزايد السكان ولكن بشرط الا يعيش الناس في بؤس ولذلك كان الأهم في نظرهم الإكثار من غلة الأرض قبل زيادة السكان . أهم الكتابات السكانية في اوروبا في نهايات القرن السابع عشر : 1- كتابات حوزيف توتزند 1787 : فيؤكد أن السكان يميلون الى التزايد بدرجة أسرع من تزايد وسائل المعيشة ولولا أن الخوف من العذر أصبح يثني بعض الناس عن الزواج خشية كثرة النسل لزاد عدد السكان زيادة تفوق القوت اللازم لهم ثم هاجم قانون الفقراء الذي أصدرته الملكة اليزابيث سنة 1606م . 2- كتابات الفيلسوف المركزدي كوندرسيه 1793 : وتلخص فكرته في أن التاريخ يفص عن ترتيب طبيعي في الظواهر الاجتماعية للوصول بالانسان الى الكمال وفصل تقدم النوع البشري في عشرة حقب تمتد العاشرة منها بعد الثورة الفرنسية الى أن يصل الى درجة الكمال وتنبأ بأنه في تلك الحقبة من زمان سوف تختفي العداوات الشعوبية و القومية و أن القانون وسائر النظم الاخرى تجه دائماً الى جعل الفرد ينسجم مع المصالح المشتركة و أن إنتاج الارض سيزيد باستمرار و أن الطعام سيكثر و أن المرض سيزول و أن قدرات الانسان سوف تصل الى الكمال و أن حياة الانسان ستطول حتى لا تكاد تصل الى نهاية . 3- كتابات الفيلسوف الاجتماعي و الانجليزي وليم جدوين سنة 1793 ,والذي تنبأ فيه بعصر ذهبي لا شك في قدومه و أنه في ذلك العصر سوف يصل الانسان الى مرتبه الكمال وكذلك أعلن أن الانسان ليس له ميل أصلي للشر و أنه بالتربية والعدالة و السياسة و البحث الهادئ الحر و إزالة كل القيوم التي يمكن إزالتها سيتمتع الانسان بأوفر قسط من الحرية في عمله وسوف يصل الى البشر الى حالة الكمال وعندئذ لن تكون تكون هناك حرب أو جريمة أو مرض . الكتابات السكانية في القرن الثامن عشر : لقد كان القرن الثامن عشر هو البداية العملية الصحيحة لعلم السكان وسوف نتعرض لأهم النظريات السكانية ونقد كلا منها لتظهر أخرى في محاولة جادة لجلاء الحقائق السكانية . نظرية مالتسT.R Malthus : تعتبر رسالة مالتس عن السكان أهم دراسة سكانية ظهرت في القرن التاسع عشراذ جاءت حصيلة تفهم وتحليل ونقد آراء البوطوبيين الذين عمروا خلال القرن الثامن عشر أمثال كوندرسيه ومستر جدوين ولبيان العلاقة بين الموارد الاقتصادية أو الطعام كما يقول مالتس وبين السكان أو عدد الافواه التي تلتهمه أن إشباع رغبات الانسان وتنمية أوجه نشاطه الطبيعي و العقلية و الروحية لا يكون إلا بالطعام أولاً وقبل كل شيء وليس إنتاج الثروة الا وسيلة بهذا الطعام الذي يقيم به أوده فيتمكن من أن ينشط ويعمل ويفكر و الانسان هو وسيلة الانتاج الرئيسية وهو في النهاية هدف الانتاج الرئيسي . وتقوم نظرية مالتس التي ظهرت عام 1798 على عدة اسس تحدد النظرية العامة للسكان . وأهم هذه الاسس الاتي : 1- أن الطعام ضروري لوجود الانسان و الشهوة الانسانية ضرورية وستظل على حالها الراهنة . 2- أن هناك تناسباً طردياً بين الاعداد السكانية و الموارد الغذائية وأن الزيادة في عدد السكان لابد أن تكون مصاحبة لزيادة في الموارد . 3- ان قدرة الانسان على التناسل أكبر من قدرة الارض على انتاج ما يتطلبه البقاء الانساني من غذاء ومن ثم فسكان العالم يزدادون عامة على أساس متوالية هندسية (1,2,4,8,16,32) بينما تطرد الزيادة في الموارد الغذائية على أساس متوالية عددية وحسابية (1,2,3,4,5) إذ يتضاعف السكان في كل جيل إذا لم يقابلهم عائق قوي بينما لا نجد هذا التضاعف موجوداً في مواد الغذاء ومعنى هذا أن سكان العالم سيواجهون آجلا أو عاجلاً مشكلة نقص موارد الغذاء اللهم إذا وضعت الموانع في طريق ذلك . 4- ان هناك نوعين من الموائع يساعدان على الحد من الزيادة السكانية أولهما الموائع الاخلاقية وتتمثل في تأخير سن الزواج والعفة و الثاني الموانع التي تفرضها الطبيعة على الانسان مثل الامراض و الاوبئة والقحط و المجاعات و الحروب الطاحنة ويرجع الى الموانع الخيرة الفضل في موازنة أعداد السكان بموارد العيش المحدود . توجه النقد الى النظرية : على الرغم مما تعكسه نظرية مالش – بصفة عامة – من المشكلات الاجتماعية التي سادت أوروبا أثناء القرن الثامن عشر وفي إنجلترا بصفة خاصة غير أنه لم يمنع كثير من الباحثين من توجيه النقد و الذي يتخلص في الاتي : أ‌- أعتقد مالتس أن عوامل تحقيق التعاون و التوازن بين عدد السكان وكمية الموارد الغذائية إنما يأتي بالحد من الزيادة في السكان عن الطريق الموانع الطبيعة و النفسية و أغفل بعض العوامل الاخرى التي تعمل على الحد من نمو السكان مثل نظام تعدد الازواج بالتبت و الاضطهاد و الرهبنة والزهد وضبط النسل . ب‌- اغفل مالتس أن الكثافة العددية ليست بذات دلالة على زيادة السكان عن الموارد أو قلتها فضلاً عن أن السكان لا يعيشون على موارد الارض وحدها ذلك الى جانب أن هناك مساحات شاسعة في العالم غير مستثمرة ومن الممكن الحصول على إنتاج أوفر بتحسين سبل الانتاج واستعمال الوسائل الفنية في الزراعة و الصناعة . ت‌- نظرية مالتس نظرية نسبية أن زيادة السكان ليست ضارة في كل الاحوال , بل قد تكون الزيادة أمراً ضرورياً في كثير من الاحوال وخير مثال على ذلك قارة أستراليا التي تحتاج الى مزيد من السكان فمسألة الكثافة و القلة مسألة نسبية لأنها تتوقف على العلاقة بين العدد وموارد الثروة فقط . بعد أن ظهرت عيوب نظرية مالتس وازداد الاهتمام في الوقت نفسه بالعلوم الاجتماعية كان منتظراً أن تظهر محاولات تفسيرات جديدة حول زيادة السكان وقد حدث فعلاً و لا شك في أن الثورة الصناعية وما حملته معها من رخاء عم البلاد التي تأثرت بها قد أوحي بأن مالتس كان مخطئاً في تقديره و أن الطبيعة نفسها تتدخل لحل مشكلة السكان دون تدخل البشر و انقسمت هذه النظريات الى نوعين هما : أولاً- النظريات الطبيعية : وتعتمد أساساً على الاعتقاد بأن الطبيعة الانسان نفسه وطبيعة العالم الذي يعيش تتحكمان في نموه بنسبة معينة وفي اتجاه لا سيطرة له عليه وتوضح لنا كيف كان علماء الحياة يحاولون إيجاد قانون لنمو السكان يتمكنون من معرفة ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل دون أي تدخل من الانسان من ناحية القيم والاتجاهات لأن ذلك شيء طبيعي وهذه النظريات هي : أ‌- نظرية سادلر : كتاب قانون السكان نشر عام 1830 . يعتقد سادلر أن تكاثر السكان عملية بيولوجية تتحكم في نفسها بمعنى أنه إذا ما وصل قطر من الاقطار الى درجة من الكثرة تدخلت العوامل البيولوجية لحمايتهم من التضخم الزائد عن طريق قدرة الانسان الفسيلوجية على الانسال ويقول (إن مبدأ تزايد الجنس البشري يمكن توضيحه بإختصار وبساطة فإن قدرة الانسان على التناسل عكسياً مع عدده )- كما يرى أن الاختلافات في درجة القدرة على التناسل لا تتأثر بالبؤس و الرذيلة كما يرى مالتس – بل بالسعادة واذن فالعمل على الحرمان من الترف يشجع على التناسل وذلك بتنمية القدرة عليه و إنه في كل مرحلة من مراحل الرقي الانساني من الصيد الى الرعي الى الزراعة الى الحضارة الحديثة ينقص عدد من السكان اقصى درجة ممكنة من السعادة وتنطوي هذه النظرية على اساس طبيعي للتفاؤل في مستقبل الانسان الاقتصادي . نقد النظرية : 1- إن نظرية سادلر لم تقم على اساس من دراسة كل الحقائق المعرفة عن نمو السكان لأن الصينيين و الهنود و المصريين من أكبر شعوب العالم مقدرة على الانسال ولكنهم في الوقت نفسه يعانون كثرة السكان الخطيرة . 2- إن سادلر لم يميز بين القدرة على الانسال Fecundity وبين النمو الفعلي للسكان Fertility في الوقت الذي أثبت فيه مالتس أن عدداً من السكان قد يكون قوياً في مقدرته على التناسل ولكن تكاثره أو مدى نموه وتزايده يكون ضعيفاً أو معدوماً نتيجة لإرتفاع نسبة الوفيات . ب‌- نظرية ديلدي : كتاب القانون الحقيقي للسكان " نشر عام 1836 " بين ديلدي رايه في مسألة السكان على التغذية فيقول : أنه في أي وقت يتعرض فيه النوع البشري للخطر نبذل الطبيعة جهوداً مناسبة لحفظة وبقائه وذلك بزيادة القدرة على الانجاب و الحصوية و أن ذلك يحدث على الخصوص عندما ينجم الخطر عن نقص الغذاء و أن أية أمة يكون للثراء فيها كافية لا يجاد توازن بين الفقراء المتزايدين و الاغنياء المتناقصين يصبح عدد سكانها ثانياً وأية أمة يكثر فيها الثراء و الرخاء يتناقص سكانها وتضمحل ثم تغني . أما المجتمعات الفقيرة سيئة التغذية فإن السكان يتزايدون زيادة متناسبة مع الفقر وما ينتج عنه من أخطار ونقص في الغذاء وهذا هو القانون الحقيقي العظيم للسكان . نقد النظرية : 1- إن قول ديلدي بأن أشد الناس قدرة على التناسل أشدهم بؤسا . وأن قوة الانجاب تميل دائماً الى التناقص الذي ينجم عن كثرة الغذاء الأمر لا يزال موضع جدال ولا تسنده الحقائق ولا يمكن الجزم به . 2- لم يدرك ديلدي أن أي قانون للشكان يجب ان يتجه الى ابعد من مجرد تفسيرات التغيرات في القدرة على التناسل لان نمو السكان ينتج عن الفرق بين نسبة المواليد ونسبة الوفيات وتتميز النسيتان بأنهما متغيرتان فلا يكفي ان تفسر التغيرات التي تحلق بإحداهما دون الاخرى مادامت العلاقة بينهما على جانب عظيم من الاهمية . ث‌- نظرية هربرت سبنسر : هاجم هربرت سبنسر نظرية توماس ديلدي ونقد قانونه الحقيقي ورأى أنه عكس الحقيقة تماماً وان حجة ديلدي واهية لخطأ البيانات التي أعتمد عليها وأشار الى ان الحياة عند كثيرين من المخلوقات تبدأ في وقت من العام يكون فيه الدفء كبيراً مما يساعد على وجود مؤونة غذائية عظيمة وأن الغذاء المتزايد يجعل حياة الفرد سهلة تكفل حاجاتها في يسر وبناء على ذلك يؤدي الرخاء الى تزايد السكان ويقول أن الطبيعة تتنافر بين الذاتية والتولد فكلما إزداد ما يبذله الفرد من جهود لتأكد وجوده ونجاحه ضعفت جهوده في الخلف ويظهر ذلك في الاشكال الدنيا للحياة التي لها قدرة عظيمة على التوالد أما الاشكال العليا للأجسام العضوية فإنها تنفق جزءاً كبيراً من قوتها ونشاطها الحيوي في الذاتية وضرب لنا مثلاً بأن القدرة على إنسال طفل بمعناه الصحيح تعني المقدرة على ولادة طفل كامل التكوين وأن تمده أمه بالغذاء الطبيعي طوال مدة الرضاعة الطبيعية وهذا ما تعجز عنه أولئك الفتيات هزيلات الصدور اللاتي يكايدن من ضغط التعليم العالي وشدة وطأته عليهن . نقد النظرية : 1- أن هربرت سبنسر في نظريته هذه كان أكثر إهتماماً بوضع نظريته في مسألة السكان تنسجم مع نظرية العامة في التطور البيولوجي فالواقع أن الحياة لا تنطوي على ذلك الترابط الجميل الذي كشف عنه نظريته . 2- أنه إذا كان هناك حقاً تنافراً بين التناسل والنضوح الذاتي للفرد فأن أثره قليل الاهمية بكل تأكيد حيث أن الخصوبة المتناقصة حينما تظهر في قطر من الاقطار فإنها تنتشر إنتشاراً واسعاً كما حدث في البلاد الاوروبية ولا يدل ذلك على حدوث تغييرات فسيولوجية متأصلة في بيئة الانسان . 3- أنه إذا كانت بعض الدراسات الحديثة قد أوضحت أثر التعليم للمرأة في قدرتها على الانسان . وأن هناك إرتباط بين فترة الدراسة وقلة عدد الاطفال فهناك عوامل إجتماعية كثيرة تختبى وراء هذه الارقام منها أن المرأة متى نالت قسطاً كبيراً من التعليم لا بد أن تكون قد تجاوزت أهم فتراتها خصوبتها قبل زواجها . د- نظرية جيني : نعد نظريته نظرية في التطور الاجتماعي أساسها العامل السكاني . حيث يبدأ نظريته بأن العوامل السكانية نستطيع خلال فترة وجيزة تغيير صفات السكان البيولوجية ,فان أي جيل جديد لا يمكن ان يكون قد أتى إلا عن طريق نسبة تتراوح بين 1\3 و 1\8 الجيل السابق وتميزت هذه النظرية فيما يلي : 1- ان المجتمعات تتميز في مرحلة تكوينها بخصوبة مرتفعة سواء كانت أصيلة في المكان اتي نشأت فيه هاجرت اليه . 2- أن هذه الخصوبة تسود في المجتمعات القديمة و الحديثة مع عدم وجود إختلافات إجتماعية واضحة بين المجتمعات . 3- ان التغير الذي يحدث في المجتمعات تصاحبه بالضرورة زيادة في اختلاف الاوضاع الاجتماعية وينتج عنه في الوقت نفسه اختلاف في معدلات الخصوبة بين الطبقات العليا و الطبقات الدنيا . 4- أن الزيادة بين السكان تتوقف بإزدياد حركة الصعود من الطبقات الدنيا الى الطبقات العليا . 5- أن كل ما سبق يعمل على احداث تغيرات اساسية في المجتمع فيؤدي الى الاتجاه الديمقراطي كنظام سياسي و الى تحول المجتمع الى النظام البرجوازي يسود فيه الافراد الذين يعملون من اجل المال و الادخار وتكوين راس المال وذلك كنظام اقتصادي . 6- يدخل المجتمع مرحلة الاضمحلال نتيجة للنقص الشديد في الخصوبة الفعلية للسكان ونتيجة التوسع في الهجرة من الريف الى الحضر فتتقهقر الزراعة ونترك الارض بوراً لنقص الايدي العاملة بالريف فتبدأ الأمة في إنتاج أكثر من حاجاتها الى الاستهلاك الامر الذي يؤدي الى رد فعل سلبي على الصناعة والتجارة لنقص الطلب عموماً على الصناعات الحضرية , فتحل الازمة الصناعية وتزيد سوءاً وبخاصة حالة الطبقات العاملة فتلجأ الحكومة لحماية نفسها ومستعمراتها الى فرض الضرائب وزيادتها على شعبها المتناقض فتنشأ الأزمة الاجتماعية و الاضرابات والتذمر بين الطبقات ويزداد الصراع وتسوء الاوضاع عموماً وينتهي الامر إما بطريق سلمي أو عن طريق الحرب الى آخر محلة وهي الفناء .وقد نقد " بتريم سوروكن " في كتابه النظريات الاجتماعية المعاصرة آراء كوراد وجيني وفندها جميعاً . ثانياً النظريات الاجتماعية : تقوم على نمو السكان ليس موضوعاً لأي قانون طبيعي وإنما نتيجة للظروف الاجتماعية التي يجد فيها الناس انفسهم أي ان نمو السكان يخضع لعدد كبير من العوامل المختلفة التي يتحدد عددها تبعاً لانواع الهيئات المختلفة التي يعيش فيها الناس . أ‌- نظرية كارل ماركس : ينكر كارل ماركس أن الفقر و الشقاء يرجعان الى ميل طبيعي في الانسان وقرر أنه لا يوجد قانون عام ثابت للسكان وانما لكل عنصر ولكل مجتمع قانون للسكان خاص به ينتج عن الظروف الخاصة السائده ففي المجتمعات الرأسمالية يتزايد راس المال الثابت " الالات " بسرعة تفوق تزايد راس المال المتغير " العمال " فتؤدي زيادة راس المال الثابت الى الاستغناء عن جزء من راس المال المتغير وان تراكم راس المال في صورة سلع انتاجية يؤدي الى نقص الحاجة الى العمال ويقول ان العمال ينتجون في الوقت نفسه الوسائل التي تجعل وجودهم في الصناعة زائداً عن الحاجة فيتحول الى نوع من السكان فائض عن الحاجة ويرى أنه لا فقر ولا بؤس اذا تحول النظام الرأسمالي الى نظام اشتراكي . وجهت لهذه النظرية النقد التالي : 1- اتهم ماركس بالانحراف وبتحيزه للعمال يشكل اثره في طريقة ابحاثه وفي نتائجه . 2- أغفل ماركس التفكير في امكان وجود ضغط للسكان على الموارد . 3- لا يمكن ان تتفق مع ماركس في ان النظام الاشتراكي هو وحده الذي يستطيع ان يتجنب المجتمعات ويلات وتزايد السكان الا اذا افضى على الحرية الشخصية فيما يتعلق بالزواج و الخلف وهو ما لا يتفق مع طبيعة البشر. ب‌- نظرية ارسين ديمون : تعرف النظرية باسم \ النظرية العزبه الاجتماعية لانه شبه الفرد في المجتمع بالزيت في شريط المصباح فيميل الى الصمود الى مستويات أعلى من بيئته الاجتماعية وانه في عملية الارتقاء هذه يصبح اقل من الناحية الاجتماعية على الانسال وذلك لانه يبتعد عن بيئته الطبيعية ويفقد لذلك اهتمامه بالأسرة اذ لا يكون لديه وقت لتكوينها ويرى على الاساس ان زيادة عدد السكان في المجتمع تتناسباً عكسياً مع تكوين الفرد نفسه كما يرى أن للمدن الكبرى في المجتمعات الديمقراطي جذابية هائلة ذات تاثير على أولئك اللذين يعيشون قريباً منها وقد نجم عن ذلك بطبيعة الحال ازدحام المدن بالمهاجرين إليها من الريف وخير مثال يضربه للبلاد ذات الحدود الطبيعية الجامدة التي تعوق انتقال الافراد من الطبقات الدنيا الى الطبقات العليا وهي بلاد الهند التي تجد فيها الخاصية السفرية ضعيفة النشاط بسبب قسوة المجتمع اذ ينجم عنها انهماك الافراد اساساً في تحسين حالهم فيتناقض السكان ويزيد الاقبال على المدن . نقد النظرية : 1- ان نظرية ديمون لا تعطي تفسيراً كاملاً لهبوط نسبة المواليد في فرنسا او غيرها من الدول . 2- ان ديمون قد حور نظرية هربرت سبنسر عن التنافر بين الفرد والجنس وادخل عليها الطابع النفسي الاجتماعي . ج-نظرية كارسوندرز : تقول أن الانسان يحاول دائماً أن يصل بحجمه الى العدد الانسب Optimum Number- وهو اقصى عدد من السكان يمكن ان يعيش في مجتمع ما في مستوى لائق من المعيشة وذلك بعد استغلال البيئة من جميع نواحيها طبيعياً وبشرياً ويرى أن نمو الانسان تخضع لسيطرة الانسان نفسة نظراً لانه خاضع لتفاعله مع بيئته وعدده هذا على الاساس بتغير من وقت لآخر تبعاً لتغير هذا التفاعل فكلما ازداد التفاعل إتجه الانسان الى زيادة عدده و العكس صحيح . وفكرة العدد الانسب هذه تعتبر فكرة حديثة وقد كان لها الفضل قيام كثير من الجدل و النقاش حول هذا العدد الانسب . نقد النظرية : 1- ليس من السهل تحديد طاقة أي اقليم الامر الذي يجعل تقدير ما يمكن استيعابه من السكان أمراً مشكوكاً فيه . 2- ربما كان من السهل تحديد العدد الانسب في المناطق بسيطة التركيب كبيئة الرعاء وصيادي الحيوانات و الاسماك والبيئات الزراعية ولكن ماذا يكون الوضع في المناطق الصناعية المعقدة و المناطق الزراعية التي يعتمد إنتاجها على التجارة العالمية . 3- أنه لتقدير عدد السكان المناسب لأي إقليم من الأقاليم المعقدة يجب تقدير الاتجاه الحالي و المستقبل لتكوينه الاقتصادي وهذان الاتجاهان متغيران باستمرار كما يجب تقدير الاحتمالات الجديدة التي قد تطرأ على الموارد. أولاً: السكان ميدان للدراسة في علم الاجتماع الواقع على العلاقة بين علم الاجتماع ودراسة السكان ذات طبيعة خاصة تتمايز وتختلف عن العلاقة التي أن نجدها تربط بين هذه الدراسة وغيرها من علوم أخرى. فعلى الرغم من أن دراسة السكان ذاتها أقدم من علم الاجتماع ، وذلك لأنها ظهرت ونمت من أصول ومصادر متنوعة ومتعددة منها الفلسفة والاقتصاد والإحصاء والجغرافيا والطب والبيولوجيا وغيرهما كما سنوضحه فيما بعد ، إلا أن هذه الدراسة للسكان ما لبثت أن أصبحت اليوم أكثر ارتباطاً والتصاقاً بعلم الاجتماع عنه بأي علم الآخر ، إلى الحد الذي اكتسبت معه هذه الدراسة مكانة لا بأس بها بين غيرها من دراسات ينقسم إليها علم الاجتماع ، وأصبحت ميداناً متميزاً في إطاره ؛ وليس أدل على صحة هذا غير الوضع الذي تحتله دراسة السكان في تنظيم الكليات الجامعية في أغلب دول العالم فمن الملاحظ أنه قد تم توطين هذه الدراسة وبشكل متكرر في أقسام علم الاجتماع بأغلب في هذه الكليات . وكان علم الاجتماع من أكثر الميادين التي حصل من خلالها دارسوا السكان على درجات علمية متقدمة: أضف غلى ذلك أنه يلتحق بإحدى برامج علم الاجتماع العام ، على مقدمة أولية في دراسة السكان على الأقل ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية تكرس الغالبية العظمى من مراجع ومؤلفات المدخل إلى علم الاجتماع ، قسماً منها لمعالجة موضوعات السكان مثل حجم السكان وتكوينهم والخصوبة والوفيات والهجرة وما إليها مع احتمال التباين بين هذه المراجع من حيث مستوى النضج النظري والمنهجي في معالجة موضوعات السكان. ونستطيع أن نسترد في سرد غير ذلك من مظاهر تدل على أن دراسة السكان تمثل اليوم ميداناً متميزاً للدراسة علم الاجتماع ، غير أن هذا قد يكون على حساب تناول الاعتبارات والعوامل التي أردت بعلماء الاجتماع إلى اعتبار دراسة السكان ميداناً متميزاً في نطاق علمهم. وقد نكتفي في هذا الصدد بالإشارة إلى أهم هذه العوامل والاعتبارات خاصة ما تعلق بموضوع الدراسة في علم الاجتماع ومجالاته واهتماماته ، وما اتصل بمستويات التحليل في نطاقه ، وأخيراً ما كان له صلة بالنظرية في هذا العلم. وليس هنالك أوضح من كتب المدخل إلى علم الاجتماع في القاء الضوء على موضوع هذا العلم ومجالات اهتمامه. كما أن عدم وجود الاتفاق بين هذه الكتب في هذا الصدد يسمح لنا بالحرية في اختيار احداها كمثال في تحديد موضوع هذا العلم ومجالات اهتمامه. ولذلك فقد اكتفينا مما ذهب إليه بأن "علم الاجتماع يسعى إلى اكتشاف البناء الأساسي broom g Selznick بروم وسليزنيك للمجتمع الإنساني والتعرف على القوى الرئيسية التي تربط بين جماعاته أو تضعف العلاقة بينها وكذلك دراسة الظروف التي تعمل على استمرار أو تغير المجتمع والحياة الاجتماعية". وإن كان هذا القول يدل على شيء فإنما يدل على أن المجتمع من حيث بنائه وتغيره يمثل موضوع الدراسة في علم الاجتماع ، ولما كان المشتغلون بعلم الاجتماع يحرصون على بيان أقسام هذا الموضوع أو أن المجتمع كموضوع greenمجالات اهتمامه على حد تعبيرهم ، فإننا نجد فيما ذهب إليه جرين للدراسة في علم اجتماع –يتكون من السكان والتنظيم والزمن والمكان والمصالح ، أقرب مثال على توضيح أقسام ومجالات اهتمام علم الاجتماع. وبناء عليه يمكن القول أن النظر إلى السكان باعتبارهم أحد مكونات المجتمع ، وواحداً من مجالات اهتمام هذا العلم كان في مقدمة الاعتبارات والعوامل التي جعلت من السكان ميداناً للدراسة في علم الاجتماع ، وكان من نتيجة نظرتهم إلى السكان باعتبارهم أهم عنصر في البناء وخاصة الجماعات والأدوار والقيم والثقافة والنشاط وما إليها ، وطالما كان وجود الجماعات وتكوينها يتوقف على وجود السكان ، كان ظهور الأدوار في حاجة إلى من يؤديها أو يلعبها من السكان ، وطالما كان السكان هم الذين يكونون لأنفسهم القيم والعادات والتقاليد وغيرها من أساليب الثقافة التي توجه حياتهم ، وهم أيضاً غاية أي جهد أو نشاط انساني في المجتمع ، وهم في الوقت نفسه وسيلة هذا النشاط ، إذ لا يمكن أن يقوم النشاط في مجال الزراعة أو الصناعة أو التعليم أو السياسة أو الدين أو الترفيه بغير السكان ، ومثل هذا النشاط لا يهدف أحد غير السكان. ولقد كانت هذه النظرة إلى السكان من أهم الاعتبارات والعوامل التي أدت إلى اعتبارهم ميداناً للدراسة في علم الاجتماع. كما وجد هذا الاعتبار ما يدعمه فيما درج عليه المشتغلون بعلم الاجتماع عند تحليل الظواهر الاجتماعية ، من الاعتماد على المعطيات الديموجرافية أو السكانية والإفادة من هذا التحليل على المستويات المتباينة وخاصة الأسرة والمدينة وجماعات الأقليات والتدرج الاجتماعي والقيم والنسق السياسي وما إلى ذلك. إذ يمكن الاستفادة من حجم الأسرة وعدد أطفالها ، والتكوين العمري ومعدل النوع داخلها والعمر عند الزواج وما إلى ذلك باعتبارها حقائق ومعطيات و ديموجرافية هامة في تناول وتحليل ظاهرة الأسرة ، وكذلك يمكن الإفادة من أنماط الخصوبة ومعدلات الوفيات والتكوين النوعي والعمري وحجم الأسرة وتيارات الهجرة وغيرها من معطيات وحقائق ديموجرافية في دراسة المدينة وإلقاء الضوء على مستوى التحضر والحياة الحضرية التي تميزها. وعندما ينصرف الاهتمام نحو تحليل المصادر الاجتماعية للتحيز والتمييز بين جماعات الأقليات ، فإنه يستطيع الاستفادة من معطيات وحقائق ديموجرافية وسكانية مثل الحجم والتكوين والإقامة وغيرها في هذا التحليل ، كما يمكن الإفادة من مثل هذه الحقائق والمعطيات الديموجرافية في تحليل البناء السياسي والسلوك الانتخابي والاتجاهات السياسية ، أو في اتخاذها كمؤشرات على الطبقة والمكانة الاقتصادية والاجتماعية وإلقاء الضوء على طبيعة التدرج الاجتماعي وابناء الطبقي في المجتمع...الخ. وثمة اعتبار أو عامل ثالث له أهميته في النظر إلى السكان كميدان للبحث في علم الاجتماع ، وهو أن تحليل وتناول الظواهر السكانية في علاقتها بالظواهر الاجتماعية يزيد من قدرتنا على الوصول إلى أعلى مستوى في التعميم وتجريد المعطيات والوقائع الامبيريقية ، ويزيد بالتالي من قدرتنا على تطوير النظرية ، وهذا هو نفس الهدف الذي تسعى إليه نظرية علم الاجتماع ، بل هو من الاهتمامات الرئيسية لنظرية علم الاجتماع للتعرف على العموميات في الأنساق الاجتماعية ، وهكذا يمكن القول بأن حرص المشتغلون بعلم الاجتماع على تناول الظواهر الاجتماعية لا ينفصل عن حرصهم على بلورة وصقل نظرية علمهم. إذ عندما يدرس الاتجاه البنائي الوظيفي مثلاً الأنماط المتكررة للفعل الاجتماعي "الأبنية" ونتائجها "الوظائف" فإنه يهدف من وراء ذلك إلى صياغة القضايا العامة التي توضح الوظائف الجوهرية والضرورية في استمرار وبقاء أي مجتمع. وبناء على ذلك يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن بقاء المجتمعات الانسانية واستمرارها يتوقف على وجود التناسل بين سكانها على قدر أدنى من التحكم في وفياتها ... ومن هنا كانت الخصوبة الوفيات ظواهر سوسيولوجية ترتبط بوظائف ضرورية أخرى للمجتمعات الإنسانية أكثر منها ظواهر بيولوجية.... وبالمثل يمكن اشتقاق قضايا تعميمية أخرى بناء على هذا الاتجاه النظري يلخص وقائع امبيريقية متعلقة بظواهر يموجرافية مغايرة مثل الهجرة وهي قضايا تفيد في تطوير وبلورة هذا الاتجاه النظري من ناحية ثانية. ولكل من هذه العوامل مجتمعة ولغيرها من عوامل واعتبارات سنشير إليها في أماكن متفرقة من هذا الكتاب ، اعتبر السكان ميداناً للبحث في علم الاجتماع وكان من نتيجة ذلك أن ظهر وتطور واحد من فروع علم الاجتماع أخذ تسميات مختلفة منها السكان والمجتمع والديموجرافيا الاجتماعية وآخرها علم اجتماع السكان ليجمع أشتات ثمار ذلك الجهد الذي بذله علماء الاجتماع في دراسة الظواهر السكانية ، والذي سنجتهد في بقية فصول هذا الكتاب في إلقاء الضوء عليه. ثانياً: الظواهر السكانية وأنواعها وانطلاقاً من هذه الاعتبارات في دراسة السكان وغيرها يضع المشتغلون بعلم الاجتماع تصوراً للسكان ، وما يرتبط به من ظواهر سكانية متنوعة ، إذ ينظر بعضهم إلى كل كتلة بشرية تعرف باسم السكان على أنها جسم بشري ينمو ويتحرك ، ومن ثم فإنهم يتصورون أن لهذا الجسم بناء . وينظر البعض الآخر إلى السكان علىchange كما أن هذا البناء يطرأ عليه التغير structure أنه عنصر في ابناء الاجتماعي للمجتمع وإنه برغم أن هذا العنصر يتمتع مثل غيره من عناصر البناء بقدر من الثبات والاستقرار النسي إلا أنه يتغير أيضاً شأنه غيره من عناصر بنائية أخرى. ومن هنا أمكن لهؤلاء الباحثين أن يفرقوا بين عدد من الظواهر السكانية ترتبط بالسكان كعنصر بنائي وبين عدد آخر من هذه الظواهر تترتب على تغير السكان ، بحيث يحصرون الظواهر السكانية المرتبطة ببناء السكان في ظواهر حجم السكان وتكوينهم وتوزيعهم وكثافتهم ، ويحددون الظواهر السكانية ذات الصلة بتغير السكان في ظواهر نمو السكان وتغير السكان وتحول وزيادة السكان وتضخم السكان وانفجار السكان ، وما إليها من ظواهر سكانية ، نجد من الضروري علينا قبل التعمق في علم اجتماع السكان توضيح المقصود بهذه الظواهر السكانية وأنواعها. 1 – حجم السكان population size ما المقصود بحجم السكان؟ وكيف يمكن التعرف على حجم السكان ؟ تساؤلان من كثير من التساؤلات التي يمكن لنا أن نطرحها حول موضوع حجم السكان ، والتي نعتبر الإجابة عنها كافية في بيان مدلول حجم السكان. ويدلنا البحث عن الإجابة المناسبة على هذه التساؤلات في ذلك الجانب من تراث علم الاجتماع الذي يهتم بتحليل الظواهر السكانية ، على أن المقصود بحجم السكان population size ، هو عدد الافراد في مكان معين وفي وقت محدد ، وأنه لا يقتصر الأمر عند دراسة حجم السكان على مجرد معرفة كم فرد يعيشون في مكان ما أو على مساحة من الأرض محددة جغرافيا أو سياسياً ، وأثناء فترة زمنية محددة وإنما يتجاوز ذلك إلى معرفة ما إذا كان هذا العدد أكبر أو أصغر من عدد الأفراد في نفس المكان ولكن في وقت سابق من هذا الوقت المعين ، وإلى معرفة ما هو المقدار الذي سيصل إليه هذا العدد في المستقبل أو في وقت آخر لاحق. وإذا كان بالإمكان الوصول إلى معرفة حجم السكان عن طريق عد أو إحصاء عدد الأفراد الذين يعيشون على مساحة من الأرض صغيرة نسبياً وأثناء فترة زمنية محددة كما هو الحال قديماً او في المجتمعات البسيطة مثلاً ، نظراً لصغر عدد الأفراد على هذه المساحة وسهولة عدهم ، وإذا كان من الصعب معرفة حجم السكان على مساحة من الأرض كبيرة نسبياً كما هو الحال اليوم ، فإنه من الملاحظ أن الانسان لم يقف عاجزاً أمام هذه الصعوبة بل حاول التغلب عليها بواسطة أساليب أخرى ابتكرها من أجل معرفة حجم السكان عرفت بين المتخصصين باسم مصادر البيانات السكانية. إذ بدأ يهتم الإنسان في العصر الحديث وفي كل بلاد العالم تقريباً بإجراء تعداد للسكان على فترات زمنية متقاربة وأخذ يحرص على إجراء التسجيلات الحيوية لحالات المواليد والوفيات والزواج والطلاق وغيرها ، ولم يتوازن عن إجراء البحوث التي تتناول الظواهر السكانية ، بحيث اعتبرت هذه المحاولات بمثابة مصادر أساسية يمكن عن طريقها أن يصل الانسان إلى المعارف اللازمة لإلقاء الضوء على حجم السكان في المجتمع. وكل هذه الموضوعات سنعود للحديث عنها بالتفصيل عند تناولها بالتحليل منهج البحث في علم اجتماع السكان. 2 – تكوين السكان يعتبر تكوين السكان composition من أهم المتغيرات في الدراسة السكانية لأنه يغطي كل الخصائص التي يمكن قياسها بالنسبة للأفراد الذين يكونون سكان مجتمع معين. فسكان أي قطر أو منطقة ليسوا مجرد عدده ، بل هم مجموع الذكور والإناث ومختلف أفراده في فئات السن المتباينة ، ومن مهن وحرف وثقافة أو مستويات تعليمية و زواجية و ريفية و حضرية متعددة ومختلفة. وعندما يحاول عالم السكان دراسة تكوين السكان بالمعنى السابق ، فهو لا يهتم فقط بالتغيرات التي تحدث في هذا التكوين في لحظة زمنية معينة ، وإنما يهتم كذلك بالتغيرات التي تحدث في هذا التكوين واسباب هذه التغيرات ونتائجها على حياة المجتمع المدروس. 3 – توزيع السكان ولا يقل متغير توزيع السكان distribution في أهميته عن متغير تكوين السكان لأنه يرتبط به ، ويتدرج توزيع السكان بين المنطقة الكبيرة مثل القارة أو المنطقة الصغيرة مثل المدينة أو القرية. أو قد يتم تقسيم السكان على أساس درجة التحضر والتصنيع إلى الفئات التالية: سكان المناطق الصناعية الحضرية المتقدمة ، وسكان المناطق الصناعية الحضرية الجديدة ، وسكان المناطق الصناعية السابقة على مرحلة الحضرية. وقد يقسم السكان داخلياً إلى السكان الذين يعيشون في المناطق المحلية الريفية التي تعتمد على المزارع ، والسكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية أو الضواحي .. ويهتم عالم السكان بدراسة توزيع السكان في هذه المناطق وكذلك بالتغيرات التي تحدث في أعدادهم وأسباب هذه التغيرات ، وذلك كله في ضوء اعتبارين أساسيين: الأول: ربط المتغيرات ذات الصلة ببناء السكان مثل متغيري التكوين والتوزيع أو الخصائص بالعلميات الديموجرافية –مثل المواليد والوفيات والهجرة استناداً إلى أن العلاقة بين متغيرات تكوين السكان أو توزيعهم والعمليات الديموجرافية تعتبر علاقة تبادلية ، بمعنى أن كل طرف منها يؤثر ويتأثر بالطرف الأخر. والثاني: محاولة بيان الصلة بين هذه المتغيرات بالجوانب المتباينة للمجتمع موضوع الدارسة. 4 – الكثافة السكانية يشير مفهوم الكثافة السكانية إلى العلاقة ما بين السكان مساحة الأرض التي يقطنها هؤلاء السكان. وتقاس الكثافة السكانية من خلال قسمة عدد السكان على مساحة الأرض ، ويعبر عنها بمجموع عدد الاشخاص في الهكتار الواحد ، أو في الكيلو المتر مربع أو الميل المربع. 5 – نمو السكان ما المقصود بنمو السكان growth وما الظروف التي نبهت إلى دراسة نمو السكان؟ وكيف يمكن التعرف على نمو السكان؟ هذه ايضاً أمثلة من كثير من التساؤلات التي يمكن أن تثار في أذهاننا حول موضوع نمو السكان. ويوضح لنا البحث عن الإجابات المناسبة على هذه التساؤلات أن المقصود بنمو السكان في المجتمع ، هو اختلاف حجم السكان في هذا المجتمع عبر الفترات الزمنية المتباينة ويرتبط مفهوم النمو في السكان بمفهومي تضخم السكان وأزمة السكان. وكلها مفاهيم لا تنفصل عن فكرة حركة السكان وتغيرها. ذلك لأنه طالما كان السكان كتلة من البشر لا تعيش في حالة استاتيكية ثابتة ، وإنما تتميز بالحركة والتغير ، فإننا قد نلاحظ أن السكان في حركتهم وتغيرهم إما أنهم قد يسيروا في اتجاه النمو نتيجة للزيادة في أعدادهم بفعل العوامل المختلفة مثل المواليد والهجرة وإما يسيروا في اتجاه عدم النمو نتيجة للنقصان في أعدادهم بفعل عوامل أخرى مثل الوفيات والهجرة أو غيرها ، فإن هذه الحركة بالزيادة أو النقصان في أعداد السكان وحجمهم تسمى تغيراً أو نمواً أو حركة ، وقد يكون النمو أو التغير في صورة هائلة أو ضخمة مما قد يترتب عليه تضخم السكان ، الأمر الذي قد يستتبع بدوره أنواعاً من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع مما يجعل البعض ينظرون إلى نمو السكان في هذه الحالة على أنه أزمة سكانية أو انفجاراً سكانياً. 6 – التحول الديموجرافية إن العملية الخاصة بتحول السكان من حالة تكون فيها الخصوبة والوفيات مرتفعة إلى حالة أخرى تتميز بانخفاض الخصوبة والوفيات والتي شهدتها مجموعة كبيرة من الدول ، تسمى ديموجرافي أو تحول سكاني. وتشهد عملية الانتقال من مرحلة قبل التحول الديموجرافي إلى مرحلة ما بعد التحولات الديموجرافية ، ارتباطاً ما بين انخفاض الخصوبة ، مما ينتج عنها نمو سكاني انتقالي. 7 – التغير الديموجرافية للتغير السكاني ثلاثة عناصر ، المواليد والوفيات والهجرة ومع توالي حالات الميلاد والوفيات والانتقال ، فإن العدد الإجمالي للسكان في منطقة ما قد يتغير. ثالثاً: ضرورة دراسة الظواهر السكانية في المجتمع نحاول فيما يلي إلقاء الضوء على ضرورة دراسة الظواهر السكانية من خلال تناول الجوانب الهامة في السكان من وجهة نظر علم الاجتماع وهي الجوانب البنائية مثل حجم السكان ، والجوانب الدينامية مثل تغير أو نمو السكان . ولما كنا حريصين على الربط بين السكان والمجتمع فإن ذلك يقتضينا أن نتوقف عند تناول المعرف التي تبين ضرورة دراسة حجم السكان ونموهم وفهمها واستيعابها ، وإنما سنجتهد في الأغلب في بيان قيمة هذه المعارف بالنسبة للمجتمع طالما كان في اعتقادنا أن العلم ليس فقط للعلم وإنما أيضاً هو علم للمجتمع ، ومن هنا كان حرصنا على بيان ضرورة دراسة حجم السكان ونموهم في مصر. 1 – ضرورة دراسة حجم السكان والجدير بالاعتبار هنا أنه إذا كنا اليوم نجد اهتماماً بالسكان على أساس علمي ينصرف نحو دراسة حجم السكان والتغير في هذا الحجم خلال الزمن ، والتعرف على أسباب هذا التغير ، فإن هذا الاهتمام لا يرجع في النهاية إلى أسباب علمية أكاديمية بحتة فقط تتمثل فيما توفره هذه الدراسة من إمكانيات فهم هذه الظواهر السكانية وتفسيرها والتحكم فيها والتنبؤ بأحوالها في المستقبل وإنما يرجع كذلك وفي المحل الأولى إلى ما تساهم به هذه الدراسة في مجال الرفاهية الانسانية من خلال زيادة الوعي الاجتماعي في المجتمع ، واقتراح الحلول المناسبة للمشكلات السكانية ومن خلال توفير الحقائق الموضوعية التي يمكن أن تستند إليها الخطط الاجتماعية القومية والقرارات والسياسات والاستراتيجيات على المستويات المحلية والعالمية. الوعي الاجتماعي لما كان الإدراك الصحيح والمعرفة الحقيقة والفهم السليم هي مفتاح الوعي الفردي والاجتماعي ، كان إدراك حقيقة حجم السكان ومعرفة التغيرات في هذا الحجم وفهم أسبابه بمثابة مطلب أساسي لتنمية وعي الأفراد وتكوين الوعي الاجتماعي بينهم. وذلك لأن الفرد الذي تتاح له فرصة الإلمام بعدد الأفراد الذين يهمونه لاشك في أنه سيستفيد من هذه الحقيقة في توفير ما يحتاج إليه هؤلاء الأفراد في حياتهم ، وفي ترتيب معيشتهم . ويمكن للأفراد في المجتمع أن يساهموا بناء على ما توفر لديهم من معرفة تتعلق بحجمهم والتغيرات في الحجم وأسبابه ، في مساعدة أجهزة المجتمع في القيام بواجبها نحو توفير وتدبير وسائل العيش اللازمة لهذا العدد من السكان في تلك الفترة الزمنية. فمعرفة الفرد لعدد الأفراد الذين يهمونه تجعله يعي بأن ما استطاع أن يوفره من وسائل عيش تكفي أو لا تكفي هذا العدد الأمر الذي يجعله يفكر في وسيلة يعيد بها التوازن بين هذا العدد من ناحية وبين ما يحتاجونه من وسائل عيشهم. كما أن معرفة الأفراد في المجتمع لحجمهم تجعلهم يقدرون أن ما استطاع المجتمع وأجهزته أن يوفر لهم من خدمات ومشروعات إنتاجية وغيرها ، يكفي أو لا يكفي هذا العدد الأمر الذي يجعلهم يفكرون في وسيلة يعيدون بها التوازن بين هذا العدد أو حجم السكان من ناحية وبن ما يحتاج إليه هذا العدد من خدمات ومشروعات إنتاجية أو وسائل عيش ، فيساعدون على تقليل هذا الحجم أو على زيادة مستوى الإنتاج في هذه المشروعات أو على رفع معدلات الأداء بها وهكذا. الرفاهية الاجتماعية والواقع أن الحقائق المتعلقة بحجم السكان والتغيرات في هذا الحجم تسهم في مجال الرفاهية الاجتماعية والانسانية ، لأنها تساعد على اقتراح الحلول المناسبة للمشكلات السكانية وعلى توفير الحقائق الموضوعية التي يمكن أن تستند إليها الخطط الاجتماعية والسياسات والاستراتيجيات على المستويات المحلية والعالمية. إذ أن رجال الصناعة والصحة والتعليم والجامعات والمشرعون يهتمون بكل ما يمكن أن توفره دراسة حجم السكان من حقائق ويتوقون إلى معرفتها ، بمثل ما يعنى بها كل المهتمون بالعلوم الاجتماعية والذين يخصون دراسة السكان بمثل هذه العناية. ذلك لأن مثل هذه الحقائق تعتبر معلومات ضرورية وأساسية وبد منها في وضع السياسات المتعلقة بالإنتاج وإقامة المشروعات الانتاجية ، وفي رسم برامج الخدمات الصحية والتعليمية والعلاجية وغيرها. أو بعبارة أخرى تعد هذه الحقائق مطلباً ضرورياً لابد من توفره عند التخطيط لكل هذه الأمور. ويمكن أن يفيد أيضاً الحقائق المترتبة على دراسة حجم السكان وخاصة تلك المتعلقة باختلاف هذا الحجم بين مكان وآخر ، أو بعبارة أدق يمكن أن تفيد الحقائق المتعلقة بتوزيع السكان على الأماكن والمقاطعات داخل الحدود الجغرافية والسياسية للمجتمع أو على المناطق الريفية والحضرية والصحراوية يمكن أن تفيد في تحديد نوعية المشروعات الانتاجية التي تتفق وحجم السكان في كل منطقة ، وفي تحديد حجم الخدمات الاجتماعية التي تلزم عدد السكان المختلف ف يكل منطقة. ولاشك أيضاً أن الوقوف على أسباب الاختلاف في حجم السكان بين الريف والحضر ، وزيادة عدد السكان في الريف عنه في الحضر ، نتيجة لزيادة معدل المواليد في الريف عنه في الحضر ، يساعد من ناحية أخرى على حسن توزيع الخدمات بين الريف والحضر . كما أن الوقوف على أسباب تركز السكان في مناطق دون أخرى ، وعوامل تحرك السكان صوب مناطق معينة دون أخرى نتيجة لزيادة الهجرة من الريف إلى الحضر مثلاً ، أمر لازم لكي تتحقق عمليات توزيع موارد المجتمع وإقامة المشروعات وتركيز الخدمات الاجتماعية المختلفة على نحو يحقق الغرض منها. ولا تقتصر الفائدة من دراسة حجم السكان ، على المساعدة في وضع الخطط والسياسات وتحديد الاستراتيجيات واتخاذ القرارات التي تتعلق بحياة السكان وترتيبها في الحدود القومية وفي نطاق مجتمع بعينه وإنا يحتاج المجتمع وهو يضع سياسته الدولية ويحدد استراتيجيته بين الاستراتيجيات العالمية ويتخذ قراراته السياسية والاقتصادية والعسكرية في تعامله مع بقية الدول على الصعيد العالمي ، إلى أن يقف على الحقائق المتعلقة بحجم السكان وتوزيعهم على العالم وأسباب اختلاف الحجم بين الدول والتغيرات فيها. ذلك لأن هذه الحقائق السكانية المتعلقة بحجم السكان تعتبر بمثابة معلومات جوهرية في التعرف على قوة الدولة وعظمتها بين غيرها من دول العالم ومجتمعاته. فعلى الرغم من أن عامل الحجم ليس هو العامل الوحيد في تحديد قوة وعظمة الدولة ، ذلك لأن هناك عناصر أخرى مثل الثروات الطبيعية ودرجة التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والاجتماعي وغيرها تسهم في زيادة مقدار هذه القوة والعظمة. إلا انه لا يزال لعامل الحجم قيمته وتقديره في هذا الصدد. إذ من الملاحظ أن جميع الدول العظمى تقوم على أعداد ضخمة من السكان ، وهذا ما يكشف عنه تحليل بيانات التعدادات العالمية. فلقد بلع تعداد السكان في الولايات المتحدة الأمريكية في إحدى التعدادات السابقة على السنوات الحالية ، "165" مليون نسمة والاتحاد السوفيتي "200" مليون نسمة ، وألمانيا الغربية "52" مليون نسمة ، والمملكة المتحدة البريطانية "51" مليون نسمة ، وفرنسا "42" مليون نسمة. ولقد كانت هذه الاعداد الضخمة للسكان في مثل هذه البلاد مسئولة لدرجة كبيرة عن زيادة قوة هذه الدول وعظمتها في النواحي العسكرية والدفاعية والاقتصادية. فعلى الرغم من أن الجيش في أمريكا وروسيا وانجلترا وغيرها قد حقق درجة من القوة والعظمة لم تصل إليها قوة الجيش في غيرها من بلاد أخرى وذلك نتيجة للتقدم التكنولوجي. إلا أن الاسلحة التي يستخدمها الجيش على اختلافها كانت تحتاج إلى رجال يقودنها ويخدمونها ويصلحونها ،ولم تجد هذه الدول ما يمنع من تعبئتهم من واقع العدد الضخم لسكانها. ولهذا يقال أنه كلما زاد عدد السكان كلما استطاعت الدولة أن تعبئ نسبة كبيرة منهم في الجيش ، وكلما زادت القوة العسكرية للدولة كلما استطاعت أن تمارس تأثيرها في المجال الدولي على غيرها من دول أضعف منها عسكرياً ، وهذا ما تسميه في حالة الدول المذكورة سلفاً هذا من ناحية. وأما من الناحية الثانية فإننا نجد أن زيادة عدد السكان وضخامة حجمهم تكفل لهم الفرصة للدفاع عن بلادهم ، لأنه من الصعب على الجيوش الغازية والمستعمرة أن تقهر هذا العدد المتزايد كما لا يسهل احتلال أراضي يسكنها عدد كبير من السكان. ولعل ما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين فيتنام في تاريخ الحروب العالمية ، خير دليل على هذه الحقيقة. فلقد حال العدد المتزايد لسكان فيتنام وتوزيعهم على رقعة كبيرة من الأرض ، دون أن تحقق الولايات المتحدة الأمريكية أهدافها في قهر الفيتناميين ، والسيطرة عليهم برغم ما يتميز به الجيش الأمريكي من تفوق تكنولوجي. ومن الناحية الثالثة نجد أنه إذا كان العنصر البشري يمثل عاملاً له أهميته في النشاط الاقتصادي ، ويتوقف الإنتاج الاقتصادي الضخم على توفر الأيدي العاملة بالحجم المناسب ، فإن زيادة عدد السكان في المجتمع وضخامة حجمه ، تسمح بتوفر أعداد كبيرة من المهنيين للعمل ، الأمر الذي يصدق معه القول بأنه كلما توفرت الأيدي العاملة ، واشتغلت في الانتاج زاد معدله وتمكنت الدولة من استخدامه في ممارسة قوتها وتأثيرها في المجال الدولي واستطاعت أن تحرم دولا أخرى منه وتهب دولا غيرها هذا الانتاج. حجم السكان في مصر لم تكن ضرورة دراسة حجم السكان في زيادة الوعي الاجتماعي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية كما تؤكدها المعارف العلمية السابقة ، أمراً مطلوباً لذاته كما أن الإلمام بها واستيعابها لا يمثل هدفاً في حد ذاته ، وإنما كان لابد من أن توظف هذه المعارف لخدمة المجتمع وحل مشكلاته. ولم تكن هذه الحقائق كلها غائبة عن ذهن الانسان في مصر. ذلك لأنه عندما يوجه نظر الطلاب في المعاهد والجامعات نحو الحقائق المتعلقة بحجم السكان وأهمية دراستها ، من خلال البرامج المخصصة للدراسة العلمية للظواهر السكانية ، يتوقع أن يكون مثلاً هؤلاء الطلاب هم رسله لتنوير السكان وزيادة وعيهم بهذه الحقائق. وعندما كان المجتمع حريصاً على تنظيم تعداد السكان على فترات زمنية متقاربة ، وعندما اهتم بإقامة مكاتب التسجيل الحيوي وتعميم وجودها في أرجاء الأرض المصرية ، وعندما اعتمدت الميزانيات اللازمة لمراكز البحوث ومشروعاتها كان يتوقع من كل هذه الإجراءات أن يحصل على الحقائق السكانية حول حجم السكان ونموهم من مصادرها الأساسية ، حتى يتسنى له إقامة الخطط القومية والمشروعات والسياسات والاستراتيجيات والقرارات على أساس من العلم والمعرفة بظروف سكانه. ويمثل الجدول التالي عدد السكان في مصر حسب التعدادات المختلفة ويعد واحداً من نتائج هذه الاهتمامات بدارسة حجم السكان. جدول رقم 1 يوضح تعداد سكان مصر بين عامي 1882- 1996م السنة 1882 1897 1907 1927 1937 1947 عدد السكان بالملايين 6.8 9.7 11.3 14.1 15.9 18.97 السنة 1960 1966 1976 1986 1996 عدد السكان بالملايين 26.1 30.1 36.6 48.3 59.3 2 – ضرورة دراسة نمو السكان سبق أن أوضحنا المقصود بنمو السكان وكيفية التعرف عليه في المجتمع ، ونحاول هنا تحليل ضرورة دراسة نمو السكان. والواقع أن هناك مجموعة من العوامل المختلفة التي حفزت العلماء إلى الاهتمام بدراسة نمو السكان وتحليل آثاره سنتناولها بالتفصيل فيما بعد. ولقد كان من نتيجة هذا الاهتمام أن توفر في تراث الدراسة العلمية للسكان وتحليلها على ضوء قضايا المجتمع اتجاهين أساسيين في دراسة نمو السكان ، الأول يحلل هذه الظاهرة في ضوء نمو وسائل العيش ، والثاني يتناول ظاهرة النمو في علاقاتها بالعوامل التي تؤثر في معدل المواليد والوفيات ونحاول فيما يلي توضيح وجهة نظر كل اتجاه ، حتى يتسنى لنا استخلاص الدروس والنتائج التي تدلل على جوهرية وضرورة دارسة نمو السكان. أ – الايكولوجيا البشرية ودراسة بين نمو السكان ووسائل العيش: ترد محاولة ربط نمو السكان بالنمو في وسائل العيش إلى تلك محاولات التي تنبهت إلى اهمية دراسة نمو السكان وحاولت أن تبحث عن إجابة على كل التساؤلات والتوقعات التي أثارتها المستمرة والمخفية في أعداد السكان في العالم مثل: هل كانت هذه الزيادة في عدد السكان تقابلها زيادة مباشرة في وسائل العيش؟ أم كانت الزيادة في سكان تفوق عادة الزيادة في وسائل العيش أم العكس؟ وما هي الوسائل التي استعان بها الإنسان على حفظ هذا التوازن في الجانبين؟. وكانت الايكولوجية البشرية Human Ecology باعتبارها فرعاً من فروع علم الاجتماع في مقدمة المحاولات التي اهتمت بالبحث عن إجابة على كل هذا التساؤلات ، وغيرها على النحو التالي: فكان عليها أولاً أن تسجيل الحقائق المتعلقة بالجانب الأول من طرفي هذه العلاقة وهو نمو السكان في العالم. فرجعت إلى التراث الذي يوضح نمو السكان في العالم ، ووجدت أن نقطة البداية في تعقب تاريخ نمو البشرية يرجع إلى بداية ظهور المخلوقات البشرية على وجه البسيطة تلك التي كانت تستعين بمجموعة من الأدوات في توفير وسائل عيشها وبقائها. ولوحظ أن ديفي Devy يذهب في هذا الصدد إلى أنه منذ مليون سنة تقرياً كان هناك 125.000 من المخلوقات تستعين بهذه الوسائل. ثم وصل هذا العدد إلى 5.3 مليون نسمة في عام 8000 قبل الميلاد ، وفي عام 4000 قبل الميلاد تضاعف هذا العدد إلى 86.5 مليون. وفي وقت ميلاد المسيح قدر سكان العالم بحوالي 132 مليون نسمة ثم ارتفع هذا العدد في عام 1650 إلى حوالي 545 مليون نسمة ويقدر في عام 1990 بنحو 5.2 بليون نسمة. وقدر المعدل السنوي للزيادة الطبيعية في سكان العالم في الفترة ما بين 1985-1990 بحوالي "17" في الألف. وانتهى البحث حول النمو السكاني في العالم إلى الحقائق التالية: 1 – أن سكان العالم كانوا في زيادة مستمرة. 2 – شهدت السنوات الحديثة تزايداً في معدل نمو السكان بدرجة لم يسبق إليها في تاريخ البشرية. وذلك بناء على تجميع الحقائق السكانية من مصادرها المختلفة والمتوافرة أو من التعدادات العالمية والتسجيلات الحيوية والبحوث وغيرها ، ثم رصدها في جدول يلخصها ويوضحها على النحو التالي: جدول رقم 2 يوضح تقدير سكان العالم منذ عام 1650 حتى عام 1995 السنة السكان بالمليون معدل الزيادة السنوية كل ألف من السنوات السابقة 1650 545 - 1750 728 3 1800 908 4 1850 1.171 5 1900 1.608 6 1950 2.517 9 1958 2.903 18 1964 3.220 172 1991 5.292 172 1995 5.685 ثم أخذت الايكولوجيا البشرية بعد ذلك تستخلص الحقائق المتعلقة بالجانب الثاني من طرفي العلاقة وهو وسائل العيش في العالم ، وكانت تسترشد في تحليلها للتراث بحثاً عن هذه الحقائق ، ببعض المسلمات منها أنه ليس هناك كائن انساني واحد يستطيع أن ينمو وينضج دون الاعتماد على بني جنسه وأن المجتمعات الانسانية تعتمد بدورها على المجتمعات الحيوانية ، والأنواع النباتية وعلى النواحي الفيزيقية للبيئة مثل الهواء والماء ودرجة الحرارة وغيرها ذلك كله في محاولتها توفير وسائل العيش. وركزت دراستها على العلاقة المتبادلة بين السكان وبين بيئاتهم الفيزيقية والبيولوجية ، و ذلك اعتماداً على مفهوم نسق البيئة Eco-System ، الذي قصد به مجموع النباتات والحيوانات والبشر المرتبطة ببعضها مع الخواص الفيزيقية لبيئتهم. ولقد ساعدت هذه المفهومات والمسلمات الايكولوجيا البشرية في الوصول إلى مجموعة من النتائج التي توضح أن النمو الماضي لسكان العالم لم يكن ممكناً بدون أن يحدث الانسان تغيرات حاسمة في نسق بيئته مع العلم بأن المقصود بالتغيرات ليس التغيرات الكمية التي تجعل علاقة الإنسان الحديث ببيئته تتفوق على علاقة الانسان البدائي ببيئته –وإنما يقصد بها تلك التغيرات في النسق الايكولوجي وخاصة التغير في التكنولوجيا والتنظيم تغيراً يعمل على زيادة الانتاج بقدر الإمكان إلى حد يفوق مقدار الانتاج الذي كانت تتيحه كمية العمل في الفترة السابقة ، وكانت تلك التغيرات تمثل إحدى الميكانيزمات الأساسية التي تمكن بواسطتها الانسان أن يحافظ على التوازن بين الزيادة في السكان وبين الزيادة في وسائل العيش. هذا فضلاً عن أنها تؤكد أن تزايد وسائل العيش لم يكن تزايداً آلياً يساير نسبة التزايد في السكان. وقد يلقى تتبع بعض التغيرات في التكنولوجيا والتنظيم تلك التي أثرت في قدرة الانسان على توفير وسائل العيش أمام الزيادة الهائلة في السكان كل مرحلة من مراحل التاريخ ، يلقي الضوء على هذه الحقائق فإذا بدأنا بالإنسان الأول: يمكن القول بدون شك أن اللغة كانت متخلفة وأنه لم يعرف استخدام النار. ولقد أدى استخدام النار بعد ذلك وتطور وسائل العيش إلى زيادة السكان. كما أدى التحسن في الأدوات المخصصة للصيد فيما بعد ، وخاصة من الهراوة إلى الرمح إلى السهم إلى القوس ، أدى إلى تطور الجماعات الانسانية الصغيرة إلى قبائل الرحل ، ثم إلى المجتمعات القبلية المستقرة ، وأدى اختراع الفأس وأساليب الزراعة البدائية إلى زيادة في الغذاء وموارد العيش ، مما كان له أثره على نمو السكان. وأرجع "ديفي" تضاعف السكان إلى 16 مرة في الفترة من 8000 سنة قبل الميلاد إلى 4000 سنة قبل الميلاد ، إلى تطور أساليب زراعة البساتين. وكان وجود الحيوانات المستأنسة إلى جانب استخدام المحراث وري الأرض الزراعية ، واستخدام السماد والمحركات ذات العجلات وغيرها ، في المجتمعات الزراعية ، يسهم في تزايد الانتاج. وظهرت بدايات المجتمع الصناعي الحضري ، في أوروبا ، في نفس الوقت مع رحلة كولمبس إلى أمريكا ، تلك الرحلة وغيرها من رحلات المستكشفين –إلى هذا العالم الجديد- كانت لها أهميتها بالنسبة للتقدم التكنولوجي والتنظيمي لسببين: 1 – جلب المستكشفون معهم في عودتهم من هذا العالم ، أنواعاً بالغة الأهمية من النباتات الزراعية لم تكن معروفة من قبل أوربا وآسيا ، مثل البطاطس والفاصوليا والطماطم وغيرها. ولقد بدأت بلاد أوربا الشمالية وانجلترا وهولندا والبلاد الاسكندنافية وألمانيا وبولندا وروسيا تزرع هذه النباتات وخاصة البطاطس التي كان إنتاج الفدان منها يساوي في قيمته الغذائية انتاج اثنين أو أربعة أفدنة من الحبوب المعروفة في هذه البلاد قبل ذلك بحيث أصبحت البطاطس هي النبات الوحيد غذاء سكان هذه البلاد ، الأمر الذي يمكن القول معه أن زيادة السكان في هذه البلاد كانت تسير جنباً إلى جنب مع الزيادة في انتاج الغذاء. 2 – أخذ المستكشفون معهم إلى هذه العالم أنواعاً من الحيوانات المستأنسة – وبخاصة الحصان- مما كان له أثره في التطور الفني الهائل في بلاد العالم الجديد "أمريكا". فلقد استفاد الهنود سكان السهول الشاسعة في أمريكا الشمالية من وجود الحصان – واستغنوا به عن الثور- كما استفادوا من الأساليب التكنولوجية التي حملها الأوروبيون المهاجرون إليهم ، وأثر ذلك في وسائل العيش لديهم. كما تميزت المجتمعات الصناعية الحضرية من ناحية أخرى ، بابتكار الآلة البخارية التي جعلت فائض الطاقة لدى الإنسان يأتي من مصادر غير حية ، مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي. وكان من نتائج استخدام هذه الابتكارات في أوربا وأمريكا وغيرها ، أن تمكن الانسان من مضاعفة الانتاج ، وتوفير ضروريات الحياة من طعام وملبس وموارد وأن يتخلص أيضاً من خطر النقص في انتاج الغذاء في والخدمات ، بفضل تطور وسائل النقل. وعموماً كان التقدم في وسائل العيش هائلاً وسريعاً ، كما كان نمو السكان متزايداً وسريعاً في أوربا وأمريكا ، وذلك نتيجة للثورة الصناعية... وهكذا كانت الزيادة في سكان العالم تقابلها زيادة مماثلة في وسائل العيش استناداً إلى أن الانسان كان يستعين في حفظ التوازن بين الزيادة في الجانبين في كل مجتمع عبر تاريخ البشرية ، على تطوير بيئته التكنولوجية والتنظيمية. نمو السكان ووسائل العيش في مصر وإذا أردنا أن نتحقق من مدى انطباق هذه الحقائق على ظروف السكان في مصر ونبحث عن الإجابة على مجموعة من التساؤلات السابقة مثل هل كانت هناك زيادة في سكان مصر؟ وما نوع الزيادة التي شهدها سكان مصر في السنوات الحديثة؟ وإذا كانت هناك زيادة في نمو سكان مصر ، فهل كانت الزيادة تقابلها زيادة في وسائل العيش؟ وما هي الأساليب التي استند إليها الانسان المصري في حفظ هذا التوازن؟. وإذا بدأنا بالبحث عن الحقائق التي تلقي الضوء نمو السكان في مصر. فإننا نجد أنه من الصعب التكهن بعدد سكان مصر في العصور القديمة إذ قدر بعض الكتاب سكان مصر في عصر قدماء المصريين بحوال "40" مليون نسمة ، وهو رقم خيالي لا يمكن قبوله. لأن التقديرات المعقولة لتلك الحقبة ، ومنها تقدير "شامبليون" تتراوح بين أربعة أو ثمانية ملايين نسمة. كما قدر "هيرودوت" عدد السكان في عهد البطالة بحوالي ثلاثة ملايين نسمة. كما قدره أحد المؤرخين في القرن الأول بعد الميلاد بنحو خمسة ملايين. وقدره آخر بنحو خمسة ملايين نسمة عند فتح العرب لمصر ، والأرجح أن عدد السكان لم يتجاوز هذا الرقم في أواخر العصور الوسطى. ولقد تضمنت كتابات الرحالة الذين زاروا مصر خلال القرن الثامن عشر تقديرات جزافية لعدد السكن ، إذ قدره "تريكون" بحوالي مليوني نسمة. كما قدر الرحالة "فولتي" سكان مصر عام 1761 بنحو 2.3 مليون نسمة. وقدر "جومارد" سكان مصر كلها باستثناء العرب الرحل بحوالي 2.5 مليون نسمة ، وهو نفس التقدير الذي وضعه "منجن" بعد ذلك لسكان مصر عام 1882. وفي عام 1846 قدر "ريني" سكان مصر بنحو 4.5 مليون نسمة ، ثم جاء تقدير "روس" للسكان عام 1875 بنحو 5.2 مليون نسمة. وجاء حجم سكان مصر في أول تعداد منزم لها عام 1882 ينحو 6.8 مليون نسمة. ثم توالت التعدادات أعوام 1897 ،1907 ، 1917 ، 1927 ، 1960 ، 1986. وأخيراً تعداد 1996 وقد سكان مصر في هذه التعدادات على النحو التالي: 9.7 مليون ، 11.3 مليون ، 12.8 مليون ، 14.2 مليون ، 26.1 مليون ، 48.3 مليون ، 59.3 مليون الخ وهكذا على التوالي وهذا ما يوضحه الجدول التالي رقم "3". جدول رقم "3" عدد سكان ج.م.ع في سنوات التعداد. 1882- 1996 سنوات التعداد عدد السكان بالمليون متوسط معدلات النمو السنوي بين التعدادات 1882 6884 - 1897 9749 2.42 1907 11287 1.48 1917 12751 1.26 1927 14218 1.09 1937 15933 1.14 1947 19022 1.75 1960 26085 2.38 19662 30076 2.54 1976 36627 2.31 1986 4254 2.753 1996 59272 2.08 فقد كان عدد السكان في مصر عام 1882 "6.810" مليوناً وارتفع إلى 9.749 في عام 1897 بمعدل نمو 2.42% انخفض في العشر سنوات التالية إلى 1.48% ثم إلى 1.26% ثم إلى 1.09% في العشرين سنة تالية. السنة السكان بالمليون 1882 5 1897 5.2 1907 10 1917 10.2 1927 10.5 1937 15 1947 15.2 1960 25 1966 35.2 1976 40 شكل "1" سنوات التعداد ص42 ثم بدأ نمو السكان يأخذ في الارتفاع التدريجي في الخمسين سنة الأخيرة ابتداء من عام 1937 فبلغ 1.14% ثم 1.78% ، 2.38% على التوالي وفق الفترة 1966- 1976 بلغ معدل النمو 2.31% ويرجع ذلك إلى تحسن الأحوال الصحية وانخفاض معدل الوفيات. وكان من المتوقع أن عدد السكان بعد أربعة وستين عاماً إذا كان المعدل السنوي للزيادة 1.1% وبعد ثلاثين عاماً إذا كان 2.33% سنوياً وبعد خمسة عشرين عاماً فقط إذا كان هذا المعدل 2.8% وقد تضاعف عدد السكان في مصر في ثلاثة وأربعين سنة بين عامي 1917 ،1960 حيث كان معدل النمو 1.6% سنوياً وسوف يتضاعف هذا العدد مرة أخرى في أقل من ثلاثين سنة حيث بلغ معدل النمو2.3 في عام 1986. وهذه الحقائق توضح بالمثل أن سكان مصر في زيادة مستمرة ، وأن السنوات الحديثة شهدت تطوراً وزيادة ملحوظة في عدد السكان مصر لم يسبق إليها في تاريخ البلاد. وإذا حاولنا بعد ذلك أن نبحث عن الحقائق التي تلقي الضوء على الأساليب التي حاول أن يستند إليها الانسان المصري في تحقيق التوازن بين نمو السكان من ناحية وبين وسائل العيش من ناحية أخرى. نجد أن هذا البحث تعترضه صعوبات عدم توفر الكتابات الموثوق بها عن التطور التكنولوجي والتنظيمي لمصر منذ العصور القديمة. ولكن هذه الصعوبات ليست قائمة بالنسبة للتطور الاقتصادي الحديث أو المعاصر لمصر وخاصة في القرن العشرين. وبالنظر إلى الاقتصاد المصري في هذه الفترة نلاحظ تضخم دور الإنتاج الزراعي في الدخل القومي ، الذي يربو على ثلث الدخل القومي في مصر. وزيادة عدد المشتغلين في الزراعة من سكان مصر بنسبة 65% وأنه برغم من أن الانقلاب الصناعي قد مر على مصر ، إلا أنه لم يترك أثراً عميقاً ، فقل حظ البلاد من التكنولوجيا الحديثة ، وانخفضت نسبة المشتغلين بالصناعة. كما أن انتاج الفرد من الزراعة كان منخفضاً بالقياس إلى إنتاجية الفرد في الدول النامية... إذ توضح الإحصائيات ،أنه لم يحدث زيادة كبيرة في الانتاج الزراعي في الفترة ما بين 1013- 1939. وبرغم أن انتاج القطن قد زاد 33% وإنتاج الحبوب زاد أيضاً 27% ، خلال الفترة 1942-1950 ، إلا أن زيادة السكان في الفترة نفسها كان معدلها 75% ، ثم هبط انتاج الفدان من القطن والقمح والذرة والقصب ومعنى هذا أن انتاج وسائل العيش من الزراعة لم يتمش مع زيادة السكان. والانتاج الزراعي في مصر رغم تقدمه الملموس والتحسينات المستمرة التي أدخلت عليه أصبح قاصراً على ملاحقة الزيادة المستمرة في السكان فبينما زاد عدد السكان من 9.7 مليون نسمة سنة 1897 إلى 48.3 مليون سنة 1986 أي بنسبة 400% تقريباً زادت المساحة المحصولية من 6.8 إلى 11.2 مليون فدان في نفس الفترة أي بنسبة 65% فقط ومن الواضح أن المساحة التي تحقق بقاء نصيب الفرد عام 2000 على ما كان عليه 1897 "0.7 من الفدان" هي 45 مليون فدان. مما يزيد على أربعة أضعاف المساحة الحالية. وقد أدى تخلف معدل نمو المساحة المحصولية عن معدل النمو السكاني إلى نقص كمية العمل الزراعي بسبب زيادة القوى العاملة في الزراعة عن حاجتها الحقيقة. فهل ساهم الانتاج الصناعي في تحقيق هذا التوازن؟ الواقع أن الصناعة قد دخلت في مصر بعد منتصف القرن التاسع عشر على يد الأجانب واقتصرت في البداية على القطن ، ثم السكر ، والدخان ، والورق ، ثم أنشأ بنك مصر شركاته الصناعية... وزاد الاستثمار الصناعي في المنشآت والآلات من 2 مليون إلى 23 مليوناً بين عامي 1939-1952 ، وإلى 28 مليوناً عام 1955. كما زاد الانتاج الصناعي من 28 إلى 59 إلى 118 في الأعوام 1935، 1945 ،1956 على التوالي وبرغم ذلك لم تتجاوز الزيادة في عدد المشتغلين بالصناعة 700.000 نسمة. ولم يزد عدد المصانع زيادة التوازي عدد السكان بنحو خمسة ملايين نسمة بين عامي 1927 ،1947. ولم يتخذ التصنيع سياسة محددة واضحة المعالم إلا بعد قيام الثورة في عام 1952 الذي يعتبر بحق نقطة التحول في تاريخ الصناعة في مصر. فقد كانت المشروعات الصناعية قبل ذلك تهدف إلى الربح العاجل وحده دون النظر لأية اعتبارات قومية ولذلك لم تظهر الصناعات الانتاجية التي تستلزم رؤوس الأموال الكبيرة والعمال المدربين المهرة. وبابتداء مرحلة التحول الصناعي ارتفعت جملة قيمة الانتاج الصناعي بمقدار 285% فيما بين عامي 1951/1952 ، 1967/1968 وفي حين أن نسبة الدخل من الصناعة كانت تعادل 8.7% من الدخل القومي الكلي ، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 22% في عام 1965 ، كما ارتفعت القيمة المضافة الإجمالية في النشاط الصناعي "الصناعة والتعدين" بمقدار 163% فيما بين عامي 70/1971، 1975 وفي حين أن نسبة الناتج من الصناعة في عام 1965/1966 تعادل 21.7% من اجمالي الناتج المحلي بتكلفة عوامل الانتاج نجد أنها بلغت 13.4% ،17.8% عامي 80/81 ، 86/1987. وتشمل الصناعات التحويلية تصنيع المنتجات الزراعية المحلية من القطن و الأرز والقمح وقصب السكر والألبان والخضر والفاكهة ومستخرجات المناجم كما ازدهرت كثير من الصناعات الهامة كالأسمدة والصناعات الكيماوية التي تشمل السوبر فوسفات والنترات وحامض الكبريتك والكحول والصابون والثقاب والأدوية والبلاستيك. وتساهم صناعة الغزل والنسيج بأكبر نسبة من الدخل الصناعي. وتتركز معظم الصناعات الكبرى في القاهرة و الاسكندرية وأسوان وتنفرد القاهرة وحدها بحوالي 22% من المنشآت الصناعية ، تليها في ذلك محافظات الاسكندرية ثم الغربية ثم الدقهلية ، وتبلغ نسبة المصانع بهذه المحافظات الأربعة حوالي نصف المنشآت الصناعية وتتجه السياسة الصناعية نحو إنشاء المصانع الصغيرة والمتوسطة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة بالوجهين البحري والقبلي –فالريف المصري لم يصل بعد إلى المستوى الصناعي المطلوب ولاشك أن البطالة الجزئية والبطالة المقنعة ترتبط مباشرة بمشكلة النمو السكاني لا يمكن حلها إلا بوضع برامج قوية للصناعات الريفية تهدف إلى تعليم العمال الزراعين بعض الحرف الزراعية مثل صناعة التعليب وصناعة السجاد والكليم وإصلاح الأدوات الزراعية- والمنزلية وصيانتها والغزل والنسيج وغيرها لتأهليهم للنشاط الصناعي وزيادة دخلهم وحتى تتكون نواة لقوة العمل الصناعية المناسبة في الريف بدلاً من اتجاه سكانه للهجرة إلى المدنية حيث يزاولون حرفاً تافهة أو غير مشروعة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة بلغ متوسط نسبة مساهمة القطاعين في نمو الناتج المحلي الإجمالي 20% مع ملاحظة أن النصيب النسبي للزراعة في الناتج المحلي الإنتاج قد انخفض من 30% سنة 1960 إلى 16% سنة 1992 ،ولم يكن هذا التغير لصالح التصنيع في الاقتصاد المصري ، فإذا استبعدنا البترول ومنتجاته من القطاع الصناعي نجد أن نصيبه النسبي قد انخفض أيضاً من 22% سنة 65/1966 إلى أقل من 15% خلال الفترة 1982-1992. وهذا ما يوضحه الجدول التالي: القطاع 87-1992 87-1992 الناتج المحلي الإجمالي التوظف الناتج المحلي الاجمالي التوظف الزراعة 3.7 2.3 2.2 0.05 الصناعة 6.6 5.1 7.6 3.50 البترول - - 43.6 - اجمالي الناتج المحلي 6.1 3.6 8.4 3.10 القطاع 87-1992 87-1992 الناتج المحلي الإجمالي التوظف الناتج المحلي الإجمال التوظف زراعة 2.1 1.3 2.7 1.16 صناعة 6.2 3.7 5.7 1.45 بترول 7.3 - 6.- - إجمال 6.3 2.3 -.4 2.99 وعلى ذلك يمكن أن نبرز الملامح الرئيسية للأداء الاقتصادي في مصر خلال الفترة الماضية ، وفي هذا الخصوص يمكن الوصول إلى النتائج الخمس التالية: 1 – ابتلع النمو السكاني الجزء الأكبر من النمو في الدخل ، والأخطر من ذلك أن النمو الاقتصادي لن يساعد بمفرده على إبطاء الزيادة السكانية. 2 – لم يتمتع النمو الاقتصادي في مصر بخاصية القدرة الذاتية على الاستمرار لفترة طويلة. فقد اعتمد هذا النمو ، في معظم الأوقات ، على الخارج. وبتعبير آخر فإن مصادر نمو الدخل كانت تتأثر بعوامل خارجية لا تدخل في نطاق سيطرة صناع القرار وراسمي السياسات. 3 – اقتران النمو الاقتصادي باختلالات اقتصادية خطيرة ، فعجز ميزان المدفوعات وعجز الميزانية كانا مصدرين لإعاقة عملية التنمية ، ومن المحتمل أن برامج التكيف الهيكلي ، لعلاج هذه الاختلالات ، ستحد من آفاق التقدم على طريق التنمية البشرية ، ولتجنب ذلك تبدو الكفاءة العالية في إدارة السياسات أمراً لا غنى عنه. 4 – على الرغم من تواضع مستوى النمو الاقتصادي إلا أنه لم يعتمد على نمط انتاجي كثيف العمل ، و من ثم أدى هذا النمط من النمو إلى مشكلة بطالة متفاقمة ، ونظراً لأن تجارب الماضي اتصفت بما يمكن تسميته نمواً بأقل قدر من الوظائف ، فإن استراتيجية التنمية البشرية يجب أن تأخذ في الاعتبار خلق فرص العمل الملائمة كجزء من السياسات العامة للتشغيل. 5 – يمكن للسياسات أن تمزج بين النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل أن تؤدي إلى مجتمع أكثر عدالة ويقوم على المساواة ، وقد اقترن ارتفاع معدلات نمو الدخل في مصر بتزايد الاتجاه إلى المساواة في توزيع الدخول ، في حين ان النمو المتباطئ اقترن بمزيد من عدم العدالة في هذا التوزيع. وكل هذه الحقائق توضح أن الانتاج الصناعي لم يسهم في تحقيق التوزان بين زيادة عدد السكان وبين توفير أساليب العيش للسكان اللازمة لهذا العدد من السكان. ولعل ما تحاول مصر اليوم من عمليات تنمية اقتصادية واجتماعية في كافة المجالات يحقق هذا التوازن. ب – التنمية الاجتماعية ودراسة العلاقة بين نمو السكان والتغيرات في معدلات المواليد والوفيات ترد محاولة ربط نمو السكان بالتغيرات في معدلات المواليد والوفيات إلى ذلك الاتجاه الذي تنبه إلى أهمية دراسة نمو السكان ، وحاول أن يبحث عن أسباب هذا النمو على ضوء الفارق بين معدلات المواليد ومعدلات الوفيات. ومن ثم انصرف اهتمام هذه المحاولة إلى تحليل التي تؤدي على المتغيرات في معدلات المواليد والوفيات في واقع وظروف التنمية الاجتماعية لهذا المجتمع. نمو السكان والتغير في معدلات الوفيات في العالم لقد كانت معدلات المواليد والوفيات في العالم حتى الثلاثين سنة الماضية مرتفعة جداً. ووصل كل منهما إلى مستوى يساوي في معظمه المستوى الذي يصل إليه الآخر. غير أن معدلات الوفيات كانت تميل إلى الاختلاف من سنة لأخرى بشكل يلفت النظر. ففي السنوات التي تميزن بنقص الغذاء وبخاصة سوء التغذية وصلت معدلات الوفيات إلى معدلات عالية. كما ارتفع معدل الوفيات نتيجة للأمراض المعدية المتباينة ، حيث قضى الموت على ربع سكان أوربا تقريباً ، نتيجة للأوبئة التي فاجأت البلاد الأوروبية في الفترة من بين عامي 1347-1352 ولكن بدأ معدل الوفيات في الانخفاض ببطء في القرن الثامن عشر ، نتيجة لتوافر الغذاء. ثم بدأ معدل الوفيات في الانخفاض السريع مع نهاية القرن التاسع عشر ، نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل: مثل وفرة الغذاء ، والتحسن المتزايد في الصحة ، وخاصة الصحة في المدن ، وتحسن طرق تصريف الفضلات ، وتوفير مياه الشرب ، والتقدم الطبي في مجال الوقاية من الأمراض المعدية التطعيم والتقدم في مجال شفاء الأمراض المعدية عن طريق المضادات الحيوية. كما اختلفت معدلات الوفيات من سنة إلى أخرى في البلاد غير المتقدم اقتصادياً –النامية- إذ ظلت هذه المعدلات عالية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ثم أخذت في الانخفاض بسرعة لم يسبق إليها مثيل حتى في البلاد المتقدمة. وذلك نتيجة لتوفر بعض العوامل السابقة ، غير أن معدلات الوفيات ظلت كما هي مرتفعة بمقارنتها بمعدلات وفيات الأمم غير المتخلفة ، نتيجة لمعانات هذه البلاد من سوء التغذية والظروف المعيشية غير الصحية. أو نتيجة لحالة التخلف الاجتماعي التي كانت ولا تزال تعيشها عموماً. نمو السكان والتغير في معدلات الوفيات في مصر وبالنظر إلى معدلات الوفيات في مصر ، باعتبارها من العوامل التي تسهم في نمو السكان ، وذلك من اجل معرفة اختلافها من سنة إلى أخرى. نجد أن الوفيات كانت عالية للغاية في بادئ الأمر إذ وثلت تقديراتها سنة 1835 إلى 200.000 وكانت نسبة وفيات الأطفال دون السنة من أعمارهم في أوائل القرن الماضي تصل إلى 500 في الالف ، ويرجع ذلك إلى تفشي الأمراض المعدية وسوء التغذية ، وتخلف الأحوال الصحية وتأخر الطب الوقائي والعلاجي. ثم هبطت نسبة الوفيات تباعاً منذ أوائل القرن العشرين ، إلا أنها ظلت حتى الحرب العالمية الثانية في مستوى مرتفع ، وزادت النسبة في أعقاب هذه الحرب على أثر تفشي الحمى ثم الملاريا ثم الكوليرا حتى عام 1947 ، ثم هبطت نسبة الوفيات العامة من 28 في الألف عام 1945 إلى 19 في الألف عام 1950 ، ثم إلى 12 في الألف سنة 1958 وتقدر بحوالي 7.5 في الألف عام 1990 ولا يزال معدل الوفيات في ج.م.ع. مرتفعاً إذا ما قورن بمعدلات بعض الدول التي سبقتها في التقدم الاقتصادي حيث بلغ6.2 في الألف عام 1996. ويرجع انخفاض معدلات الوفيات في مصر إلى عدة عوامل هي استخدام طرق الطب الوقائي والعلاجي ، وتطور الخدمة الصحية ، وتحسين مياه الشرب. ولعل أدراك أثر مثل هذه العوامل في انخفاض معدل الوفيات تكون له أهميته في وضع المشروعات التي تعمل على إدخال التحسينات في مثل هذه المجالات. نمو السكان والتغير في معدلات المواليد في العالم وبالنظر إلى معدلات المواليد ، نلاحظ أن قدرة الإنسان البيولوجية على الحمل قدرة محدودة بمقارنتها بالأنواع الأخرى ولا تستطيع المرأة أن تحمل أكثر من 12 مرة في المتوسط طوال فترة النسل. كما يقل عدد النساء اللاتي يلدن هذا العدد فعلاً. وكانت معدلات المواليد في مجتمعات أوربا في الفترة السابقة على الثورة الصناعية تتميز بالثبات نسبياً بمقارنتها بمعدلات الوفيات . أضف إلى ذلك أن معدل الوفيات كان يؤثر بطريقة غير مباشرة في معدل المواليد ، نتيجة للأثر المباشر لمعدل الوفيات في سن الزواج في أكثر هذه البلاد. إذ كان الزواج يرتبط بالوراثة ، وأنه لم يكن بالإمكان عقد الزواج ، إلا إذا ورث الزوج أرضاً بعد وفاة والده. ففي الفترات التي ينخفض فيها معدل الوفيات ، يقل عدد الرجال الذين يرثون الأرض ، ويرتقع عمر من يرثون أرضاً عند زواجهم ، فتقل خصوبتهم أو عدد مواليدهم ، والعكس صحيح. كما أن معدلات المواليد والخصوبة في المجتمعات التي مرت بتقدم اقتصادي من حراء الثورة الصناعية العلمية بعد ذلك ، كانت منخفضة ، أما معدلات المواليد والخصوبة في البلاد غير المتقدمة اقتصادياً كانت مرتفعة. وبالبحث عن العوامل التي أدت إلى التباين في معدلات المواليد والوفيات بالارتفاع والانخفاض في الفترات الزمنية المختلفة وبالمقارنة بين المجتمعات المتقدمة وغير المتقدمة اقتصادياً ، وجد أن هذا التباين في المعدلات المذكورة يرتبط بالتباين في ظروف تقدم أو تنمية أو تخلف هذه المجتمعات حيث لوحظ أنه نتيجة للاختلاف بين هذه المجتمعات في وضع المرأة والنظر إليها والاهتمام بتعليمها واتاحة فرص العمل أمامها ، كان من بين العوامل المسئولة عن انخفاض معدلات المواليد والخصوبة في المجتمعات غير المتقدمة الأمر الذي يمكن معه القول بأن دراسة نمو السكان من خلال التعرف على الفارق بين معدلات الوفيات والمواليد والوقوف على عوامل هذا الاختلاف في المعدلات المذكورة ربما يقف كمؤشر على مدى تنمية أو تخلف المجتمع وبالتالي يؤثر في كل جهد إنساني صادق يرتبط بظروف المجتمع ويهدف إلى تغيرها إلى ما هو أفضل ومن هنا تبدو أهمية دراسة نمو السكان في علاقتها بالمواليد والوفيات. نمو السكان والتغير في معدلات المواليد في مصر وبالنظر إلى تطور معدلات المواليد في مصر نلاحظ أن يمكن الرجوع في دراستها إلى أكثر من خمسين عاماً. فمنذ أوائل القرن الحالي ، ظلت نسبة المواليد في مصر في مستوى يعد من أعلى المستويات في العالم واتسمت بالثبات والاستقرار. ولكن عدد المواليد زاد من 360 ألف إلى 610 بين سنتي 1925،1897. ثم زاد هذا العدد أيضاً بين عامي 1964،1925 بنسبة 30%. وقد جاوز متوسط عدد المواليد المليون خلال الخمس سنوات الأخيرة ، ونظراً لثبات الخصوبة وهبوط نسبة الوفيات خلال العشر سنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ، أخذ عدد السكان في التزايد المطرد بل وبلغت نسبة الزيادة الطبيعية الحالية في مصر ضعف ما كانت عليه في أوائل القرن الحالي. برغم أن معدل الزيادة السكانية استمر في الارتفاع ما بين عام 1940 حتى عام 1964 أخذ بعدها يتجه نحو الانخفاض خاصة ما بين عامي 1967-1970 إلا انه أخذ في الارتفاع مرة ثانية ما بين عامي 1970 حتى عام 1975. ومع أن معدل الزيادة الطبيعية أخذ في الانخفاض إلا أنه ظل معدلاً مرتفعاً بالمقارنة بمعدلات الزيادة الطبيعية في بلاد أخرى. حيث بلغ هذا المعدل في مصر 1996 أربع مرات في الألف. ولقد أسهم هذا المعدل المرتفع للزيادة الطبيعية في عدد السكان في مصر زيادة حجمهم وهذا ما يوضحه الجدول التالي رقم 5. ولعل ادراك حقيق معدلات المواليد واختلافها ، باختلاف السنوات ، ثم تزايدها على هذا النحو وأثره في نمو السكان وفهم العوامل المؤثرة فيها توضح أهمية وجوهرية دراسة معدلات المواليد والوفيات ، تمهيداً للتكهن بأحوال السكان في المستقبل والتقدم بالمشروعات والمقترحات التي تحول دون أن يتجاوز عدد السكان حدوداً يصعب معها توفير وسائل العيش لهم. جدول رقم "5" معدلات المواليد والوفيات والزيادة الطبيعية لكل ألف من السكان في ج.م.ع. في بعض السنوات من 1940إلى 1996 معدل الزيادة الطبيعية معدل الوفيات معدل المواليد السنة 15.0 26.3 41.4 1940 22.2 20.4 42.6 1948 24.3 16.4 40.7 1956 26.2 16.9 43.1 1960 26.3 15.7 42.0 1964 25.0 14.2 39.2 1967 22.1 16.1 38.2 1968 22.5 14.5 37.0 1969 20.0 15.1 35.1 1970 21.9 13.2 35.1 1971 19.9 14.5 34.4 1972 22.6 13.1 35.7 1973 23.0 12.7 35.7 1974 25.5 12.2 37.7 1975 24.8 11.8 36.6 1976 29.3 10.9 40.2 1979 27.5 10.0 37.5 1980 27.0 10.0 37.0 1981 30.4 9.4 39.8 1985 29.5 9.2 38.7 1986 28.3 9.1 37.4 1987 28.5 8.6 36.6 1988 25.2 8.6 33.3 1989 23.8 7.1 30.9 1990 22.3 6.9 29.2 1991 19.6 6.6 26.2 1992 20.9 6.5 27.4 1993 22.2 6.7 28.9 1994 20.7 7.0 27.7 1995 21.4 6.2 27.6 1996 أولاً: تصنيف نظرية علم اجتماع السكان يواجه كل من يهتم بتتبع نظرية علم اجتماع السكان بحقيقة لاشك فيها ، وهي أن كتابات المشتغلون حديثاً بهذا العلم لا تكون بناء متماسكاً موحداً أو نظرية منسقة بقدر ما تمثل مجموعة متباينة ومتعددة من الأفكار والقضايا النظرية ، إذا يفتقر ميدان علم الاجتماع في الوقت الحاضر إلى إطار مرجعي واحد يجمع بين مختلف القضايا الامبيريقية والاستقرائية حول التغيرات السكانية والاجتماعية والتي يمكن أن نطلق عليها نظرية ديموجرافية اجتماعية. وهذا لا يعني عدم توفر القضايا اللازمة لذلك ، بقدر ما يدل على أن هذه القضايا لم يتم تجميعها معا في إطار منظم واحد أو في وصرة نسق نظري. ومن هنا كان من المتوقع أن تنطوي دراسة نظرية علم اجتماع السكان على محاولات متباينة لتصنيف هذه المجموعة الكبيرة من القضايا النظرية. ولما كانت كل محاولة منها تستند إلى معيار مختلف في تصنيف القضايا النظرية فمن المتوقع أن لا نجد اتفقاً بين محاولات التصنيف هذه. وعموماً ترد محاولات تصنيف نظرية علم اجتماع السكان إلى ثلاث محالات على النحو التالي: المحاولة الأولى: النظريات الطبيعية والاجتماعية وتقوم على تقسيم النظريات إلى نوعين ، نظريات طبيعية ونظريات اجتماعية. 1 – النظريات الطبيعية: وهي التي يجمع بينها اعتقاد واحد مؤداه أن الذي يتحكم في نمو السكان هو طبيعة الإنسان نفسه وطبيعة العالم الذي يعيش فيه. وانه إذا كان للإنسان سيطرة على هذا النمو فهي سيطرة محدودة. ويوضح لنا هذا الاعتقاد كيف كان أصحاب هذه النظريات يحاولون إيجاد قانون لنمو السكان يتمكنون به من معرفة ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل ، كانت القوانين التي توصلوا إليها في الغالب تنكر كل تدخل للإنسان وللقيم الانسانية والاتجاهات في هذا النمو وتعتبره أمراً طبيعياً لا يمكن للإنسان أن يعوقه. ويدخل ضمن هذه الفئة من أصحاب النظريات سادلر ودوبلدي وسبنسر وكواردوجيني. 2 – النظريات الاجتماعية: وهي التي يجمع بينها اعتقاد واحد مؤداه أن نمو السكان لا يرجع إلى قانون طبيعي ثابت وانما يرجع إلى الظروف الاجتماعية التي تحيط بأعضاء المجتمع ، وهذه الظروف تضم مجموعة من العوامل المختلفة التي يتحدد عددها وفقاً للهيئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع الانساني. ويدخل ضمن أصحاب هذا النوع من النظريات السكانية كارل ماركس ، أرسين ديمون ، وكارسوندرز. المحاولة الثانية: نظريات بيولوجية واقتصادية وثقافية وتتمثل في تلك المحاولات التي تصنف نظريات السكان على ضوء العوامل التي تؤثر في نمو السكان ، إلى نظريات بيولوجية ونظريات ثقافية اجتماعية ونظريات اقتصادية. 1 – النظريات التي حاولت إبراز أهمية العوامل البيولوجية: تذهب هذه النظريات إلى أن انخفاض الخصوبة الذي حدث في الدول المتقدمة يرجع بصفة أساسية إلى انخفاض القدرة الفيزيزلوجية أو البيولوجية على الإنجاب. غير أن أصحاب هذا الاتجاه اختلفوا فيما يتعلق العوامل المؤثرة على هذه القدرة. فبينما يرى "سادلر 1930" أن ارتفاع الكثافة السكانية يؤدي بطريقة طبيعية إلى تناقص القدرة على الإنجاب. ويذهب "دبلدي" إلى أن زيادة التغذية يؤدي إلى هذه القدرة. ويشير "سبنسر 1880" إلى أن تعقيد الحياة الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي يتطلب من الانسان أن يبذل جهوداً إضافية للمحافظة على حياته الذاتية. وان ذلك يؤدي إلى خفض قدرته على التوالد. ثم عاد الاتجاه البيولوجي إلى الظهور مرة أخرى في القرن العشرين على يد العلامة الإيطالي "كواردوجيني 1912" الذي اعتقد أن لكل مجتمع دورة بيولوجية تؤثر على كثافة السكان وتنعكس عليها. ففي المرحلة الأولى تكون الخصوبة مرتفعة في جميع الطبقات ، ثم تميل إلى الانخفاض في الطبقات العليا مما يؤثر على الإنجاب في جميع الطبقات. وفي الخمسينات تبنى العلامة "جوزي دي كاسترو" أيضاً الاتجاه البيولوجي بحيث أصبح يمثل أحدث من حاول تفسير الظواهر السكانية بالرجوع إلى بعض العوامل البيولوجية. 2 – النظريات التي حاولت إبراز أهمية العوامل الاقتصادية: إن المحور الأساسي الذي تدور حوله هذه النظريات ، هو أن الزواج والإنجاب يتحددان وفقاً للظروف الاقتصادية السائدة. ويرجع التفسير الاقتصادي للظواهر السكانية إلى عهد قديم ، بل هو أول تفسير قدمه المفكرون لهذه الظاهرة. فقد اعتقد المفكرون التقليديون أن الظروف الاقتصادية هي التي تحدد معدلات الزواج والانجاب ، وكان "آدم سميث" من بين ممثلي هذا الاتجاه. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، تطورت الكلاسيكية ، وبدأ مفهوم الحجم الأمثل للسكان يظهر في كتابات علماء الاقتصاد ، ابتداء من كتابات "أدم سميث". وكان "كيناي" أول من عبر بوضوح عن نظرية الحجم الأمثل للسكان في كتابه مبادئ الاقتصاد السياسي الذي نشر عام 1888 ، وعرف هذا الحجم بأنه ذلك الذي يبلغ عنده الإنتاج أعلى مستوى مع افتراض ثبات مستوى المعرفة وسائر الظروف السائدة. ثم تناول "كارسوندرز" من بعده مفهوم الحجم الأمثل للسكان ، في كتابه المشكلة السكانية الذي نشر عام 1992 ، وكتابه عن سكان العالم عام 1936. 3 – النظريات التي حاولت تفسير نمو السكان في ضوء عوامل ثقافية اجتماعية: وهي مجموعة النظريات التي تعتمد على التفاعل الثقافي دون غيره ، كتلك التي تحاول تفسير السلوك الانجابي ومن ثم نمو السكان بالرجوع إلى النسق القيمي السائد في المجتمع ، أو بالرجوع إلى مفهوم الثقافة التقليدية. المحاولة الثالثة: نظريات المدخل المحافظ والمدخل الراديكالي وهي تلك المحاولات التي ترد نظريات السكان إلى مدخلين: الأول: نظريات المدخل المحافظ ، الذي يرى أن المجتمع يميل دائماً نحو التوازن ، وأنه في مراحل التغير يختل هذا التوازن ولكن هناك قوى اجتماعية أو بيولوجية تعمل دائماً على إعادة هذا التوازن مرة ثانية. ويدخل في إطار هذا المدخل النظري مجموعة نظريات سبنسر وسادلر وكارسوندرز وكنجزلي ديفز. ويمثل المدخل الثاني: مجموعة النظريات التي عرفت باسم المدخل الراديكالي الذي يرى أنه إذا كانت العوامل المادية تلعب دورا رئيسياً في تحديد معدلات الخصوبة فإن الإطار الثقافي السائد في المجتمع والذي غالباً ما يكون انعكاساً لهذه الظروف يؤثر بدوره في معدلات الخصوبة هذه. ومن هنا ترى مجموعة هذه النظريات أن رفض هذه العوامل والإطار المرتبط بها ومحاولة تغييره إلى صورة أخرى هو الطريق المؤدي إلى تقليل معدلات الخصوبة والانجاب. ويدخل في إطار نظريات المدخل الراديكالي كارل ماركس وكونتز ورريابوشكين وكوز لوف وغيرهم. وإذا كان علينا أن نختار من بين محاولات التصنيف الثلاث السابقة إحداها كوسيلة لعرض نظريات علم الاجتماع السكاني. فإننا سنعتمد على المحاولة الثالثة التي تصنف نظريات السكان إلى مدخلين ، مدخل محافظ ويضم نظريات سبنسر وكوراد وجيني وكارسوندرز وكنجزلي ديفز ، ومدخل راديكالي ويشمل نظريات كارل ماركس وريابوشكين وكونتز وكوزولف في تحقيق هذا الهدف. كما أننا نعتقد أن فهمنا لمدلول النظرية العلمية يساعدنا على استجلاء معالم كل نظرية منها وتقدير قيمتها. ولذلك آثرنا أن نوضح مدلول النظرية العلمية أولاً ثم مناقشة مقومات نظريات المدخلين المحافظ والراديكالي بعد ذلك. ثانياً: مدلول النظرية العلمية ينبغي لنا أن نتذكر المعاني المختلفة للنظرية كما جاءت بها بعض الكتابات حول هذا الموضوع و يكفي في هذا الصدد أن نوجز المعرفة التي توفرت حول المقصود بالنظرية العلمية وخاصة جوانب الاتفاق يبن هذه الكتابات الأمر الذي يسهم في إلقاء الضوء على معنى النظرية. وهو غاية ما نهدف غليه في هذا المقام. إذ من الملاحظ أن هذه الكتابات تتفق فيما بينها من حيث أنها تقف عند حد وصف مكونات النظرية ، و تحديد شروطها وإبراز خصائصها والتعرض لبعض وظائفها. 1 – فمن حيث المكونات: تعتبر النظرية بمثابة نسق استنباطي ينطوي على مجموعة من القضايا أو الفروض التي تحتل بعضها مكانة المقدمات ، وتحتل الأخرى وضع النتائج ، وذلك على حد تعبير "براث وات" أو هي نسق يشتمل على مفهومات وقضايا وتعميمات وقوانين ، كما ذهب "تيماشيف" أو هي إطار مكون من حسابات صورية ، ورموز وقواعد ، وتفسير جوهري ومقولات وقوانين فيما يرى "روزنتال ويادين". 2 – ومن حيث الشروط: يجب أن تكون مفهوماتها محددة بدقة ، وان تتسق القضايا المكونة لها بعضها مع بعض الآخر ، وان تصاغ في شكل يسهل اشتقاق القضايا بطريقة استنباطية وان تخضع للتحقيق الامبيريقي وذلك في نظر "تيماشيف" أو يجب أن تصاغ في نسق استنباطي ، وان تجد تأييداً لها في الوقائع الامبريقية ، على حد تعبير "سيلتز" ، أو يجب أن تصاغ في نسق معقد من المعرفة التعميمية يفسر جوانب الواقع. 3 – وفيما يتعلق بالخصائص: نجد أن النظرية هي البناء الذي يجمع أشتات النتائج المبعثرة ويوحد بينها ، وإنها تضم قضايا خصبة ومثمرة تستكشف الطريق نحو ملاحظات والتعميمات ، كما تصدر عن إحساس خفي وخلاق يقفز وراء الأدلة والوقائع والملاحظة هي ليست نهائية وذلك على حد تعبير "تيماشيف". كما أن النظرية تتسم بأنها أكثر ارتباطا بالوقائع الامبريقية ، وهي ليست صياغة استاتيكية أو نهائية ، فهي قابلة باستمرار للتغير والمراجعة على حد تعبير "كلير سيلنز" وزملائها. وهي ترتبط بأشياء ومصطلحات أخري قد تختلف عنها في بعض الجوانب والوظائف ، مثل المفاهيم والتطبيق أو الممارسة وذلك في نظر "روزنتال ويادين". 4 – وبالنظر إلى وظائف النظرية: نجد أن النظرية تسهم في مجال وصف الظواهر وتصنيفها وتحليلها وتفسيرها والتنبؤ بحدوثها في المستقبل. أو تقوم بإعادة صوغ الواقع على نحو عقلي وذلك فيما يرى "روزنتال ويادين" وغيرهم. والواقع أن فهم واستيعاب معنى النظرية ، من حيث مكوناتها وشروطها وخصائصها ووظائفها على النحو السابق عملية لابد منها خاصة ونحن نشرع في تناول واستيعاب مضمون كل نظرية ثم يساعدنا ثانياً على تقدير هذه النظريات وتوجيه النقد لها . ثالثاً: نظريات المدخل المحافظ في تفسير الظواهر السكانية 1 – هربرت سبنسر H. spencer "1820- 1902" وهو مفكر اجتماعي مشهور عرف باهتمامه بالتطور البيولوجي الاجتماعي للقوى الطبيعية فليس من الغريب أن يهتم بدراسة مسائل السكان على هذا الأساس. ولقد عرض سبنسر قضايا النظرية السكانية ضمن كتابه المعنون "مبادئ البيولوجيا" الذي نشره في عام 1901 ، ولقد كان يهدف من هذه المعالجة معارضة آراء "دوبلدي" ، حيث اعتقد: أ – أن الغذاء الجيد يزيد من القدرة على التناسل لأن الحياة عند كثير من المخلوقات تبدأ في من المعالم يكون فيه الدفء كبيراً والمؤونة الغذائية متوفرة والتي تسهل بدورها حياة الفرد مما يؤدي إلى تزايد السكان. ب – واعتقد كذلك أن هنالك تعارضاً بين التناسل والنضوج الذاتي Genesis g Individuation لأن المخلوقات كلما ارتفعت وتطورت من الأشكال الدنيا للحياة ، نقصت خصوبتها فإذا كانت الأجسام العضوية لدينا ذات قدرة ضعيفة جداً مما يجعلها لا تستطيع المحافظة على نفسها فلأنها تتكاثر بدرجة كبيرة حتى لا تفنى ، وإذا كانت الأشكال العليا للأجسام العضوية تنفق جزءاً كبيراً من قوتها ونشاطها الحيوي في انضاج ذاتيتها وبناء شخصيتها فانه لا يتبقى لها إلا القليل لبذله في مجال التوليد والإنجاب. ج – ويدعم سبنسر اعتقاده بناء على ما لاحظه من قلة النسل بين السيدات المشتغلات في المهن الفكرية واللاتي كن ينتسبن إلى طبقات عليا وبرغم أن تغذيتهن أفضل من تغذية سيدات الطبقة الفقيرة وأنهن ينلن رعاية صحية أفضل إلا أن تناسلهن يكون ضعيفاً بسبب الاجهاد الذهني وعجزهن عن إرضاع أطفالهن ورعايتهم ومدهم بالغذاء الطبيعي. د – وعليه قرر سبنسر بأنه كلما ازداد ما بذله الفرد من جهود لتأكيد ذاته ووجوده ونجاحه ضعفت جهوده في التناسل والخلف. ه – وعلى ضوء هذه القضايا تنبأ سبينسر بأن مشكلة تزايد السكان ستختفي مع ما يصاحبها من شرور أخرى ما دام الانسان ينشد الرقي ويبذل جهوداً كبيرة في سبيل ذلك. ملاحظات نقدية على نظرية سبينسر تمتاز أفكار "سبينسر" عن أفكار "سادلر ودوبلدي" بأنها تمثل عملاً نظرياً مكتمل البناء ، فضلاً عن أنها دخلت ميدان السكان بعد "مالتس" واستندت إلى عوامل التطور الاجتماعي في تفسير نمو السكان و تحقيق التوازن بين أفراده في المجتمع ، إذ جاءت أفكاره لتحقق صورة النسق الاستنباطي الذي ينطوي على مجموعة قضايا بعضها مسلمات مثل تسلميه بأثر الغذاء على القدرة على التناسل والنضوج الذاتي ، ثم انتهاؤه إلى النتيجة العامة بأنه كلما زاد ما بذله الفرد من جهد في إنضاج ذاته كلما قلت قدرته على التناسل واخيراً قانونه الذي تنبأ على أساسه بأن مشكلة السكان ستحل في المستقبل... الخ. ولكن مع ذلك كانت هناك بعض الملاحظات النقدية على هذه الأفكار منها ما يأتي: أنه برغم حرص "سبنسر" على تدعيم فروضه بناء على شواهد من الواقع إلا أنه غفل عدداً آخر من الشواهد التي تخالف هذا الفرض وهي أن الخصوبة المتناقصة لا ترجع إلى تغييرات فزيولوجيه في بناء الإنسان بقدر ما ترجع إلى الرغبة والاختيار في تحديد حجم الاسرة باستعمال ما وفره العلم الحديث من وسائل حديثه لضبط النسل. ان هناك عوامل اجتماعية أخرى عديدة غير التعليم تؤثر في القدرة على التناسل ، ذلك أن المرأة التي نالت قدراً من التعليم لابد وأن تكون قد تجاوزت أهم فترات خصوصيتها ولاتي تتميز بها المرحلة العمرية "20-30" سنة. 2 – كواردجيني Corado Gini "1884" وهو مفكر اجتماعي ايطالي اهتم لدرجة كبيرة بدارسة التغير السكاني باعتباره مؤشراً على تطور وتغير المجتمع. ولقد عرض "جيني" لقضاياه النظرية في مؤلفه الذي أعطاه عنوان "أثر السكان في تطوير المجتمع" والذي نشره عام 1912. وعلى الرغم من هذه القضايا النظرية قد عالجت نمو السكان ، إلا أنها كانت تنحصر في معظمها في تحليل العلاقة بين السكان وتطور أو تغير بناء المجتمع وخاصة من النواحي البيولوجية والموروفولوجية أو البنائية والاقتصادية والثقافية وأثر السكان أيضاً في وقوع الأزمات الاجتماعية داخل المجتمع. والواقع أنه بإمكاننا تلخيص القضايا النظرية "جيني" على النحو التالي: أ – يسلم بأن المجتمع يمر بمراحل ثلاث ، هي النشأة والتكوين ، والتقدم والازدهار ، والاضمحلال والفناء. ب – افترض أنه في كل مرحلة من مراحل تطور وتغير المجتمع هذه يمكن أن نلاحظ خصائص محددة تميز نمو السكان ونتائج تترتب على هذا النمو تؤثر في مختلف جوانب المجتمع البيولوجية والموروفولوجية والاقتصادية وغيرها. ج – ثم أخذ يبحث عن الشواهد الواقعية التي تؤكد الارتباط بين نمو السكان وتغير المجتمع فلاحظ. 1 – "مرحلة النشأة" تغير السكان ونتائجه أن المجتمعات في مرحلة النشأة والتكوين تتميز بمعدل خصوبة مرتفع وكان يصاحب ذلك النمو السكاني عدم وجود اختلافات اجتماعية واضحة بين سكانه وفئاته إلى طبقات مثلاً ، وهذا ما كان عليه الحال في مجتمعات مثل كريت وطروادة وأثنيا و إسبرطة وحتى المجتمعات الحديثة النشأة والتي تكونت عن طريق الهجرة الدولية مثل أمريكا واستراليا وكندا ونيوزيلاندا ، ولكن نتيجة لما كان يترتب على الخصوبة المرتفعة من زيادة في حجم السكان وكثافتهم بدأ ينعكس أثر ذلك على بناء المجتمع ، وأخذ يصاحبه تباينا في الأوضاع الاجتماعية واختلافاً في الطبقات. 2 – "مرحلة التقدم والازدهار" تغير السكان وعوامله وعندما ينتقل المجتمع إلى مرحلة التقدم والازدهار يحدث تناقص في الخصوبة نتيجة لأن المواليد في المجتمع يجيئون عن نسبة صغيرة من سكان الجيل السابق على هذه المرحلة ، ولأن النسبة الأخرى من هؤلاء السكان قد دخلت في عداد الوفيات قبل زواجها أو لم يستطيع جزءاً منها أن ينجب نسل بعد الزواج. هذا فضلاً عن أن نسبة الانسال بين الطبقات الصاعدة إلى أعلى السلم الاجتماعي تتجه عموماً نحو الانخفاض. وحتى عندما تحاول نسبة من سكان الطبقات الدنيا الصعود في السلم الاجتماعي لتملأ الفراغ الناجم عن انخفاض أنسال الطبقة العليا ، فإنها ما تلبث بدورها أن تلقى مصير سابقتها ، الأمر الذي ينعكس أثره على نقص الخصوبة عموماً في المجتمع. ويضاف إلى العوامل السابقة المؤثرة في الخصوبة وتناقصها وبالتالي نقص عدد السكان ، في هذه المرحلة من مراحل تطور المجتمع ، ما يترتب على الهجرة والحروب التوسعية من نتائج تلك تقع على عائق أكثر الأفراد قوة ومغامرة وحماس وطني واستعداد للتضحية من أجل الوطن وهم الشباب حيث يفقد المجتمع أصلح عناصره خصوبة ويقل عدد سكانه. النتائج الاقتصادية لنقص السكان يترتب على النقص في عدد السكان وزيادة استغلال المستعمرات والبلاد المغلوبة أن ينتعش الاقتصاد ويرتفع مستوى المعيشة وتعم الرفاهية ويطرد التصنيع وتنمو المدن وتزدهر التجارة. كما يترتب على النمو الاقتصادي بدوره تغيراً آخر وازدهاراً في الفنون والموسيقى والأدب ويشعر المجتمع بالسعادة والاطمئنان على مستقبله ويصبح أكثر ديمقراطية. 3 – "مرحلة الاضمحلال والفناء" تغير السكان وعوامله وفي هذه المرحلة من تطور المجتمع يقل عدد السكان في كثر من أجزاء المجتمع حيث يتناقص عدد السكان في المناطق الريفية نتيجة لنمو التصنيع والتوسع في هجرة العمالة من الريف إلى الحضر ، هذا فضلاً عن تأثير عامل النقص الشديد في معدل الخصوبة العام إليها في المراحل السابقة. النتائج المترتبة على تغير السكان إهمال الأرض الزراعية نتيجة لنقص الأيدي العاملة. وزيادة حالة الفلاحين سوءاً ، وتدهور أحوالهم الاقتصادية ، وفي المدينة يقل الطلب على الصناعات ويزيد الانتاج على الاستهلاك ، فتحل الأزمات الاقتصادية ، ويزداد التعارض بين أوضاع الطبقات العالمية في المدن والطبقات العليا ، حيث ينشب الصراع الطبقي بينهم مما يدفع الدولة للتدخل حتى تستطيع حماية نفسها ، فتلجأ إلى فرض الضرائب وتشتد رقابتها على الحياة الاقتصادية فتزداد حالة المجتمع سوءاً واضمحلالاً مما قد بعجل بفنائه واختفائه من على مسرح التاريخ. اقتراحات جيني لا يترك "جيني" المجتمع يصل في تطوره إلى هذه المرحلة ، وإنما يقترح حلا يساعد على تجنب هذه النتيجة الحتمية للتطور ويتمثل في قوله بأنه يمكن عن طريق الهجرة وإيجاد المستعمرات الجديدة تحقيق ذلك. ملاحظات نقدية على نظرية جيني على الرغم من أن أفكار "جيني" تمتاز أيضاً بأنها تمثل عملاً نظرياً يكاد يصل إلى حد الاكتمال من حيث البناء ، هذا فضلاً على أنها قد أضيفت إلى ميدان السكان في فترة لاحقة على أفكار "مالتس" ، واستندت إلى العوامل الاجتماعية في تفسير نمو السكان وتغيره. وأن هذه الأفكار قد جاءت لتحقيق صورة قريبة نوعاً من فكرة النسق الاستنباطي الذي ينطوي على مجموعة قضايا بعضها أخذ صفة المسلمات مثل التسليم بفكرة تطور المجتمع خلال مراحل محددة ، وافتراضه فهم وتفسير نمو السكان على ضوء التغير الاجتماعي في جوانب المجتمع المختلفة من خلال العلاقة المتبادلة بين التغير في السكان والتغير في هذه الجوانب ، إلا أنه مع ذلك لم يستخلص من هذه القضايا التي استشهد في البرهنة عليها ببعض شواهد من تاريخ المجتمع الإنساني نتيجة عامة واحدة أو قانوناً عاماً يفسر هذا النمو للسكان. كما أن استشهاده بهذه الشواهد لم يكن يستقرأ فيه كل الوقائع المرتبطة بفكرته الأمر الذي جعل هذه القضايا لا تعبر عن الواقع كثيراً مما أثار حولها الملاحظات النقدية التالية: أ – يلاحظ أن "جيني" يفترض وجود قوة طبيعية تعمل على تحديد عدد السكان بالارتفاع والانخفاض تتمثل في العوامل البيولوجية وضعف القدرة على التناسل وهو افتراض يصعب قبوله ذلك لأن العلم قد أوضح خطأ التفسير استناداً إلى طبيعة غامضة لا يستطيع الانسان التحكم فيها وضبطها. ب – استمد "جيني" الوقائع التي بنى عليها نظريته هذه من تاريخ بعض الشعوب وفي مقدمتها اليونان والرومان. ولكن يلاحظ أن هناك شعوباً مثل الصين والهند قد أخذت في تطورها اتجاهاً مغايراً لاتجاه تطور المجتمع كما تصوره "جيني". ج – كما أن المجتمعات الأخيرة تتميز بدرجة عالية من الخصوبة ولا تختلف من طبقة إلى أخرى ، وعليه فإن هذه النظرية لا يمكن أن تنطبق على كل المجتمعات وفي كل الأوقات كما ذهب هو. د – هناك عوامل أخرى غير الهجرة والحروب تؤثر في انخفاض معدل نمو السكان من أهمها المجاعات والوفيات والإجهاض وانخفاض نسبة المواليد وهي عوامل لم ينتبه إليها "جيني" وقد يؤثر ظهورها في أن يسير تطور المجتمع في اتجاه يختلف كلياً عن الاتجاه الذي تصوره "جيني" مع وجود عوامل الهجرة والحروب. هـ - أن دراسة الشعوب التي أصابها الاضمحلال مثل بولندا وقرطاجة وبوهيميا من ناحية وبابل وأشور وتركيا وإمبراطورية جنكيز خان من ناحية أخرى يوضح أن هناك عوامل غير العوامل السكانية كانت سبباً في هذا الاضمحلال تتمثل في عوامل حربية بحتة ، وأن هذه المجتمعات في تطورها لم تسر في نفس الخط الذي وضعه "جيني" لنشأة المجتمعات ونموها واضمحلالها. 3 – الكسندر كارسوندرز carr saunders "1886" باحث إنجليزي اهتم بدراسة الظواهر السكانية وعرض قضاياه النظرية في مؤلف له بعنوان: "سكان العالم" وتتلخص قضاياه النظرية فيما يلي: أ – يسلم "كارسوندرز" بأن السكان في أي مجتمع أما أن يكونوا قلة أو كثرة أو عند حد أمثل. ويرى أنه يمكن أن نفرق بين أنواع مختلفة من كثافات السكان ، هي الكثافة الفيزيقية والكثافة الاحصائية والكثافة الاقتصادية. وأن مفهوم الكثافة السكانية مفهوم نسبي ، لأن الزيادة والقلة مسائل نسبية. ولا يجب أن نحكم على مجتمع بأنه قليل السكان لأن عدده قليل في الكيلو متر المربع ولا يجوز بأن نقر بأن عدد السكان في مجتمع ما كثيراً إذا كان عدد السكان في الكيلو متر كثيراً لأن هذا العدد قد يكون قليلاً وهناك موارد ثروة كثير مثل البلاد الغنية بالأنهار والمعادن والصناعات. وقد يكون العدد كثيراً والموارد قليلة مثل المجتمعات الصحراوية. ب – ثم يفترض "كار سونرز" بأن هناك علاقة بين حجم السكان بين موارد الثروة في المجتمع من أرض زراعية يمكن استغلالها أو ثروة معدنية يمكن استخراجها أو غيرها من موارد لازمة للإنتاج. بحيث يحكم على هذا العدد بأنه قليل أو خفيف إذا كان العدد لا يساعد على قيام المشروعات التي تستغل هذه الموارد ويعجز عن أن يوفر المنتجات التي يحتاجها هذا العدد ولا يزيد القدرة الانتاجية للفرد ويكون هذا العدد كثيفاً إذا كانت هذه الزيادة في عدده تؤدي إلى تناقص الانتاج المستخرج من موارده. ويوصف المجتمع بأنه قد وصل إلى حجم أمثل إذا كان في حالة وسط بين القلة والكثرة وبلغ إنتاجه أقصاه مع عدم الزيادة في عدده. ج – ثم أخذ "كار سوندرز" يحصر الأدلة على صحة افتراضه وذلك بالنظر غلى حقيقة دخل الفرد في المجتمع والمترتب على موارد الثروة به. ولقد وضع نتائجه في الجدول التالي: الدخل حجم السكان عدد السكان بالمليون متوسط الإنتاج بالجنيه مجتمعات تتسم بقلة السكان 5 6 7 100 120 130 أو بحجم أمثل 8 125 أو بكثافة سكانية عالية 9 10 11 130 120 105 د – وبناء على هذه الشواهد يذهب "كارسوندرز" إلى أنه يمكن استخلاص مقياس يمكن بوساطته التعرف إلى مستوى القة أو الكثرة أو المثلى الذي قد يصل إليه السكان ويتمثل في أنه إذا كان متوسط دخل الفرد أخذ في الزيادة ، دل هذا على أن عدد السكان في هذا المجتمع عند حد القلة ، أما إذا كان متوسط الدخل في حالة استقرار كان عدد السكان عند الحد الأمثل ، وإذا كان المتوسط متجها نحو الهبوط تدريجياً فإن عدد السكان يكون عند حد متزايد. ملاحظات نقدية على نظرية كار سوندرز تمتاز أفكار "كار سوندرز" بقربها من صورة النسق الاستنباطي الذي ينطوي على قضايا مسلمة وافتراضات لتفسير ظاهرة نمو السكان على ضوء موارد الثروة في المجتمع ، ثم محاولة التحق من هذه الافتراضات استناداً إلى شواهد وأدلة من الواقع. ومع هذا فلم يستطع "كار سوندرز" أن يستخلص نتيجة عامة أو قانون يفسر به نمو السكان. ومن هنا استطاع البعض أن يوجه لنظريته الملاحظات النقدية التالية: أ – لم يتوخ "كار سوندرز" الدقة في تحديد مفهوماته خاصة وأنه عندما مال إلى تحديد حجم أمثل للسكان في ضوء عامل واحد هو موارد الثروة ، فإنه قد اغفل ما انتهت إليه نتائج الدراسات السكانية الحديثة وبيانها لدور عوامل التنظيم الاجتماعي والمستوى التكنولوجي والفني والثقافي والصحي وغيرها في تحديد هذا الحجم. ب – تتسم نظرية "كار سوندرز" بطابع استاتيكي غير دينامي وذلك لنها لم تأخذ في اعتبارها الظروف المتغيرة الناتجة عن التقدم التكنولوجي وارتفاع مستوى المعيشة ، وما يترتب على الموارد المتاحة من المتغيرات ، كاكتشاف آبار البترول مثلاً ، وذلك لأن الحجم الأمثل للسكان قد يتغير بتغير هذه الظروف وبالتالي لا يمكن الكشف عن هذا الحجم بصفة مطلقة بالنسبة لمجتمع معين هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن تعريف الحجم الأمثل للسكان والذي يبلغ عنده الناتج المتوسط أقصاه لا ينطبق على الدول النامية لأن المهم في هذه الدول هو الحصول على أقصى قدر من الاستثمارات وليس وصول متوسط الدخل الفردي إلى أقصاه. ج – تفتقر نظرية "كار سوندرز" إلى القدرة على التنبؤ ذلك لأنه إذا افترضنا أنه يمكن تحديد الحجم الأمثل للسكان بالنسبة لمجتمع ما في فترة معينة ، فإن هذه النظرية لا تساعد على تحديد السكانية التي يجب إتباعها حتى يمكن القضاء على الفجوة بين الحجم الفعلي والحجم الأمثل للسكان. 4 – كنجزلي ديفز عالم اجتماعي أمريكي أعار موضوع السكان جانباً كبيراً من اهتماماته ووضع عدة مؤلفات ومقالات في هذا الصدد ، وعرض قضاياه النظرية في مقال له بعنوان "نظرية التغير والاستجابة في التاريخ الديموجرافي الحديث" ويمكن أن نلخص قضاياه النظرية على النحو التالي: أ – يرفض "كنجزلي ديفز" النظريات التي تحاول تفسير التغير الاجتماعي بالرجوع إلى عامل اجتماعي واحد فقط ، كالعامل الاقتصادي مثلاً أو العامل الثقافي لأنها تحاول تبسيط الأمور وتتهرب من التفسيرات المعقدة وفيما يتعلق بتغيرات الخصوبة فهو يعترض على التفسيرات التي ترى أن هذه التغيرات تخضع لعامل اقتصادي بحت كقلة الموارد المتاحة. ويعترض كذلك على التفسيرات التي تعتمد على العامل الثقافي –دون غيره- كتلك التي تحاول تفسير السلوك الانجابي بالرجوع إلى "النسق القيمي" السائد في المجتمع ، أو بالرجوع إلى مفهوم الثقافة التقليدية. وهو يرى أنه لفهم التغيرات التي يتعرض لها المجتمع ، يجب النظر إلى هذا الأخير على أنه يميل دائماً نحو التوازن الاجتماعي وأن هذا التوازن الاجتماعي يتعرض دائماً لضغوط ومؤثرات قد تنبع من داخل المجتمع أو من خارجه أو تهدد توازنه وتهدم أحياناً هذا التوازن. وتوجد في المجتمع قوى اجتماعية تعمل دائماً على إعادة التوازن في داخله. والتوازن الذي يميل إليه المجتمع في نظر "ديفز" –ليس توازناً بين عدد السكان والموارد المتاحة- وهو ما اعتقده "مالتس" ، ولكنه توازن بين عدد السكان ومتطلبات البناء الاجتماعي –وهو يقصد بمتطلبات البناء الاجتماعي الموارد التي يجب تخصيصها للمحافظة على البناء الاجتماعي ، أو بعبارة أخرى لتحقيق الأهداف الدينية والتربوية والفنية والترفيهية والسياسة التي يرمي إليها المجتمع. ب – ثم يفترض "كنجزلي ديفز" أنه إذا اختل هذا التوازن ، نتيجة لزيادة عدد السكان أو للاثنين معاً ، يميل السكان إلى التكيف مع هذه الظروف من خلال استجابات متنوعة أو ما يسميه "ديفز" بالمتغيرات الوسطية كتأخر سن الزواج ، أو الالتجاء إلى الإجهاض أو إلى تنظيم الاسرة ، وقد تحدث استجابة السكان على مراحل متعددة كأن يلجئوا في بادئ الأمر إلى تأخير سن الزواج ، ثم يلجئوا مثلاً إلى الاجهاض وفي مراحل تالية يلجؤون إلى تنظيم الأسرة أو التعقيم. ج – ويحاول "ديفز" تطبيق نظريته على التطورات السكانية التي حدثت في الدول المتقدمة وأهم هذه الظروف هبوط معدل المواليد. والسؤال الذي يحاول الإجابة عليه مؤداه ما هي التغيرات التي أدت إلى ذلك؟ يرى "ديفز" أن قلة الموارد المتاحة ليست هي السبب الذي أدى هبوط معدل المواليد في الدول المتقدمة. والدليل على ذلك أن السكان ازدادوا زيادة كبيرة في الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر وفي اليابان في بداية القرن العشرين نتيجة لهبوط معدل الوفيات ، هذا وفي نفس الوقت الذي ارتفع فيه مستوى المعيشة ارتفاعاً كبيراً. أما السبب الحقيقي الذي أدى إلى هبوط عدد المواليد –على حد تقدير "ديفز"- فهو إمكانية الاستفادة من الرفاهية المتزايدة ومن الفرص الجديدة المتاحة فتزداد بالتالي تكاليف التنشئة الاجتماعية التي تهدف على إعداد الطفل للاستفادة من هذه الفرص الجديدة. فالتغير الذي حدث في مستوى الرفاهية والإمكانيات الجديدة التي أتيحت أمام الأفراد أدى إلى ظهور استجابات متنوعة كتأجيل سن الزواج في إيرلندا وانتشار وسائل منع الحمل في فرنسا والالتجاء إلى الاجهاض في اليابانيون في بادئ الأمر الاجهاض ثم إلى وسائل منع الحمل ، ثم إلى التعقيم والهجرة الخارجية ، واخيراً إلى تأخيرياً سن الزواج. ولم يتعرض "ديفز" لتفسير الوضع السكاني السائد في الدول النامية ولكن يبدو في ضوء نظريته –إن الزيادة السكانية الكبيرة التي حدثت في هذه الدول أدت إلى اختلال التوازن بين متطلبات البناء الاجتماعي وبين السكان مما أدى إلى الضيق الاقتصادي ، ولابد إذن من أن تعود هذه المجتمعات إلى حالة التوازن وذلك من خلال استجابات متنوعة. وقد تمثلت هذه الاستجابات في بادئ الأمر في هجرة الفلاحين من الريف إلى المدن ، كمحاولة لتحقيق التوازن بين الأرض المتاحة وعدد العاملين في الزراعة ولكن اكتظاظ المدن بالسكان بعد فترة معينة سوف يؤدي بالضرورة إلى ظهور أنواع أخرى من الاستجابات ، سواء أكانت تلقائية أو موجهة وفقاً لهذا التحليل ويمكن اعتبار برامج تنظيم الأسرة التي تحاول بعض الدول النامية تطبيقها –استجابة موازنة للتغيرات التي طرأت على العلاقة بين حجم السكان ومتطلبات البناء الاجتماعي. ملاحظات نقدية على نظرية كنجزلي ديفز تعد نظرية "ديفز" من أكثر نظريات المدخل المحافظ حرصاً على التمسك بفكرة التوازن ، بل كانت فكرة التوازن أوضح ما تكون في بناء نظريته... ويكاد "ديفز" يقترب بأفكاره النظرية وقضاياه من صورة النسق الاستنباطي الذي بناه على قضايا مسلمة وتحديدات ، ثم اشتق منها تفسيره الافتراضي لظاهرة نمو السكان ، واجتهد في توفير الشواهد من واقع المجتمعات الغربية التي يعيشها للبرهنة على صدق هذه الافتراضات محاولاً الوصول إلى قضايا عامة تساعد على التنبؤ بهذا النمو في المستقبل. ولكن مع هذا يمكن القول بأن نظرية "ديفز" تواجه عموماً نفس المشاكل التي يواجهها الإطار النظري التي صدرت عنه نظرية "ديفز" ونعني به الإطار البنائي الوظيفي والذي يجسد حقيقة المدخل المحافظ. هذا فضلاً عن أن نظرية "ديفز" تعتبر نظرية استاتيكية غير دينامية ، لأنها إذا كانت قد استوعبت بعض جوانب الواقع واستمدت منه الشواهد التي تؤكد افتراضاتها ، إلا أنها قد أغفلت جانباً آخر من جوانب الواقع له أهميته في الوصول بالنظرية إلى أعلى مستوى من التجريد ، ونعني به جانب الواقع الذي تشهده المجتمعات الواقع الذي تشهده المجتمعات النامية في العالم الثالث والذي يختلف جوهرياً عن ما شهدته المجتمعات المتقدمة من ظروف التنمية. رابعاً: نظريات المدخل الراديكالي في تفسير الظواهر السكانية "1818- 1883"k. marx 1 - كارل ماركس كان ماركس مفكراً اجتماعياً المانياً ، اشتهر هو وزميله إنجلز بوضع دعائم الاشتراكية العلمية ولم يفرد "ماركس" لموضوع السكان مؤلفاً خاصاً وإنما عرض لبعض الآراء النظرية المتعلقة بالسكان ضمن مؤلفه المعنون "رأس المال capital" الذي نشر سنة 1928 وفيما يلي أهم هذه الآراء: • يسلم "ماركس" بأن المجتمع يمر بمراحل متباينة في تغيره ، استناداً إلى تغير الانتاج والنظام الاقتصادي. • ويفترض أن تزايد السكان يرتبط بمعدل التشغيل في النظام الاقتصادي. • ووجد ما يدعم افتراضه هذا بناء على دراسته لنظام الانتاج الرأسمالي ، حيث لاحظ وجود فائض في السكان نتيجة لمعدل التشغيل المتناقص واختصار النفقات وتراكم رأس المال. أو بعبارة أخرى وجد "ماركس" أنه في مرحلة الانتاج الرأسمالي يتزايد رأس المال الثابت "الانتاج" بسرعة تفوق تزايد رأس المال المتغير "العمال". أو يؤدي تراكم رأس المال في صورة سلع انتاجية إلى نقص الحاجة إلى العمال مما يجعل وجودهم في الانتاج زائداً عن الحاجة نسبياً فيتحولون إلى فائض سكاني. • ويتوقع "ماركس" بناء على هذه الحقائق عدم وجود فائض في السكان مع وجود نظام الانتاج الاشتراكي نتيجة للتشغيل الكامل والمتوازن بين رأس المال والعمال. أو بعبارة أخرى يتحقق التوازن بين الزيادة في رأس المال الثابت والمتغير ، بحيث لا يوجد فائض سكاني ويقل الفقر والبؤس. • ويصل "ماركس" من تحليلاته إلى القول بأنه ليس هناك قانون عام ثابت للسكان وإنما لكل مرحلة من مراحل تطور المجتمع والانتاج قانون خاص بها ينطبق عليها وحدها ، ووجود قانون واحد للسكان لا يتحقق إلا في حالات النبات والحيوان ، ويشترط ألا يتدخل الإنسان في تكاثرها. • تتلاشى مشكلة زيادة السكان مع تطور المجتمع ووصوله إلى مرحلة الانتاج الاشتراكي. وهذا معناه أن الفر والبؤس باعتبارهما مرتبطين بمشكلة تزايد السكان لا يدينان بوجودهما إلى عامل بيولوجي يزيد أو ينقص قدرة الانسان عل الخلف والتناسل أو إلى غيرها من عوامل طبيعية وإنما يرجع إلى النظام الاقتصادي الذي يعجز عن تشغيل أفراد المجتمع تشغيلاً كاملاً. ملاحظات نقدية على نظرية ماركس أ – يؤخذ على "ماركس" أنه على الرغم من أنه قد عاب على سابقيه ومنهم "مالتس" تحيزهم لإحدى الطبقات الحاكمة في المجتمع ، إلا أنه قد وقع في نفس الخطأ وتحيز لإحدى هذه الطبقات "المحكومة" مما أثر في قضاياه النظرية ونتائج تحليلاته. ب – تصور ماركس أن النظام الاشتراكي يقل فيه ضغط السكان على الموارد وتحل فيه مشاكل تزايد السكان ، ولكن نمو السكان من ناحية أخرى محكوم بعوامل أخرى منها الحرية الشخصية فيما يتعلق بالزواج والخلف ، وهي عوامل لا يمكن إنكار أثرها في تجاوز الحدود والضغوط على موارد المجتمع. 2 – ريابو شكين علامة روسي ضمن آراءه في السكان مقال قدمه إلى مؤتمر السكان الأخير وردد فيه قوانين التطور الاجتماعي البرجوازي. ولقد طور "ريابو شكين" من هذه القوانين ووسع من نطاقها في تفسيره لظواهر نمو السكان. فعلى رغم من أن ريابو شكين ينطلق من نفس القضايا المسلمة التي انطلق منها "ماركس" إلا أنه يقدم قضايا افتراضية وتفسيرية تختلف في مضمونها عن قضايا "ماركس" على النحو التالي: أ – يذهب "ريابو شكين" إلى أن زيادة السكان تتوقف على طبيعة النظام الاقتصادي السائد في المجتمع. ب – وأخذ يحلل الشواهد على هذا التفسير بالنسبة للنظام الاقتصادي الرأسمالي فوجد أن هناك على شؤون فائضاً بالسكان نتيجة للطبيعة الاستغلالية والمتعارضة بين القائمين على شؤون الانتاج الاقتصادي أي بين الرأسماليين والعمال. إذ يقوم التعارض بينهم في الأهداف والوسائل ، ذلك لأن الانتاج الرأسمالي يقوم على قرارات المنظمين الذين يهدفون في المحل الأول اجتناء أقصى ربح ، ولا يلقون بالا إلى أثر قراراتهم على العمالة أو على المستوى المعيشي للبروليتاريا. ويعتمد الرأسماليون على وسائل الاحتكار وتركيز الثروة والنفوذ في أيدي قلة قليلة واستخدام الآلات على نطاق واسع وإحلالها محل العمال وينشرون بين العمال أفكار تشجيع الهجرة أو تحديد النسل التي يقدم عليها العمال خوفاً من البطالة والفقر والاستغلال الذي يتعرضون له. ج – ووجد "ريابو شكين" أنه مقابل ذلك وفي ظل نظام الانتاج الاشتراكي فليس هناك فائض في السكان نتيجة للطبيعة المتوازنة في الأهداف والوسائل أيضاً بين القائمين على شئونه. ذلك لأن الهدف الرئيسي من الانتاج هنا هو إشباع الرغبات وليس تحقيق الربح لفئة قليلة. أما الوسائل التي يستعان بها فتتمثل في الاستفادة من كافة الموارد المتاحة وخاصة العمل الذي يعتبر المصدر الرئيسي للثروة –ومقياساً ، واستخدام كافة الطاقات بما في ذلك الطاقة الذرية. وكان "ريابو شكين" يستند في ذلك إلى عدة حقائق إحصائية تشير إلى زيادة الانتاج في الاتحاد السوفيتي بنسبة 55% بين عامي 1938 ، 1913 وزيادة نسبة السلع الاستهلاكية إلى 31% بينما لم يزد عدد السكان إلا بنسبة 60% كما زاد عدد عمال الصناعة إلى خمسة أمثال ما كان عليه من قبل ذلك. ملاحظات على آراء ريابو شكين 1 – تعد مقالته ترديداً الآراء "ماركس" الذي صب جم غضبه على "مالتس" واتهمه بالرجعية والتفاهة وكذلك امتداداً لآراء "انجلز" الذي ذهب إلى أن البرجوزاي يخالف المستقبل ، بينما يدرك العامل أن الخلية التي ينتمي إليها سوف تنتصر حتماً في الكفاح الطبقي ، ومن ثم يحدوه الأمل في المستقبل المشرق بعد التخلص من ربقة الرأسمالية. ومع ذلك فإن "انجلز" كان لا يستبعد أن يكون لتحديد النسل مكان في المجتمع الاشتراكي المنتصر بحيث يسمح للأفراد بتحديد حجم الأسرة بعد انتفاء الاستغلال ، كما أشار إلى أنه يمكن تصور حالة نظرية تحدث فيها زيادة كبرى في عدد السكان تقتضي معها وضع حداً للزيادة. 2 – إذا كانت آراء ماركس و "ريابو شكين" تعطي لنا أمثلة بارزة على الفكر الماركسي في موضوع السكان ، إلا أنه من الممكن القطع بأنه فكر جامد لا يقبل التغير أو التعديل على ضوء الظروف المتغيرة. فهو في ذاته يتطور مع الزمن ويلوح في كتابات السوفيت منذ وفاة "ستالين" ، أنهم لا يعتبرون أفكار "ماركس و انجلز" من الأفكار المقدسة التي لا تقبل الجدل ، بل يرحبون بالاجتهاد والتجديد ، ولأول مرة نقرأ الخرشوف سكرتير الحزب الشيوعي السابق نقداً للفكر القائلة بأن الحرب الشيوعية والرأسمالية واقعة لا محالة وهي أساسية في بناء الفلسفة الماركسية بينما كان العالم في نفس الوقت يتابع بأمل جهوده الكبيرة في تحقيق التعايش السلمي بين المعسكرين الشرقي والغربي. 3 – ينطوي الفكر الماركسي في موضوع السكان ، على وجهات نظر متباينة إذ يؤيد "توريز" زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي بقوة قوانين مكافحة الإجهاض وناشد الأطباء الشيوعيين عدم الانسياق وراء رغبة الناس في تحديد النسل واتهم دعاته بأنهم فاشيون يكرهون الإنسانية. غير أن هذا الموقف الذي يزيد من تشدده عن موقف غلاة الكاثوليكية لم يسلم من النقد. فقد نشر "جاك دروجي" عضو الحزب الشيوعي الفرنسي أيضاً بحثاً عنوانه "أطفال بالرغم منا" طالب فيه بإلغاء التشريعات القاسية التي صدرت في فرنسا عام 1930 ،والتي تنص على الحد من الإجهاض وعدم تحديد النسل. كما يلاحظ الاختلاف في وجهات النظر في موضوع السكان بين الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي. إذ لا يعارض بعض فلاسفة الحزب الشيوعي في الصين تنظيم الأسرة عن طريق الزواج المتأخر وزيادة الفترة التي تنقضي بين جيل وآخر حرصاً على صحة الأم والطفل ورفاهية الأسرة ، وحتى لا يؤدي الإفراط في النسل إلى إرهاق الوالدين واضعاف قوتهم في العمل والانتاج إلى فتور ولاء الكثرة إلى نظام الحكم الجديد. 3 – سيدني كونتز باحث اهتم بدارسة الظواهر السكانية ، وضع آراءه في السكان في مؤلفات عديدة وتأثر بأفكار "ماركس" في تفسير الظواهر السكانية على ضوء العوامل الاقتصادية. ولكنه وسع من نطاق هذا التفسير على النحو التالي: 1 – يتفق مع "ماركس" في الأخذ بنفس القضايا المسلمة حول تغير المجتمع وظواهر. 2 – ولكنه يصيغ تفسيره الفرضي لظاهرة نمو السكان على نحو مغاير إذ يرى أن نمو السكان يتوقف على عوامل اقتصادية ثلاثة ، هي مقدار العمل ، ونوع العمل ، ووظيفة الأسرة. أ – مقدار العمل المطلوب ، وقد أشار "آدم سميث" من قبل غلى أن فرص العمل المتاحة هي التي تحدد معدلات الزواج والإنجاب وقد سبقت الإشارة إلى أن زيادة فرص العمل في الدول الغربية قد ارتبطت بهبوط معدل المواليد لذلك أضاف "كونتز" عاملين اقتصادين آخرين لتفسير اتجاهات الخصوبة هي نوع العمل المطلوب والوظائف الاقتصادية التي تقوم بها الأسرة. ب – نوع العمل المطلوب ، أو زيادة الطلب على العمل غير الماهر وهو نوع من العمل لا يحتاج إلى تكاليف أعداد كبيرة –تؤدي إلى ارتفاع الخصوبة ، في حين أن زيادة على العمل الماهر لا تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الخصبة لأن هذا النوع من العمل يتطلب تكاليف أعداد كبيرة وبالتالي لا تستطيع الأسرة الإنفاق على عدد كبير من الأطفال الذين تعدهم لحياتهم المهنية. وبذلك فسر "كونتز" العلاقة بين الخصوبة والدخل ، وانتهى إلى أنه إذا كان الأغنياء أقل إنجاباً من الفقراء فإن ذلك يرجع إلى أن المهن التي يمارسها الأولون تتطلب أعداداً لفترة طويلة وتكاليف كثيرة. وقد استطاع الباحث أن يفسر التطورات السكانية الحديثة في ضوء هذا التحليل فقال أنه توجد زيادة في الطلب على العمل الذي يحتاج إلى اعداد كثيرة التكلفة ، كما هو شأن العمل غير اليدوي الذي يتطلب شيئاً من المهارة لتحقيق إنتاجية مرتفعة ، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض الخصبة رغم زيادة الطلب على العمل. ج – الوظائف الاقتصادية للأسرة: أشار "كونتز" إلى أن التغير الذي طرأ على الوظائف الاقتصادية للأسرة فحولها عما كانت عليه في المجتمعات الزراعية من وحدة إنتاجية تحتاج إلى أيد عاملة كثيرة إلى ما صارت في المجتمعات الصناعية إلى وحدة استهلاكية بسبب تخلي الزوجة والأولاد عن وظيفتهم الإنتاجية داخل الأسرة أفقد الأطفال قيمتهم الاقتصادية وأدى بالتالي إلى انخفاض الخصوبة. ومن ناحية أخرى فقد خرجت المرأة إلى ميدان العمل وأصبحت تشارك في الانتاج خارج المنزل مما جعلها ترغب في الحد من الإنجاب لكي لا تنقطع عن العمل فترة مما يفقدها الأجر الذي تتقاضاه. ملاحظات نقدية على نظرية كونتز على الرغم من أن "كونتز" قد بنى أفكاره حول السكان في صورة تقترب من النسق الاستنباطي للنظرية التي تشمل على مسلمات وفروض ثم بحث ما يدعمها من شواهد في الواقع. إلا أن هذه الأفكار قد انطوت على بعض الثغرات التي أثارت الملاحظات النقدية التالية: • لقد أضاف "كونتز" عاملاً مهماً إلى التفسير الماركسي لنمو السكان وهو نوع العمل وما يتطلبه من تكاليف للإعداد والتدريب والتنشئة واثره في معدلات الخصوبة. وتجاهل بهذا أثر العوامل الاجتماعية الأخرى على الإنجاب. • لقد استند "كونتز" إلى ما لاحظه من ظواهر سكانية في العالم الغربي ، ولم يهتم بما ه وملاحظ من ظواهر في الدول النامية ، واستمرار معدلات المواليد والخصوبة في مستوى مرتفع رغم انتشار البطالة فيها. 4 – كوزولوف باحث سوفييتي أعار الظواهر السكانية كثيراً من اهتمامه ، ووضع آرائه في السكان ضمن عدد من مؤلفاته وإن كانت أفكاره قد جاءت بمثابة ترديداً لأفكار "ماركس" إلا انه قد طور من تفسيراته ووسع من نطاقها لتشمل الظواهر السكانية واتجاهات الخصوبة في الدول النامية ويمكن إنجاز هذه الأفكار على النحو التالي: 1 – يبدأ "كوزولوف" تحليله للظواهر السكانية في الدول النامية انطلاقاً من نفس المسلمات الماركسية حول تغير المجتمع وظواهره. 2 – ولكنه حاول بعد ذلك في محاولته توسيع نطاق التفسير الماركسي لظواهر السكان تقديم تفسير فرض جديد إذ يرى أن نمو السكان في الدول النامية يتوقف على عوامل مادية تتمثل في معدل الوفيات ونوعية النشاط الاقتصادي. أ – ميز "كوزولوف" بين نوعين من العوامل المؤثرة في الإنجاب ، العوامل المباشرة والعوامل غير المباشرة ويرى أن الأولى متعددة ومتنوعة وتشكل بعض العوامل البيولوجية كالقدرة على الإنجاب وبعض العوامل النفسية كالرغبة في الإنجاب وكذلك بعض العوامل الاقتصادية الاجتماعية ، كالقدرة على الحصول على وسائل تنظيم النسل والقدرة المادية على تربية الأطفال. وقرر أن كل عامل من هذه العوامل المباشرة مرتبط بمجموعة من العوامل الأخرى فالقدرة على الإنجاب مثلاً تتوقف على طول فترة الحياة الزوجية وهذه بدورها تتوقف على سن الزواج عادة وفقاً لعوامل اجتماعية واقتصادية. أما العوامل غير المباشرة فهي العوامل المادية ، ومع أن تأثيرها على الخصوبة غير مباشر ، إلا أنها تحدد أثر العوامل الأخرى ، بل وتحدد أحياناً وجود هذه العوامل ذاتها وهي التي تكون لها في التحليل النهائي أكبر الأثر على معدلات الخصوبة. ب – الدليل على ذلك أن الرغبة في تكوين أسرة كبيرة ، وهي رغبة منتشرة في معظم الدول النامية ترجع في اصلها التاريخي إلى صعوبة الظروف المادية التي تواجه هذه المجتمعات في الماضي ، أهمها ارتفاع معدلات الوفيات. وكان الرأي العام والقواعد الأخلاقية ، وقواعد الزواج والتعاليم الدينية –كلها تعمل على تدعيم التقاليد القومية المشجعة على الإنجاب وهذه العوامل الأيديولوجية التي تكونت حول نظام الأسرة الكبيرة- مثلها مثل الأنماط الأيديولوجية الأخرى –أصبحت على مرور الزمن مستقلة استقلالاً نسبياً عن العوامل المادية التي أوجدتها- ونتيجة لذلك فإنه عادة لا تزال الاسر الكبيرة موجودة في المجتمعات النامية. ورغم اختفاء السبب المادي الأساسي الذي أوجدها ، وهو ارتفاع معدل الوفيات. ج – غير أن بعض العوامل المادية الأخرى المؤثرة على ارتفاع الخصوبة ما زالت تلعب دورها في بعض المجتمعات النامية وهي عوامل مرتبطة بطبيعة النشاط الاقتصادي في هذه الدول ، ذلك النشاط الاقتصادي الذي يتطلب أيدي عاملة رخيصة وكثيرة. إما اعتماد الدول النامية على الزراعة دون غيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى فيرجع إلى سياسة الاستعمار التي كانت ترغب دائماً في الحصول على المواد الخام ، فكانت تشجع الزراعة وتعمل على تأخير الصناعة. وقد أدى ذلك إلى الاكتظاظ النسبي بالسكان في المناطق الزراعية وإلى تخلف الصناعة ، وهذا هو أصل المشكلة الاقتصادية والديموجرافية التي نعاني منها الدول النامية. ومن هنا يتضح مدى التماثل بين آراء "ماركس" وآراء "كوزولوف" ، إذ كان الأول يرى أن الرأسماليين هم الذين يشجعون الطبقة العاملة على كثرة الإنجاب لكي يجدوا دائماً فائضاً من العمالة يمكنهم من خفض الأجور باستمرار ، وأشار الثاني إلى أن الدول الاستعمارية هي السبب في الزيادة السكانية التي تعاني منها الدول النامية لأنها كانت تريد الحصول على المواد الخام فتشجع الزراعة وتعمل علة تأخير الصناعة. ويبدو إذن أن "كوزولوف" قام بمحاولة لتطوير النظرية الماركسية في السكان بحيث تتلاءم مع الأوضاع السائدة في الدول النامية. أولاً: التكوين النوعي للسكان يطلق دارس السكان على عملية انقسام السكان إلى ذكور وإناث مفهوم التكوين النوعي للسكان. الذي قد يحسب بناء على عدد الذكور والإناث في كل جماعة سكانية. ولكن برغم الحاجة إلى مثل هذه الإعداد في اغراض كثيرة ، وجد أن هذه الإعداد تمثل أعداداً مطلقة تعتبر من قبيل الأعداد الخام ، والاعتماد على هذه والاعتماد على هذه الاعداد في عملية المقارنة بين السكان في مجتمعات مختلفة أو فترات زمنية متباينة غير كاف في حد ذاته. الأمر الذي دعا دارس السكان إلى الاستفادة من فكرة النسب والمعدلات باعتبارها فكرة تساعد على فهم الحقائق والمعطيات التي تم جمعها ، ثم في تلخيص المعطيات وإبراز العلاقة بينها. والعدد النسبي لا يعتمد في دلالته على مقدار عددين اثنين مطلقين وإنما تعتمد هذه الدلالة على العلاقة بين هذين العددين. وتحسب النسبة من خلال قسمة عدد الذكور المطلق مثلاً في الجماعة السكانية على عدد الإناث لنفس الجماعة وضرب الناتج في 100 أو 1000 ، لكي نحصل على النسبة المئوية أو الألفية. واستطاع دارس السكان بهذه الطريقة التوصل إلى مقياس لبيان التوازن بين النوعين في السكان ، عرف باسم نسبة النوع او النسبة النوعية Sex-rate ، ويقصد بها عدد الذكور بالنسبة إلى كل مائة أنثى ونحصل عليها بقسمة عدد الذكور الكلي على عدد الإناث الكلي وضرب الناتج في 100 ، كما يمكن أن تحسب النسبة بالنسبة للمجموع الكلي للسكان أو بالنسبة إلى جزء معلوم منهم. وهذا المقياس يسمح بعقد المقارنات المباشرة بين التكوينات النوعية للمجموعات السكانية التي نهتم بدراستها بغض النظر عن الحجم ومكان الاقامة والتركيب العنصري. وهناك بعض الحقائق التي كشفت عنها دراسة التكوين النوعي للسكان وحققت قدراً من العمومية منها: 1 – أن النسبة النوعية المعتادة في المجموعات السكانية تتراوح بين 95-100 وأن أية نسبة تتجاوز هذا المدى تتطلب التفسير المناسب. 2 – أن معدل الوفيات في صفوف الذكور أعلى منه في صفوف الإناث ويتطلب أي اختلاف عن ذلك بالنسبة للمجموعة السكانية المدروسة البحث عن الأساليب. وعلى ضوء هذه القضايا وغيرها يجري دارس السكان تحليله لظاهرة التكوين النوعي وذلك وفقاً للتخصيص الذي ينتمي إليه إذ يتجه عالم الاجتماع نحو الكشف عن أثر زيادة النسبة النوعية أو زيادة عدد الإناث على عدد الذكور في المجتمع ، على معدل الزواج وتكوين الأسرة ، أو إلقاء الضوء على أسباب وعوامل هذا الاختلاف كما يتمثل في قيمة المولود حسب نوعه في المجتمع... وهذا ما يمكن توضحيه من خلال النظر إلى التكوين النوعي للسكان في مصر. التكوين النوعي للسكان في مصر تتذبذب نسبة الذكور في التعدادات التي جرت بين الأعوام 1927-1996 في مصر بين 99-105 ذكر لكل مائة أنثى ، وإن كانت هذه النتيجة تعتبر مؤشراً على المساواة بين عدد الذكور والاناث في مصر ، إلا أن انخفاض هذه النسبة عن المعدل العادي لنسبة الذكور قد يرجع إلى قلة العناية بالمواليد الاناث بين المصريين. كما أن النسبة النوعية خلال الفترة من 1927-1966 في المناطق الحضرية تفوق النسبة في المناطق الريفية في مصر. ثانياً: التكوين العمري للسكان يكاد يكون التكوين العمري للسكان أو توزيعهم حسب فئات السن المختلفة أهم وأخطر العوامل الديموجرافية في دلالتها على قوة السكان الانتاجية ومقدار حيويتهم ، كما أنه يشير إلى اتجاه نموهم ويلقي الضوء على نسب المواليد الوفيات بينهم. إذ يمثل العمر أحد المتغيرات الديموجرافية الأساسية وأحد العوامل المحددة لعملية الإنجاب ، ويلعب دوراً جوهرياً في تحليل ديناميات السكان. إذ ترتبط بالعمر القدرات الحيوية والوظائف البيولوجية والفعلية للسكان. كما يعلق المجتمع أهمية كبيرة على أعمار أفراده وإن كان هناك نوع من التغير في نسق القيم الذي يرتبط بالعمر وخاصة نتيجة للانخفاض الهائل في معدل الوفيات. إذ كانت القيمة التي تضفي على الجماعات العمرية الكبيرة بين 60-80 عاماً تتمثل في النظر إلى هذه الفئة بنوع من الاحترام والوقار لإنسان عركته الحياة ، وأن الأكبر هو الأقوى والأعقل وهو الذي لديه رصيد من المعرفة الانسانية والخبرات العملية في الحياة. ولقد تغيرت أخيراً قيمة العمر الكبير وأصبح الشباب ليسوا على استعداد لتقبل أوامر وتصورات الآخرين ، وحلت عملية الفصل بين الجماعات العمرية محل الارتباط الذي كان قائماً من قبل وأخذ البعض يتحدث عن مجموعة العمر العشرية ، ويتحدث آخرون عن مجموعة المسنين ، وأخذ التعارض يظهر بوضوح بين هذه المجموعات العمرية ، وترتب على التدرج الواضح بين السكان على أساس العمر انقسام المجتمع إلى مجموعات عمرية مستقلة بذاتها. وأبرز هذا الوضع خاصية اجتماعية جديدة في المجتمع هي خاصية الانتماء للأجيال المتباينة ، أو انتماء السكان إلى جماعات عمرية مختلفة في استجاباتهم للعالم الخارجي ، وخبراتها السابقة ، وأمالهم المتباينة في المستقبل الأمر الذي قد يبرز أمامنا جذور التكامل والصراع بين الأجيال في المجتمع وبهذه النظرة لأهمية متغير العمر يزداد فهمنا لميكانيزمات الثبات والتغير في المجتمع. وهناك محاولتان أساسيتان للتمييز بين المجموعات السكانية حسب نماذج التكوين العمري: 1 – المحاولة الأولى: تتمثل في التمييز بين المجموعات السكانية في ضوء فكرة السكان الثابت stable population وهي فكرة تمثل نموذجاً رياضياً لا تنطبق على أي مجموعة سكانية في الواقع ، وإنما تفيد في التمييز بين المجموعات السكانية على أساس اقترابها من هذا النموذج. وتتخلص هذه الفكرة في القول بأنه إذا ظلت معدلات المواليد والوفيات في كل جماعة عمرية كما هي ثابتة طوال فترة طويلة من الزمن فإنه يترتب على ذلك بالضرورة معدل ثابت للنمو يمكن حسابه وتكوين عمري ثابت كذلك يمكن حسابه أيضاً. وعلى ضوء هذه الفكرة أمكن تقسيم المجموعات السكانية إلى أربعة نماذج من حيث التكوين العمري. أ – نموذج ينخفض فيه معدل الخصوبة والوفيات ، وينخفض فيه عدد الأشخاص في كل جماعة عمرية تدريجياً من الجماعة الصغيرة إلى جماعة أكبر. ب – نموذج ينخفض فيه معدل الخصوبة ويظل معدل الوفيات عند مستوى عال ، حيث ينحدر التوزيع العمري تدريجياً من الجماعات العمرية الصغيرة إلى الجماعات الكبيرة. ج – نموذج يرتفع فيه معدل الخصوبة ويظل معدل الوفيات منخفضاً ، حيث ينحدر التوزيع العمري بسرعة كبيرة من الجماعات العمرية الصغيرة إلى الجماعات الكبيرة. د – نموذج يرتفع فيع كل من معدل الخصوبة الوفيات ، وينخفض فيه بسرعة التوزيع العمري من الجماعات العمرية الصغيرة إلى الجماعات الكبيرة. 2 – المحاولة الثانية: تتمثل في التمييز بين ثلاث مجموعات سكانية في ضوء التركز في فئة السن الصغيرة أو المتوسطة أو الكبيرة والقوى الانتاجية والحيوية والتطلع للمستقبل. أ – تمثل المجموعة الأولى السكان الذين يتركزون في فئة السن الصغيرة أقل من 15 سنة ويرمز لها بالهرم السكاني المثلث وهو في دور الشباب أو الفترة لأنهم يمتازون بالحيوية والقدرة على الانجاب أنهم يسيرون نحو الازدياد ويدفعهم معظم نشاطهم الاقتصادي نحو التعمير للمستقبل. ب – وتمثل المجموعة الثانية السكان الذين يتركزون في فئات السن المتوسطة ما بين "15-64" سنة ويرمز لهم بالهرم السكاني المستطيل ، ويعتبرون في حالة نضج أو كهولة ويمتازون بقلة المواليد والوفيات. ويقع العبء الأكبر على السكان في هذه المجموعة لأنهم يمثلون القوة العاملة الذين يعولون بقية أفراد المجتمع. ج – ويمثل المجموعة الثالثة السكان الذين يتركزون في فئة السن الكبيرة 64 سنة فأكثر والذين يرمز لهم بهرم سكاني بيضاوي وهم في حالة شيخوخة ، حيث لا يزيد صغار السن بينهم على 15% ويقل معدل المواليد وتزداد نسبة الشيخوخة. التكوين العمري للسكان في مصر وبالنظر إلى التكوين العمري للسكان في مصر على ضوء المحاولات السابقة ، نلاحظ ما يلي: 1 – أن مصر تنتمي إلى المجموعة السكانية الأولى ، التي يتركز فيها السكان في فئات السن الصغيرة أقل من 15 سنة ، والتي يرمز إليها بالهرم السكاني المثلث حيث بلغت نسبة السكان تحت 15 سنة حسب تعداد 1986 ، 40% من إجمالي السكان ووصلت نسبة السكان في الفئة العمرية 15-44 ، 43.7% والمجموعة العمرية 45-64 ، 12.4% بينما لم يتجاوز أفراد المجموعة المعرية التي تزيد على سن 65 سنة 3.9%. 2 – لما كانت مصر تتميز بنسبة عالية من السكان في الجماعة العمرية الصغيرة ، أقل من 15 سنة فإن هذه النسبة المرتفعة تجعل عمل ، أو عبء المعتمدين وهم الأشخاص تحت سن 16 سنة أو فوق 65 سنة أو الأشخاص في الجماعات غير المنتجة اقتصادياً ، تجعل هذا العبء للمعتمدين ، عبئاً أو حملاً ثقيلاً على بقية الفئات العمرية المنتجة اقتصادياً في مصر. غير أنه من الملاحظ أن هناك ظروفاً خاصة بمصر تدخلت في تخفيف هذا العبء وذلك نتيجة لدخول نسبة عالية من الأطفال من فئة العمر اقل من 15 سنة في القوى العاملة بلغت 12% ، وإن كان إجبار هؤلاء الأطفال على الدخول في سوق العمل أمراً غير مرغوب فيه ، لأنهم لا زالوا في سن عدم النضوج وسابق على المشاركة الفعالة في القوى العاملة. ويسود اشتغال الأطفال في المناطق الريفية التي تكون الزراعة هي النشاط الغالب فيها. كما أدى أيضاً انخفاض نسبة المسنين الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة والتي بلغت 3.9% على تخفيف العبء من هذه الناحية ، وعلى تقليل تكاليف أنواع معينة من الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية المخصصة لهم ، مثل التأمين الاجتماعي والخدمات الصحية وغيرها من الالتزامات المماثلة التي تكون الحكومة مسئولة عنها. 3 – يعتبر سكان مصر في دور الشباب والفتوة وأنهم يمتازون بالحيوية والقدرة على الانجاب ويسيرون نحو الازدياد ويدفعهم نشاطهم الاقتصادي نحو التعمير للمستقبل. إذ تكشف مقارنة البناء العمري للسكان في التعدادات الأخير من 1927-1986 عن زيادة عدد الأطفال في الجماعة العمرية من صفر إلى أربع سنوات ومن 5 إلى 14 سنة ، ولكن مع انخفاض في الجماعات العمرية 15-26 ، ومن 30-49 عنه في التعدادات السابقة ويمكن إرجاع ذلك إلى الانخفاض الثابت معدل الوفيات بين الأطفال وإلى الثبات النسبي لمعدل المواليد. وعموماً نلاحظ أن الاتجاه في التوزيع العمري خلال الفترة في 1917-1986 قد طرأ عليه التغير حيث تزايد عدد السكان في مختلف الفئات العمرية ولقد أدت الزيادة في نسبة الاطفال خاصة إلى الزيادة في الانفاق في مجالات الخدمة العامة والتعليم والصحة والرفاهية الاجتماعية. ثالثاً: التكوين العمري والنوعي للسكان ويستطيع دارس السكان أن يكشف بسرعة عن الاختلافات الهامة في التركيب العمري والنوعي بين مختلف المجموعات السكانية ، وذلك بالنظر إلى الجداول المتضمنة للبيانات عن كل نوع سواء أكان التبويب طبقاً لسنوات العمر الفردية أو طبقاً لمجموعات كل منها خمس سنوات. تلك الجداول التي تمدنا بها نتائج التعدادات والتسجيل الحيوي والبيانات الجاهزة. ولزيادة الأمر تبسيطاً لجأ دارس السكان إلى أسلوب التعبير بالرسم البياني عن أنماط التركيب العمري والنوعي. وكان أسهل أنواع التمثيل بالرسم البياني فهماً هو ذلك النوع الذي يطلق عليه اسم الهرم السكاني population pyramid ذلك لأن الرسم البياني الناتج يأخذ شكل الهرم المثلث من حيث القاعدة العريضة التي تمثل اصغر الأعمار ، ثم تميل الجوانب إلى الضيق التدريجي صوب القمة وذلك نتيجة لأن عامل الوفاة يقلل دائماً من أعداد الأجيال كلما كبرت والغرض من بنا أهرامات السكان المساعدة في عقد المقارنات بين سكان يختلفون من هذه النواحي. وقد يبنى الهرم السكاني على الإعداد المطلقة أو على النسب المئوية ، وذلك حسب نوع المقارنة التي يرديها الدارس. لأن الاهرامات المبنية على الأعداد يمكن استخدامها لمقارنة إحجام السكان وإشكالها ، وهي اعظم نفعاً وهي أعظم نفعاً. أما الأهرامات المبنية على أساس النسب فإنها توضح كيف يختلف عدد من المجموعات السكانية من حيث التركيب العمري والنوعي وذلك بدون النظر إلى حجمها الكلي. وسواء استخدمت الأعداد أو النسب المئوية فقد جرى العرف على قيد العمر على المحور الرأسي وقيد الاعداد أو النسب المئوية من السكان في كل سن على المحور الأفقي وتوضع الذكور إلى يسار الخط الرأسي وتوضع الإناث على يمينه. وتمر عملية رسم الهرم السكاني بعدة خطوات ، أولاً ، جدولة المعطيات السكانية حول التكوين العمري والنوعي للسكان كما تتوافر في مصادر المعيطات السكانية سواء التعداد أو التسجيل الحيوي أم البيانات الجاهزة ثم التعبير ثانياً عن هذه المعيطات بالرسم البياني. فإذا فكرنا مثلاُ في التعبير عن التكوين العمري والنوعي للسكان في مصر في فترة زمنية محددة أو فترات زمنية مختلفة لأغراض المقارنة واستخلاص نتائج تفيد في فهم وتفسير التباين في التكوين العمري والنوعي في الفترتين. فإن أول خطوة يمكن القيام بها هي الاستفادة من المعطيات السكانية التي وفرها تعداد السكان في مصر عام 1960 مثلاً والتي يعبر عنها الجدول التالي: جدول رقم "9" يوضح التوزيع العددي والنسبي للسكان حسب فئات السن والنوع في تعداد عام 1960 في مصر الفئات ذكور اناث بالألف % بالألف % أقل من 10 4083 31.2 3848 29.8 10- 2766 21.2 2568 19.9 20- 1781 13.6 1929 14.9 30- 1654 12.7 1723 13.3 40- 1228 9.4 1191 9.2 50- 817 6.3 819 6.3 60- 485 3.7 523 4.1 70 فأكثر 254 1.9 3.5 2.5 الجملة 13068 1000 12.196 100 ثم الاستفادة بالمثل من المعطيات السكانية التي يوفرها تعداد السكان في مصر عام 1966 على سبيل المثال أيضاً والتي يعبر عنها الجدول التالي: جدول رقم "10" ويوضح التوزيع العددي والنسبي لسكان مصر حسب فئات السن والنوع في تعداد عام 1966 الفئات ذكور اناث بالألف % بالألف % أقل من 10 4036 30.1 4227 28.6 10- 36.6 33.9 3286 22.2 20- 1893 12.6 2130 14.4 30- 1785 11.9 1890 12.8 40- 1433 9.5 1380 9.3 50- 937 6.2 915 6.2 60- 486 3.9 617 4.2 70 فأكثر 280 1.9 344 2.3 الجملة 15056 1000 14790 100 ثم نقوم بعد ذلك بالتعبير عن الحقائق الرقيمة في الجدولين في صورة رسوم بيانية تسمح بعد ذلك بالمقارنة وبيان الاختلاف في التكوينين العمري والنوعي لسكان مصر في الفترتين المذكورتين على النحو التالي: والواقع أن الرسوم البيانية التي توضح أهرامات السكان لمصر في عام 1960 ، 1966 والتي تشمل عليها الصفحة التالية تسمح لنا باستخلاص النتائج التالية: 1 – أن هناك زيادة ملحوظة في اعداد السكان في مصر قد توزعت على فئات العمر والنوع المختلفة للسكان. شكل رقم "3" يوضح هرم السكان في مصر عام 1960 ص171 2 – أن الزيادة الملحوظة قد تركزت في فئات العمر الصغيرة أقل من 10 سنوات -20سنة. الأمر الذي أدى إلى اتساع قاعدة الهرم السكاني واختلاف شكله في تعداد عام 1966 عنه في تعداد عام 1960. 3 – أن نسبة الزيادة في أعداد الذكور إلى أعداد الاناث تكاد تكون ثابتة بين التعدادين وفي فئات العمر المتباينة. 4 – أنه بالرغم من أن حجم القوى العاملة في المجتمع قد تزايد بين التعدادين ، وكما يشير إليه أعداد الذكور في الفئات العمرية 20-60 عاماً من 5.5 مليون عام 1960 إلى 5.9 مليون عام 1969. إلا أن الزيادة المقابلة في نسبة المعتمدين من الذكور في الفئات العمرية اقل من 10 سنوات ومن 60 إلى أكثر من 70 سنة ، والتي كانت 4.6 عام 1960 ووصلت إلى 5.2 عام 1966، كانت نسبة كبيرة. الأمر الذي يمكن الافادة منه في رسم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، حيث أن ارتفاع نسبة الصغار والمسنين تدفع المجتمع إلى توجه جانب كبير من الدخل السنوي إلى الانفاق على السلع الاستهلاكية والخدمات بأنواعها ، وخاصة التعليمية والطبية كما يتطلب في نفس الوقت زيادة الاستثمار لخلق فرص عمل جديدة لمن يتسابقون للدخول في سن العمل من هؤلاء الصغار في المستقبل. وهكذا تتضح قيمة هذه التحليلات للتكوينين العمري والنوعي للسكان في رسم خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى الاستفادة الكاملة من الموارد المتاحة والامكانيات البشرية المتوفرة في المجتمع. وبالمثل يمكن الافادة من مقارنة اهرامات السكان في بلاد مختلفة في استخلاص نتائج يستعان بها في رسم السياسات على المستويات الدولية. رابعاً: التكوين النوعي والعمري للسكان والنظم الاجتماعية يحدث الاختلاف في التكوينين النوعي والعمري للسكان عدة آثار أو نتائج على المجتمع من النواحي الاقتصادية ، والديموجرافية ، والسياسية والأسرية وغيرها. النظام الاقتصادي إذ تعتبر أكثر النتائج الاقتصادية أهمية للاختلافات في التكوينين النوعي والعمري للسكان تلك التي تتمثل في اثر البناء العمري على نسبة الاعتماد ، إذ كلما كانت نسبة الاعتماد منخفضة ، كلما كان من السهل على الأشخاص في الفئات العمرية المنتجة اقتصادياً أن يتعاونوا ويساعدوا أولئك الأشخاص في الجماعات العمرية المتعمدة. وترتبط النتيجة الاقتصادية الثانية والهامة للاختلافات في بناء العمر بمتوسط العمر بين أفراد القوى العاملة. وذلك لأن القوى العاملة الصغيرة في السن قد تكون لها مميزات مفادها أن عمالها سيكونون أكثر مرونة وقادرين على تحصيل المهارات الجديدة والتعليم واكثر استعداداً لكل هذه الأمور من غيرهم ، وتكوين القوى العاملة الكبيرة في السن أكثر مسئولية وأكثر خبرة. ويرتبط الأثر الاقتصادي الثالث للاختلاف في بناء العمر بالاستهلاك ، إذ تحتاج المجتمعات ذات النسبة الكبيرة من الأطفال إلى إنفاق مقادير كبيرة من المال على العام والتعليم. وتحتاج المجتمعات ذات النسبة الكبيرة من كبار السن ، إلى الانفاق المتزايد على الرعاية الطبية. أما الأثر الاقتصادي الرابع للاختلاف في البناء العمري ، فيرتبط بفائض العمالة الذي يؤثر بدوره في معدل المرتبات والأجور. إذ أدى انخفاض نسبة الافراد في فئة العمر ما بين 20-29 سنة في عام 1950 بالولايات المتحدة الأمريكية هو جزء كبير من القوى العاملة ، إلى زيادة أجورهم ومرتباتهم. وعندما تزايد عدد أفراد هذه الفئة العمرية عام1960 ، أدى ذلك إلى انخفاض مستويات أجورهم ومرتباتهم. وهناك أيضاً نتائج ديموجرافية مرتبة على الاختلاف في التكوينين النوعي والعمري للسكان. إذ يلاحظ أن المجموعة السكانية التي يتركز أفرادها في فئات العمر الصغيرة يميل معدل وفياتهم الخام إلى الانخفاض عن المجموعة السكانية التي يرتكز أفرادها في فئات العمر الكبيرة ، وذلك لأن معدل الوفيات يزيد في الجماعات العمرية المتقدمة في السن. ويلاحظ أيضاً أن معدلات الهجرة تختلف باختلاف التركيب العمري والوعي للسكان ، بما أن الصغار يكونون أكثر رغبة في التنقل عن الكبار ومن ثم تزيد معدلات الهجرة في الجماعات السكانية في السن الصغيرة عن معدلات الهجرة في الجماعات السكانية في السن الكبيرة. النظام الأسري وتؤثر كذلك الاختلافات في التكوين العمري والنوعي للسكان على الحياة الأسرية وخاصة احتمالات الزواج بالنسبة للرجال والنساء. فإذا افترضنا أن الرجال يتزوجون عادة من النساء أصغر في السن قليلاً منهم ، فإن النساء في أية مجموعة سكانية يقل فيها متوسط العمر يواجهن صعوبة كبيرة في العثور على شركاء لحياتهن من الرجال ، وذلك لوجود نسبة كبيرة من النساء في الفئة العمرية المتوسطة تزيد على نسبة الرجال في نفس الفئة. ويسبب الفاقد الكبير من الرجال في الحرب صعوبة إضافية تواجه النساء اللاتي يبحثن عن فرصة للزواج. النظام السياسي كما يؤثر أيضاً التباين في التكوين العمري والنوعي للسكان على بناء الثوة ومن ثم على النواحي السياسية في المجتمع. ذلك لأنه إذا كان السكان من المجموعة الذين يتركزون في الفئة العمرية الكبيرة ، فإن الذين سيعطون أصواتهم قد يكونون من بين من تقدمت بهم السن وهم غالباً ما يتميزون من الناحية السياسية بالنزعة المحافظة ، ويختلف الأمر عنه في السكان عن المجموعة التي تتركز في فئات العمر الصغيرة ، كما أن المخططين الاجتماعيين في الأمم النامية التي يتركز فيها الأفراد في فئات السن الكبيرة يواجهون صعوبة في وضع المواطنين الكبار ، وفي تخصيص أدوار مفيدة لهم وذات مغزى بالنسبة للتنمية الاجتماعية وتقل هذه الصعوبة في الدول التي يتركز فيها الأفراد في فئات السن الصغيرة. خامساً: التكوين المهني للسكان قد يثار في ذهن بعضنا وهو بصدد فهم الظواهر السكانية ، عدد آخر من الأسئلة منها ، كم عدد الأفراد الذين يقومون بإنتاج السلع والخدمات في المجتمع؟ وكم منهم ليس له عمل؟ وهل تتغير نسبة العاملين إلى غير العاملين خلال الزمن؟ وما هي خصائص تكوين القوى العاملة من حيث العمر والنوع والتعليم والزواج والاقامة؟ وهل يتغير تكوين العمالة أو التكوين المهني؟ وكيف يتوزع هذا التكوين للعمالة على المهن المختلفة؟ وما الذي يؤثر في تغيير هذا التوزيع؟ والواقع أن مثل هذه الأسئلة إنما ترتبط بموضوع التكوين المهني للسكان ، وسنحاول فيما يلي البحث عن الإجابات المناسبة حولها حتى يمكننا تكوين صورة واضحة حول هذا الموضوع الذي يرتبط بشكل أو بآخر بميدان بناء السكان. 1 – مفهوم القوى العاملة: يتحدد مصطلح القوى العاملة labor force في نسبة السكان الذين يمكن أن توظف طاقاتهم في النشاط الاقتصادي سواء أكانوا يسهمون بالفعل في هذا النشاط وانتاج السلع أم في توفير الخدمات أم على العكس من ذلك كانوا قادرين أم راغبين في العمل ولكنهم لا زالوا يبحثون من فرصة عمل. فقد تشتمل القوى العاملة على من يقومون بالمهن الزراعية والأطباء والمهن الصناعية وقد تمتد القوى العاملة لتشمل كل أولئك الأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص والذين يعملون لحساب غيرهم والذي يعملون لقاء أو مقابل أجور و مرتبات أو إتعاب. وقد يضم مفهوم القوى العاملة الأفراد العاملين في القوات العسكرية ، إلا إذا كان المفهوم المستخدم ، هو مفهوم القوى العاملة المدنية civil labore force بحيث لا يدخل في إطار القوى العاملة كل السكان الذين تقع أعمارهم تحت سن "14" عاماً ، وكذلك الأشخاص الذين يختارون هذا السن والذين يقومون بالإعمال المنزلية دون أن يحصلوا على أجر محدد أو مستمر مقابل ذلك ومن هؤلاء الطلبة ، والزوجات ، والمسنون والعمال الموسميون ونزلاء المؤسسات والمرضى والعجزة. 2 – تغير نسق القوة العاملة والتكوين المهني: هناك مجموعة عوامل تؤثر في تغير نسق القوى العاملة وبالتالي تؤثر في التكوين المهني للسكان. فقد يدخل الأفراد النسق لأول مرة من خلال البحث عن عمل أو ضمانة بعد سن 14 عاماً ، وهذا يماثل عملية الميلاد في النسق الديموجرافي. أو قد يخرج بعضهم من نسق القوى العاملة نهائياً من خلال عملية التقاعد أو غيرها بمثل الحال في عملية الوفيات. أو قد يتخلف بعضهم عن مؤقتاً ثم يعودون إليه في وقت متأخر ، أو قد يتغير الشخص أيضاً مهنت داخل النسق ، ويحقق حراكاً اجتماعياً أفقياً أو رأسياً مما يذكرنا بعملية الهجرة في النسق الديموجرافي. هذا فضلاً عن تأثر نسق القوى العاملة وتغيره بفعل عوامل ديموجرافية محددة وذلك مثل تأثره بالوفيات والهجرة وهكذا. 3 – خصائص القوى العاملة والتكوين المهني: يتغير حجم القوى العاملة ، ونسبة سكانه ، وخصائصه الاجتماعية والاقتصادية والديموجرافية ، نتيجة للتغيرات التي تحدث في المجتمعات وما تحققه من تقدم وتنمية. وإنه لمن الواضح أن التكوين العمري للسكان له أثر مباشر على معدل مساهمته أو مشاركته في الانتاج إذ يضطر الأفراد في سنوات التعليم إلى عدم الدخول في سوق العمل لكي يتمكنوا من تكريس وقتهم كله للتعليم والتدريب باعتبارها خطوات زمة أو سابقة أو ممهدة وتسبق مشاركتهم الفعالة في القوى العاملة في المستقبل. ويعفون أيضاً من العمل في مرحلة معينة من أعمارهم نتيجة لاختلاف المكانة المهنية ، وقوانين العمل ، والقدرة على العمل. كما أن مشاركة المرأة في قوة العمل تكون أقل من مشاركة الرجل نتيجة لطبيعة وظيفتها في المجتمع ، وأحياناً لضرورة تكريس وقتها للأعمال المنزلية قبل أو بعد الزواج. ويختلف أيضاً معدل المشاركة في قوة العمل باختلاف البيئة و نتيجة للاختلاف الكبير بين المجتمعات الريفية والحضرية بالنظر إلى طبيعة العمل أو بأخذ طبيعة العمل في اعتبارنا ، وتصنيفه المهني والجوانب المتباينة للنشاط الاقتصادي وأيضاً أثر العادات والتقاليد السائدة في المجتمع. 4 – التكوين العمري والقوى العاملة: إن قدرة الأفراد على الانتاج أو حاجاتهم الاستهلاكية تختلف باختلاف العمر ولهذا فإن للتكوين العمري نتائج بعيدة على القدرة الشاملة على الانتاج في المجتمع ، و حجم الاستهلاك وعليهما معاً. فالأطفال لا يشاركون بالمرة في النشاط الاقتصادي وهم في السنوات الأولى من حياتهم ، وبالمثل ، فإن مساهمة المسنين محدود للغاية في النشاط الاقتصادي وعل أية حال ، فإن نسبة احتياجات هذه الجماعات العمرية للسلع الاستهلاكية والخدمات اقل من نسبة احتياجات الشباب الذين يتميزون بقدرة إنتاجية عالية. ولذلك فإن دراسة أثر التكوين العمري أو الفئات العمرية على الانتاج والاستهلاك في المجتمع تتطلب تصنيفها عموماً إلى ثلاث فئات رئيسية متميزة. هذا برغم أنه من الصعب وضع تصنيف دقيق ومحدد لها وذلك لأنها تختلف باختلاف المجتمعات وهذه الفئات الثلاثة هي الأطفال والبالغون والمسنون. 5 – التكوين المهني للسكان في مصر ونتائجه: إذا اعتبرنا أن سن الخمس عشرة سنة هو نهاية الفئة الأولى ، وسن الخمسة وستين هو نهاية الفئة الثانية ، فإننا نجد أن معدل نسبة الأطفال في المجتمع المصري "تحت سنة 15 سنة" بلغ 40% حسب تعداد 1986 في مقابل 35.2% في كل من فرنسا وانجلترا السويد ، وحوالي 29% في الولايات المتحدة. ومعدل المسنين "فوق 65 سنة" بلغ 3.9% في مصر مقابل 12.1% فرنسا و 10.2% في السويد و 8.5% في الولايات المتحدة. وكان معدل البالغين في مصر "بين 15 ، 65 سنة" 56.1% في مقابل 62.2% في الولايات المتحدة و 64.6% في فرنسا ، 65.7% في ايطاليا. وهكذا كان معدل الأطفال في الألف في مصر 794 ومعدل المسنين 65 ، بينما كان معدل الأطفال و المسنين بالنسبة لكل ألف من البالغين 850 في مقابل 548 فقط في فرنسا منهم 360 طفلاً و 198 مسناً. وهذه المقارنات تبين أن التكوين العمري في مصر آثار سيئة أو ضارة على الانتاج في مصر ، وخاصة بالمقارنة ببعض البلاد التي لم تصل إلى مرحلة الثبات الديموجرافي بعد أن اكتمل نموها الاقتصادي ، مثل البرازيل التي كان فيها معدل الأطفال 41.9% والمسنين 2.5% والبالغين 55.6% والهند التي كان بها 37.5% و 35% و 59% على التوالي أطفال ومسنين وبالغين. وأنه لمن الجدير الذكر أن نسبة الأفراد في سن العمالة في البلاد النامية أقل من نظيره في البلاد المتقدمة ، وأكثر من ذلك في مجموعة البلاد السابقة كانت نسبة الطفولة عالية ونسبة المسنين منخفضة بالرغم من أن هذه الفئات الأخيرة تستهلك كميات كبيرة من السلع إلا أنها غالباً ما تسهم بفعالية في الانتاج ، وأنه لمن الجدير الذكر أيضاً أن نسبة الأفراد المسنين في البلاد المتقدمة تفوق عدد جماعة غير المنتجين. وبالرغم من أن فئة المنتجين تمثل نصف السكان المجتمع ، فهي ستاهم بحوالي 9.2% من القدرة الانتاجية ، وتمثل 70% من وحدات الاستهلاك ، بينما تساهم في الجهات الأخرى بحواي 8% من القدرة الانتاجية وتمثل 30% من الوحدات الاستهلاكية يأخذ منها فئة الأطفال نصيب الأسد. التوزيع السكاني والقوى العاملة يمثل الأطفال تحت 15 سنة أو من هم في نهاية التعليم ، حوال 41% من إجمالي السكان في تعداد عام 1986. ويمثل من هم أقل من 16 سنة حوالي 45% وهذه النسبة أعلى في الحضر عنها في الريف. ونسبة الأفراد القادرين على العمل بين "16-64" سنة أكثر من نصف إجمالي السكان. وتختلف نسبة المنتجين في أي مجتمع باختلاف فئات العمر ، فنسبة الأطفال الذكور تحت 16 سنة نسبة عالية عن الإناث في نفس الفئة العمرية ، ولكن نسبة الذكور أقل من الإناث في فئة العمر بين 20، 49 والأطفال تحت 16 سنة يساهمون في القوة العاملة بحوالي 13% ومعظم هذه المساهمة تجيء من المجتمعات الريفية. إذ تتزايد نسبة الأطفال في القوى العاملة أربع مرات في المناطق الريفية عنها في المناطق الحضرية ، وهذا يمثل خاصية متميزة لهذا النمط من الاقتصاد في بلادنا الذي يحتاج فيه العمل الزرعي إلى مشاركة الأطفال. ونسبة الذكور في القوى العاملة عالية في المناطق الريفية عموماً عنها في المناطق الحضرية ، لأنها تصل إلى حوالي 71% في ذلك الجانب من مصر المعروف بالوجه البحري ، وحوالي 76% في ذلك الجانب من مصر المعروف بالوجه القبلي. وفي المناطق الحضرية يتراوح معدل الذكور في القوى العاملة بين 59% و 61% مع استبعاد محافظة الاسماعيلية الذي يرتفع فيها المعدل 63% والتباين كبير بين الاناث نتيجة لأن معدل الاناث في القوى العاملة بين 3% و 9% في المناطق الحضرية ، ومعدل الاناث في القوى العاملة الريفية في الوجه البحري يتضاعف ويزيد على نظيره في الوجه القبلي. وتقدر نسبة غير العاملين "البطالة" بحوالي 2.2% من القوى العاملة ولقد وصل أعلى معدل للبطالة إلى 5.4% في المن الكبرى وإلى حوالي نصف هذا المعدل 2.9% في المدن الاخرى وذلك في عام 1986. ولكن نسبة البطالة وصلت إلى أقل من 1.1% في المحافظات وينتمي معظم غير العاملين إلى الفئة العمرية ما بين "20-29" سنة لأن هذه الجماعة تسهم في إجمالي البطالة بنسبة كبيرة وصلت 30.3%. وعلى أية حال فإن نسبة البطالة إلى القوى العاملة داخل هذه المجموعة العمرية أقل من النسبة المصاحبة في الجماعات العمرية الأصغر. وأعلى نسبة من البطالة هي 5% بين الفئة العمرية 10-14 سنة. توزيع القوى العاملة حسب النشاط الاقتصادي والعمر بلغت نسبة القوى العاملة الذكور المشتغلين في الزراعة بالنسبة لإجمالي عدد الذكور في القوى العاملة أعلاها في الفئتين العمريتين أقل من 15 سنة وأكثر من 65 سنة. وهذا يعني أن معظم هؤلاء الذين يدخلون سوق العمل في مرحلة مبكرة من العمر و أولئك الذين يظلون في سوق العمل بعد الستين يعملون في الزراعة بينما تقل هذه النسبة في جماعات العمر المتوسطة. ويحدث العكس في مجال الصناعة والخدمات لأن نسبة المشاركة في القوى العاملة تنخفض بين الصغار والكبار بينما ترتفع بين متوسطي العمر. وأكثر من ذلك فإن معدل الذكور العاملين في الزراعة إلى إجمالي الذكور في القوى العاملة وصل إلى 59% وهو أعلى 28% من نسبة العاملين في الخدمات وأعلى أيضاً من نسبة الذين يشاركون في الصناعة وهي 31%. أولاً: الخصوبة: معدلاتها واتجاهاتها يفرق دارسو السكان عند تناولهم لموضوع المواليد بين الإنجاب أو النسل أو الخصوبة fertility وبين القدرة البيولوجية على الحمل او الولادة أو الخصوبة الحيوية fecundity على أساس أن العملية الأولى هي عملية إنجاب الأطفال فعلاً ونسبة الانجاب هي نسبة المواليد الأطفال للنساء في سن الحمل. أما الخصوبة الحيوية فهي سواء تزوجت المرأة أم لم تتزوج أو لأنها تمنع الحمل. أو أنها تجهض نفسها وهي غير المرأة العقيم. ولمقارنة المواليد في الأقطار المختلفة يحسب معدل المواليد العام وذلك بإيجاد النسبة الألفية للمواليد عامة إلى عدد السكان جميعاً في عام ما على النحو التالي: نسبة المواليد العامة= عدد المواليد/عدد السكان عامة ×1000 ولما كان عدد المواليد يتوقف على عدد النساء في سن الإنجاب وهو ما بين 15-50 سنة ، كان لابد من إجراء المقارنة أو إيجاد نسبة الإنجاب التي تسمى عادة بالخصوبة وذلك على النحو التالي: نسبة الخصوبة= عدد المواليد/ عدد النساء في سن الانجاب"15-50" ×1000 ويسمى المعدل السابق معدل الخصوبة العام general fertility –rate ولكن عندما وجد بناء على الدراسات السكانية ، أن النساء لا يكن في درجة واحدة من حيث القدرة على الانجاب في فئات السن المختلفة ، حيث كانت المرأة دون العشرين من عمرها أقل إنجاباُ من المرأة بين العشرين والثلاثين ثم تقل قدرة المرأة على الإنجاب تدريجياً ، لذلك كان لابد من إيجاد نسبة أو معدل خصوبة خاص أو نوعي وذلك بقسمة الأفراد الذين يولدون لأمهات في فئة عمرية معينة على النحو التالي: معدل الخصوبة خاص= عدد المواليد أحياء في فئة عمرية معينة "20-30مثلاً" / عدد الإناث في نفس الفئة العمرية ×1000 وبناء عليه يمكن حساب معدل خصوبة كلية عن طريق جميع المعدلات الخصوبة النوعية في فئات العمر لجميع الاناث ، ثم ضرب الناتج في طول الفئة وقسمته على 1000. وعندما تقوم الديموجرافيا بدراسة ظاهرة الخصوبة أو المواليد بهدف وصف هذه الظاهرة السكانية وتحليلها وبيان العلاقة الكمية بينها وبين غيرها من ظواهر سكانية أخرى ، فإنها تستعين بمثل هذه المفهومات والمعدلات في إجراء هذه الدراسة. فمثلاً قد نجد هناك دراسة ديموجرافية للسلوك الانجابي والمواليد والخصوبة في مصر ، تقوم هذه الدراسة في أول خطوة لها برصد نسبة المواليد الفعلية بينن فئات السن المختلفة في اكثر من سنة أجرى عنها تعداد ، فهي على ذلك تجري وصفاً لهذه الظاهرة بناء على ما توافر من أرقام وحقائق كمية ، ثم تتجاوز ذلك بالتوصل إلى تحليل ينتهي بتحديد معدل الخصوبة الكلية في المجتمع وفي الخطوة التالية تجتهد في مقارنة ما توصلت إليه من نتائج بما كان عليه السلوك الانجابي أو المواليد والخصوبة في فترات سابقة ، من الفترات أو السنوات التي أجريت فيها التعدادات ، حتى يمكن أن نستنتج من هذه المقارنة اتجاه الخصوبة في مصر نحو الزيادة أو النقصان ، وقد لا تتوقف الديموجرافيا عند هذه الخطوة ، وإنما قد تحاول بعد ذلك أن تقارن معدل الخصوبة الذي تحدده بمعدل الخصوبة في مجتمعات أخرى أوروبية أو عربية أو غيرها. وهكذا يمر التحليل الديموجرافي بعدة خطوات هي الوصف والتصنيف والمقارنة. ويبين الجدول التالي نتائج وصف الخصوبة في اكثر من سنة أمكن خلالها التوصل إلى بيانات عن السلوك الانجابي في مصر وهي عام "1947-1992" ، و يوضح أيضاً معدل الخصوبة الكلية. ويورد نتائج وصف الخصوبة وتحليل معدلها الكلي في سنوات التعداد المختلفة. ويستطيع التحليل الديموجرافي أن يستخلص من بيانات الجدول رقم "11" عدة نتائج: 1 – لا تزال معدلات الخصوبة في مصر تمتاز بالارتفاع ، رغم أن اتجاه هذه المعدلات يسير صوب الانخفاض من "5,28" عام "1980" – إلى "3,92" عام "1992". 2 – لا تزال معدلات الخصوبة في مصر تمتاز بالارتفاع خاصة بين فئات العمر "20-24" و "25-29" و "30-34" وإن أعلى فئة عمرية يزيد فيها معدل الخصوبة ، كانت هي فئة العمر "25-29" سنة. 3 – وقد جاء ترتيب مصر طبقاً لدليل التنمية البشرية في العالم ضمن مجموعة البلاد ذات التنمية البشرية المتوسطة ، وبمقارنة معدل الخصوبة في مصر بما وصل إليه معدل الخصوبة بين مجموعة هذه البلاد ، اتضح أن المعدل الأخير قد بلغ 2,7 عام 1992 بينما زاد معدل الخصوبة في مصر ووصل إلى 3,9 عام 1992. جدول رقم "11" معدلات الخصوبة حسب فئات سن الام ومعدل الخصوبة الكلية خلال الفترة من 1947 إلى 1992 فئة السن السنة 1947 1960 1966 1969 1979-1980 1983-1984 1986-1988 1990-1991 1990-1992 15-19 47,8 34,0 42,6 29,7 78 73 72 73 63 20-24 256,7 218,6 234,9 211,2 256 205 220 207 208 25-29 338,0 343,4 367,0 251,6 280 265 243 235 222 30-34 370,0 336,1 290,4 258,4 239 223 182 158 155 35-39 183,1 195,8 215,7 197,9 139 151 118 97 89 40-44 40,8 58,0 118,0 110,7 53 42 41 41 430 45-49 16,8 18,1 54,8 50,6 12 13 6 14 6 معدل الخصوبة "15-49" 5,6 6,2 6,1 5,5 5,28 4,85 4,41 4,13 3,93 وعندما يحاول التحليل الديموجرافي ان ينتهيمن الوصف والتصنيف والمقارنة في محاولة لإيجاد العلاقة بين هذه الظاهرة السكانية ، وهي الخصوبة وبين غيرها من الظواهر الديموجرافية الأخرى مثل التوزيع الإقامة للسكان على سبيل المثال أو توزيعهم بين الريف والحضر. فإننا نجده يوضح نتائجه في صورة قوائم أو جداول على النحو التالي: جدول رقم "12" معدلات الخصوبة الكلية حسب الفئات سن الأم والمناطق في الفترة "1990-1992" فئات سن الأم المحافظات الحضرية حضر الوجه البحري حضر الوجه القبلي ريف الوجه البحري ريف الوجه القبلي الاجمالي 15-19 24 23 42 64 122 63 20-24 121 164 179 297 295 208 25-29 188 171 205 235 287 222 30-34 121 123 160 137 231 155 44-35 26 19 37 45 82 43 معدل الخصوبة الكلية"15-49 2,69 2.80 3,58 4,10 5,97 3,93 ويستطيع التحليل الديموجرافي لبيانات الجدول السابق استخلاص مجموع النتائج التالية: 1 – أن الخصوبة الكلية تنخفض في المحافظات الحضرية عنها في المحافظات الريفية"من"2,19" إلى "4,1" وجه بحري و "5,97" وجه قبلي. 2 – أن الخصوبة الكلية تنخفض في حضر الوجه البحري عن حضر الوجه القبلي من "2,8" إلى "3,58" على التوالي. وهذا هو النمط السائد في معظم المجتمعات إذ غالباً ما يبدأ هبوط الخصوبة في المناطق الحضرية ثم تنتشر منها إلى المناطق الريفية. ثانياً: التحليل الاجتماعي للخصوبة غير أن التحليل الاجتماعي للظواهر السكانية بالمعنى الذي أوضحناه سلفاً ، يهتم بتفسير هذه الظواهر السكانية عن طريق ربطها بغيرها من ظواهر ونظم اجتماعية. ذلك لأنه إذا كان التحليل الديموجرافي يوضح لنا أن معدل الخصوبة في الريف يزيد عن نظيره في الحضر ، فإن ربط هذه الظاهرة وإرجاعها إلى مصدرها في كل من المجتمع الريفي والحضري يثرى بلا شك فهمنا ومعرفتنا لأصول هذه الظاهرة فإذا كانت الخصوبة في المجتمع الريفي والحضري أو السلوك الانجابي والمواليد تصدر عن الأسرة فالأمر يتطلب أن نقف على هذا المصدر من حيث وجوده واستمراره وتغيره أو من حيث بنائه ووظائفه وتغيره إذا أردنا أن نعمق فهمنا للظواهر المدروسة. وإذا كانت الأسرة عبارة عن منظمة دائماً نسبياً تتكون من الزوج والزوجة مع الأطفال أو بدونهم ، فإن الوظائف الجنسية والأبوية كمبرر أول لهذا النظام تعتبر من مميزاتها في كل الثقافات. ومع هذا فإن الأسرة لا تقتصر بالضرورة على هؤلاء الأفراد أو تلك الوظائف فقد تكون أكبر من ذلك فتشمل الأجداد والأقارب والأصهار والأحفاد الذين يكونون وحدة تسمى في بعض الأحيان العائلة او غيرها. وقد تقوم الأسرة بوظائف أخرى مثل الخدمات الاقتصادية لأعضائها أو التعليم والتوجيه ، والترفيه ، والدفاع عنهم ضد أي خطر ، وهكذا كانت الكتابات المهتمة بدراسة الاسرة تدور حول توضيح مفهومها إما على أنها جماعة مكونة من عدد من الافراد تقوم بينهم علاقات وتفاعلات معينة ، أو على انها نظام اجتماعي. والواقع أن الفرق بين الجماعة والنظام ليس كبيراً لأن كليهما نوع من التنظيم الاجتماعي يفترقان أو يقتربان على اساس درجة التجريد التي يدرس على ضوئها كل منهما ، والأسرة بدون شك جماعة باعتراف كل العلماء تقريباً ولكن عموميتها في المجتمع الانساني من ناحية ، وأهميتها القصوى لاستمرار الجنس البشري وقيامها على أسس تكاد أن تكون ثابتة من ناحية أخرى هي التي يميل كثير من علماء الاجتماع ويفضلون دراستها على أنها نظام اجتماعي. ويقصد بنظام الأسرة مجموعة الممارسات المتفق عليها في المجتمع لضبط عملية الارتباط بين الجنسين الذكور والاناث في الزواج والأسرة والإنجاب وتنشئة الأطفال. ويدور البحث حول الأسرة كنظام اجتماعي ، في نطاق تناول مجتمع الأسرة وتمييز نمطها ، وعناصر بنائها الاجتماعي من سلطة وتبعية وتوزيع للمراكز والأدوار والقيم وبيان طيعة العلاقة بين هذه العناصر من تكامل أو تصدع أو غيرها كما يهتم بدارسة وظائف الأسرة القديمة والجديدة ، و تحديد مظاهر التغير في الوظائف واسبابه ، فالأسرة كنظام متعددة الوظائف. كما يهتم بالتغيير في الأسرة وتصدع نظامها وتحدد هذه النظرة للأسرة كنظام اجتماعي الأسرة باعتباره أيضاً نسقاً مفتوحاً تؤثر وتتأثر في بقية النظم للأسرة الأخرى القائمة في المجتمع ويتكامل معها, ومن أهم ما انتهت إليه دراسة الأسرة كنظام اجتماعي هو التمييز بين عدد من الأنماط التي ظهرت للأسرة في المجتمع الانساني ، مثل التمييز بين الأسرة المقدسة والدنيوية والمستقرة والغير مستقرة ، والأسرة ذات الاقتصاد الموحد أو المتنوع ، والأسرة المستقلة أو المعتمدة ، والأسرة الزواجية والوحدوية وأخيراً الأسرة الممتدة والمركبة. والأسرة الزواجية أو النووية والأسرة التوجيهية. الخصوبة والأسرة وعلى ضوء ما انتهت اليه تحليلات الأسرة في الريف والحضر من حيث حجمها ونمطها وعناصر بنائها من علاقات وأدوار ومراكز وسلطة ووظائفها وتغيرها…..الخ تبلورت نتائج تميز بين أنماط معينة للأسرة ذات البناء الاجتماعي المتميز والوظائف الاجتماعية المتميزة تنتشر في المجتمعات الحضرية تمكننا من تفسير السلوك الإنجابي والخصوبة في الريف وزيادة معدلها على نظيره في الحضر على النحو التالي: 1- تختلف الأسرة family كجماعة مكونة من الزوج والزوجة وأولادهما غير المتزوجين الذين يقيمون في سكن واحد عن العائلة extend family كجماعة تقيم في سكن واحد ولكنها تتكون من الزوج والزوجة وأولادهما الذكور والإناث غير المتزوجين والأولاد المتزوجين وأبنائهم وغيرهم من الأقارب كالعم والعمة والابنة الأرمل والذين يقيمون في نفس السكن ويعيشون حياة اجتماعية واقتصادية واحدة تحت إشراف رئيس العائلة، وتختلف الأسرة عن العائلة من حيث: - أن حجم الأسرة يصغر عن حجم العائلة - أن وجود الأسرة يتردد أكثر في المدينة وجوود العائلة يتردد أكثر في القرية - أن الأسرة هي الجماعة القرابية الوحيدة الوحيدة في مجتمع المدينة - أن العائلة بالنسبة للمدينة <انتماء عدة عائلات إلى أصل أوجد واحد تمثل أصغر جماعة قرابة في في القرية . 2- ويحقق انتشار العائلة ذات الحجم الكبير والروابط القرابية المتعددة ونمطها الممتد عددا من الوظائف في المجتمع القروي لا تستطيعه الأسرة بالمعنى السابق ، فهي تحقق لأعضها الأمن الاقتصادي والاجتماعي الذي يحتاجون الذي يحتاجونه ولا يجدونه لدى غيرها من النظم، إذ يحتاج العمل الزراعي في الريف باعتباره النشاط الأساسي والمميز للحياة الريفية إلى عدد كبير من الأيدي العاملة. وبما أن الأسرة هي الوحدة الاقتصادية والإنتاجية في هذا المجتمع فإنه كلما كان حجم أعضائها كبيرا كلما زاد دخلها ومكنها ذلك من توفير الأمن الاقتصادي لأعضائها ، فإذا تعرض أحد أعضائها للمرض أو فقد فإن اشتراك الأسرة في النشاط الاقتصادي يمكنها من مواجهة هذه الصعوبة والتغلب عليها. وإذا واجه بعضهم الأخر محنة من المحن أو دخل في نزاع مع غيره من سكان هذا المجتمع فإنهم يجدون تأييدا وتعضيدا لدى أقاربهم وأهلهم أي يتوفر لهم الأمن الاجتماعي ، وهذا الوضع يفسر لنا في الواقع القول الدلرج بين الفلاحين بأن الأولاد عزوة ويجعلنا ندرك حقيقة سلوكهم الإنجابي وخصوبتهم المتزايدة. 3- يعلق على الزوج باعتباره الطريق القانوني السليم لإنشاء الأسرة في المجتمع وعلى الأطفال باعتبارهم ثمار هذه الرابطة القانونية ،أهمية اقتصادية كبيرة في المجتمع الريفي ، إذ تشارك الزوجة بكثير من العمليات الإنتاجية. داخل المنزل وخارجه وتساعد بذلك زوجها على توفير موارد العيش والحياة لأسرتهما . ويعمل الأطفال في سن مبكرة في الريف خاصة وأن العمل الزراعي يتطلب أيدي عاملة كثيرة ورخيصة وخير مدربة، وبدلا من أن يكون الأطفال عبثاً اقتصاديا يصبحون قوة اقتصادية يعاونون والديهما مما يزيد رغبتهما في إنجاب الكثير من الأطفال . وهذا يفسر لنا قولاً دارجاً آخر بين سكان المجتمع الريفي بأن الأولاد رزقز 4- يتميز البناء الاجتماعي للأسرة في الريف بأنها أسرة أبوية يحتل فيها الذكور مركزاً أعلى ويتمتعون بالسلطة، حيث يعيش الأبناء المتزوجون مع رب الأسرة في نفس السكن في حين تنتقل الفتاة المتزوجة من منزل أسرتها وتنفصل عنهم بمجرد زواجها في بيت زوجها ، خاصة إذا ما تزوجت من غير الأقارب . ويحمل الشاب الذكر اسم الأسرة ويحقق استمرارها في حين تتبع الفتاة زوجها بعد زواجها، ويجد هذا النظام الأبوي تدعيماً له في نظام الوراثة الذي يضمن للرجل ضعف نصيب المرأة في الميراث فينتقل إليهم ثروة الأسرة ويحقق وجود استقرارها. ويحقق الأبناء الذكور نوعاً من الضمان الاجتماعي لوالديهم لأنهم يكونون مسئولين عن الكبار في حالة المرض والشيخوخة وعن الأناث وإعالتهم في حالة الترمل وغيرها لعل هذه الحقائق تفسر لنا تفضيل السكان في الريف للذكور من الأبناء وزيادة نسبة الذكر عموماً عن الأناث في المجتمع. 5- تحدد مكانة المرأة في الأسرة الريفية والمجتمع الريفي ككل بناء على ما تقوم به من أدوار باعتبارها زوجة وأم وترتبط هذه المكانة بوظيفتها الإنجابية في الأسرة وبعدد الأطفال الذكور الذين تنجبهم في حياتهم . وتتسم هذه المكانة بالتبعية لزوجها فهي تخضع لسلطة الزوج وتقوم بما يسند إليها من أدوار أخرى في نطاق الأسرة سبقت الإشارة إليها . إذن ترتفع مكانة الزوجة الخصيبة التي لم تنجب في حياتها غير الإناث وينخفض وضعها داخل الأسرة ويعرضها ذلك للاطلاق أو لفقد زوجها عن غيرها. ولما كانت المرأة في المجتمع الريفي حريصة على تحقيق مكانة اجتماعية عالية في نطاق أسرتها فإن ذلك يدفعا إلى مزيد من الإنجاب ويزيد معدل خصوبتها. 6- يساهم انتشار نمط الأسرة الممتدة أو العائلة في الريف في التقليل من عبء التنشئة الاجتماعية الذي يتحمله الوالدان، ويجعل مسئولية تربية الأطفال مشاعة بين عدد كبير من البالغين في نطاق هذه الأسرة . ويجعل الأم تقتصر على مسؤوليتها الأسرية في ويخلصها من الشعور بالتنافر بين الأدوار أو الضغوط الاجتماعية التي قد تشعر بها في نطاق الأسرة. ونتيجة لمشاركتها في غير ذلك من نشاطات خارج نطاقها كما هو الحال في المجتمع الحضري. 7- تتميز الأسرة في الريف بتمسكها بمجموعة من القيم التي توجه حياتها وسلوكها في مختلف جوانب هذه الحياة، إذ كان من نتيجة انتشار قيم الزواج المبكر بالنسبة للإناث، وقيم العمل في الأرض بالنسبة للذكور كما كان لانتشار قيم الاعتقاد بالقدر بين المسلمين وغيرهم من المنتمين إلى ديانات أخرى في الريف، أثره في الميل بعيداً عن الجهود الواعية لضبط حجم الأسرة ولعدم الأخذ بالأساليب الصحية التي تقلل من فرص المرض أو التعرض للوفاة. السلوك الإنجابي والطبقات الاجتماعية تمثل الخصوبة واحداً من مظاهر السلوك الإنجابي ، وذلك لأنها تدل على عدد الأطفال الذين قد أنجبتهم المرأة خلال فترة خصوبتها التي تتراوح ما بين 15- 45 سنة من عمرها. أما السلوك الإنجابي فقد يتسع مفهوم ليشمل السن عند الزواج وإنجاب الطفل الأول ، والفترة بين إنجاب الطفل الأول والذي يليه وعدد مرات الزواج وكذلك نوعية الأطفال المفضلين ذكوراً وإناثاً ، والعدد المفضل منهم والاتجاه نحو تنظيم الأسرة والرغبة في تخطيطها….. الخ . وإذا كان فهم الخصوبة والاختلاف بين الأفراد بصددها. يتوقف على عناصر البناء الاجتماعي للمجتمع مثل الاسرة والطبقة والقيم وغيرها. وكنا قد أوضحنا من قبل إمكانية تفسير الخصوبة على ضوء الأسرة وأنماطها بين الريف والحضر. والآن نحاول تفسير السلوك الإنجابي بهذا المعنى الشامل عن طريق ربطه بغيره من عوامل بنائه وثقافته تميز البناء الاجتماعي برمته. ولما كان التركيب الطبقي في المجتمع يمثل الهيكل العام للبناء الاجتماعي القائم، وربما كان ربط السلوك الانجابي بهذا التركيب أو بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة داخله يساعد على أثراء فهمنا لهذا السلوك في الإطار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع. والواقع أن دراسة العلاقة بين السلوك الإنجابي والطبقة الاجتماعية أو الفروقات الطبقية في هذا السلوك قد شغل الباحثين خلال العشرين عاماً الماضية. والواقع أن دراسة العلاقة بين السلوك الانجابي والطبقة الاجتماعية أو الفروقات الطبقية في هذا السلوك قد شغل الباحثين خلال العشرين عاماً الماضية. وقد نبعث هذه الدراسة عن المناقشات التي تناولت العلاقة بين حجم الأسرة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي ، واتلي ربط فيها الباحثون فيها اختفاء الأشكال الممتدة للأسرة وبين زيادة معدلات التصنيع والتحضر ، ونحاول فيما يلي تلخيص بعض الحقائق التي انتهوا إليها في توضيح مفهوم الطبقة الاجتماعية في المجتمع ، ثم نوضح خلاصة ذلك دراسة العلاقة بين السلوك الانجابي والطبقات الاجتماعية. الطبقات الاجتماعية كان موضوع الاختلافات بين الناس الى مستويات اجتماعية واقتصادية متباينة من أكثر موضوعات البحث في علم الاجتماع إثارة للجدل والخلاف بين الباحثين في هذا الميدان ، سواء من حيث التسليم بعدم المساواة بين الناس في هذه المستويات أو حتى في تحديد الأسس التي يقوم عليها هذا الاختلاف وبالتالي كل مستوى طبقي ... وإمكانية الانتقال بين هذه المستويات وقد أثمر هذا الجدل عدة حقائق: 1 – لا شك في أن الأفراد والجماعات تختلف عن بعضها فيما تقوم به من وظائف عندما يتفاعلون ، مثل وظائف الحصول على الطعام ، أو القتال أو غيرها. وعندما تثبت هذه الوظائف المختلفة بفعل الثقافة ونأخذ صورة نماذج تحدد الموقف الاجتماعي للشخص الذي يشغل هذا الوضع أو غيره تكتسب هذه الوظيفة اسم الدور الاجتماعي. 2 – ولما كان بإمكان الفرد القيام بأدوار متعددة نتيجة لانتمائه إلى جماعات متباينة في وقت واحد داخل المجتمع ، فإنه يترتب على ذلك أن تكون هناك بعض الأدوار أكثر أهمية وقيمة من أدوار أخرى. وبالتالي تتميز أدوار الأفراد بحيث ينتج عن التقدير المختلف والمتمايز للأدوار الاجتماعية حسب الأهمية والقيمة ظهور ما يعرف بها باسم المركز ، هو الذي يدل على المرتبة التي يقرنها أعضاء المجتمع بدور معين أو مجموعة أدوار ويترتب على ذلك أيضاً ظهور مراكز متعددة ، ترتب في سلسلة متدرجة وتكون في النهاية الترتيب الطبقي. 3 – والواقع أن كل المجتمعات الانسانية المعاصرة والقديمة تنطوي على نوع معين من الترتيب الطبقي على أساس اختلاف أدوار الناس ومراكزهم في الحياة الاجتماعية... وتعتبر الطبقات الاجتماعية جوهر الترتيب الطبقي في التعبير عن اختلاف الناس في المجتمعات إلى مستويات اجتماعية واقتصادية أو استخدموا مفهوم الطبقة الاجتماعية فإنهم يريدون من ذلك بيان طبيعة التركيب الطبقي في المجتمع ودعائمه. 4 – بحيث نجد بعض الباحثين يوضحون طبيعة التركيب الطبقي في المجتمع على أساس القول بأنه إذا كان الناس يختلفون فيما بينهم على أساس مراكزهم وكانت مهماتهم وثرواتهم وأساليب حياتهم وأماكن إقامتهم وأجناسهم وأديانهم يؤثرون إلى حد كبير في نفوذهم وقوتهم النسبية عن غيرهم من أفراد وجماعات في المجتمع وبالتالي يؤثرون في مدى قبولهم الاجتماعي وسمعتهم الاجتماعية فإنه بإمكاننا أن تعتبر المهنة والثروة من ناحية والقبول الاجتماعي والسمعة من ناحية أخرى بمثابة مقاييس موضوعية وذاتية يستند إليها البناء الطبقي في المجتمع. 5 – بينما نجد بعض ثان من الباحثين يوضحون طبيعة التركيب الطبقي في المجتمع على أساس التفاعل وتكراره وكثافته بين مختلف الأفراد والجماعات في المجتمع بحيث يمكن أن يدل التفاعل المستمر بين أعضاء عدة جماعات على انتمائهم إلى طبقة واحدة ، وذلك من خلال الميل إلى التزاور بين هذه الأسر والجماعات وتبادل المودة والتعاون أو الاشتراك في ناد أو جمعية واحدة أو الزواج ويكون من نتيجة التفاعل بين أعضاء هذه الجماعات المتفاعلة في أسلوب الحياة الذي يحدد من خلال مظاهر متعددة مثل الملبس وشكله ومكان ونموذج الاقامة وموقعه في المجتمع المحلي ، وطريقة التزين والنظافة والكلام أو اللهجة ، وبما يفضلونه أو يكرهونه وخاصة كل ما يتعلق بطريقتهم في الحياة ، ويكون التشابه والاشتراك في أسلوب الحياة دليلاً على الانتماء إلى طبقة واحدة في المجتمع. 6 – وهكذا تأكد بناء على وجهات النظر السابقة أن الطبقة الاجتماعية تمثل ظاهرة مجتمعية وحقيقة موجودة وطبيعية وهي جماعة منظمة نسبياً وتتماسك عن طريق مجموعة القيم والمعايير والمعاني التي تمكن وراء مركزها القانوني والاقتصادي والمهني في المجتمع ، ويترتب على هذا التماسك داخلياً شعوراً طبيعياً يربط بين أفراد هذه الجماعة وعداءً خارجياً مع الطبقات الاجتماعية الأخرى. والواقع أن الطبقات كجماعات تعتبر مفتوحة تسمح في نفس الوقت للكثير من الأفراد إما بالدخول فيها أو بالخروج منها الأمر الذي يترتب عليه حركة اجتماعية أو تنقلاً اجتماعياً يغير الناس على أساسه مراكزهم رأسياً إلى أعلى أو إلى أسفل أو أفقياً من جماعة أو طبقة اجتماعية إلى أخرى في نفس المستوى الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع. 7 – وقد نجد فريقاً من الباحثين في علم الاجتماع يوضحون طبيعة التركيب الطبقي في المجتمع على أساس مختلف عن الأسس السابقة ، هو الوظيفة التي تجمع بين عدد من الأشخاص في عملية الانتاج داخل المجتمع ، بحيث أنه إذا كان تنظيم الانتاج في المجتمع يقوم على الزراعة ويحتاج إلى عدد من الأشخاص يقومون بالعمل الزراعي وعدد آخر يقوم بتوفير أدوات العمل ووسائله فإن مجموعة الأشخاص الذين يشتركون في القيام بالوظيفة الأولى هي العمل في الزراعة يكونون طبقة الفلاحين ، ومجموعة الأشخاص الذين يشتركون في القيام بالوظيفة الثانية وهي ملكية أدوات العمل أو الأرض يكونون طبقة الاقطاعين وهكذا يكون العمل والانتاج هو أساس البناء الطبقي والتغير في العمل والانتاج هو أساس التغير الطبقي أو الانتقال بين المستويات الاجتماعية الاقتصادية ، طالما كان العمل والانتاج يحتاج إلى وسائل تكور باستمرار وتتحسن عبر التاريخ ويترتب على هذا التحسن تعارضاً بين الطبقات ، وأن هذا التعارض لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال التغيير الجذري الذي يتناول العمل والانتاج وتنظيمه ويحوله إلى تنظيم جديد يغير شكل وبناء المجتمع برمته. الخصوبة والطبقات الاجتماعية والواقع أن الجدل والنقاش الذي أداره الباحثون في علم الاجتماع من أجل فهم وتفسير الاختلافات في السلوك الانجابي على ضوء الاختلافات في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتركيب الطبقي في المجتمع يمكن أن نميز فيه بين محاولتين لتحليل هذا الفهم للسلوك الانجابي في علاقته بالتركيب الطبقي تربط المحاولة الأولى بين السلوك الانجابي وين الوضع الطبقي للأفراد داخل المجتمع ، وترتبط المحاولة الثانية بين السلوك الانجابي وإمكانية تنقل الأفراد بين الأوضاع الطبقية داخل هذا المجتمع. المحاولة الأولى نتجت المحاولة الأولى في تفسير السلوك الانجابي على ضوء الوضع الطبقي للأفراد داخل المجتمع عن مختلف نظريات السكان خاصة التي أضافها "دوبلدي" يقول أن عدد السكان يزداد بين الفقراء وينقص بين الأغنياء نتيجة لعدم توفر الغذاء أو توفره ، وتلك التي أسهم فيها "سبنسر" بقوله أن نساء الطبقات العليا يقل تناسلهن نتيجة للجهد الذي بذلته في تأكيد وإنضاج ذواتهن ، وأيضاً نظرية "جيني" التي أكد فيها أن نسبة الخصوبة بين الطبقات العليا منخفضة ونظرية "كارسو ندور" التي ربط فيها بين زيادة وقلة السكان وبين زيادة وقلة العمل من ناحية ونوعية العمل الماهر من ناحية اخرى .. الخ. والواقع أنه بناء على هذه القضايا النظرية التي تربط بين السلوك الانجابي من خلال التعبير عنه بمفهوم الخصوبة أو غيره من مفهومات أخرى سبقت الاشارة إليها وبين المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأفراد في المجتمع أو الوضع الطبقي لهم من خلال التعبير عنه بمفهوم الدخل أو المهنة وطبيعة العمل أو التعليم أو الثروة أو غيرها من الأسس التي يتمايز بناء عليها الأفراد والجماعات في المجتمع فقد انطلق الباحثون في علم الاجتماع يجرون البحوث الواقعية التي تدعم أو تؤكد ضرورة إعادة النظر في هذه العلاقة على النحو التالي: السلوك الانجابي والمهنة كمحدد للطبقة الاجتماعية وتعتبر دراسة "كيسر" kiser التي أجراها على جماعات من سكان الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1900-1910 في مقدمة الدراسات التي انتهت إلى أن المستويات المهينة العليا لا تنجب أطفالاً بنفس معدل المستويات المهينة الدنيا ، بحيث كان سكان المهن العليا ينجبون بمعدل أكبر من سكان المهن الدينا. ولكن دراسة "لوريمر" limer و "أسبورن" osbern التي أجريت حول الخصوبة بين المستويات المهينة في عام 1982 في الولايات المتحدة أيضاً. والتي حددت الخصوبة بمفهوم عدد الأطفال الذين تنجبهم النساء المتزوجات خلال عام. وحددت المستويات المهنية في الفلاحين والعمال غير المهرة والمهرة ورجال الأعمال والكتابيين وأصحاب المهن الفنية العليا وقد انتهت إلى نتيجة مغايرة للدراسة السابقة ، مضمونها أن عدد الأطفال أو الخصوبة كانت تتناقص كلما ارتفع المستوى الطبقي المهني المشار إليه. أو أن سكان المهن العليا ينجبون بمعدل أقل من سكان المهن الدنيا. وقد انتهت دراسة مصرية عام 1966 في إحدى القرى "سنديون" والتي حاولت أن تربط أيضاً بين الخصوبة بمفهوم عدد الأفراد الذين تم إنجابهم خلال عام وبين والمستأجرين والتجار وملاك الأرض الزراعية انتهت إلى نفس النتيجة التي انتهت إليها دراسة "كيسر" ، و التي مؤداها أن سكان المهن العليا ينجبون بمعدل أكبر من سكان المهن الدينا بحيث كان معدل إنجاب ملاك الأرض 6,6 ومعدل إنجاب العمال الزراعين 3,9 . السلوك الانجابي والدخل أو الثروة كمحدد للطبقة الاجتماعية وتعتبر أيضاً دراسة "نوتستاين" notestein التي أجراها على سكان المناطق الفقيرة في خمس مدن أميركية في مقدمة الدراسات التي ربطت بين الخصوبة أو عدد الأطفال الذين انجبتهن النساء وبين المستوى الطبقي الذي حدد فقط من خلال الدخل المنخفض وهو ما يقل عن 1200 دولاراً سنوياً والدخل المرتفع وهو ما يزيد على 2000 دولاراً سنوياً والتي انتهت إلى أن سكان الدخل المرتفع ينجبون بمعدل اقل من سكان الدخل المنخفض. ولكن جاءت دراسة "هاتشنسون" hutchinsen التي أجريت في استكهولم للعلاقة بين الخصوبة والمستوى الطبقي المحدد بناء على الدخل فقط جاءت مغايرة تماماً ومختلفة من نتائج دراسة "نوتستاسن" ، لأنها أكدت أن سكان الدخل المرتفع ينجبون بمعدل اكبر من سكان الدخل المنخفض. وهي نفس النتيجة التي توصلت إليها دراسة "هاجود" hagood في إحدى المناطق الريفية التي أجريت لبحث العلاقة بين الخصوبة وبين المستوى الطبقي المحدد بناء على الدخل فقط. حيث انتهت إلى أن سكان الدخل المرتفع ينجبون بمعدل أكبر من سكان الدخل المنخفض. وهي نفس النتيجة التي توصلت إليها دراسة "هاجود hagood" في إحدى المناطق الريفية التي أجريت لبحث العلاقة بين الخصوبة وبين المستوى الطبقي المحدد بناء على الدخل فقط. حيث انتهت إلى سكان الدخل المرتفع ينجبون بمعدل أكبر من سكان الدخل المنخفض. هذا مع ملاحظة ان النتيجة التي توصلت إليها إحدى الدارسات المصرية عن الخصوبة وارتباطها بعوامل اجتماعية مثل الدخل ، و الثروة ، تؤكد أن سكان الأسر ذات الدخل والثروة الأكثر ، يتميزون بصغر حجم أسرهم ، أما السكان ذوي الدخل والثروة الأقل يتميزون بكبر حجم أسرهم ، أو بعبارة أخرة أن سكان الدخل الأعلى ينجبون بمعدل أقل من سكان الدخل المنخفض وهي نتيجة تتفق مع نتائج دراسة "نوتستاين" من ناحية ، وتختلف عن نتائج دراسة "هاتشنسون" و "هاجؤرون" من ناحية أخرى. والواقع أنه إذا كانت هناك إمكانية لتفسير هذا التناقض في نتائج دراسة العلاقة بين الخصوبة والوضع الطبقي سواء حدد على أساس المهنة أو على أساس الدخل ، فإنه يجب الاستفادة من نتائج المناقشات التي أجراها الباحثون في علم الاجتماع حول طبيعة هذ الوضع الطبقي في المجتمع ، وتوقفه على عدد متباين من الأسس لا يقتصر على الدخل او المهنة فقط وإنما يتأثر إلى حد كبير بعدد من المقاييس الموضوعية والذاتية والتي لابد من أخذها في الاعتبار إذا أردنا أن نصل إلى الوضوح وعدم التناقض في هذا الصدد. وهذا ما حاولته دراسة مصرية حديثة أجريت حول السلوك الإنجابي والطبقة الاجتماعية وفيها أكدت الارتباط الجوهري بين الملكية والدخل والمهنة والتعليم ونمط السكن و المقتنيات المنزلية وفرص الحياة و الوعي الطبقي كمعايير موضوعية وذاتية في تحديد الوضع الطبقي و أوضحت أن دراسة الاختلاف في السلوك الانجابي بين أفراد المجتمع بمعنى حجم الأسرة وتفضيل إنجاب الذكور وقيمة الأبناء وغيرها على ضوء الوضع الطبقي ، قد أوضحت أن مستويات الطبقية الدنيا يفضل أفرادها الاسرة الكبيرة الحجم وإنجاب الذكور ويقدسون قيمة الأبناء ويعتقدون أن إنجاب كبر عدد ممكن من الأبناء يضفي مكانة على الرجل و المرأة بعكس مستويات الطبقة العليا التي تفضل الأسرة الصغيرة الحجم وهكذا. المحاولة الثانية ونتجت هذه المحاولة في تفسير السلوك الانجابي على ضوء إمكانية تنقل الأفراد اجتماعياً بين الأوضاع الطبقية داخل المجتمع من مختلف نظريات السكان أيضاً وكانت في مقدمتها القضايا النظرية التي أضافها "أرسين ديمون" تلك التي اشارت إلى أن نم السكان في اتجاه الزيادة في الأقاليم التي يسهل فيها انتقال أعضاؤها في السلم الاجتماعي. والواقع أنه بناء على هذه القضايا النظرية في الربط بين السلوك الانجابي من ناحية وإمكانية الانتقال من مستوى طبقي إلى آخر في المجتمع انطلق الباحثون في علم الاجتماع يجرون البحوث الواقعية التي تدعم أو تؤكد ضرورة إعادة النظر في هذه العلاقة على النحو التالي غذ اكد المسح الاجتماعي في "انديانابولس" Indianapolis في دراسته للقيم المرتبطة بالسلوك الانجابي والتنقل الاجتماعي على مستويات اجتماعية أعلى ، أن قيم الأسر في المستويات الاجتماعية الدنيا نحو السلوك الانجابي وتكبير حجم الأسرة تتغير مع انتقال هذه الأسر إلى المستويات الاجتماعية الأعلى وتصبح أكثر ميلاً نحو التصغير. أم دراسة "تين" tien في عام 1961 والتي أجريت على عينة مكونة من 126 مدرساً وأستاذاً يعملون في جامعتي سيدني ومبلورن باستراليا ولدوا جميعاً في هذه البلدة وتزوجوا رمة واحدة فقط منذ عشر سنوات فكانت تهدف إلى اختبار فرضين أساسيين: الأول: أن الاسرة الكبيرة الحجم ترتبط بعدم التنقل الاجتماعي وان الأسر الصغيرة الحجم ترتبط بالتنقل الاجتماعي. والثاني: أن قصرة الفترة بين الزواج و إنجاب طفل يرتبط بالتنقل وأن طول الفترة فيما بين الزواج و إنجاب أول طفل يرتبط بعدم التنقل. وكانت النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة لا تؤيد الفرض الأول الذي يربط بين صغر حجم الاسرة و التنقل الاجتماعي ولا يؤيد الفرض الثاني الذي يربط بين قصر الفترة بين الزواج والإنجاب وبين التنقل. وإن كانت هذه البحوث تشير من ناحية أخرى إلى نوع من التناقض بين نتائج العلاقة بين السلوك الانجابي وإمكانية التنقل الاجتماعي بين الأوضاع الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع فإن الشيء الجدير بالذكر أن هذه الدراسات والبحوث لم تحاول الاستفادة الكاملة من نتائج المناقشات التي أجراها الباحثون في علم الاجتماع حول إمكانيات التنقل الاجتماعي داخل المجتمع وتوقفه على عدد كبير ومتباين من الأسس التي تؤكد ضرورة فهم التنقل الاجتماعي في السياق الاجتماعي العام الذي يحدد هذا التنقل ويتحكم فيه ويوفر الظروف التي تسهله أو تعوقه داخل المجتمع. ثالثاً: التباين في معدلات الخصوبة والقيم والمعايير الاجتماعية ولكي نوضح أن التباين في معدلات الخصوبة في المجتمع يرجع إلى التباين في القيم والمعايير الاجتماعية السائدة في هذا المجتمع ، أو لكي نتحقق من الفرض القائل بأن التباين في معدلات الخصوبة لا يرجع إلى العوامل البيولوجية أو القدرة البيولوجية على الإنجاب لدى النساء في المجتمع ، وإنما تتحكم المعايير الثقافية والقيم المتعلقة بحجم الاسرة وتكوين الوحدات الجنسية "الزواج" ، و توقيت الاتصال الجنسي ، والإجهاض وغيرها ، في مستوى الخصوبة ، طالما كانت هذه المعايير جزءاً لا يتجزأ من النظم الاجتماعية في هذا المجتمع ، و لا يجب أن تكون متناقضة أو غير متسقة معها ، فعلينا أن نجعل وحدات المقارنة في البحث عن الشواهد التي تساعدنا في التحقق من هذا الفرض ، هي المجتمع في جملته أو المجتمعات في فترات زمنية متباينة ، ومن هنا كان تحليلنا الاجتماعي لأثر القيم الاجتماعية في معدلات الخصوبة في المجتمع ويبدأ أولاً بتوضيح الاختلاف في معدلات الخصوبة في المجتمع ككل ، وفي عدد من المجتمعات في فترات تاريخية مختلفة ، ثم ينتهي باستعراض نتائج البحوث السابقة التي أجريت في هذا المجتمع ، وفي عدد من المجتمعات الأخرى في فترات تاريخية مختلفة ثم نتناول الاختلاف في القيم والمعايير وأثره على الخصوبة. 1 – الاختلاف في معدلات الخصوبة بمقارنة معدلات الخصوبة في المجتمعات الأوروبية ، و الأمريكية في الفترة التاريخية السابقة على تنميتها اقتصادياً ، و اجتماعياً ، أو الفترة السابقة على الأخذ بالتصنيع ، بمعدلات الخصوبة في مجتمعات أخرى متخلفة مثل سكان الأكواخ في أمريكا والهند أو سكان جزيرة كوكس اتضح ما يلي: • أن معدلات المواليد في أوروبا الغربية وخاصة إنجلترا كانت عالية نسبياً ، إذ بلغ معدل التناسل في الفترة السابقة على التصنيع 35% وبلغم عدل التناسل في عام 1861-2,4 وكانت المرأة في إنجلترا في الفترة ما بين 1861-1945 تنجب ستة أطفال في المتوسط. ولقد انخفضت هذه المعدلات اليوم لتتراوح ما بين 0,9 ، 1,7. • أن معدلات المواليد في جزيرة كوكس في الفترة ما بين 1880-1947 كانت تتراوح بين حوالي 55% ، 60%. وكان إجمالي معدل النسل بين سكان هذه الجزيرة 4,2 ، و أن المرأة في هذه الجزيرة كانت تنجب أكثر من ثمانية أطفال في المتوسط. • وان المرأة من سكان الأكواخ في أمريكا كانت تلد أكثر من عشر أطفال في المتوسط وفي الهند كانت تلد أكثر من ستة أطفال في المتوسط. وكل هذه النتائج توضح أن هناك اختلافاً في معدلات الخصوبة في المجتمع الواحد في الفترات التاريخية المختلفة ، وان هناك تقارباً بين معدلات المواليد بين مجتمعات مختلفة "أوروبا من ناحية والهند وسكان الأكواخ وسكان جزيرة كوكس من ناحية أخرى" في ظروف حضارة واحدة "ظروف التخلف قبل إدخال التصنيع في الدول الأوروبية ، و ظروف التخلف قبل إدخال التصنيع في الدول الأوروبية ، وظروف التخلف التي تعيشها مجتمعات مثل الهند اليوم" ، والواقع أنه يمكن تفسير هذا التباين أو التقارب في معدلات الخصوبة في ضوء المعايير والقيم الثقافية في المجتمع ، ذلك لأن الاختلافات في مستويات الخصوبة بين المجتمعات إنما يرتبط بالاختلاف في المعايير الثقافية والقيم المتعلقة بالإنجاب ، وهذه الأخيرة ترتبط بدورها بطبيعة المجتمع وظروفه التاريخية. 2 – أثر الاختلاف في القيم الاجتماعية والمعايير على الخصوبة يسلم علم الاجتماع أنه عندما يواجه الكثير من أعضاء المجتمع مشكلة قد يكون لها نتائج هامة ، مثل مشكلة الإنجاب وما يترتب عليها من نتائج على الفرد والجماعة و المجتمع ، فإنهم يميلون عادة إلى تكوين حل لهذه المشكلة ذي طابع معياري. بحيث يصبح هذا الحل كمجموعة من قواعد السلوك في موقف معين من جزءاً من مكونات الثقافة في هذا المجتمع ويقوم أفراد المجتمع بعد ذلك بغرسها أو بتعويد الأعضاء الآخرين على الامتثال لها من خلال التلويح لهم بالثواب والعقاب على نحو صريح أو ضمني. وتعتبر مشكلة كم عدد الأطفال الذين يجب أن تنجيهم الزوجة من الشيوع ، والانتشار بين المجتمعات ، هذا فضلاً عما لها من نتائج شخصية واجتماعية كثيرة إلى الحد الذي لم نجد معه مجتمعاً واحداً قد تقاعس عن تكوين المعايير الاجتماعية التي توجه أفراد المجتمع في حل مشاكل اجتماعية أخرى ، مثل متى تتزوج؟ ومتى تكون العلاقات الجنسية مسموحاً بها؟ وهذا ما كشفت عنه نتائج المسوح الاجتماعية بالعينة تلك التي أجريت في عدد من المجتمعات في الهند و الشرق القريب والتي وجه فيها إلى أفراد العينات عدة أسئلة كان من أهمها : كم عدد الأطفال الذين تريدون إنجابهم؟ وكم العدد المناسب بالنسبة للأخرين؟. إذ على الرغم أن هناك نسبة من الإجابات تترك هذا الأمر على القدر وتستشهد بإرادة الله ، أو تسخر من هذا النوع من الأسئلة ، إلا أن النسبة الغالبة من هذه النتائج تفصح عن وجود اتفاق واضح بين سكان هذه المجتمعات حول حجم الأسرة المرغوب فيه ، ظهر في تجمع الإجابات في قيم نموذجية معقولة أكثر منها موزعة على نحو عشوائي ، تلك القيم التي تمارس نوعاً من التأثير والضبط و الضغوط على الخصوبة والسلوك الانجابي ، وتحديد عدد الأطفال المرغوب فيهم والمناسب أو تحديد حجم الأسرة المناسب ، بحيث أصبح من السها استناداً إلى هذه النتائج تصنيف هذه القيم الاجتماعية إلى الفئات التالية: • القيم الاجتماعية والمعايير المتعلقة بالتوقيت المناسب للزواج مبكراً أو متأخراً. • القيم و المعايير الاجتماعية المتعلقة بالسماح أو عدم السماح بالعلاقات الجنسية قبل الزواج. • القيم الاجتماعية والمعايير المتعلقة بتعويض فاقد الحد الأدنى من عدد الأطفال بسبب زيادة معدل الوفيات. • القيم الاجتماعية والمعايير المتعلقة بتدعيم الروابط القرابية. • القيم الاجتماعية والمعايير المتعلقة بالاعتماد على الأطفال. • القيم الاجتماعية والمعايير المتعلقة بتركيز السلطة في يد الذكور. ونحاول فيما يلي استعراض نتائج البحوث التي توضح أثر هذه القيم الاجتماعية والمعايير في زيادة أو انخفاض معدلات المواليد والخصوبة في المجتمع. 1 – قيم التوقيت المناسب للزواج واثرها على الخصوبة: أوضحت نتائج المسموح التي أجريت على عينات من سكان الصين أن ارتفاع معدل الخصوبة بينهم يرجع إلى تمسك هؤلاء السكان بمعايير مشترك يوجب عليهم الزواج متأخراً ، لدرجة أنهم يجتهدون في سنوات الخصوبة الباقية والتالية لهذا السن المتأخر على تعويض ما فاتهم ، فتزداد معدلات الخصوبة بينهم ، ومن ناحية أخرى أوضحت نتائج المسموح الأخرى التي أجريت على بعض عينات من سكان الهند أن ارتفاع معدل الخصوبة بينهم يرجع إلى الاتفاق السائد بينهم على أن يكون الزواج مبكراً جداً إلى الحد الذي تزداد معه فرص الإنجاب مع طول مدة الزواج. وهكذا كان للقيم الاجتماعية المتعلقة بتحديد التوقيت المناسب للزواج. سواء مبكراً او متأخراً أثر على زيادة معدلات الخصوبة في المجتمعات المتباينة. 2 – قيم السماح بالعلاقات الجنسية قبل الزواج وأثرها على الخصوبة: أوضح علماء التاريخ الاقتصادي في كتاباتهم أن الملكية وترتيبات العمل في عدد من بلاد غرب أوروبا في الفترة السابقة على التصنيع، كانت تشجع العزوبة أو التبتل أو تأجيل الزواج وذلك من أجل المحافظة على مستويات اقتصادية معينة يجب أن تتوفر لدى الزوجين لكي يتمكنا من الزواج والانجاب. وكانت لهذه الترتيبات فضلاً عن الضوابط على العلاقات الجنسية قبل الزواج وعدم السماح بها، أثرها في انخفاض معدل الخصوبة في البلاد. ومن ناحية أخرى كان اختفاء هذه الضوابط والمعايير أو القيم الاجتماعية في المجتمعات غير الصناعية ، و في المراحل الأولى من التنمية الصناعية والحضرية الحديثة لها ، من بين الأسباب التي نتجت عنها زيادة معدلات الخصوبة بين السكان. 3 – قيم تعويض وفيات الأطفال وأثرها على الخصوبة: تشير نتائج بعض المسموح الاجتماعية إلى أن المجتمعات التي تتميز بمعدل وفيات عال ومتغير غالباً. يسود بين سكانها اعتقاد ضمني أو صريح بأن الكثير من أعضاء الاسرة وخاصة الأطفال سرعان ما يفقدون بالوفاة. ومن ثم تعلق أهمية كبيرة على إنجاب المزيد من الأطفال ، ومن هنا تنمي هذه المجتمعات أو تمارس ، ضغوطاً قوية تدفع إلى إنجاب الأطفال مبكراً بعد الزواج وقبل ان يلقى أحد أو كلا الوالدين حتفهما وايضاً من أجل أن تكون حصيلتهما من الإنجاب كبيرة كضمان لهما في مواجهة كوارث فقد الحد الأدنى من عدد الأطفال الضروري. ولهذا تكون الخصوبة العالية في مثل هذه الظروف بمثابة تكيف من جانب المجتمع مع معدل الوفيات العالي والمتغير وتصبح المعتقدات والأساليب التي تجد قبولاً بين السكان في هذه المجتمعات وتشجع على الخصوبة العالية ، بمثابة ميكانيزم يقلل من مخاطر التعرض لعدم بقاء الأطفال وقلتهم. ولقد أكدت نتائج البحوث أيضاً أن هذه الضغوط المعيارية من أجل المزيد من المواليد قد تستمر لمدة طويلة حتى بعد أن تتناقص بالفعل معدلات الوفيات في هذه المجتمعات ، طالما كانت هذه الضغوط ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجوانب كثيرة من البناء الاجتماعي ، و يستغرق مثل هذا التغير وقتاً طويلاً... وكل هذه الحقائق تفسر لنا الهوة الهائلة بين انخفاض معدل الوفيات وانخفاض معدل الخصوبة. 4 – قيم تدعيم الروابط القرابية وأثرها على الخصوبة: لما كانت المجتمعات النامية تعلق أهمية بالغة على الوحدات العائلية والقرابية وتحافظ على هذه الوحدات نظراً لاعتمادها في القيام بالكثير من أوجه النشاط على الأقارب وخاصة الأطفال فإنها تجد في زيادة معدلات الخصوبة ما يعينها في هذا الصدد. هذا فضلاً عن أن قدرة الوحدات العائلية والقرابية على تحقيق الأهداف ذات القيمة من الناحية الاجتماعية ، تتوقف على حجمها أو عدد أفرادها. ولذلك فإن اختلاف حجم الوحدات العائلية القرابية من مجتمع لآخر ، يوضح التباين في الخصوبة ، حيث وجد من نتائج المسوح التي أجريت في هذا الصدد ، أن المجتمعات ذات الأنساق القرابية المتحدة أو المشتركة في اصل واحد أو جد واحد ، تؤكد على قيمة زيادة معدل الخصوبة. أما المجتمعات ذات الأنساق القرابية المتصلة بالنسب وتضم وحدات اسرية نووية ، ولاتي عادة ما يحدث بها انشقاق وانفصال ، فإنها تميل إلى تدعيم قيمة الخصوبة المنخفضة طالما كانت العلاقات الاجتماعية بينها أقل قوة من المجتمعات ذات الأنساق القرابية المشتركة ، ولقد تأكدت هذه النتيجة أيضاً في ضوء نتائج عدد أخر من البحوث التي أجريت على أثر التنظيم القرابي خاصة الأنساق القرابية في إنتاج الخصوبة العالية في المجتمعات الأفريقية. وفي ضوء نتائج مجموعة من البحوث التي أجريت على أثر نسق الأسرة المتصاهرة في الهند والذي لا يسمح بزواج المطلق مرة ثانية ، في تقليل الخصوبة ، وايضاً في ضوء نتائج البحوث التي أجريت على الأنساق الأسرية النووية حتى في المجتمعات النامية وفي المجتمعات الأوروبية في الفترة السابقة على التصنيع ، وأثرها على انخفاض مستويات الخصوبة. 5 – قيم الاعتماد على الأطفال واثرها على الخصوبة: تتطلب مجموعة واسعة من أوجه النشاط في المجتمعات غير الصناعية أو النامية ، مثل نشاطات الإنتاج والاستهلاك والمساعدة في أوقات الأزمات والمرض وكبر السن وغيرها ، الاعتماد الشديد الأطفال ، بحيث نمو في هذه المجتمعات مجموعة قيم تدعو إلى الاعتماد على الأطفال بحيث نجد مثلاً أن الفلاح قد تعلم من ثقافته أن يعتمد على أطفاله في العمل في الزراعة أو لحمايته من كبر السن أو لغير ذلك من المسائل الجوهرية . والواقع أن هذا النوع من القيم يؤثر إلى حد كبير في معدلات الخصوبة في مثل هذه المجتمعات ، وهذا ما تؤكده نتائج المسوح الدورية التي أجريت على عينات من السكان اليابانيين ما بين عامي 1950-1961 التي شهدت انخفاضاً في معدل الخصوبة من 28إلى 16% وكان أغلب السكان في هذا المجتمع عام 1950 يعتقدون بضرورة الاعتماد على الأطفال في الكبر ، مما كان له أثر في الخصوبة المرتفعة في تلك الفترة ووصوله إلى 28% وفي عام 1961 حيث انخفضت الخصوبة إلى 16% وجد أن نسبة قليلة من السكان هي التي كانت تتمسك بالاعتقاد في ضرورة الاعتماد على الأطفال في الكبر. كما تؤكد نتائج بحث آخر أجري على عينات من سكان تايوان Taiwan أثر القيم التقليدية المتعلقة بتوريث الذكور في ظهور الإجماع القوي بينهم على الرغبة في الإنجاب أكثر من أربعة أطفال في المتوسط بين الغالبية العظمى من هؤلاء السكان برغم انخفاض معدلات الوفيات بينهم من ناحية ، والأخذ بفكرة تنظيم الأسرة من ناحية أخرى وموافقة السكان عليها ، وقيام نسبة صغيرة منهم بممارسة أساليب تنظيم الاسرة. وتؤكد نتائج نفس البحث الذي أجري على سكان جزيرة تايوان أيضاً ، إجماع السكان على ضرورة إنجاب هذا العدد ، نظراً لما يساهم به وجود الأطفال في الأسرة كضمان أو حماية للآباء ، ورعايتهم في الكبر. 6 – قيم تركيز السلطة في يد الذكور واثرها على الخصوبة: الواقع أن الدراسات التي أجريت على البناء الداخلي للأسرة في الهند وسيلان وتايوان وجزر بورتريكو وغيرها من البلاد ، توضح أن تمركز السلطة في يد الذكور وسيطرته، وعدم مناقشته للموضوعات والقضايا ذات الصلة بالأسرة وحجمها وتنظيمها ومشكلاتها مع الزوجة ، وتمسك السكان بهذا الأمر والإجماع عليه كقيمة وتقليد يضفي عليهم مكانة وأهمية ، له أثره في زيادة معدلات الخصوبة إلى حد كبير. هذا ما يفسر لنا رفض السكان في هذه المجتمعات إحدى الوسائل البسيطة في منع الحمل وهي وسيلة قطع الاتصال الجنسي ، تلك الوسيلة التي قلل بواسطتها سكان إنجلترا وفرنسا على نحو واضح معدلات مواليدهم في الفترة الحديثة ، والتي لا تحتاج إلى مواد ميكانيكية أو تكنولوجية معقدة كما هو الحال بالنسبة لغيرها من وسائل منع الحمل. الهجرة ودورة الأسرة تمهيد تمثل الهجرة عاملاً له فعاليته في تغير السكان ، ولقد انصرفت اهتمام دراسي السكان نحو هذه الظاهرة وانتهوا إلى عدد من الحقائق التي تلقي الضوء على المقصود بها و عواملها وتقديرها ونتائجها. و اجتهد علماء الاجتماع المشتغلون بدراسة السكان في توضيح فعالية عوامل اجتماعية معينة في حدوث الهجرة وفي مقدمة هذه العوامل ما عرف بدورة الأسرة ولذلك خصصت الفصل الحالي لتحليل هذه الحقائق حول الهجرة. أولاً: تعريف الهجرة: والهجرة كعملية سكانية تزايدت معدلاتها في عالم اليوم على نحو ملحوظ نتيجة لتغر نظام العمل والإنتاج في أغلب مجتمعاته ، من الزراعة إلى الصناعة ، ومن نظام في الإنتاج الزراعي يقوم على استقرار مجتمعاته ، واصبح عاجزاً على أن يوفر العمل لجميع السكان إلى نظام في الإنتاج يقوم على تصنيع حيث تجذب فرص العمل التي يوفرها ، أعداداً كبيرة من السكان فتضطرهم إلى التنقل السكاني أينما توجد هذه المنشآت الصناعية. ومن هنا ينظر إلى الهجرة باعتبارها علامة بارزة على التغير الاجتماعي طالما كانت عملية التصنيع تصاحبها حركات سكانية من الريف إلى الحضر ومن مدينة إلى أخرى في نفس البلد ومن مجتمع إلى آخر . ولقد علق على هذه الحركات السكانية أهمية كبيرة مع بداية هذا القرن وفي مختلف بلاد العالم الأوروبي و الأمريكي والافريقي والآسيوي. ولهذا حددت عملية الهجرة بأنها عملية انتقال أو تحول أو تغير فيزيقي لفرد أو جماعة من منطقة اعتادوا الإقامة فيها إلى منطقة أخرى داخل حدود بلد واحد أو من منطقة إلى أخرى خارج حدود هذا البلد. وقد تتم هذه العملية بإرادة الفرد أو الجماعة أو بغير إرادتهم وإنما باضطرارهم إلى ذلك قسراً أو لهدف خططه المجتمع وقد تكون عملية الانتقال والتحول في المكان المعتاد للإقامة من منطقة إلى أخرى ، على نحو دائم أو مؤقت وهكذا. مفهوم الهجرة والمفهومات المرتبطة به وبناء على هذا التحديد لمفهوم الهجرة ينبغي لنا أن نرسم الحدود الفاصلة بين هذا المفهوم وبين غيره من مفهومات أخرى مشابهة له إسهاماً منا في إزالة اللبس والغموض في هذا الصدد فالمهاجرين migrants يختلفون عن المتنقلين movers ذلك لأن المهاجر الذي يغير مكان إقامته المعتاد من منطقة إلى أخرى يختلف عن الذين يتنقلون من بين إلى آخر حتى ولو اضطرهم ذلك إلى تخطي حدود بلدهم. لأن نقل مكان الإقامة في حالة الهجرة يترتب عليه الضرورة نقل حياة الإنسان المهاجر برمتها أما الذي يتنقل بين مسكن وآخر قد يظل يمارس حياته كلها في مكان السكن الأول. كما أن هناك فارقاً واضحاً بين التنقل الاجتماعي والهجرة ، ذلك أن التنقل الاجتماعي social mobility يعتبر من قبيل تغيير المركز الاجتماعي والاقتصادي وربما يتم هذا التغيير داخل منطقة واحدة في المجتمع دون حاجة إلى الانتقال إلى منطقة أخرى ، كما أن الهجرة باعتبارها عملية تغيير فزيقي في مكان الإقامة المعتاد وبالتالي تغير جذري في حياة المهاجر فهي تنطوي بين طياتها على عملية تنقل اجتماعي ، ذلك لأن المهاجر قد يحقق أثناء إقامته في منطقة المهجر مستوى من الحياة الاجتماعية ويصل إلى بعض المراكز ، ويتمتع بمكانة اجتماعية اقتصادية لم تكن له في المنطقة التي انتقل منها وهجرها وهكذا. ثانياً: تصنيف الهجرة: و بإمكاننا أن نستخلص من هذا التعريف لمدلول الهجرة ما يشير إلى وجود أنواع متباينة للهجرة ، وقد تصنف هذه الأنواع أما على أساس المكان الذي يتم الانتقال إليه أو على أساس إرادة القائم بها أو على أساس الزمن الذي تستغرقه هذه العملية. أ – تصنيف الهجرة حسب المكان إلى هجرة داخلية وأخرى خارجية أو دولية. 1 – الهجرة الداخلية تشير الهجرة الداخلية إلى عملية الانتقال بين الأفراد والجماعات من منطقة إلى أخرى داخل المجتمع أو إلى منطقة أخرى في نفس هذا المجتمع. والواقع أن هناك فواصل تجعل الهجرات الداخلية التي يشهدها العالم بعامة يزيد حجمها عن حجم الهجرات الدولية والخارجية ، ومن أهم هذه العوامل أن الهجرة الداخلية قليلة التكاليف ، لا تعرض القائم بها لمشاكل الدخول والخروج من دولة إلى أخرى ، ولا تمثل اللغة مشكلة في القيام بها بمثل ما يحدث للمهاجرين من دولة إلى أخرى مختلفة في لغتها ويحتاج الأمر من المهاجر ضرورة الإلمام بها ، كما أن الاستعداد النفسي للهجرة الداخلية أكثر منه بالنسبة للهجرة الدولية وتتميز الهجرة الداخلية بأنها تيارات تأخذ اتجاهات عكسية ، بمعنى أن مناطق طرد السكان تجذب في نفس الوقت المهاجرين إليها ، كما أن مناطق الجذب السكاني تطرد السكان إلى خارجها. وهنا يصدق قول بعض بصدد الهجرة عموماً ، أنه في كل حركة تنقل كبرى من مجتمع إلى آخر ميل على التعويض عن طريق حركة معاكسة من جانب السكان. وبالإمكان تقسيم الهجرة الداخلية ذاتها إلى نوعين: 1 – هجرة من إقليم إلى آخر أو من ولاية إلى أخرى ومن منطقة إلى ثانية أو من محافظة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة وبين منطقتين تحملان نفس الصفات الثقافية والحضرية. 2 – هجرة ريفية حضرية وهي من أشهر أنواع الهجرات و أوضحها تلك التي يتم فيها انتقال الأفراد من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية ، وتزداد هذه الظاهرة داخل المجتمعات كلما زادت المدن من خصائصها كمراكز جذب. ولكما اتسع نطاق مراكز الصناعة الجديدة في الوقت الذي يزداد فيها سكان المناطق الريفية فيزيد عن حاجة العمل الزراعي الحقيقي. ولقد بدأت الهجرة الريفية الحضرية تتدفق إلى المدن على أثر الانقلاب الصناعي في بلاد كثيرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا وألمانيا و إيطاليا وروسيا وغيرها من البلاد التي شهدت ثورة صناعية وظهرت فيه الحاجة إلى أيدي عاملة ولكن مع إسهام الهجرة في توفير هذه العملية ، فإن الهجرة بدأت تشكل إحدى المشاكل الكبرى التي تعانيها المجتمعات الصناعية. 2 – الهجرة الخارجية وتشير إلى انتقال عدد من أفراد المجتمع إلى مجتمع آخر طلباً للعمل أو فراراً من الاضطهاد او تطلعاً لفرص أحين في الحياة أو غيرها...: وتنحصر الهجرات الخارجية أو الدولية الرئيسية التي شهدها العالم في العصر الحديث فيما يلي: الهجرة الأوروبية فيما وراء البحار إلى أمريكا ، والهجرات الدولية داخل أوروبا والهجرات الأفريقية والهجرات الآسيوية. ولقد ساهمت هذه الأنواع من الهجرات في إقامة مجتمعات بأسرها ، فغذا أخذنا مثلاً الهجرة الأوروبية والأفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية كمثال نوضح على ضوئه كيف كانت هذه البلاد موطناً للبدائيين الذين كانوا بعددهم القليل يشغلون مساحات شاسعة من الأرض الخصبة أو الأرض الغنية بإمكانيات التعدين وكيف كانت تيارات الهجرة على هذه الأراضي سبباً أساسياً في إقامة مجتمع جديد له حضارة جديدة. ولقد تمت تيارات الهجرة الرئيسية في الولايات المتحدة الامريكية على فترات بدأت بهجرة الايرلنديين الذين تركوا موطنهم الأصلي بسبب مجاعة البطاطس والألمان الذين تركوا بلادهم عن اللجوء السياسي في هذه القارة الجديدة. وكانت أغلب الهجرات إلى أمريكا في الفترة الثانية بين الايطاليين وسكان شرق أوروبا ، وكانت الحرب العالمية الثانية تمثل الفترة الثالثة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي تزايد على أثرها معدل المهاجرين إليها من مختلف أرجاء العالم. أما الهجرة الإفريقية إلى أمريكا فقد بدأت تتدفق بعد رحلة كولمبس إليها ، وكانت الهجرة جبرية في معظمها حيث كان يتم نقل الزنوج إلى المستعمرات الأمريكية للاتجار فيهم واستخدامهم للعمل كعبيد ، إلى أن ألغين هذه التجارة وحصل هؤلاء الزنوج على حريتهم. ولازالت الهجرة الخارجية حتى الآن من المسائل التي تشغل بال المجتمعات وبدأت تسن القوانين التي تنظمها إما بالتحديد أو المنع أو بتعيين أصناف المهاجرين الذين يمكن قبولهم. ب – تصنيف الهجرة حسب إرادة القائمين بها إلى هجرة إرادية وهجرة قسرية أو اضطرارية أو مخططة: 1 – الهجرة الإرادية وتشمل أنواع الهجرة الداخلية أو الخارجية التي يقوم بها الافراد و الجماعات بإرادتهم في التنقل من مكان أو منطقة أو بلد إلى آخر وتغيير مكان إقامتهم المعتاد دون ضغط أو إجبار رسمي. 2 – الهجرة الاضطرارية ونعني بها نقل أفراد أو جماعات من أماكن إقامتهم الأصلية إلى أماكن أخرى أو بعبارة أخرى إجبار السلطات لبعض الأفراد والجماعات على النزوح من منطقة معينة أو إخلائها خشية كارثة كالزلزال أو الفيضان أو الحروب وما إليها. ولذلك قد يدخل فيها هذا النوع كل ما يشير إليه مفهوم التهجير ، والأمثلة على ذلك النوع من الهجرة الاضطرارية على المستوى الدولي والمحلي أمثلة كثيرة ولا حصر لها ، إذ كانت هجرة اليهود من ألمانيا في أعقاب الحركة النازية وهجرتهم أيضاً إلى فلسطين قبل وبعد النكبة ، من أهم الأمثلة على الهجرة الاضطرارية أو المخططة ، وتعتبر عمليات الهجرة إلى مديرية التحرير ومنطقة أبيس والنوبة الجديدة في مصر ، أمثلة على الهجرة الداخلية الاضطرارية أو على المستوى المحلي وهكذا. ج – تصنيف الهجرة حسب الزمن الذي تستغرقه إلى هجرة دائمة وأخرى مؤقتة. 1 – الهجرة الدائمة وتمثل الهجرة الدائمة عملية انتقال من منطقة الإقامة المعتاد إلى منطقة أخرى وما يصاحبها من تغير كامل لكل ظروف حياة المهاجرين المقيمين الذين يتركون محل إقامتهم الأصلي نهائياً ولا يعودون إليه مرة أخرى. 2 – الهجرة المؤقتة: تمثل الهجرة التي ينتقل فيها الافراد أو الجماعات من منطقة إلى أخرى انتقالاً مؤقتاً ، ومن أمثلتها الهجرة بسبب العمل خارج أو داخل البلد لفترة مؤقتة ، مثلما يحدث مثلاً بالنسبة لهجرة عمال التراحيل في مواسم العمل أو هجرة العمالة الفنية وغيرهم إلى بعض البلاد التي تتوفر فيها فرص العمل ومستويات الأجور المرتفعة. ويطلق على هذا النوع من المهاجرين اسم المهاجرين العائدين والذين يترددون بين حين وآخر على موطنهم الأصلي نظراً لارتباطهم بهذا الموطن لأسباب اجتماعية واقتصادية. ثالثاً: تفسير الهجرة 1 – النظريات المفسرة للهجرة الدولية ينظر إلى الهجرة باعتبارها عملية معقدة وغير متجانسة. وبالإمكان تحليلها من منظورات عديدة وفي إطار نماذج تصورية متباينة. وتستطيع دراسات الهجرة أن تركز على الافراد أو على الأبنية ، أو تجري على مستويات كبرى أو صغرى. تأخذ هذه الدراسات في اعتبارها ذلك المجال الواسع من العمليات التاريخية والمواقف المعاصرة. والفكرة الأساسية في التراث المهتم بالهجرة –في مختلف العلوم- وخاصة بين البلاد أقل تقدماً وتلك الأكثر تقدماً أو الهجرة من الجنوب إلى الشمال ، تتلخص في أن السكان يهاجرون إلى الشمال. وربما كانت أول الأفكار حول الهجرة الدولية والتي تبلورت في إطار نظري قد ظهرت منذ قرنين في دراسة أجراها عالم الاجتماع السويدي "كريجر" kryger عام 1764 حول أسباب الهجرة الدولية. وكان يركز فيها على عوامل الطرد push factors ،حيث كانت السويد بلداً فقيراً يعاني من انخفاض الأجور في بعض القطاعات ، والضرائب غير العادلة وتدهور نظام التأمين الاجتماعي. وبعد أقل من قرن قام العديد من الباحثين مثل "ريفانشتين" revenstein 1855 في إنجلترا و "روشبرج" rouchberg في النمسا 1893 بطرح نظريات حول الهجرة الدولية . وحدد الفرنسي "لافسير" lavasseur في عام 1885 العوامل الأساسية للهجرة الدولية في عاملين هما الاتصال وتعدد العلاقات القائمة بين البلدان المرسلة والمستقبلة للمهاجرين. قم قدم "لي" lee في عام 1966 تلخيصاً لكل ما هو متاح من معرفة واتجاهات عامة وحصرها في مجموعة سائدة من العوامل في كل من المناطق المرسلة والمستقبلة للهجرة الدولية. واخيراً قدم كل من "جرينود" greenwood و "ماكدويل" mcdowell عام 1992 مسحاً للمحددات الكبرى للهجرة الدولية. أ – نظرية عوامل الطرد والجذب وقد تصنف أسباب الهجرة الدولية إلى مجموعتين اثنتين فقط – عوامل الطرد push وعوامل الجذب. ويوضح الشكل التالي أهم هذه العوامل. عوامل الطرد الناعمة soft عوامل الطرد الصعبة hard ولقد ناقش عدد كبير من الباحثين مثل "جوليني" golini عام 1991 و "هايدن" heyden عام 1991 الطرق التي تؤثر من خلالها هذه العوامل في الهجرة من الجنوب إلى الشمال. ويمكن أن تكون عوامل الطرد عوامل الطرد عوامل بنائية مثل النمو السكاني العالمي السريع واثره على عمليات التنافس على الغذاء والموارد الأخرى. والنمو السكاني اكثر وضوحاً في البلاد الفقيرة والتي تناضل فعلاً في مواجهة مشكلات غذاء كبرى. ويتمثل السبب البنائي الآخر في تلك الفجوة المرتبطة بالرفاهية welfare gap بين الشمال والجنوب. وهناك أيضاً قوى بنائية أخرى عديدة ولكنها كلها ترتبط فيما بينها في بناء سببي واحد. ويمكن أيضاً أن ترتبط عوامل الطرد بدوافع فردية وذلك كما يوضحه الشكل السابق. والحرب كعامل من عوامل الكرد بين الأمم أو داخلها عادة تنشب بسبب مجموعة عوامل من التوترات العرقية tensions التي تدوم طويلاً وكذلك غياب العدالة الاقتصادية ، وبإمكان الحرب أن تحدث تدفقاً كبيراً في تيار الهجرة فمثلاً هناك توترات بين بلاد مثل جنوب أفريقيا وإسرائيل في علاقاتها بجيرانها. كما يوجد الاضطهاد في أجزاء كثيرة من العالم ، كما هو الحال في السودان ويوغسلافيا سابقاً والسلفادور. وتؤدي التوترات العرقية إلى القتل في أوقات الحرب وإلى الاضطهاد في أوقات السلم. كما أن المجاعات التي يترتب عليها معدل وفيات عال تنتشر فعلاً في بلاد كثيرة ، مثل أنجولا وبتسوانا وجابون وموزمبيق و رواندا ، ويحتمل ظهور المجاعات في البلاد الفقرة التي يقل فيها إنتاج الغذاء وكذلك يحتمل ظهور المجاعات في أوقات التوترات السياسية العرقية . ويحتمل أن يكون الفقر أكبر عامل وحيد يقف خلف تدفق تيارات الهجرة الحالية وفي المستقبل. ومن الصعب بالطبع أن نحدد فجوات الفقر poverty gaps ولكنها تشكل بالتأكيد القوى الأساسية المعاصرة وفي المستقبل التي تدفع إلى الهجرة الدولية . فالعدد الكبير من الفقراء في أي بلد سوف يزيدون من التنافس على الموارد ، ويضيفون إلى معدلات الجريمة والعنف ويقللون من مستويات المعيشة.. وبين هذا العدد يمكن أن نجد معظم المهاجرين. وغالباً ما كانت مناقشة الكوارث البيئية eenvironmental catastrophes على أنها سبب يشيع في المستقبل ويقف خلف تيارات الهجرة الكبرى. وبإمكان محطات القوى النووية والمصانع التي تنتج أسلحة ذرية وبيولوجية وكيماوية أن تلوث مناطق كبرى كما حدث في عام 1986 وترتب على واقعة شرنوبل في أوكرانيا. ومع تناقص الحماية من ثقب الأوزون في الجو ، فإن هناك مناطق كبيرة سوف تخلو من سكانها. ومعظم الكوارث البيئية تقع في البلدان النامية. فالفضيانات والجفاف drought وتآكل التربة والتصحر desertificantion تعتبر من بين المشكلات الدراجة والمنتشرة. والتفرقة بين عوامل الجذب والطرد عادة غير واضحة. فالثروة يمكن أن تشكل عاملاً من عوامل الجذب في مجتمعات الشمال ، وتجذب المهاجرين من البلاد الفقيرة ، غير أن هذا العامل يمكن وصفه أيضاً على أنه عامل من عوامل الطرد ، كنقص الثروة في بلاد الجنوب. ب – التفسير البنائي الوظيفي للهجرة الداخلية الهجرة من الريف إلى المدينة والصلة بين القرية والمدينة قديمة قدم التاريخ ، فلا يكاد يوجد مجتمع انساني لم تقم فيه علاقات من هذا النوع. وكان "زيمل" من أوائل علماء الاجتماع اهتماماً بما قد تنطوي عليه علاقة الغريب "المهاجر" ، سواء أكان قادماً من الريف أو مدينة أخرى - ، بالمدينة وكيف يعامله المجتمع المضيف. كذلك كان "زيمل" في مقالته "المدينة والحالة العقلية" من أوائل من تنبهوا إلى أن الحياة في المدينة تشكل ذهنية خاصة ، حضرية ، يتميز على أساسها سلوك وطراز حياة السكان ومن ثم يجد المهاجر إليها أنماطاً وأساليب حياة مختلفة عما تعود عليه. فقد شكلت أفكار "زيمل" وغيره من علماء الاجتماع بداية الاهتمام الاجتماعي النظري بالهجرة إلى المدينة. "ففيبر" weber الذي كان يرى أن من أهم وظائف المدينة الوظيفة التسويقية فهي المكان الذي يتسوق القرويون ويبعيون ما يفيض من غلال ، أوضح أن الريف وإن كان في فترة تاريخية يحتاج إلى أيد عاملة كثيرة لتأمين الغذاء ، إلا أن التطورات الصناعية والازدهار الاقتصادي مكنت من تقليل الاعتماد على هذه الأيدي الكثيرة وجعل المدينة مكاناً أفضل للسكنى ، مما أدى إلى بداية الاتجاه نحو التوازن السكاني بين الريف والحضر. ولكن على الرغم من وجود هذه الصلة التاريخية ، فإن ما تقدمه المدينة من خدمات ومرافق وحريات وفرص عمل وغير ذلك تجعلها محط أنظار المهاجرين ومطمحهم . فالمدينة تتميز بأنها مركز النشاط الاقتصادي حيث تقام فيها العمليات والصفقات التجارية إذ بها مراكز المال والاقتصاد ، إضافة إلى أن بها الوزارات والمصالح الإدارية المختلفة والمؤسسات التدريبية والتعليمية والعلمية. هذا وتتميز الحياة الاجتماعية والثقافية في المدينة بالتنوع وبنوع من التسامح الاجتماعي الذي يعطي فرصاً في الترويح عن النفس والتعبير عن الذات ، كذلك تتميز المدينة بوفرة الخدمات كالكهرباء والماء والسكن المريح وكافة وسائل الحياة العصرية المريحة. والمدن مكان فرص العمل. لكل هذه الأسباب كانت المدينة محط أنظار الآخرين. بينما كان الريف بالمقارنة متخلفاً وساكناً لا يحقق للشباب المتعلم ما يطمح إلى الوصول إليه ، إلا في حدود ضيقة هذا وغالباً ما تسيطر على الحياة الريفية عادات وتقاليد قديمة تجعل الحريات والتنوع والتعدد الثقافي الذي تقدمه المدينة ذا بريق خاص. ففرض العمل والتعليم والحراك الاجتماعي و المهني غالباً ما تكون في المدينة أفض مما هي عليه في الريف. وتعاني المناطق الريفية في أجزاء كبيرة في العالم من تخلف تنموي مقارنة بالمدينة ، أدى إلى ركود اقتصادي فيها مما يدفع بأعداد متزايدة من شبابها على الهجرة . وهذه الظروف الاجتماعية دفعت بعض الدارسين إلى القول بنظريات اجتماعية تحاول تفسير حياة المهاجرين وقدرتهم على التعامل مع أوضاع المدينة. 1 – نظرية التغير الاجتماعي تفسر هذه النظرية الهجرة من خلال ربطها بالتغير الاجتماعي الذي يمر به المجتمع فيقدم "زلنسكي" zelinsky تفسيره للهجرة من خلال ذكر خمس مراحل تاريخية تمر بها هي : • مرحلة المجتمع التقليدي: وكانت الهجرة فيه محدودة وذات طابع دوري ، إذ كان المجتمع ككل محصوراً مكانياً بحسب الممارسات العرفية والتقاليد. • مرحلة المجتمع الانتقالي: والذي يتميز بارتفاع سريع في معدلات الانجاب ومن ثم زيادة في السكان نتجت عنها هجرة واسعة وبالذات الهجرة الريفية – الحضرية. • مرحلة المجتمع الانتقالي في مراحله المتأخرة: حيث تتقلص معدلات الزيادة الطبيعة للسكان ويصاحبها تدهور في معدلات الهجرة. • المجتمع المتقدم الذي يتميز بتدني معدلات الانجاب والوفاة وتدني معدلات الهجرة الريفية الحضرية واستبدالها بالهجرة بين الحواضر أو المدن والانتقال داخل الحواضر ذاتها. • مستقبل المجتمع المتقدم: ويتميز بتدني الهجرة وإن ما تبقى منها سيكون هجرة بين المدن أو داخلها. على أن ما قدمه "زلنسكي" تميز بأنه تفسير منحاز للتجربة الغربية أساساً وليس بالضرورة يصور ما مرت به المجتمعات الأخرى غير الغريبة. 2 – نظرية التنظيم الاجتماعي ويقدم "مانجلام" mangalam نظرية التنظيم الاجتماعي للهجرة ، حيث يتبنى منظور "تالكوت بارسونز" ويطبقه على موضوع الهجرة ، فيذكر ثلاثة عناصر: مجتمع المنشأ ومجتمع المقصد والمهاجر باعتبارها عناصر تتفاعل ويعتمد بعضها على بعض آخذاً عنصر الزمن والأنظمة الاجتماعية المشكلة للنسق الاجتماعي مجالاً للتفاعل الاجتماعي. وعلى المستوى الفردي ، كان التركيز على عملية تأقلم وتكيف المهاجر مع المجتمع المضيف. فلقد اقترح "سيراز" cerase أن عودة المهاجر يمكن أن تميز إلى ثلاثة أنواع انطلاقاً من مستوى تأقلمه وتكيفه في المجتمع المضيف. أولها أن من يفشلون في التكيف مع المجتمع المضيف ويعودون إلى وطنهم الأم باعتبارهم "مهاجرين فاشلين". ويفترض أن هؤلاء المهاجرين يمكن إعادة استيعابهم بسرعة في مجتمعهم الأصلي ، دون إن يكون لهم تأثير تغييري على المجتمع . أما المجموعة الثانية فإنها تتكون من أولئك الذين لا يعودون إلى مجتمعهم الأصلي إلا وقت الإحاطة على المعاش. ومن ثم لن يكون لهم أي تأثير يذكر على النسق الاجتماعي أو الاقتصادي. اما المجموعة الثالثة فهم أولئك الذين عادوا بعد أن حققوا بعض النجاح في المجتمع المضيف ، ولذا فإنهم يكونون كلهم طموح ونشاط ومستعدين للاختراع والإبداع في مجتمعهم الأصلي. وتختلف المجتمعات الرأسمالية الحديثة في سياساتها الاجتماعية فيما يتعلق بالمهاجرين ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى الثلاثينات ، كانت الحكومة الأمريكية تهتم بسياسة الانصهار الثقافي للمهاجرين في بوتقة المجتمع الأمريكي melting pot وذلك عن طريق إعادة تنشئة وتثقيف المهاجر ليصبح أمريكياً وذلك على أساس ثقافة المجموعة البيضاء والبروتستانتية المسيطرة على حساب تخلي المهاجرين عن ثقافاتهم. ويفترض هذا النموذج أن على المهاجر تعلم لغة وقوانين بل وعادات الوطن المضيف بل وعليه أن يتعلم الولاء له. لذا فتحت الحكومة مراكز لتعليم وتأهيل المهاجرين ليصبحوا مواطنين. وتقوم المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية بتنشئة أطفال المهاجرين لينصهروا في المجتمع المضيف. على أن كندا البلد المجاور للولايات المتحدة الأمريكية والذي يستقبل مهاجرين ، تتبنى سياسية مختلفة كلياً ، تقوم على القبول بالتعددية الثقافية وإعطاء الفرصة لكل جماعة ثقافية الحق بالتعبير عن ذاتها الثقافية ، بل ولقد قامت وحدة البلاد على أساس القبول بأمتين متجاورتين "أمة متحدثة بالإنجليزية وأخرى بالفرنسية". رابعاً: تقدير الهجرة: تكشف عملية تقدير الهجرة أو قياسها عن كثير من الصعوبات التي يندر أن تصادفنا ونحن نجري تقديراً أو قياساً للخصوبة أو الوفيات. ولذلك يشير بعض الكتاب عن الهجرة إلى بعض الاعتبارات التي يجب أن إلا نهملها ونحن نحاول تقدير الهجرة بأنواعها المختلفة وايضاً إلى مصادر البيانات التي تفيدنا في عملية التقدير أو القياس. بعض الاعتبارات في تقدير الهجرة في مقدمة هذه الاعتبارات ضرورة وضع تحديد واضح لمفهوم المكان المعتاد للإقامة طالما كانت الهجرة عملية تغيير هذا المكان من منطقة إلى أخرى أو من مجتمع إلى غيره ذلك لأن الأفراد أو الجماعات قد يكون أكثر من مكان واحد معتاد للإقامة وهذا ينطبق مثلاً على الطلبة والعسكريين ونزلاء السجون ، الأمر الذي يصعب معه الوصول إلى تقدير صحيح وثابت لهذا المكان مما قد يكون له أثره على ثبات وصدق تقديرات الهجرة. كما تلزم الحاجة الملحة أيضاً إلى وضع تعريف واع لمفهوم مثل الموطن الأصلي place of origin ومكان المعيشة أو المصير destination والتفرقة بين المفهومين لأن اندماجهما في نظر المهاجرين وجمعهم في هذا التصور بين وحدة السكن أو الإقامة وبين الامة والقارة ، وبين المناطق التي يعيشون فيها ويربطون مصيرهم بها يؤدي إلى نتائج أيضاً مختلطة وغير دقيقة في تقدير وقياس الهجرة. ويحتاج الأمر كذلك إلى ضرورة تحديد الفترة الزمنية التي تقدر خلالها الهجرة ، على أن تكون هذه الفترة محددة زمنياً بحوالي سنة واحدة ، وألا تزيد عن ذلك أو تطول. وذلك لأن إجراء عملية تقدير الهجرة خلال فترة طويلة نسبياً ولتكن في بداية هذه الفترة أو في نهايتها لا يوصلنا إلى العدد الحقيقي لإجمالي حالات الهجرة طوال هذه الفترة وذلك لأن الأفراد و الجماعات قد يقومون بعدد من التغيرات في الإقامة كل سنة أو أكثر خلال هذه الفترة ولذلك فإن إجراء تقدير الهجرة خلال فترة تزيد على السنة لا يوصلنا إلى حقيقة هذه التغيرات وبالتالي لا يساعدنا على إجراء التقدير الدقيق والصادق لحقيقة الهجرة. ويحسب معدل الهجرة الخام عن طريق حصر عدد الافراد في أحد المناطق والذين ينتقلون بين عدد متباين من المناطق الفرعية. ويحسب معدل الهجرة الخام إلى منطقة فرعية منها داخل المجتمع الأكبر ، عن طريق قسمة عدد المهاجرين خلال السنة إلى هذه المنطقة الفرعية إلى إجمالي عدد السكان في منتصف العام بالنسبة لهذه المنطقة نفسها. ويحسب معدل الهجرة من الموطن الأصلي إلى الخارج خلال فترة عام ، عن طريق قسمة عدد المهاجرين إلى الخارج من هذا الموطن على عدد السكان في نفس الوقت في منتصف العام. ويحسب معدل الهجرة إلى مكان المعيشة أو المصير عن طريق قسمة عدد المهاجرين إلى الداخل على عدد السكان في هذا المكان في منتصف العام. ويمكن ايضاً حساب معدل الهجرة الصافي باعتباره من أكثر معدلات الهجرة شيوعاً وذلك من خلال حساب الفارق بين معدل الهجرة من الموطن الأصلي ومعدل الهجرة إلى موطن المعيشة ، وقسمة العدد الناتج على عدد السكان في منتصف العام. وبالإمكان أيضاً حساب معدلات الهجرة من حيث النوع والعمر وهكذا. مصادر بيانات الهجرة تتعدد المصادر التي يستعان بها في الحصول على البيانات اللازمة لتقدير الهجرة بين التعدادات والتسجيلات والبيانات الجاهزة والمسوح أو الاستقصاءات. إذ تنطوي التعدادات على بيانات تدل على الموطن الأصلي وعلى موطن المعيشة وعلى التنقل من منطقة إلى أخرى. كما تفيد البيانات التي توفرها نظم التسجيل الإجباري لكل تنقل من منطقة إلى أخرى ومن خلال مكاتب الجوازات والجنسية وتلك التي تصدر تصاريح للعمل بالخارج أو الهجرة أو غيرها. وتستطيع البيانات التي توفرها المسوح الاجتماعية والتي يتم فيها سؤال جمهور المسح أين كانوا يعيشون في تاريخ سابق ، أن تمدنا بما يعيننا على تقدير الهجرة ، هذا برغم ما يعاب على هذا من المسوح من قصور في تقدير العدد الإجمالي للتنقلات لأنه لا يستطيع أن يوفر بيانات عن بعض الأفراد الذين كانوا قد انتقلوا من منطقة إلى أخرى ولكنهم فارقوا الحياة في فترة سابقة على وقت إجراء المسح. حجم الهجرة وخصائص المهاجرين يساعد حصر عدد المهاجرين سنوياً في التعرف على حجم الهجرة وتفيد مقارنة هذا الحجم بحجم الهجرة في سنوات أخرى في التعرف على الزيادة أو النقص أو من تعقب اتجاه التغير في حجم الهجرة. ولا تحتاج الفائدة التي تعود علينا من هذا التقدير لحجم الهجرة والتغير إلى تأكيد ذلك لأن معرفة الحجم والتغير فيه تقف بمثابة مؤشراً على مناطق الجذب والطرد للسكان ، وتمد بالأساس في وضع برامج ومشروعات التخطيط المتوازن مع هذه الحركات في الهجرة. ومن المتوقع أن يكون للمهاجرين بعض الخصائص النوعية والعمرية والتعليمية والمهنية والطبيعية وغيرها ، تلك التي تميزهم من غير المهاجرين. ولذلك كان التعرف على هذه الخصائص لا يقل أهمية عن التعرف على حجمهم والتغير في هذا الحجم ، طالما كانت دراسة هذه الخصائص طافية في فهم نوعية المهاجرين وبالتالي توقع تكفيهم وتشكلهم مع ظروف المناطق التي ينتقلون إليها ، ولقد دلت الدراسات المتعلقة بخصائص المهاجرين على أن أعلى نسبة للتنقل والهجرة تكون بين صغار السن اكثر منها بين المتقدمين في السن ، وأن الرجال أكثر ميلاً من النساء إلى الهجرة وان الأشخاص الذين تلقوا تعليماً جامعياً أكثر فخراً بالهجرة من غيرهم. وأنه تقل فرص الهجرة بين الأشخاص الذين يملكون مشروعات خاصة او مهن. لأن عليهم إذا فكروا في الهجرة أن يكونوا عملاء جدد لمشروعاتهم ويوفروا الإمكانيات اللازمة ٌقامة مثل هذه المشروعات. كما يجد العاملون الذين يعيشون على مرتباتهم من وظائفهم من الواجب أن يفكروا في الهجرة إذا فقدوا هذه الوظائف وهكذا. خامساً: عوامل الهجرة عند تناول العوامل او الدوافع أو الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الهجرة بأنواعها داخلية أو خارجية ، إرادية أو اضطرارية ، مؤقتة أم دائمة أو غيرها ينبغي تقسيم هذه العوامل والتمييز بينها على أساس مجموعة العوامل التي تكمن في البلاد المرسلة للمهاجرين وتعرف باسم عوامل الطرد ثم مجموعة العوامل التي تكمن في البلاد المستقلة للمهاجرين وتعرف باسم عوامل الجذب ذلك لأن مجموعتي هذه العوامل تتفاعل وتتضافر فيما بينها لتحديد الهجرة واتجاهاتها. إذ تتمثل عوامل الطرد في الهجرة الدولية – في ظروف البلاد المرسلة للمهاجرين من الناحية الجغرافية والاقتصادية والديموجرافية والسياسية ، بحيث كانت هجرة الصينيين الخارجية إلى جنوب شرق آسيا ترجع إلى الظروف الاقتصادية لبلادهم المتمثلة في زيادة عدد السكان وانخفاض مستوى المعيشة وحدوث المجاعات مما جعلهم يتركون بلادهم إلى مجتمعات تبعد في المسافة كثيراً عن موطنهم. وكانت هجرة اليهود من ألمانيا في أعقاب الحركة النازية وهجرتهم إلى فلسطين قبل وبعد النكبة ترجع إلى ظروف السياسية لبلادهم. وكانت هجرة الأوروبيين إلى العالم الجديد "الولايات المتحدة الأمريكية" ترجع إلى الظروف الديموجرافية والجغرافية بحيث كانت زيادة السكان في أوروبا وضآلة مساحة الأرض من بين الظروف التي أدت إلى هذه الهجرة. كما تتمثل عوامل الطرد في الهجرة الداخلية في طروف البلاد والمرسلة للمهاجرين الجغرافية والاقتصادية والديموجرافية والسياسية: إذا أدى في الموقع الجغرافي بين محافظتي القاهرة وزيادة المهاجرين من سكان البحيرة من ناحية أخرى إلى زيادة نسبة المهاجرين من سكان المنوفية والقاصدين القاهرة وزيادة المهاجرين من سكان البحيرة والقاصدين الإسكندرية في هجرتهم الداخلية. كما أدت الظروف الاقتصادية للمناطق الريفية إلى طرد السكان منها إلى مناطق أخرى هي في الغالب المناطق الحضرية والمدن الصناعية. إذ كان نظام الملكية الزراعية في الريف وتركز الملكية في أيدي قلة بسيطة من العوامل التي أدت إلى زيادة الأيدي العاملة غير المالكة ، ومن ثم زيادة البطالة مما دفعهم إلى البحث عن فرص للعمل في النشاطات الاقتصادية التي لا تتوفر في القرية وإنما تنتشر في المدن مثل الصناعة أو التجارة. كما ترتب على تفتت الملكية الزراعية نتيجة لنظام الوراثة أو غيرها صغر حجم المساحات المزروعة وقلة الإنتاج وانخفاض مستوى المعيشة مما يؤثر كذلك في طرد السكان بحثاً عن فرص عمل ومستوى معيشة أفضل. كما و أن الاتجاه إلى استخدام الآلات الحديثة في الزراعة قد يساعد على تفشي البطالة في الريف ، وبالتالي طرد السكان منه إلى المدن. كما أدت الزيادة الطبيعية بين المواليد والوفيات في الريف إلى زيادة معدلات الزواج أيضاً ، وإلى تميز البلاد المرسلة للمهاجرين بميزة ديموجرافية أخرى تطرد السكان من هذه البلاد إلى غيرها. ولقد كانت الظروف السياسية المميزة للبلاد المرسلة للمهاجرين مثل ما حدث في اندونيسيا واليابان وحدث أثناء حرب أكتوبر وإخلاء مناطق القناة من بين الظروف التي أدت إلى طرد السكان وهجرتهم داخلياً إلى مناطق. عوامل الجذب وتنحصر عوامل الجذب للمهاجريين الدوليين في ظروف البلاد المستقبلة لهم من الناحية الجغرافية والديموجرافية والاقتصادية والسياسية أيضاً. إذ أدت عوامل الجذب الجغرافية في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث مساحات الأرض الواسعة وخصوبتها وثرواتها التعدينية وغيرها إلى أن يغادر الأوروبيون قارتهم إلى الأمريكيتين رغم أن مستوى المعيشة في بلادهم لم يكن منخفضاً بدرجة تدفعهم إلى الهجرة. وايضاً أدت عوامل الجذب السياسية وإمكانية اللجوء السياسي بالألمان إلى ترك بلادهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتنحصر عوامل الجذب للمهاجرين داخلياً من منطقة إلى أخرى ف ظروف البلاد المستقبلة لهم من الناحية الجغرافية والاقتصادية والسياسية ايضاً. إذ أدت عوامل الجذب الجغرافية والمناخ الأكثر ملاءمة أن تحظى بلاد مثل فلوريدا وكاليفورنيا بمعدل عال من الهجرة الداخلية من مناطق و ولايات أخرى إلى هاتين الولايتين الأمريكيتين. وتدفع عوامل الجذب الاقتصادية في أحد المناطق مثل توفر مشروعات العمل وفرص العمل والدخل المرتفع والتعليم والسكن الملائم إلى الهجرة الداخلية إليها من مناطق أخرى وكانت الهجرة بسبب الحصول على فرصة عمل تتمثل في أكبر نسبة من المهاجرين من الريف إلى الحضر في مصر. وتدفع عوامل الجذب السياسية في أحد المناطق مثل الاضطهاد أو التفرقة العنصرية إلى هجرة الزنوج في أمريكا من الجنوب إلى الشمال حيث يقل الاضطهاد والتفرقة العنصرية في الشمال عنه في الجنوب. سادساً: نتائج الهجرة يمكن ان تنحصر نتائج الهجرة فيما يلي وذلك بالنظر إلى نتائج كل من الهجرة الدولية و الداخلية كل على حدة. نتائج الهجرة الدولية يترتب على الهجرة الدولية نتائج وآثار في الاقتصاد وتركيب السكان سواء في البلاد المستقلة أو البلاد المرسلة للمهاجرين على النحو التالي: أثر الهجرة الدولية في الاقتصاد تؤثر الهجرة الدولية في استثمار الموارد الطبيعية في البلاد المستقبلة للمهاجرين وتجعلها تكتسب أيدي عاملة جديدة. لأن المهاجرين يكونون في الغالب من الذكور الذين يقعون في سن الإنتاج والعمل إذ كانت من نتيجة الهجرات الدولية إلى كل من الأمريكيتين واستراليا ، أن تغيرت معالم الاقتصاد العالمي حيث كان للمهاجرين إلى البلدتين دور بارز في استثمار مواردها وإضافة إمكانيات بشرية إليها ونمو موارد الثروة والاقتصاد العالمي مما ضاعف إنتاج السلع وادى إلى نمو الإنتاج. أثر الهجرة الدولية على التركيب السكاني تؤثر الهجرة الدولية في تركيبة السكان في حيث النوع والمر بالتالي من حيث الخصوبة والزواج. إذ أنه غالباً ما يكون المهاجرون من الذكور ، الأمر الذي تزيد معه هذه النسبة في البلاد المستقبلة ، وتنخفض في البلاد المرسلة للمهاجرين ففي بدلا مثل الأرجنتين وأستراليا باعتبارهما مستقبلتين للمهاجرين ، زادت نسبة الذكور عن الإناث أما في بلاد مثل بريطانيا وألمانيا باعتبارهما مرسلتين للمهاجرين فإن نسبة الذكور تنخفض عن نسبة الإناث بشكل ملحوظ. ومن الأمثلة على أثر الهجرة الدولية في تركيبة السكان من حيث السن ما لاحظه علماء السكان في فرنسا من ارتفاع نسبة متوسطي السن والعمر ، وانخفاض نسبة صغار السن بها وانخفاض معدلات الخصوبة ، وذلك نتيجة للهجرات المختلفة التي استقبلتها فرنسا في الفترة ما بين الحربين العالميتين ، وأن المهاجرين عادة هم من متوسطي السن. كما تؤثر الهجرة من ناحية ثالثة في تركيبة السكان من حيث الجنس والعنصر وهذا يتضح في البلاد المستقبلة للمهاجرين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا وفلسطين ، وكان هذا النوع من الهجرات يؤدي إلى قيام مشكلات اجتماعية خطيرة تتمثل في مشكلة الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومشكلة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ، ومشكلة إسرائيل في فلسطين. ولقد أدت هذه الهجرات الدولية في البلاد المذكورة إلى زيادة الاختلاف بين السكان من حيث الجنس والعنصر وإلى عدم التجانس الاجتماعي بينهم ، مما يترتب عليه ظهور مشكلات التفرقة العنصرية المشار إليها ، بل وقيام الجروب في بعض الأحيان كما هو الحال بالنسبة لمثال الكيان الإسرائيلي في فلسطين. نتائج الهجرة الداخلية تترك الهجرة الداخلية آثاراً متعددة على المجتمع الريفي والحضري كما يلي: 1 – إذ ينقص حجم العمالة في الريف نتيجة لموجات الهجرة إلى المدن ويرتفع أجر العامل الزراعي. 2 – يتركز العمال في المدن والإنتاج الصناعي وهي إحدى فروع الإنتاج العديدة نتيجة لموجات الهجرة المتزايدة من الريف إلى الحضر مما يرتب عليه اختلال التوزان بين مختلف فروع الإنتاج والخدمات وعدم التناسق بين القوى التي تعمل على تطوير المجتمع. كما أدى تركز العمالة في الصناعة إلى انخفاض الأجور ، الأمر الذي ترتب عليه انخفاض مستوى المعيشة وظهور كثير من المشاكل الاجتماعية. إذ كان هذا الوضع أوضح ما يكون بعد الثورة الصناعية في أوروبا واستقبال المدن لعدد متزايد من العمال الوافدين من الريف مما أدى إلى انخفاض أجورهم إلى ما يسمى بأجر الكفاف والذي تسبب في حالة البؤس التي كان يعيشها العمال في ذلك الوقت التي أثارت تيارات الفكر الاشتراكي التي ركزت كتاباتها الرئيسية حول بؤس الطبقة العاملة. 3 – أدت زيادة الكثافة السكانية في المدن نتيجة للهجرة الداخلية إلى ظهور كثير من المشاكل التي يمكن حصرها في مشاكل الإسكان والمواصلات والصحة العامة والترفيه ومؤسسات الخدمة العامة. 4 – ترتب على زيادة السكان في المدن نتيجة لتيارات الهجرة انتشار كثير من مظاهر السلوك المنحرف ، و ارتفاع معدلات الجرائم على اختلاف أنماطها. 5 – أدت الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر إلى تفكك الروابط الاجتماعية للفرد بينه وبين مختلف الجماعات التي يرتبط بها ارتباطاً قرابياً وفي مقدمتها الأسرة الممتدة واسرة التوجيه. 6 – أدت الهجرة الداخلية المتزايدة من الريف إلى الحضر مع زيادة الاهتمام بسكان المدينة إلى تخلف أهل الريف عن أهل الحضر ، وغلى قيام هوة ثقافية بين قطاعي المجتمع واحداً ، ولاشك في أن هذه الهجرة تهدد وحدة المجتمع وكيانه. سابعاً: ظاهرة الهجرة الداخلية الريفية الحضرية في مصر نتناول هنا موضوع الهجرة الريفية أي الهجرة من الريف إلى الحضر من ثلاثة جوانب مهمة ، هي أنماطها ، ودوافعها والآثار المترتبة عليها. وذلك في محاولة للاستفادة من البيانات المنشورة عن الهجرة بصفة عامة وعن الهجرة الريفية بصفة خاصة بالإضافة إلى بيانات مستقاة من دراسات ميدانية سابقة على عينة من السكان في عدد من قرى البحيرة والدقهلية والشرقية والغربية والقليوبية والمنوفية وكفر الشيخ ودمياط. الهجرة من الريف إلى الحضر تمثل الهجرة من الريف إلى الحضر الجزء الأكبر من الهجرة. وبالرغم من قلة البيانات بالنسبة لهذا النمط من الهجرة إلا أن هناك وسائل متعددة يمكن أن يستعين بها الباحث للتغلب على هذه الصعوبة. وتمثل بيانات التعداد إحدى هذه الوسائل ، إذ اتضح أن هناك اتجاهاً إلى زيادة نسبة السكان في المدن من تعداد لآخر في مصر كما يوضحه الجدول التالي: جدول رقم "13" يوضح التوزيع العددي والنسبي لسكان الحضر والريف من 1907-1966 سنة التعداد جملة السكان بالمليون سكان الحضر سكان الريف العدد بالمليون النسبة المئوية العدد بالمليون النسبة المئوية 1907 11.183 2.125 10 8.058 81 1917 29.731 2.640 21 10.030 79 1927 12.670 3.716 26 10.367 74 1937 14.083 4.283 28 11.459 72 1947 15.811 6.202 33 12.603 67 1960 18.805 9.651 17 16.120 63 1966 25.771 12.042 40 17.689 60 ويستنتج من هذا الجدول الحقائق التالية: • أن هناك تدرجاً بالنقص في سكان الريف وتدرجاً مصاحباً بالزيادة في سكان الحضر. • تضاعف سكان الحضر فيما بين 1907-1966. • ترجع الزيادة في السكان إلى التنمية المطردة في القطاع الصناعي والخدمات واجتذابها للكثير من سكان الريف. صافي الهجرة وللتعرف على حركة السكان باستخلاص صافي الهجرة بين عامي 1960-1965 أمكن وضع الجدول التالي: جدول رقم "14" يوضح صافي الهجرة للسكان بين المحافظات "الفترة ما بين 1960-1965 بالألف" البيان المهاجرون بالذكور المهاجرون بالإناث الجملة القاهرة 140 174 314 الإسكندرية 37 35 72 بور سعيد 4 4 8 الإسماعيلية 6 6 12 السويس 10 10 20 الجيزة 23 23 46 أسوان 14 5 19 محافظات الحدود 4 1 5 1 – محافظات انتقل إليها السكان من جهات أخرى: جدول رقم "15" تاريخ صافي الهجرة للسكان البيان المهاجرون بالذكور المهاجرون بالإناث الجملة دمياط 6 5 11 الدقهلية - 2 2 الشرقية 9 11 20 القليوبية 2 4 6 كفر الشيخ 16 11 27 الغربية 22 23 45 المنوفية 36 38 74 البحيرة 8 5 13 بني سويف 29 25 54 الفيوم 19 13 32 المنيا 40 32 72 أسيوط 4 7 11 سوهاج 15 13 28 قنا 31 29 60 2 – محافظات انتقل منها السكان إلى غيرها: ويوضح هذا الجدول أن هناك: أ – أن هناك محافظات مستقبلة للمهاجرين وأخرى طاردة لهم وتتمثل المحافظات المستقبلة في المحافظات الحضرية. ب – يزيد عدد المهاجرين إلى المحافظات المستقبلة وخاصة القاهرة والإسكندرية من الذكور عن عدد المهاجرين من الإناث. ج – يزيد عدد النازحين من المحافظات الطاردة والتي ينتقل السكان منها إلى غيرها من الذكور عن عدد النازحين من الإناث ، ويتضح ذلك بين محافظات دمياط وكفر الشيخ والبحيرة وبني سويف. د – يزيد عموماً عدد الذكور من المهاجرين على عدد الإناث بين المحافظات. دوافع الهجرة تتشابك دوافع السكان إلى الهجرة من إقليم لإقليم ومن الريف على الحضر ، حيث تتركز في البحث عن فرص العمل او الأجور المرتفعة أو الأرض الزراعية الجيدة ، أو عملية التصنيع والتقدم التكنولوجي أو التغير الثقافي ن بحيث أمكن تقسيم أو تحديد دوافع الهجرة إلى هجرة العمل ، وهجرة الطلبة ، وهجرة الإناث للزواج ، والهجرة بسبب التقاعد ، وأخيراً الهجرة الاجبارية أو بسبب دوافع أخرى. وتنطوي الجداول التالية على نتائج بعض البحوث التي تناولت دوافع الهجرة بين محافظات مصر. ويمكن استخلاص النتائج التالية من بيانات الجداول التالية: 1 – تمثل الهجرة بسبب طلب العمل "دافعاً اقتصادياً" أكبر نسبة فهي تمثل 40.7% من إجمالي عدد المهاجرين النازحين و 37% من بين عدد الوافدين. 2 – تمثل الهجرة بسبب الزواج "دافع اجتماعي" المرتبة الثانية بين العوامل حيث بلغت 18.8% بين النازحين و 23.3% بين الوافدين. 3 – تمثل الهجرة بسبب نقل مكان العمل مرتبة ثالثة بين العوامل حيث بلغت 14.9% من النازحين 8.5% بين الوافدين. 4 – تمثل الهجرة بسبب النكبات المفاجأة 3.1% بين النازحين 5.3% بين الوافدين. جدول رقم 16 يوضح توزيع المهاجرين من منطقة البحث حسب النوع وسبب الهجرة جدول رقم 17 يوضح توزيع المهاجرين من منطقة البحث "الوافدين" حسب النوع وسبب الهجرة ص234 الآثار المترتبة على الهجرة: تترتب على الهجرة من الريف إلى الحضر ، آثار اقتصادية واجتماعية و ديموجرافية مختلفة. الآثار الاقتصادية للهجرة: تلعب الهجرة دوراً هاماً في نمو الاقتصاد وزيادة الدخل والثروة ، وتخفيف البطالة. إذ ساعدت الهجرة من الريف إلى المدن الصناعية الكبرى كمدن كفر الدوار والمحلة الكبرى وحلوان ، وكذلك الهجرة إلى المناطق المستصلحة أو الحديثة الزراعة أو الاستغلال ، كما في مناطق مديرية التحرير وأبيس إلى نمو الاقتصاد وزيادة الدخل والتخفيف من حالة البطالة التي كان يعاني منها المهاجرون في بلادهم الأصلية. الآثار الديموجرافية للهجرة: تؤثر الهجرة على التركيب العمري والنوعي للمهاجرين وعلى تكوينهم المهني والعمالة وغيرها. إذ تأخذ نسبة الذكور في المجتمع الحضري في الارتفاع التدريجي وتفوق نسبة الإناث ، نتيجة لأن نسبة المهاجرين من بين الذكور تفوق نسبة المهاجرين من بين الإناث ، ووجد من ناحية التوزيع العمري أن من هم في سن 15 سنة و 40 سنة تزيد نسبتهم في المدن عنها في القرى بخلاف مراحل السن الأخرى ، وذلك لأن الهجرة تحدث في سن العمالة بدرجة أكبر من باقي فئات السن تاركة وراءها المهني ، يهاجر العمال نصف الفنيين أو غير الفنيين من الزراعة إلى الصناعة حيث تتاح لهم فرصة التدريب على الأعمال الجديدة ويحققون حراكاً مهنياً يؤثر في التكوين المهني للمجتمع. الآثار الاجتماعية للهجرة: تتمثل أهم الآثار الاجتماعية للهجرة في عملية التكيف الاجتماعي للمهاجرين مع البلاد المستقبلة لهم نظراً لاختلاف ثقافتها عن ثقافة مجتمعاتهم الأصلية والتي غالباً ما تكون مجتمعات ريفية. وتعمل الهجرة على ازدحام الأحياء الفقيرة في عواصم المدن ، مما يترتب عليه الكثير من المشكلات الاجتماعية وفي مقدمتها الجريمة والانحراف ، كما أن الهجرة تضغط على الأنشطة الاقتصادية والحرفية في مناطق الاستقبال. أما مناطق الطرد وهي المجتمعات الريفية ، فتختار الهجرة منها من هم على درجة عالية من التعليم والذكاء و أصحاب المهن الفنية و الأعمال وتحرم المناطق الريفية من قيادتهم ومن الطبقات اللازمة لتقدمها الاجتماعي. ثامناُ: الهجرة ودورة الأسرة نستعرض فيما يلي خلاصة بحث أجراه أحد المشتغلين في علم الاجتماع والمهتمين بدراسة الظواهر السكانية ، وكان البحث يتناول ظاهرة الهجرة ، حتى يتسنى لنا الوقوف على كيفية إجراء تحليل اجتماعي لظاهرة الهجرة من ناحية وكيف أن البحث الاجتماعي للظواهر السكانية يتجاوز كثيراً عن الثغرات التي تؤخذ على الأساليب الديموجرافية في تناول هذه الظواهر. فلقد بدأ الباحث باستعراض تراث الهجرة ، ثم أخذ يكشف عن الثغرات في هذا التراث ، وشرع بعد ذلك في تحديد هدف بحثه واختيار الإجراءات المنهجية المناسبة ، التي اوصلته إلى عدد من النتائج تلك التي ألقت الضوء على أثر دورة الأسرة في عملية الهجرة. تراث الهجرة ينطوي تراث الهجرة على المستوى العالمي على مجموعة من النتائج العامة التي تلقي الضوء على هذه الظاهرة من عدة جوانب ، بعضها يوضح عوامل الهجرة والأخرى تحلل عوامل التيار العكسي للهجرة والثالثة تبين عوامل الجذب في المناطق المستقبلة للمهاجرين ، والأخيرة تكشف عن خصائص المهاجرين. فهناك قائمة طويلة تضم مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الهجرة بعضها عوامل اقتصادية وبعضها الآخر عوامل اجتماعية وبعضها الثالث عوامل شخصية وتختلف الأهمية النسبية لهذه العوامل على أساس اختلاف نوعية الهجرة ونمطها ، من الريف إلى المدينة أو من البلد إلى خارجه ، ثم بتباين المسافة التي تقطعها عملية الهجرة ن والجو الجغرافي..... الخ. وعموماً تكون الهجرة في المناطق الأقل دخلاً ومستوى المعيشة والاستهلاك إلى تلك المناطق الأفضل من هذه النواحي. وتجذب المناطق التي تتجه بسرعة نحو التصنيع المهاجرين إليها من المناطق الأخرى. وقد لوحظ ان تفسير التيار العكسي للهجرة من خلال الفروق الاقتصادية الشاملة لا يعبر عن حقيقة هذه الظاهرة لأن التيارات العكسية لعملية الهجرة قد تنتج عن مجموعة متباينة من العوامل ، فالمهاجر العائد قد يكون من بين العاملين الذين فشلوا في تحسين دخلوهم أو الذين لديهم أسباب شخصية أعادتهم إلى ديارهم. أو قد تكون عودته نتيجة لعدم تكيفه مع الجماعات الفرعية المختلفة فيما بين بعضها من حيث الفرص الاقتصادية والمهن والعنصر والنوع و العمر... الخ. ولعدم توفر المعلومات لديه حول الفرص المناسبة للحياة في منطقة الهجرة. أما عن عوامل الجذب في المناطق المستقبلة للمهاجرين فقد انطوى التراث على إشارات حول الخصائص والمميزات الثقافية لهذه المناطق والفرص الهائلة المتوفرة في مجالات التعليم والترفيه والخدمات والإفلات من روابط الجماعات الأولية ، وفقدان المعايير... و التمتع بالحرية أو بالظروف الصحية والمناخية فضلاً عن الفرص الاقتصادية ... الخ. ولكن لوحظ على هذا التراث أنه ينطوي على نتائج تلقي الضوء على عوامل الهجرة وتغفل عوامل أخرى لها أهميتها في فهم هذه الظاهرة منها دوافع المهاجرين الفردية ، وكان هذا يرجع في جانب منه إلى أن أغلب دراسات الهجرة قد اقتصرت على مجموعة معينة وتيارات محددة للهجرة ، مثل الزنوج أو خريجي المدراس العليا ، او الأسر المهجرة بمعرفة الإدارة المركزية أو غيرها وأغفلت عينات أخرى مثل فئة المهاجرين الذين يتخذون قرار الهجرة بأنفسهم وفئة الذين يهاجرون بفعل قرار اتخذه أرباب أسرهم. كما ترجع أيضاً هذه الثغرة من ناحية أخرى إلى أن دراسات الهجرة كانت تعتمد على معطيات التعداد والتسجيل الحيوي ولم تستفد بالمعطيات التي يمكن ان تتوافر لها من تطبيق أساليب البحث الاجتماعي وخاصة المقابلة الشخصية والاستبيان أو قائمة البحث على عينات متنوعة من المهاجرين. دورة الاسرة واثرها في الهجرة ومن خلال استعراض تراث الهجرة والوقوف على ثغراته على النحو السابق حدد موضوع الدراسة و هدفها في الكشف عن أثر دورة الأسرة في الهجرة باعتبارها عاملاً له فاعليته في هذه الظاهرة ، ومع هذا قد أغفلته الجهود السابقة في تراث الهجرة. وحددت دورة الاسرة في مراحل الزواج ثم الإنجاب وزيادة الدخل ، ثم زواج الأبناء وكبر سن الوالدين. وأجريت الدراسة على عينتين من المهاجرين ، الأولى هي العينة الثانوية وتتكون من مجموعة الأفراد الذين كانت هجرتهم نتيجة لقرار اتخذه رب الاسرة التي ينتمون إليها ، واستعانت الدراسة في جمع البيانات بقائمة بحث تشمل مجموعة من الأسئلة حول الأسباب التي أجت إلى الهجرة. وأوضح تحليل البيانات التي تم جمعها من هذه الدراسة وخاصة في ضوء متغير عمر المهاجر والذي قسم على فئات أقل من 14 سنة وبين 14-24 وبين 25-44 ثم أكثر من 44 عام. أن نسبة الهجرة في الفئة العمرية الأولى أقل من 14 سنة كانت منخفضة ، ثم ارتفعت النسبة وخاصة بين النساء في الفئة العمرية الثانية 14-24 ، وبعدها انخفضت هذه النسبة مرة ثانية بين المهاجرين من فئة العمر 25-44 ، لترتفع مرة أخرى في فئة العمر أكثر 44 سنة ، وذلك بالنسب التالية على التوالي "10% ،36% ، 23% ، 43%". والتفسير الذي أعطى لهذه البيانات كان من خلال دورة الأسرة وتغير حالة الإناث خلال هذه الدورة ، والتي يكون الاعتماد فيها أولاً على الاب ، ثم الاستقلال عن الأسرة بفضل الزواج والإقامة في منطقة يختارها الزوج على أساس المصالح الاقتصادية. ثم مرحلة الترمل او غياب الزوج ... الخ. كما أوضح تحليل البيانات التي تم جمعها من هذه الدراسة وخاصة في ضوء متغير آخر وهو سبب الهجر صحة هذا التفسير وزيادة معدل المهاجرين في الفئة العمرية 25-44 سنة ، حيث وجد أن 40% من المهاجرين كانوا من بين الذكور الذين هاجروا بسبب العمل أو الالتحاق بوظيفة او مهنة أو الارتباط بعمل في المنطقة المهاجر إليها والحصول على المسكن المناسب والتغير في الحالة الزواجية هو العامل السائد والأكثر بروزاً بين بقية العوامل التي أوردها أفراد العينة بصدد أسباب الهجرة. ولقد اتضح نفس هذا الأثر لدورة الأسرة في هجرة أعضائها من خلال تحليل البيانات ومقارنتها على أسس أخرى ، مثل النوع والحالة الزواجية والأسرية ،والتعليم والدخل.... الخ. فلقد كان أثر الزواج واضحاً في كل الحالات ، فوجد إن معظم النساء الذين يتزوجون يغيرون من عناوين إقامتهن و أن معظم الذين هاجروا كانوا قد اتخذوا قرار الهجرة نتيجة للزواج. وهكذا توضح النتائج أن الهجرة ترتبط بدائرة الاسرة من زواج ، وتكوين مسكن مستقل ، ثم الإنجاب وزيادة الدخل ، ثم زواج الأبناء و كبر سن الوالدين . إذ عادة ما يبدأ الزوجان الجدد بإقامة مسكن خارج نطاق محيط إقامتهم المعتاد ، وإن كان هناك بعض الحالات التي يعيش فيها الزوجان مع أقاربهم. إنما يحدث أن يتحرك الزوجان سواء وقت الزواج أم بعده. وعموماً تؤدي عوامل زيادة دخل الاسرة بعد الزواج وكبر حجمها بإنجاب عدد من الأطفال إلى أن تفكر الأسرة في البحث عن سكن أكبر في مكان آخر للإقامة في قلب المدينة أو في منزل منفصل بالضواحي ، إذ تلعب ظروف توفر خدمات التعليم بالنسبة للأبناء ، وغيرها من خصائص البيئة دوراً له أهميته في اختيار مكان المنزل الجديد. ومع مرور الوقت يلتحق الأبناء بالمدارس العليا ، وتقوى روابط أعضاء الأسرة بمكان الإقامة الجديد ، ويكون رب الأسرة قد استقر في عمله ، وأصبحت له مكانته المرموقة في مجتمعه. وعند هذه المرحلة من دور الأسرة ، تزداد القوى التي تدفع إلى الاستقرار على القوى التي تدفع إلى التحرك وهجرة هذا المكان. ولكن عندما يبدأ حجم الأسرة يتخلخل نتيجة لترك الأبناء منزل الأسرة للبحث عن عمل أو للزواج ، أو نتيجة لوفاة أعضائها الكبار ، هنا تتوفر الظروف وتتأكد القوى التي تدفع إلى الهجرة ، لأن المنزل في هذه الحالة يبدو كبيراً يتجاوز حاجات الأعضاء الباقين في الاسرة ، وقد يقل دخل الأسرة ، أو قد يكون من الصعب فيزيقياً على الأزواج الكبار أو الأرامل إن يستمروا في هذا المكان. وفي هذه المرحلة من دورة الأسرة ، نتوقع بعض التحرك ورغبة إلى العودة مرة ثانية إلى المحيط الصغير ، ومشاركة الأبناء المتزوجين مسكنهم أو الالتحاق بإحدى مؤسسات الرعاية. الوفيات والطبقات الاجتماعية تمهيد الوفيات كعامل فعال في تغير السكان ، ولأهميته كمؤشر على كثير من السمات التي يمكن في ضوئها التمييز بين مجتمع وآخر ، فقد حظي باهتمام الباحثين في مجال السكان لاعتبارات كثيرة ، بل إن الاهتمام بدراسته قد سبق الاهتمام بدراسة المواليد والخصوبة ذاتها. هذا راجع بالطبع إلى أن الإنسان يسعى على تقليل الوفيات أكثر من سعيه لتقليل المواليد ، وكان يتوقع إن يساهم اهتمامه بدارسة وفهم هذه الظاهرة في تحقيق هذا الهدف. ومن هنا تقدمت طرق قياس الوفيات تقدماً إحصائياً ملحوظاً بينما لا تزال الطرق الفنية لقياس الخصوبة بعيدة عن الكمال. وينظر الناس إلى الزيادة الكبيرة في فرص الحياة التي وفرها الطب كمكسب للجنس البشري ، و يقبل الأفراد والجماعات على كل الأساليب الطبية التي تردي إلى إطالة العمر ، ويقبلون على التناسل كوسيلة لحفظ النوع البشري. وفي الوقت نفسه يختلف الموقف إزاء الوسائل الحديثة في تحديد النسل أو منعه أو تنظيمه وخاصة في المجتمعات الريفية و المتأخرة ..الخ. ويستعين دراسو السكان في تناولهم لظاهرة الوفيات بعدد من الأساليب والمفاهيم لقياس معدل الوفيات واتجاهات تطورها ، ويستندون إليها في بلورة أساليب أخرى لتوقع الحياة أو التنبؤ بأمد الحياة المتوقع بالنسبة للفرد عند ولادته في المجتمع ، ويسهم علماء الاجتماع المهتمون بدراسة الظواهر السكانية في هذا المجال ببيان الفروق في معدل الوفيات في ضوء النظم الاجتماعية المتباينة ، وفي مقدمتها الطبقات الاجتماعية. أولاً: الوفيات معدلاتها واتجاهاتها ينظر إلى معدل وفيات الأطفال الرضع infant mortality باعتباره مؤشراً له دلالته على درجة التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي حققه السكان الذي ينتمي إليهم هؤلاء الأطفال. بل واكثر من ذلك يعتبر هذا المؤشر من بين الشواهد التي تدلل على الكيفية التي تتم بها عملية التنمية في هذا البلد ، وذلك رغم وجود مؤشرات أخرى مثل معدلات وفيات الأمومة maternal ومعدلات المواليد الأحياء still birth rate لها قيمتها الهامة في هذا الصدد. وترد هذه الأهمية للوفيات كمؤشر على عملية التنمية في المجتمع لأنه قد لوحظ أن الوفيات تعتمد إلى درجة كبير على الظروف الصحية والمعارف الطبية وإتباع العادات الصحية ، وظروف المجاعات والأوبئة والحروب ، أكثر مما تعتمد على التاريخ الماضي للأفراد. ولقد سبق أن عالجنا موضوع التنمية الاجتماعية ودراسة العلاقة بين نمو السكان والوفيات والمواليد. والمهم هنا أن نتعرف على كيفية حساب معدلات الوفيات وتحديد اتجاهاتها وما هي أهم الأساليب المستخدمة في هذا الصدد ، قبل الانتقال إلى بيان الفروق الاجتماعية الاقتصادية في الوفيات. وربما كان معدل الوفيات الخام crude death rate هو المقياس الأكثر استخداماً لدراسة الوفيات ومقارنتها. ذلك الذي يحدد بأنه نسبة عدد الوفيات التي تحدث بين سكان معينين خلال سنة محددة إلى حجم السكان في منتصف هذا العام. ولكن ملا كان معدل الوفيات الخام لا يمدنا بمؤشر دقيق على ظروف الوفيات طالما كانت الوفيات تتأثر بالتكوين العمري. خاصة وأنه من المعروف في ضوء الملاحظة اليومية أن خطر الموت يختلف لدرجة كبيرة باختلاف العمر. وبرغم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورها في هذا الصدد مثل الحالة الزواجية ، إلا أن لهذه العوامل دوراً ثانوياً بالمقارنة بدور العمر. ولهذا لا يمكن إجراء دراسة حول الوفيات دون أخذ العمر في الاعتبار. ونتيجة لذلك أصبح معدل الوفيات الخام لا يمثل مؤشراً جيداً على الموقف الصحي للبلد موضوع الدراسة. لأن ذلك يعتمد كثيراً على التوزيع العمري للسكان ومن هنا فكر دارسو السكان في إجراء مقارنات دقيقة للوفيات في مجموعات السكان المختلفة من خلال حساب منفصل لمعدلات الوفيات في كل جماعة عمرية نوعية أيضاً للسكان. ولقد عرف هذا المعدل باسم الوفاة النوعي specific death rate ويحسب على أساس المعادلة التالية: معدل الوفيات النوعي= عدد الوفيات في سن أو نوع معين/ عدد السكان في نفس السن أو النوعX 100 وبناء على هذه المعدلات يمكن لدراسي السكان إجراء دراسة حول معدلات الوفيات في مجموعات سكانية متباينة ، وهذا ما حاولته دراسة للوفيات مقارنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبيرو عام 1961م. ويبين الجدول التالي معدلات الوفيات النوعية والعمية لذكور الولايات المتحدة الأمريكية وبيرو التي أمكن حسابها وفقاً لمعدل الوفيات النوعي لمشار إليه. جدول رقم "18" يوضح وفيات الذكور في أمريكا وبيرو عام 1961م العمر الولايات المتحدة بيرو العمر الولايات المتحدة بيرو صفر 29.2 176.3 45-49 7.3 13.6 1-4 1.1 17 50-54 12.4 18.4 5-9 5.- 2.5 60-64 27.9 35.8 15-19 1.2 4.5 65-69 41.4 53 20-24 1.7 6.4 70-74 57.4 76.3 25-29 1.7 7 75-79 83.4 114.9 30-34 2 7.4 80.84 128.4 278.7 40-44 4.5 10.4 ويبين الجدول بوضوح بعض النتائج العامة: 1 – أنه في كل جماعة عمرية تعلو معدلات وفيات الذكور في بيرو عن معدلات وفيات الذكور في الولايات المتحدة. 2 – أن هناك فروقات واضحة في الوفيات مع اختلاف فئات العمر في المجموعتين السكانيتين. 3 – أن معدلات الوفيات العمرية في كلا البلدين يأخذ توزيعها شكل حرف U ، حيث تعلو نسبياً معدلات الوفيات في السنوات الأولى للحياة ، ثم تنخفض سريعاً مع الطفولة ، وتصل إلى حد أدنى بين فئة العمر 10-14 ، ثم ترتفع تدريجياً وبثبات حتى تصل منتهاها مع كبر فئة العمر. وقد يستخدم دراس السكان مقاييس أخرى تمدنا بالصورة الكلية لظروف الوفيات من حيث معدلاتها واتجاهاتها في السكان موضوع الاهتمام. فقد يلجأ دراس السكان إلى بناء نوعين من الجداول الأكثر شيوعاً في هذا الصدد ، يعرف بعضها باسم جدول الحياة table period life والذي يلخص ظروف الوفيات حسب النوع والعمر التي تسود خلال سنة معينة أو فترة قصيرة أخرى ، ويعرف البعض الثاني الجداول باسم جدول الحياة الأجيال أو الجماعات chart or generation life table والذي يلخص خبرة الوفاة حسب النوع والعمر لجماعة معينة "جماعة من الأشخاص ولدوا في نفس الوقت" والتي تمتد حياتهم عبر سنوات كثيرة. والمثال الذي نستشهد به على هذا النوع من الدراسة ، يتمثل في محاولة كل من دوبلن ولوتكا وسبجلمان duplin g lotka g sbiegelman جمع معطيات حول ظاهرة الوفيات للاستفادة منها في رسم جدول حياة يوضح تطور توقع الحياة خلال فئات العمر لبني الإنسان منذ العصور المبكرة حتى عام 1965م. وإن كانت معطيات هذا الجداول لا تتمتع بالثبات كلية خاصة بالنسبة للفترات المبكرة من تاريخ الانسان ، لأن الإحصائيات الدالة عليها كانت مبعثرة لدرجة يصعب الاستفادة منها في تمثيل مرحلة من مراحل الحضارة. ومع هذا أمكن من خلال حقائق هذا الجدول استخلاص عدد من النتائج التي تلقي الضوء على اتجاهات الوفيات عبر مراحل تطور الانسان منها: 1 – أن متوسط طول الحياة بالنسبة للإنسان إن كان قد مر بمعدلات متباينة ، إلا أنه لم يظل تحت 20 سنة دائماً ، لأن هذا قد يؤدي إلى اختفاء الجنس البشري. 2 – يصل متوسط طول الحياة إلى ما بين 70-75 سنة في معظم البلاد المتقدمة. 3 – يعد هذا الطول الواضح لتوقع الحياة عند الميلاد بمثابة نتيجة لتقدم الحضارة الغربية. وهذا ما يوضحه الجدول التالي: جدول رقم "19" يوضح متوسط الحياة للإنسان منذ فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر الفترة المنطقة المؤلف متوسط الحياة العصر الحديدي والبرونزي المبكر اليونان آنجل 18 سنة حوالي 2000 سنة مضت روما بيرسور 22 سنة العصور الوسطى إنجلترا رسل 33 سنة 1687-91 بروسيا هالي 33.5 سنة قبل عام 1789 موساشتس ونيوهامبشير ويجبسورث 35.5 سنة 1838-1854 إنجلترا وويلز فار 40.9 سنة 1900-1902 الولايات المتحدة جلوفر 49.2 سنة 1946 الولايات المتحدة جريفل 66.7 سنة 1961-1965 السويد - 73.6 سنة كما ابتكر دراسو السكان مقاييس أخرى للوفاة لا تتأثر بالتحريف الناتج عن الفروق في التكوين العمري. يعرف بعضها باسم معدل الوفاة العمري المقنن ويعرف الآخر باسم معدل الوفاة العمري المصحح. وليس هنا مجال للدخول في تفاصيل هذه المقاييس طالما كان هدفنا أن نوضح الفروق في معدلات الوفيات على ضوء النظم الاجتماعية موضوع اهتمامنا ، وكما أشرنا سلفاً سنركز على الفروق في معدلات الوفيات في ضوء النظام الطبقي في المجتمع واختلاف الناس إلى مستويات اجتماعية اقتصادية متباينة. ثانياً: الوفيات والطبقات الاجتماعية تعتبر المعرفة المتعلقة بالفروقات في المكانة الاقتصادية الاجتماعية وعلاقتها بالفروقات في معدل الوفيات موضع اهتمام من جانب الأشخاص الذين يعملون على تحسين مستويات الصحة والرفاهية. وحتى منذ 1833 عندما وجه "كوربوكس" corboux الانتباه لأول مرة لوجود هذه الحقائق ، احتلت دراسة الوفيات في الجماعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة اهتمام الكثير من الباحثين في مختلف الميادين. وفي ضوء هذا الاهتمام المتواصل ، منن المشوق أن نلحظ وجود تباين في معرفتنا المتعلقة بالتأثير الدقيق للعوامل الاجتماعية والاقتصادية على معدلات الوفيات بمقارنتها بأثر غيرها من الخصائص الديموجرافية أو السكانية الأخرى الأكثر عمومية. وبالرغم من الندرة النسبية للمادة المنشورة التي توضح العلاقة بين خصائص مثل النوع والجنس والعمر والمكانة الاجتماعية الاقتصادية. وبالرغم من إن الجميع قد أدرك منذ القدم تلك النتيجة العامة التي توضح أن الوفيات ترتبط عكسياً بالمكانة الاجتماعية والاقتصادية ، إلا أن الدراسات التي أجريت بهدف اختبار هذه العلاقة قليلة للغاية. وهكذا فهذا المجال يعد بوضوح واحداً من المجالات التي تحتاج إلى مزيد من البحوث. 1 – المهنة والوفيات ويرجع النقس النسبي في الدراسات التي تناولت العلاقة بين المكانة الاجتماعية والاقتصادية والوفيات في جانب منها إلى صعوبة توفر المعطيات الضرورية. وكذلك لم توفر شهادات الوفيات أية معلومات تتعلق بوضع المرض في علاقته بواحدة من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية أو غيرها إلى جانب المهنة. وعلى أية حال ، فإن مهنة الشخص تعتبر عاملاً حاسماً للغاية في تحديد مكانته الاجتماعية والاقتصادية. ومن المعترف به أن الناس في الطبقات الاجتماعية العليا ، كما تشير إليها المهنة ، تتميز بمعدل وفيات منخفض بشكل ظاهرة عن تلك المعدلات في الطرف الآخر للمقياس الاجتماعي. وكما تشير إلى ذلك مجموعة من الكتاب ، بأن العمل الذي يقوم به الشخص ، والظروف التي يعمل في ظلها ، والمرتبات التي يحصل عليها ، تحدد إلى درجة كبيرة ظروف حياته ، كالمسكن الذي يعيش فيه ، والملابس التي يرتديها ، والطعام الذي يأكله ، وطريقة الترفيه ولذلك فإن مهنة الشخص تعتبر أحد العوامل الممكنة التي تحدد حالته الصحية وتعينه طوال حياته. ولهذه الأسباب ، أجريت دراسات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، في محاولة لفهم العلاقة بين المهنة والوفيات علة نحو أكثر وضوحاً. فلقد أجرى "داريك" daric مسحاً شاملاً للتراث المتعلق بالفروقات المهنية في الوفيات حتى عام 1950م. كما غطت منشورات مكتب التسجيل العام في إنجلترا وويلز 1851 ، العلاقة بين المهنة والوفيات. ولخص "لوجان" logan جهود هذا المكتب منذ هذه الفترة حتى تعداد 1951. وبدأت دراسات "دوبلن" duplin و زملائه في الولايات المتحدة في شركة التأمين على الحياة من الفترة 1911-1913. ولقد نشر مكتب التعداد قبل عام 1911 جداول توضح علاقة الوفيات بالمهنة في الفترة ما بين 1890-1900. ومع أن هذه الدراسات المبكرة كانت مهتمة بفحص مستويات الوفيات المميزة لمهن معينة ، لم توفر أية معلومات تتعلق بوجود فروقات في الوفيات مع اختلاف الطبقات على أساس المهن. بالرغم من أن المقبول عموماً ان معدلات الوفيات كانت عالية بين الأشخاص في المهن اليدوية. ولم تكن المعطيات المتعلقة بالاختلافات المهنية في الوفيات قد توفرت حتى عام 1943 ، عندما أجرى "وتني" whitney دراسته الكلاسيكية التي نشرت بعد هذا التاريخ ، إذ قارن whitney مستخدماً أسلوب "إدوارد" Edwards في التصنيف ، بين معدلات الوفيات بين المهن وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت فيها بيانات المهنة على شهادات الوفيات كاملة تماماً في توضيح الارتباط بينها استناداً إلى بيانات تعداد السكان. وتشير النتائج هنا إلى وجود علاقة عكسية بين الطبقة المهنية والوفيات إذ بلغ معدل الوفيات 13.1 في الألف بين الأشخاص غير المهرة في مقابل 7 في الألف بين المهنيين. وأشارت حديثاً دراسة أجريت على نتائج تعداد 1950 إلى أن العلاقة العكسية بين المكانة المهنية والوفيات لا تزال قائمة في الولايات المتحدة، وأن مستوى الوفيات بين الطبقات المهنية الدنيا لا يزال ضعف المستوى الموجود بين الجماعات الإدارية والمهنية تقريباً. وبالرغم من أن دراسات "وتني وغيره" whitney و marigama و –cura luick تشير بوضوح إلى وجود تدرج عكسي ملحوظ عندما ترتبط الوفيات بالطبقة المهنية في الولايات المتحدة ، فهناك صعوبات معينة ترتبط بالطريقة التي استخدمت فيها المهنة كمؤشر على المكانة الاجتماعية والاقتصادية. ونشأت هذه الصعوبات عن جوانب قصور عديدة ناجمة عن البيانات المتوفرة ، وأي شخص يحاول البحث في هذا المجال أو يستخدم المادة المتعلقة بالوفيات حسب المهن يجب أن يأخذ هذه الجوانب للقصور في اعتباره. وتمثل أكثر الصعوبات وضوحاً فيما يتعلق بالعلاقة بين الوفيات والمهنة في عملية حساب معدلات الوفيات. ولكي نحسب معدل الوفيات حسب المهنة لابد من توفر عددين. عدد الأشخاص من الوفيات في كل مهنة خلال الفترة المدروسة ، والعدد الكلي للأشخاص الذين يحصون في كل مهنة خلال نفس الفترة. وهذه الأعداد للوهلة الأولى يبدو أنها متوفرة تماماً من خلال شهادات الوفاة ومصادر التعداد المنشور. ولكن على أية حال ، فإن إمكانية المقارنة بين هاتين المجموعتين من الحقائق والبيانات قد تكون موضع شك لأسباب كثيرة فلا يتبع المصدرين نفس الإجراءات في تسجيل المهنة. ومن ناحية أخرى ، تطلب شهادات الوفاة دائماً للمهنة العادية ولمن يمرض ، وتحدد المهنة عادة نوع العمل الذي يقوم به الشخص خلال معظم حياته. ويسجل التعداد من ناحية ثالثة ، في الفترة 1960م ، المهنة التي كان يعمل فيها الشخص في نفس الوقت التعداد. ولما كان نسبة كبيرة من المسنين بين القوى العاملة يعملون في مهن مختلفة كلية عن المهن التي كانوا يعملون فيها خلال الجانب الأكبر من حياتهم العملية ، فمن الممكن أن تكون المهن المسجلة في التعداد مغايرة عن تلك المهن المسجلة نتيجة لذلك في شهادات الوفاة. وقد تتأثر أيضاً إمكانية المقارنة بين شهادة الوفاة وبيانات التعداد بالحقيقة القائلة بأن شهادة الوفاة تسجل مهنة كل الأشخاص المرضى سواء أكانوا يعملون أثناء الوفاة أو كانوا من المتعطلين أو المتعاقدين. ومن ناحية أخرى يقدم التعداد في الفترة السابقة على عام 1960م بيانات المهنة التي لا تشير إلا إلى هؤلاء الأشخاص فقط الذين يمثلون الأعضاء الفعالين في القوة العاملة سواء أكانوا من العاملين فعلاً أو الذين يبحثون عن عمل مهنة معينة ، في وقت التعداد. وهذا معناه أنه عندما تحسب معدلات الوفيات وفقاً للطبقات المهينة ، فإن الأساس السكاني لا يشتمل على كل الأشخاص المعرضين لخطر الوفاة ، واي اختلافات بين المهن تتعلق بالعداد المحصي بمقارنته بالعدد الذي ينتمي إلى طبقة مهينة معينة ، بالرغم من أنه لم يكن يعمل في ذلك الوقت ، ما يمكن أن يثر بشكل واضح على معدلات الوفيات حسب المهنة الناتجة عن ذلك. 2 – المكانة الاجتماعية الاقتصادية والوفيات وبالرغم من أن المناقشات السابقة لم تشتمل على كل الطرق التي تتأثر فيها إمكانية المقارنة بين البيانات التي نحصل عليها من شهادات الوفاة وتلك التي توفرها تقارير التعداد ، إلا أنها أشارت بوضوح إلى أوجه القصور في استخدام بيانات المهنة كما يوفرها التعداد ومصادر التسجيلات الحيوية في تحليل الفروق الاجتماعية والاقتصادية في الوفيات. وبالنظر إلى أوجه القصور هذه ، فليس من المدهش أن نجد هناك مداخل عديدة وبديلة قد استخدمت في دراسة العلاقة بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية ومستويات الوفيات ، ومن هذه المحاولات لعب المسح بالعينة دوراً بارزاً. وقد تعتبر دراسة "سيدنستريكو" sydenstricher المبكرة لمدينة هاجر تاون hagers town من بين مسوح هذا البلد التي صممت للكشف عن أثر البيئة الاجتماعية و الاقتصادية على الصحة ، برغم أنها لم تعنى خصيصاً بالوفيات. هذه الدراسة ، التي قامت على مسح ل1.800 أسرة في مدينة hagers town وبدأت في خريف عام 1921 ، وأوضحت أن مستويات الصحة ، كما حددت بواسطة تكرار حدوث المرض تصبح فقيرة بشكل ملحوظ كلما تناقص دخل الأسرة. و أكثر من ذلك وجد أن مقدار الرعاية الطبية التي يحصل عليها الفرد يقل مع انخفاض حالة الدخل ، وأن 43% فقط من حالات المرض بين الفقراء كانوا يترددون على الطبيب في مقابل 70% من الأسر الغنية. بالرغم من أنه قد لوحظت بعض الاختلافات بين جماعات الدخل عند تحليل بيانات جماعات عمرية وأسباب معينة ، وانتهى "سيدنستريكر" sydenstricker ، إلى أن هناك حقيقتين واضحتين الأولى ، هي أن معدل المرض الملاحظ كان عالياً بالنسبة للفقراء عنه بالنسبة لمن هم أفضل منهم من الناحية الاقتصادية ، والحقيقة الأخرى هي أن هذه الأسرة عموماً والتي كانت تتجاوز المتوسط في الظروف الاقتصادية في هذا المجتمع تتمتع برعاية طبية كبيرة عن بقية السكان. ودرست أيضاً العلاقة بين الصحة والحالة الاجتماعية والاقتصادية بعد ذلك بسنوات قليلة في ربيع عام 1933م. وفي هذا الوقت أوضحت دراسة مسحية أجريت في "10" مقاطعات أن هناك زيادة ملحوظة في حدوث المرض كلما تناقص دخل الأسرة في خلال العام وأوضح بالمثل المسح الصحي القومي الذي أجري ما بين نوفمبر 1935، 1936 ، ارتباطاً قوياً بين الصحة والحالة الاقتصادية . و توضيح ذلك ، هو أن معدل الأمراض المزمنة الذي بلغ 160 في الألف بين الأشخاص المتقاعدين relief ، تناقص باستمرار كلما زاد الدخل لدرجة إن المعدل بين الأشخاص ذوي الدخل السنوي 5.000 أو أكثر كان حوالي 107 في الألف من السكان وأكثر من ذلك وجد المسح الصحي القومي أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية ترتبط ارتباطاً عكسياً بعملية تكرار وقع الحوادث والوفاة ، وتلقي الرعاية الطبية. لقد برهن حديثاً على الأثر العكسي للحالة الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة على مستويات الصحة ، من خلال نتائج مثل التي تؤكد وجود علاقة مباشرة بين دخل الأسرة ونسبة المرض وحالات الإصابة التي تتلقى اهتماماً ورعاية طبية ، وعلاقة عكسية بين الدخل وعدد أيام العمل التي يفقدها الشخص نتيجة لمرض مزمن أو إصابات. وتنطوي مداخل منهجية أخرى والتي استخدمت لدراسة العلاقة بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والصحة على استخدام بيانات التعداد لتقسيم البلد إلى مستويين اجتماعيين اقتصاديين اثنين. فلقد أوضح "بيمال" pemnell مثلاً ، أن وجود واستخدام خدمات المستشفيات ارتبط عكسياً بالحالة الاقتصادية عندما رتبت 48 ولاية ومقاطعة في كولومبيا طبقاً لمتوسط دخل الفرد سنوياً. وبالمثل أوضح "دورن" dorn باستخدامه لبيانات تعداد 1935م وتوزيع المناطق الريفية في أوهايو على فئتين اثنتين عريضتين ، أوضح أن معدلات الوفيات في المناطق ذات الحالة الاقتصادية الفقيرة ، مثل مناطق التعدين والزراعة المتدهورة بلغت حوالي 10% زيادة على المعدلات المناظرة في المناطق ذات الحالة الاقتصادية الأوفر. وكان معدل الوفيات بالنسبة للذكور في المناطق الأخيرة 8.3 في الألف بمقارنته بمعدل 9.3% في المناطق الفقيرة. أما الإناث فكانت المعدلات 7.9% وفي المقابل 8.7% على التوالي. وحديثاً لاحظ "التندرفر" altenderfer باستخدام بيانات دخل الفرد في ترتيب 92 مدينة في الولايات المتحدة والتي يزيد عدد سكانها على 100.000 نسمة لاحظ أن معدلات الوفيات تميل إلى الانخفاض بشكل واضح كلما ارتفع الدخل في المدينة ولقد وجد أن مثل هذه العلاقة العكسية بالنسبة لكل حالات الوفيات بين الأطفال ، والمواليد موتى ، و الوفيات بسبب أمراض مزمنة ولأسباب العدوى. وأمدتنا دراسة لاحقة أجريت على 973 مدينة عدد سكانها 10.000 من السكان ، و مرتبة وفق معدلات وفيات الأطفال أمدتنا بنتائج مماثلة ، وفي المدن ذات معدل وفيات الأطفال المنخفض كان متوسط دخل الفرد السنوي 722 دولار في مقابل 595 دولار بين المدن التي كان فيها معدل الوفيات كبيراً. والمدخل أو المنهج الثالث ، و الذي تزايد استخدامه على نحو شامل نتيجة لتوفر البيانات بدرجة ملحوظة . كان يتضمن أيضاً استخدام بيانات التعداد ن وباستخدام معلومات شهادة الوفيات بما في ذلك مكان الإقامة ، ثم اختبار الوفيات في علاقتها بخصائص اقتصادية واجتماعية تناولها التعداد ، المناطق الجغرافية الصغيرة المتجانسة نسبياً التي ينقسم إليها المدن الكبرى لأغراض إحصائية. وعلى أية حال ، عندما استخدمت بيانات شهادة الوفاة على المهنة لتصنيف الجماعات الاجتماعية والاقتصادية وباستخدام وحدات التعداد كوحدات للتحليل لوحظ بعض النقص. ولقد تمت مناقشة الدفاع عن أو رفض منهج وحدات التعداد في مواقع أخرى من التراث ولذلك سوف لا يفيد هذا النقاش مرة ثانية هنا. فلقد قام "جولتر وجور النيك" goulter g guralnick عرضاً للمشكلات وقائمة بيليوجرافية لهذا الموضوع. وأجرى "ألن" allen دراسة واعية باستخدام مؤشرات قيمة المسكن أو الأجر الشهري ، كما جاء في التعداد ن للعلاقة بين الحالة الاقتصادية والوفيات في أوهايو. وفي الأعوام 1930، 1940، 1950 ، وجد الأمر إن الأثر العكسي للبيئة الاجتماعية و الاقتصادية الفقيرة على مستويات الوفيات أكثر وضوحاً. وفي الدراسات الحديثة كذلك ، على سبيل المثال ، كانت وفيات الأطفال بين السكان البيض تقريباً أقل بثلاث مرات عنه في المناطق الاقتصادية الدنيا في المدينة. ووجدت دراسات مماثلة أجريت عدد من المدن الأخرى واستخدمت مجموعة متباينة من المؤشرات أيضاً أن مستويات الوفيات ترتبط ارتباطاً عكسياً بالحالة الاجتماعية والاقتصادية. وفي شيكاغو في عام 1920 – 1940 زاد توقع الحياة عند الميلاد بالنسبة لكل من الذكور و الإناث بشكل ملحوظ مع الحالة الاجتماعية والاقتصادية عندما صنفت بيانات التعداد في هذه المدينة وفقاً لمتوسط الإيجار الشهري. وبالمثل ، برهنت دراسة أجريت في نيوهافن haven في عام 1930 بوضوح على أن معدلات الوفيات تميل إلى الارتفاع كلما انخفض المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، وهذا ما برهنت عليه دراسات بافالو buffalo في نيويورك عام 1940 وهوستن Houston في تكساس في عام 1950م. وكل هذه الدراسات المذكورة سابقاً قد أشارت إلى وجود علاقة عكسية واضحة بين الوفيات والحالة الاجتماعية والاقتصادية. وعلى أية حال ، لا تبرهن كل الدراسات على هذه النتيجة: فعلى سبيل المثال ، أوضحت دراسة تبعية للمشاركين في مسح "سيدنيتريكر" sydenstricker في Hagerstown نمطاً شاذاً عندما كان معدل المرض مرتبطاً بالحالة الاقتصادية ، وبالمثل ، انتهى مسحاً لمدينة buller country, pa خلال صيف 1954 والذي استخدم تصنيف Edwards المهني كمؤشر على الحالة الاجتماعية والاقتصادية ، انتهى إلى أنه ليس هناك فارق واضح في حدوث المرض بين الطبقات المتباينة والعديدة. ولقد أصبح وجود الاختلاف ظاهراً للغاية عندما أخذت في الاعتبار حالات معينة أخرى. ولتوضيح ذلك ، فلقد كانت النتيجة على خرف العلاقة العكسية القوية ، بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية ووفيات الأطفال في هوستن Houston و ظهر أن هذه العلاقة لا وجود لها تماماً في دراسة سيركس Syracuse و دراسة providence وبالرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن هذه العلاقة لا وجود لها بالنسبة للأمراض المزمنة إلا أنها لا تزال هناك دراسات غيرها تشير إلى أن هذه العلاقة العكسية من القوة بالنسبة للوفيات التي ترد إلى المرض وكذلك بالنسبة للوفيات الناجمة عن أسباب العدوى .. وأكثر من ذلك وحتى هذه الدراسات التي توافق على وجود الاختلاف لا توافق على ما إذا كان الاختلاف قد أصبح صغيراً أو لا يزال هو نفسه أو حتى أكثر وضوحاً مما كان عليه في الماضي. ومثل هذه الملاحظات المتعارضة فيما يتعلق بوجود وطبيعة ومدى الفروقات الاجتماعية والاقتصادية في الوفيات تشير بوضوح إلى الحاجة إلى مزيد من البحث في هذا المجال. الخلاصة يشير المسح السابق للتراث المتعلق بالفروقات الاجتماعية والاقتصادية في الوفيات في الولايات المتحدة إلى نوع البحث الذي أجري في هذا المجال وإلى طبيعة النتائج التي تم التوصل إليها. ففي الماضي ، برهنت النتيجة العامة لكل هذه الدراسات ، التي استخدم الكثير منها مداخل أو طرق منهجية مختلفة بشكل ظاهر ، برهنت على وجود علاقة عكسية محددة بين معدلات الوفيات والحالة الاجتماعية والاقتصادية. وعلى أية حال. يبدو في الوقت الحديث أن هناك بعض التعارض فيما إذا كان هذا الفارق موجوداً أم لا ، سواء بالنسبة للوفيات عموماً أو للوفيات لأسباب معينة. وأكثر من ذلك ، حتى عندما كان يوافق على وجود مثل هذا الفارق ، فلم يكن هناك اتفاق عما إذا كان هذا الفارق محدداً أم لا. و الشيء المحتمل هو أن وجود الفروق الاجتماعية والاقتصادية في الوفيات ، سوءا أصبحت بسيطة أو كبيرة ، فإنها تختلف فعلياً م مكان إلى آخر. ومن ناحية أخرى قد يعتمد وجود وطبيعة العلاقة على متغيرات مختارة لقياس الحالة الاجتماعية الاقتصادية مثلاً ، الدخل في مقابل الأجر ، أو المهنة ، أو الإجراءات المنهجية المستخدمة. ولقد برهنت دراسة حديثة على أن كل هذه العوامل قد تمارس تأثيراً على طبيعة الفروق الاجتماعية الاقتصادية في الوفيات. ولكي نوضح الموقف الحاضر ، ولكي نحدد ما إذا كان الفارق الاجتماعي الاقتصادي التقليدي لا يزال موجوداً ام لا ، أو ما إذا كان يميز كل أو بعض جوانب الوفيات فقط أو ما إذا كان محدوداً ، نقرر أن الأمر يتطلب سلسلة مستمرة من الدراسات المقارنة. وأكثر من ذلك ، يجب أن تشير مقارنة المناطق ووصف الاتجاهات الزمنية بوضوح إلى ما الذي يجب عن يقارن وما ينبغي أن يتضمن من خصائص معينة عندما تستخدم إجراءات منهجية متباينة ، ومصادر للبيانات مختلفة ، ومجتمعات في المقارنة –وعندما يتوافر لدينا فقط سلسلة مستمرة من الدراسات حول الطرق التي تؤثر بها عوامل مكانية مختلفة على الوفيات سوف يتوافر لدينا أساساً سليماً لتحديد أثر الحالة الاجتماعية الاقتصادية على الوفيات. ثالثاً توقع الحياة ومستويات التنمية البشرية في البلدان النامية وسبق إن أوضحنا كيف أن دراس السكان يستطيع إن يستفيد من ما يجمعه من بيانات حول ظاهرة الوفيات في رسم جدول حياة أو جماعة أي مجتمع ، يمكن بناء عليه توضيح تطور توقع الحياة أو أمد الحياة expectation of life لهذه الجماعة أو المجتمع خلال فترة زمنية معلومة. ويقاس أمد الحياة باستخدام أساليب إحصائية تعتمد على جدول الحياة ويحسب دائماً عند الميلاد أو عند فئة عمرية. وهو ببساطة عبارة عن عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها الفرد الواحد في أية سنة معلومة وهو يحسب باستمرار للذكور والإناث كل على حدة. واليوم تطور استخدام مقياس توقع الحياة أو متوسط العمر المتوقع و أصبح يستعان به في تحديد مستويات التنمية البشرية في بلدان العالم. وقد تحقق هذا التطور من خلال الجهود الدولية وحرص البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة منذ بداية التسعينات على إصدار تقرير سنوي للتنمية البشرية تتم من خلاله ترتيب دول العالم طبقاً لمستويات التنمية البشرية يعتمد على ديل التنمية البشرية باعتباره مركباً من مؤشرات نمطية قابلة للمقارنة بين الدول ، وتصنيف الجول إلى ثلاثة مجموعات: دول ذات تنمية بشرية عالية "قيمة الدليل 0.8 فأكثر" ودول ذات تنمية بشرية متوسطة "قيمة الدليل بين 0.5 و 0.8" ثم دول ذات تنمية بشرية منخفضة "قيمة الدليل أقل من 0.5" ودليل التنمية البشرية عبارة عن مقياس نسبي مركب من ثلاثة مؤشرات هي العمر المتوقع عند الميلاد ومعدل القراءة والكتابة للبالغين ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي معبراً عنه بالدولار الأمريكي. ويلاحظ أن المؤشرين الأول والثاني لهما صفة الرصيد ويعكسان أوضاع الصحة والتغذية والمعرفة في الدولة أما المؤشر الثالث فله صفة التدفق الذي يعبر عن قدرة الفرد على الحصول على الموارد اللازمة لحياة كريمة. 1 – متوسط العمر المتوقع في البلدان النامية وفي دراسة حديثة أجريت حول العمر المتوقع في البلدان النامية يشير الباحث في البداية إلى مجموعة ملاحظات حول واقع البيانات المتاحة في هذا الصدد. ثم يستخلص أهم النتائج حول العمر المتوقع في هذه البلدان بناء على المقارنات بين هذه البيانات. والواقع أن البيانات المتاحة حول الوفيات في البلدان النامية قد تحسنت بشكل واضح عبر عشرات السنوات الأخيرة. وأصبحت التسجيلات الحيوية أكثر اكتمالاً تدريجياً خاصة في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا. أما البيانات التي تسمح بتقدير وفيات الرضع و الأطفال قد اتسع نطاق جمعها من خلال التعدادات والمسوح خاصة تلك التي أجريت بمعرفة البرنامج العالمي لمسح الخصوبة "w F S" وحديثاً جداً بواسطة المسوح الديموجرافية والصحية "D H S" وبرغم هذه التحسينات، لا يزال نقص البيانات التي يمكن الاعتماد عليها يمثل عقبة خطيرة في عملية تحليل الوفيات في البلاد النامية. فمثلاً ليست هناك مسوح حديثة أو تسجيل للبيانات في البلاد التي تعاني من الحرب أو النضال الوطني. وعموماً لقد حدث تقدم هائل في خفض الوفيات في المناطق الأقل نمواً في عشرات السنين الحديثة. وعبر فترة "40" عاماً من عام 1950 وحتى عام 1990 ، كان متوسط توقع الحياة عند الميلاد في المناطق الأقل نمواً قد قدر بزيادة 21 عاماً من حوالي "41" في عام 1950 – 1955 إلى "62" عاماً في الفترة من 1990 – 1995 ، و ذلك طبقاً لتقديرات واسقاطات سكان العالم الأخير الذي أجرته الأمم المتحدة. وقد تضاءل الفارق بين المناطق الأكثر والأقل نمواً خلال هذه الفترة من 26 عاماً في بداية 1950 إلى 12 عاماً في الفترة ما بين 1990 – 1995. وعلى أية حال ، فإن هناك درجة هائلة من التباين على المستويات الإقليمية وكذلك لوحظ أن الفروقات بين البلاد كان كبيراً أيضاً. فكان التقدم بطيئاً في أفريقيا ، ولا يزال توقع الحياة يقدر عنه جوالي 50 عاماً فقط في شرق و وسط وغر أفريقيا. أما الوفيات فهي منخفضة في شمال وجنوب أفريقيا حيث بلغ توقع الحياة و62 و 63 عاماً خاصة في الفترة من 1990 – 1995. وكانت تقديرات توقع الحياة عند الميلاد في آسيا في الفترة من 1985 -1990 عالياً عامة عما هو ملاحظ في أفريقيا وتتراوح من 60 في وسط وجنوب آسيا 70 عاماً في شرق آسيا و تتراوح بين 68 عاما في أمريكا الجنوبية و 69 عاماً في أمريكا الوسطى والكاريبي. وهذا ما توضحه بيانات الجدول التالي: توقع الحياة بالسنوات الأقاليم أكبر المناطق 1950 1955 1960 1965 1970 1975 1980 1985 1990 1995 2000 2005 2010 2015 2020 2025 العالم 46.4 25.3 57.9 61.3 64.4 67.1 69.6 72.5 أكثر المناطق نمواً 66.5 69.8 71.2 73 74.4 75.8 77.3 78.6 أقل المناطق نمواً 40.9 47.7 54.6 58.5 62.3 65.5 68.5 71.3 أفريقيا 37.8 42 46 49.4 53 55.8 60.5 65.4 شرق أفريقيا 63.3 40.7 44.8 46.9 49.7 51.3 57.5 64.3 وسط أفريقيا 63 39.6 43.9 48.1 51.3 53.7 59 65.1 شمال أفريقيا 41.8 46.3 51.3 56.6 62.2 66.2 69.2 71.8 جنوب أفريقيا 44.2 49.3 53.4 57.6 62.6 67.1 70.5 72.9 غرب أفريقيا 35.6 39.4 42.8 46.1 49.8 53.2 57.5 62.1 آسيا 41.3 48.4 65.3 60.4 64.5 67.9 70.8 73.2 شرق آسيا 42.9 51.4 64.2 67.6 69.7 72.1 73.8 75.4 جنوب آسيا الوسطى 39.3 45.5 50.1 55.1 60.3 64.7 68.6 71.5 جنوب شرق آسيا 40.5 46.4 51.8 58.1 63.6 67.3 70.5 73.4 غرب آسيا 45.2 52.1 57.9 62.5 66.5 69.5 72 74.1 أوروبا 66.1 69.7 70.8 71.9 72.9 74.3 76.1 77.5 أوروبا الشرقية 65.5 69.1 69.4 69 68.9 70.2 72.4 74.3 أوروبا الشمالية 69.2 71.2 72.4 74.1 75.7 77.2 78.3 79.3 أوروبا الجنوبية 63.3 68.6 71.5 74 76.2 77.7 78.9 أوروبا الغربية 67.6 70.8 71.8 74.3 76.5 77.9 79 80 أمريكا اللاتينية 51.4 56.9 61.1 65.1 68.5 71 73.2 75.1 الكاريبي 52 85.4 63.1 66.4 69.2 71.4 73.3 74.9 أمريكا الوسطى 49.3 56.7 61.5 65.8 69.9 72.3 74.2 75.7 أمريكا الجنوبية 52.1 56.8 60.7 64.7 67.9 70.4 72.8 74.8 أمريكا الشمالية 69 70.1 71.5 74.7 76.1 77.6 78.8 79.8 استراليا – نيزولاندا 69.5 70.9 71.7 75 77.3 78.5 79.6 80.5 37.9 45.6 50.8 55.4 59.1 62.9 66.6 69.9 49.4 55.3 59.4 63.7 67.7 71 73.3 75.2 45.7 53.5 59.3 64.5 68.1 70.6 73.1 75.5 2 – توقع الحياة ومستويات التنمية البشرية ويفسر ارتفاع معدل الوفيات ووفيات الأطفال في غرب أفريقيا إلى مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية و إلى عوامل بيئية. ويفسر معدل الوفيات المنخفض ووفيات الأطفال في شرق أفريقيا وجنوبها إلى النمو الاقتصادي الملحوظ خلال الأعوام 1970-1980 وارتفاع نسبة أعداد النساء اللاتي تلقين رعاية أمومة مثل تطعيم ضد التيتانوس ، والاهتمام بتقديم الرعاية للمواليد على أيد اخصائيين صحيين مدربين ، وزيادة نسبة الأطفال الين شملهم التطعيم. بناء السكان وديناميات التنمية تمهيد اهتم الفصل السابق بمعالجة العلاقات المتداخلة بين السكان والتنمية بوجه عام ، و حرص على تناول عوامل الاهتمام بهذه المسألة ، والمفهومات التي تم الاستعانة بها في تصور متغيرات السكان والتنمية ، والقضايا التي آثارها الباحثون في هذا الصدد ، وانتهت التحليلات التي تنطوي عليها هذا الفصل إلى عدد من النتائج الهامة ، التي تؤكد الطبيعة الجدلية و التفاعلية بين السكان والتنمية ، وان كل جانب منها ينطوي على جوانب متباينة ، تؤثر و تتأثر ببعضها الآخر، و أنه من الخطأ القول بأن التأثير بينهما يسير في خط واحد ، غير أنه يمكن تجنب المشكلات المترتبة على كل متغير منها ، من خلال أخذهما معاً في الاعتبار دون اهتمام بجانب منهما على حساب الآخر ، و من ثم يمكن ان تزول المخاوف المعلنة من زيادة نمو السكان و اعتبارها معوقة للتنمية ، و تتأكد الأهمية التي تعلق على السكان من حيث حجمهم و تكوينهم و توزيعهم في دفع عجلة للتنمية ، ويحاول الفصل الحالي تعمق جانب هام من جوانب السكان و هو ما اصطلحنا على تسمته ببناء السكان باعتباره ينطوي على عناصر بنائية فرعية مثل حجم السكان وتكوينهم العمري و الاقامي في الريف و الحضر و تباينهم ، و تكوينهم المهني و مشاركتهم في القوة العاملة و مستويات استخدامهم وعطالتهم وذلك بهدف بيان العلاقات المتبادلة و المتفاعلة بين هذه العناصر البنائية في السكان وبين عمليات التنمية الاجتماعية و الاقتصادية ، لنرى كيف يمكن أن نصل إلى نتائج أخرى وتدعم أو تخالف مجموعة النتائج التي توصلنا إليها في الفصل السابق ، حول مسألة العلاقة بين السكان والتنمية بوجه عام. أولاً: حجم السكان في العالم يفرض علينا طبيعة الموضوع الذي تناوله و نوعية المسألة التي نعالجها وهي مسألة العلاقة بين السكان والتنمية هنا ، مستوى التحليل الذي يجب أن نلتزم به ، ولعل تحليل هذه المسألة على المستوى العالمي يعد أمراً ملائماً منهجياً ، طالما كان هناك اعتراف بأن متغيرات السكان تختلف بين مجموعتين من بلاد العالم انقسمتا على هذا النحو في ضوء مستوى التنمية التي وصلت إليها ، إلى مجتمعات العالم المتقدمة و مجتمعات العالم النامي ، ولذلك فإن تحليلنا لمسألة العلاقة بين السكان و التنمية ، ولمختلف جوانب بناء السكان أو حتى تغيره ، سيلتزم بهذا المستوى و يحاول أن يجري مقارنته السكان والتنمية بين مجتمعات العالم المتقدم من ناحية و مجتمعات العالم النامي من ناحية أخرى ، ولعل أول ما يصادفنا ونحن ننظر إلى جانب بناء السكان ، و ما يدخل حول عنوان حجم السكان ، و هو العدد الذي وصل إليه السكان في أقرب لحظة زمنية أجريت لها تقديرات أو تعدادات يعتمد عليها ، حيث بلغ إجمالي سكان العالم حسب تقدير عام 1970 "3.600" مليون نسمة ، منهم "1.100" مليون تقريباً في البلاد المتقدمة و "2.500" مليون تقريباً في البلاد النامية ، وهذا يعني أن نسبة حجم السكان في البلاد المتقدمة إلى نسبة حجم السكان في البلاد النامية هي 75:25% أو 1/3 ، ولم يصل عدد سكان العالم بطبيعة الحال إلى هذه الحجم مرة واحدة وإنما مر بتغيرات مختلفة ، سنعود إليها عند تناولنا لموضوع نمو السكان فيما بعد. والمهم ان كان هذا العالم يمثل حيزا محدوداً ولا يمكن أن يستوعب مثل هذا العدد لاستحال بلوغ السكان هذا العدد الذي وصل إليه ويدل ثانياً على أن هناك اختلافاً وتبايناً واضحاً بين البلاد المتقدمة والبلاد المختلفة ، يتمثل في ضآلة حجم السكان في البلاد المتقدمة بالمقارنة والبلاد المتخلفة ، يتمثل في ضآلة حجم السكان في البلاد المتقدمة بالمقارنة بالبلاد المتخلفة الأمر الذي ساهم بدوره في الهوة الملحوظة و المتزايدة بين النوعين من البلاد ، وفي مقابل هذا الحجم المتفاوت لسكان العام ، كان هناك مستويات متباينة للمعيشة بين البلاد المتقدمة و النامية ، إذ قدر مستوى المعيشة "مع بداية هذا القرن" وفي البلاد النامية أنه يساوي 1/5 من مستوى المعيشة على البلاد المتقدمة ولقد اتسع هذا الفارق مع حلول عام 1970 إلى درجة بلغ فيها مستوى المعيشة في البلاد المتقدمة ضعف نظيره في البلاد النامية بما يساوي "14" مرة. وحتى عندما قام مجلس التنمية فيما وراء البحار حديثاً جداً بتحليل البيانات المقارنة ، ولاحظ أنه خلال الفترة ما بين 1960 و 1973 ، برغم البرامج المختلفة المتخصصة لمساعدة البلاد النامية من أجل رفع مستوى المعيشة بها ، من خلال برامج الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة و برامج المساعدة الفنية المتباينة العامة والخاصة ، فلقد زادت الهوة بين البلاد المتقدمة و النامية بشكل له دلالته ، فمنذ عام 1960 وحتى عام 1973 انخفضت نسبة إجمالي الناتج القومي في البلاد النامية من 19% إلى 17% وتناقصت نسبة العائد من التصدير العالمي في هذه البلاد النامية من 21% إلى 18% ، وانخفضت نسبة الإنفاق على التعليم العام في نفس هذه البلاد 15% إلى 11% ، وكذلك هبط إجمالي الإنفاق على الصحة العامة من 11% إلى 6% بينما ارتفع معدل الإنفاق العسكري وعلى نحو مزعج وسافر من 9إلى 13%. في ضوء هذه الهوة المتزايد في حجم السكان وفي مستويات المعيشة بين البلاد المتقدمة و النامية ، تعالت الصحيات من أجل البحث عن حلول لهذا الموقف المتفجر وتبلورت في مجموعة استراتيجيات بديلة سنعود إلى الحديث عنها فيما بعد. ثانياً: التكوين العمري وتباينه بين البلاد المتقدمة والنامية وطالما كان حجم السكان يمثل عدد الأفراد في لحظة زمنية محددة و أن هؤلاء الأفراد يختلفون فيما بينهم من حيث الأعمار إلى فئات من هم أقل من سن العمل ، ثم فئة من هم في سن العمل ثم تجاوزوا سن العمل مثلاً ، و كان حجم السكان قد اختلف بين البلاد المتقدمة و النامية ، فالمتوقع أن يكون هناك اختلاف فيما بينهم من حيث فئات العمر أو التكوين العمري و بالتالي نتوقع اختلافاً في معدلات الاعتمادية ثم نتوقع نتائج متباينة على برامج التنمية في كل حالة. فلقد لوحظ أن نسبة الشباب في البلاد المتقدمة منخفضة أكثر منها في البلاد النامية وهذا يرجع إلى الخصوبة المنخفضة أساساً في البلاد المتقدمة ، كذلك ترتب على تناقص وفيات المواليد و الأطفال في البلاد النامية ، زيادة نسبة المعتمدين الصغار وذلك كلما كتب البقاء لهم. فمع بقاء كل العوامل الأخرى ثابتة ، فإن السكان الذين يضمون نسبة كبيرة من الأشخاص أقل أو أزيد من سن العمل ، قد يصلون إلى إنتاجية أقل لكل فرد من السكان الذين يضمون نسبة اصغر من هؤلاء الأشخاص. وهذا يعني ، أن مجموعة السكان الأولى مقارنة بمجموعة السكان الأخيرة لديها أفواه كثيرة وفي حاجة إلى غذاء بالنسبة لما توافر لديها من أيدي للعمل ، وبرهن نموذج coale على ما يمكن إن يتحقق من مكاسب نتيجة لتقليل حالة الاعتماد من خلال خفض الخصوبة. وهذا النتائج يمكن توضيحها من خلال اقتباس حساباته حول معدلات الاعتمادية ، بمعنى عدد الأشخاص الذين يقلون أو يزيدون على سن العمل. حسب ما يوضحه الجدول التالي: معدلات الاعتمادية الفترة الزمنية صفر 30 60 150 السكان سكان A 87.3 96.0 97.4 103.2 سكان B 87.3 59.5 56.4 58.4 ولو بدأنا افتراضنا بإجمالي نسبة المعتمدين "من الصغار والكبار" ومقدارها 87.3 في مجموعة السكان A ، فإن نسبة المعتمدين ستزيد خلال 30 عاماً ، وتصل إلى 96.0 ، مع الخصوبة الثابتة ، بينما ستصل إلى 59.5 وتنخفض إلى حوالي 32% في مجموعة B وفي خلال 60 عاماً تظل نسبة الاعتماد في السكان A عند حوالي نفس المستوى "97" ولكن ينخفض السكان B أكثر ويصلوا إلى 56.8. ويشير "كول" إلى أن الفروق في الاعتمادية تصل إلى حد أقصى خلال حوالي 40 سنة وتظل ثابتة بعد ويشكل الصغار النسبة الكبرى من المعتمدين في نقطة البدء في كلي المجموعتين من السكان "B'A" أكثر من الكبار ، بالرغم من أن نسبة الكبار تزيد مع الخصوبة المنخفضة في مجموعة السكان B. ففي نقطة البداية. وفي كلي المجموعتين من السكان "B'A" تصل نسبة الأشخاص من فئة العمر أقل من 15 إلى 43% وخلال 30 عاماً ، على أية حال ، وبينما يستمر الأشخاص أقل من 15 عاماً يكونون 45.8% من السكان A فإنهم يشكلون فقط 32.8% من السكان B ، و في خلال 60 عاماً ، و عندما يشكل المعتمدون الصغار 46.8% من السكان A ، فإنهم يتناقصون إلى حوالي 29% فقط في السكان B ، و لا يزيد الانخفاض ذو الدلالة في المعتمدين الصغار في السكان B فقط من نصيب الفرد من النتائج كما قد أشرنا ، وإنما يؤدي إلى مكاسب أخرى ممكنة إذا انخفضت الخصوبة. ومع تساوي كل الظروف الأخرى ، تجعل النسبة المتناقصة من الصغار من الممكن زيادة استثمار المدخرات النادرة نسبياً في البلاد النامية و توجيهها إلى قنوات إنتاجية و بأسلوب مباشر أكثر من توجيهها للاستثمار الاجتماعي اللازم لتربية الصغار ، حتى ولو أن مثل هذه الاستثمارات قد ينظر إليها باعتبارها استثمارا في رأس المال البشري ، وأكثر من ذلك وبين مجموعة أخرى من العوامل يميل الانخفاض في نسبة الصغار إلى زيادة الاستثمار الممكن لكل طفل من أجل التعليم واكتساب المهارة وهو استثمار في الموارد البشرية ضروري لتحسين نوعية السكان. وفي النهاية وكما لاحظ كول ، يمكن للبلد ذات الخصوبة العالية و بإنقاص خصوبتها ، إن تحقق كسباً ضخماً في زيادة المحتمل من نصيب الفرد من المنتج فقط مرة واحدة ، ويمكن أن يحدث هذا نتيجة للانخفاض الأولي في معدل المواليد ، بينما تنخفض نسبة الصغار ، فإن نسبة الأشخاص في عمر العمل لا تتأثر ، وهذا معناه ، أنه إذا اعتبرنا عمر الدخول إلى القوة العاملة 16 سنة ، فيحتاج الأمر إلى 16 سنة وبعدها يبدأ الانخفاض في معدل المواليد قبل أن يبدأ الانخفاض في القوة العاملة ، ولذلك يوجد هناك انخفاض كبير نسبياً في نسبة المعتمدين الصغار في علاقتهم بالقوة العاملة فقط خلال الجيل الأول من انخفاض الخصوبة. ويوضح التحليل السابق أن التكوين العمري للسكان في البلاد المتقدمة يختلف عن نظيره في البلاد النامية ، حيث تزيد نسبة الصغار ومن هم في سن أقل من سن العمل من المعتمدين في البلاد النامية عنه في البلاد المتقدمة ، حيث لوحظ أن عدد الأطفال ما بين 5-14 سنة مبدئياً هي الفترة الزمنية التي تعرف بفترة التعليم الأولى والابتدائي و الاعدادي قد تزيد بمعدل 66% في البلاد النامية ، وذلك بالمقارنة بنظيره في البلاد المتقدمة الذي بلغ 35% فقط ، ومن ناحية أخرى لوحظ انخفاض إجمالي الناتج الفردي في البلاد النامية وانخفاض مستوى الإنتاج ، و زيادة عدد الأفواه التي تحتاج إلى غذاء وقلة فرص الاستثمار الإنتاجي و ضآلة فرص التعليم و اكتساب المهارات ، بينما كان تناقص من هم في أقل من سن العمل في البلاد المتقدمة ، تقابله زيادة الاستثمار الإنتاجي ، و الاستثمار في الموارد البشرية ، و زيادة فرص التعليم و اكتساب المهارات ، الامر الذي كان من نتيجته تزايد الهوة البلاد المتقدمة و النامية من ناحية أخرى. ثالثاً: توزيع السكان بين الريف و الحضر في العالم وفي كل أرجاء العالم أو البلاد المتقدمة و كذلك البلاد النامية أدى التركيز المتزايد للسكان في مجموعات حضرية كبيرة فضلاً عن تيارات الهجرة المصاحبة لذلك إلى ظهور مشكلات شديدة –بيئية و طبيعية و شخصية واجتماعية و اقتصادية و حكومية ، إذ تعتبر صور البؤس الإنساني الناجمة عن المعدلات المتعجلة للتحضر أكثر وضوحاً في البلاد النامية ، بسبب الظروف الأكثر شدة للحياة ذات الصلة بالفقر و المعدلات الأكثر سرعة للتحضر والهجرة الداخلية. وبرغم أن البشرية وما يتصل بها قد مضى عليها أكثر من 4 ملايين عام على سطح الأرض ، فإن التحضر بمعنى ظهور التجمعات السكانية الكبيرة والتي يطلق عليها اسم المدن ، يعتبر حديثاً في شأنه نسبياً ، ولقد كشفت النتائج الأركيولوجية عن قرى في العصر الحجري وجدت منذ 10.000 عاماَ مضت والتي أن يزيد سكانها على مجموعات من "50" أو "100" منزل. ومن بين متطلبات المعيشة في تجمعات يمكن أن نذكر التطور في التكنولوجيا من ناحية ، و التنظيم الاجتماعي من ناحية أخرى ، ومثل هذه التطورات لم تكن متاحة بالقدر الذي يساهم في وجود التجمعات التي يمكن إن يطلق عليها الحضر حتى منذ عام 5000 إلى عام 3500 ق.م و أكثر من ذلك ، فإن التطورات التكنولوجية و التنظيمية الاجتماعية لم تكن متاحة لتكوين مدينة يزيد عددها على 1000.000 حتى وقت حديث عند اليونان و الرومان ، أو حتى لتكوين مدينة تضم مليوناً واحداً أو أكثر من السكان حتى القرن التاسع عشر تقريباً ، وفي عام 1800 كان هناك ما يقل عن 3% من سكان العالم يعيشون في أماكن حضرية ، وبعد ذلك بقرن ، ظلت الحضرية تمثل أقل من 10% وفي عام 1970 ، وقدرت الأمم المتحدة الحضرية في العالم بحوالي 37% ، من بينها 66% في البلاد المتقدمة ، و 25% في البلاد النامية و توقعت الأمم المتحدة مع نهاية القرن أن يعيش حوالي نصف سكان العالم في أماكن حضرية ، منهم أكثر من 80% في بلاد العالم المتقدمة ، وأكثر من 40% في البلاد النامية ، هذا وقد تزايد التحضر في العالم ما بين عامي 1970-2000 حسب توقعات الأمم المتحدة ، بمعدل 2.8% سنوياً. و زاد التحضر في البلاد النامية بحوالي 3.8% سنوياً ، و بلغ معدل النمو ثلاث مرات ضعف الزيادة في البلاد المتقدمة ، بمعدل 1.4% سنوياً ، وبينما يستوعب النمو الحضري في العالم ككل 66% من إجمالي نمو السكان العالم ، فإنه يستوعب في البلاد النامية حوال 58% من إجمالي نمو هذه البلاد ، وفي البلاد المتقدمة ، سوف يفوق النمو الحضري إجمالي نمو السكان ، بمعنى أن الهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية سوف يستمر لدرجة أن السكان الريفيين سوف يتناقصون فعلاً خلال مدة ثلاثين عاماً وحتى نهاية القرن الماضي. وفي الوقت الحاضر ، لا يتوفر للنسبة الكبيرة من السكان الحضرية في البلاد النامية أية أسباب الراحة الحضرية ، مثل المياه النقية وشبكة المجاري ووسائل النقل العامة والإسكان ، و مع هذه الظروف فإنه من الصعب أن نفكر في المشكلات التي قد تواجهها البلاد النامية ، كلما تزايد سكانها ، و كما هو متوقع من خلال أقل من جيل بشري واحد ، وبين عام 1970-2000. توقعت الأمم المتحدة أن السكان الحضريين في البلاد النامية يمكن أن يزيدوا من 632 مليون إلى 2 بليون. ومع حلول عام 2000 ، و بالرغم من أن البلاد المتقدمة تكون أكثر حضرية من البلاد النامية ، فإن عدد السكان في المناطق الحضرية بالبلاد النامية ، قد يزيدون مرتين على السكان في البلاد المتقدمة ، "2"بليون في مقابل "1.1" مليون. 1 – نمو سكان الريف ولا ينبغي تفسير التأكيد على الحضرية هنا على أنه يعنى أن نمو السكان الريفيين قد يكون أقل أو يثير مشكلات قليلة نسبياً بينما كان من المتوقع أن يزيد سكان الحضر في العالم من عام 1970 حتى عام 2000 بحوالي 1.8 مليون شخص ، كان من المتوقع أن يزيد سكان المناطق الريفية في العالم بحوالي 890 مليون ، وهو رقم ضخم. وبينما المتوقع أن يزداد سكان الحضر في البلاد النامية بحوالي 1.4 مليون ، فإن سكان الريف سوف يزيدون في نفس الوقت بأكثر من "1" بليون. و في البلاد المتقدمة ، و بينما المتوقع أن يزداد سكان الحضر بحوالي 390 مليون و يتوقع يتناقض سكان الريف بأكثر من 11 بليون فسوف لا يزال نمو سكان الريف ما بين 1970-2000 وطبقاً لتوقعات الأمم المتحدة يزيد على 4. من إجمالي نمو السكان في البلاد النامية. وسيكون نمو سكان الريف في البلاد النامية تحدياً خطيراً للجهود التي تهدف إلى زيادة نصيب الفرد من الناتج القومي ، وكذلك الجهود التي تعمل على رفع مستويات المعيشة. وهكذا ، فالتأكيد الذي أعطى للتحضر ، يعني التقليل من شأن أثر النمو الريفي ، غير أن التركيز على الطريقة التي يكون فيها للحضرية مضامين خاصة أو نتائج على التغير الاجتماعي والتنمية الاقتصادية هو الذي يثير اهتمامنا. 2 – التحضر و التنمية في البلاد المتقدمة و النامية تختلف العلاقة بين التحضر و التنمية الاجتماعية والاقتصادية كلية في البلاد المتقدمة و النامية. ففي البلاد المتقدمة كان التحضر سابقاً و متساوياً مع التنمية و الاقتصادية. وكان السكان قد نزحوا من المناطق الريفية النائية بتأثير الأجور المرتفعة و المرتبات و المستويات العليا في المعيشة التي أتاحتها الإنتاجية الضخمة في المدن. وبينما ظهرت المراكز الحضرية في البلاد النامية نتيجة لسيادة وتأثير قوة مختلفة تماماً. إذ تتميز البلاد النامية بوجود المدن الرئيسية PRIMATE و الضخمة على نحو غير متناسب ، والتي لا تشبه المدن الكبرى في البلاد المتقدمة ، والتي لم تكن محصلة للتنمية الاقتصادية القومية ، مثل تلك التي تنتمي إلى النظم الاقتصادية الضخمة ، وكانت وظيفتها القيام بدور المركز التجاري. وهذه المدن الرئيسية كانت تسمح بعلاقات متبادلة بين البلد الآم وبين المستعمر. ولقد بلغت هذه المدن حجماً ضخماً بدون أن يصاحب ذلك تنمية اقتصادية قومية. وفي الحقيقة ومع انتكاسة الامبيرليالية بعد الحرب العالمية الثانية ، و التمزق المصاحب في العلاقات الاقتصادية ، ترك الكثير من هذه المدن الرئيسية بدون قواعد اقتصادية أساسية ، ولا يزال الكثير من مثل هذه المدن في انتظار التنمية الاقتصادية لكي تكفل هذا الحجم من سكانها الحاليين. وبهذا المعنى. وبدون مضامين معياريه قد يقال أن البلاد النامية تمر بحالة نمو حضري متزايد. وباختصار يعتبر الحجم الحالي للمدن الرئيسية في البلاد النامية وجزئياً نتاج لما ورثته من الاستعمار ، أكثر منه محصلة للتنمية الاقتصادية القومية ، وفقاً للأحداث التي سنناقشها فيما يلي: فلقد كان العامل الثاني الذي أدى بالبلاد النامية إلى أن تتخم بالسكان الحضريين ما كانت تعانيه المناطق الريفية من اضطرابات ، أكثر منه بحثاً عن التقدم الاقتصادي. وكان عدم توفر الأمن راجع إلى حملات الغزو وجهود التحرر خلال الحرب العالمية الثانية ، و إلى الاضطراب الداخلي بعد نهاية الحكم الاستعماري ونضال المستعمرات من أجل تحقيق الوحدة والوعي –تلك الأهداف التي كان يحول دونها عدم تجانس السكان و التمسك بالوضع التقليدي وسوف نناقش هذا الموضوع فيما بعد. ولا يزال هناك عامل آخر له أهمية يكمن وراء حركة الهجرة من الريف على الحضر في البلاد النامية لم يظهر في البلاد المتقدمة ، يتمثل في الانخفاض السريع في معدل الوفيات الذي أشرنا إليه سلفاً. فلقد ترتب على انخفاض معدلات الوفيات نتيجة للتأثيرات الخارجية معدلات نمو عالية غير مسبوقة ثم تضخم السكان لدرجة لم تعد الأراضي قادرة على اعالتهم ، بقدر ما كانت تميل إلى دفعهم بعيداً نحو الأماكن الحضرية ويمكن النظر إلى هذا النوع من الهجرة باعتباره تحولاً أو نقلاً للفقر من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية ، أكثر منه انتقالاً نحو مستويات عليا في المعيشة. وحتى مع بعض الزيادة في الإنتاجية الحدية والدخل الذي قد يحدث مع هذا التنقل ، فإن التغير من عامل غير مستقر ، لا يملك شيئاً إلى قائم بتشغيل سيارة أجرة أو سيارة نقل صغيرة في المدينة ، تغير لا يمثل كسباً ذا مغزى في مستوى المعيشة. وكما أن العوامل المرتبطة بالحضرية تختلف في طبيعتها بين البلاد المتقدمة والبلاد النامية ، فكذلك تختلف نتائج عملية التحضر في المجموعتين من البلاد. فلقد أحدث التحضر في البلاد المتقدمة تغيرات عميقة تتضح بجلاء في طريقة الحياة و التفاعل وفي طبيعة العلاقات غير الشخصية وفي الضبط الاجتماعي وفي الاتجاهات والقيم ، وفي النظم الاجتماعية ، بما في ذلك الأسرة و الكنيسة ، وفي الظهور البيروقراطية ، وفي الاستقلال المتزايد والاقتصاد المالي ، والنظام الاجتماعي ، وفي دور الحكومة. كما صاحبت الحضرية كطريقة في الحياة مجموعة من المشكلات الجديدة مثل تلك المرتبطة بالبيئة –و استنفاذ الموارد و تلوث المياه و الهواء و الضوضاء و المناطق المختلفة و إحياء الأقليات في المدينة ، و دوران السكان والسلع بما في ذلك ازدحام المواصلات و الأزمات التي تصاحب الناس في ذهابهم و عودتهم ، و التعليم غير الكافي ، و التسهيلات الصحية و التعليمية و الترفيهية ، والتفكك الاجتماعي والشخصي الذي يتضح في الانحراف ، و الجريمة و إدمان الكحوليات و المخدرات و تفكك الأسرة والبطالة ، و نقص فرص الاستخدام و الفقر و استغلال المستهلك و تشغيل الأطفال و النساء و مشكلات السياسة و الحكومة ، بما في ذلك العلاقات بين الحكومات على المستويات المختلفة –القومية و الإقليمية و المحلية ، و الفساد الحكومي ومصادر الدخل الحكومي والضرائب و المشكلات العامة التي تواجه المحافظات. ولا يمكن أن نتناول هنا إلا القليل فقط من جوانب الحضرية كطريقة في الحياة في البلاد المتقدمة. ومن بين التغيرات الجوهرية التي أحدثتها المعيشة الحضرية في البلاد المتقدمة ، تلك التي قد نشأت عن الزيادة الضخمة في التفاعل الإنساني الممكن. فلقد تحول المجتمع المحلي الصغير في الموقف السابق على الحضرية إلى مجتمع جماهيري mass society يقوم على الاتصالات الثانوية ، وعلاقات المنفعة و الضبط الاجتماعي الرسمي والقانون ، وحتى النظام الاجتماعي الأساسي ونقصد الأسرة ، قد مرت بتغيرات كبيرة في الواقع الحضري ، ومالت إلى أن تأخذ شكل النواة ، بعد أن كانت ممتدة سابقاً ، وكذلك حققت الإقامة المستقلة ، كما طرأت على وظائفها تغيرات كبيرة سواء بالفقد أو بالضعف. ومن بين التغيرات العميقة التي واكبت الحياة الحضرية في البلاد المتقدمة نذكر الأدوار المتغيرة للزوج و الزوجة ، و الآباء و الأطفال و الأخوات و الأقارب مع بعضهم الأخر. ومن بين المسائل ذات الأهمية المتزايدة الدور المتغير للمرأة من وظائف الزوجة و الأم ومديرة المنزل و التي كانت محددة نسبياً ، إلى دخول النساء إلى كل جوانب مجالات الحياة التي كانت قد استبعدت منها سابقاً. وقد يقال في الحقيقة ، أن التغير في دور المرأة يتمثل في عملية التغير من كائن أنثوي إلى كائن أنساني. ومن الأمور ذات الأهمية المتزايدة يمكن أن نذكر المشاركة المتزايدة للمرأة في القوة العاملة ، بما في المرأة المتزوجة وأيضاً تلك التي لها أبناء أو التي ليس لها أبناء وفي النهاية ، و أيضاً من الأمور الجوهرية تطور العقلية الحضرية urban mentality وهي تتضمن تغيراً أساسياً في الاهتمام العام أو التوجه orientation وبدلاً من الاعتقاد في أن القوى فوق الطبيعية تلعب دوراً في مصير البشرية ، ظهرت وجهة النظر التي تعتقد أن مصير البشرية يكمن أساساً في داخل الكائنات البشرية ذاتها من خلال المعرفة وتطبيقاتها. وهذه المتغيرات وغيرها كثير مما يصاحب التحضر كطريقة في الحياة ، قد حدث تقريباً في العالم الغربي وفي البلاد المتقدمة عموماً. وهي تغيرات لم تكن واضحة أساساً وبنفس المستوى في المناطق الحضرية داخل البلاد المتقدمة في تحقيق زيادة ضخمة في التفاعل الاجتماعي الممكن الذي زاد من حجم السكان وكثافتهم نتيجة لذلك . وفي البلاد النامية ، وبرغم وجود احتمالات مماثلة ، إلا أنها لم تتحقق لأنه برغم أن حجم السكان و الكثافة المتوفرة في البلاد النامية إلا أن التفاعل الاجتماعي عموماً كان محصوراً إلى حد كبير داخل أقسام متباينة من المدينة تعد معزولة نسبياً عن غيرها نتيجة للتجانس في العنصر أو السلالة ، والدين و اللغة أو النشاط المهني. وفي ظل ظروف العزلة النسبية هذه بمعنى اتصالات الاجتماعية المحدودة و التفاعلات قد تستمر النظم التقليدية والعادات و المعتقدات و أنماط السلوك في مقاومة التغير ، ولذلك فهي تعمل فعلاً على إعاقة التنمية. ولعل أكثر المشكلات الحضرية إلحاحاً في البلاد النامية تلك التي تتضح بين القادمين الجدد إلى المناطق الحضرية أو المهاجرين الداخليين فلقد اعتاد هؤلاء القادمون على إن يقطنوا في أماكن المعيشة الرخيصة والتي تقل الرغبة فيها والتي غالباً ما تأخذ صورة تجمعات من الأكواخ. إذ تعيش كل الأسرة في الحي عموماً في كوخ مصنوع من الصفيح أو خشب الصناديق بدون مياه جارية ، ومجار أو أي حد ادنى أخر من وسائل الراحة الحضرية. ونجد أن المهاجرين الداخليين ، الذين ينحدرون عادة من المناطق الريفية أو القرى الصغيرة ، بطبيعتهم غير معدين كلية للحياة الحضرية فينقصهم التعليم و المهارة المهنية ، أو حتى الألفة بالمال و بأقسام الزمن. كما تواجه المنطقة التي يقصدها المهاجر الداخلي كثيراً من المشكلات الصعبة ، هذا فضلاً عن أن لتيارات الهجرة تأثيرات كبيرة على المناطق الأصلية التي وفدوا منها ، كما أن لها نتائج على المناطق التي هاجروا إليها. والمهاجرون يمتازون بأنهم منتقون من ناحية العمر ، و النوع التعليم و المهنة وغير ذلك من الخصائص السكانية ، ولذلك فإنهم يغيرون لدرجة كبيرة من التكوين السكاني لكل من منطقتهم الأصلية و المنطقة التي هاجروا إليها. وتؤثر الحضرية والهجرة الداخلية في التنمية بشكل حيوي من خلال عدد من الطرق ، كما تثير مشكلات صعبة أمام الحكومات تتعلق بتنمية كلا المنطقتين الريفية و الحضرية ، واتخاذ قرارات صعبة في توزيع الموارد النادرة عليها. كما تواجه حكومات البلاد النامية أيضاً مشكلات صعبة بالنسبة لتركيز ميزانيات التنمية وبرامجها داخل القطاعات الحضرية ، وهل ينبغي أن توجه ميزانيات التصنيع إلى المدن الرئيسية ، والتي تتاح لها العمل بوفرة ، أم نحو المناطق الحضرية الصغيرة لتقليل عدم التوازن في التوزيع الحضري للسكان ؟ وكم من الاهتمام يجب أن يوجه نحو المناطق المتخلفة من خلال إيجاد مقاييس للنمو الحضري ، وهل ينبغي بذل أن توجه لتحقيق نمط التوزيع الحضري للسكان و المعروف بالنمط الهرمي. وهناك كذلك سؤال جوهري يرتبط بمعدل النمو الحضري ذاته ، فلقد حاولت الكثير من البلاد النامية ، وبسبب مشكلات صعبة كثيرة في المناطق الحضرية بها ، ان تقلل من معدلات النمو الحضري أو توقف النمو الحضري كلية. ولكن تدلنا شواهد التاريخ في البلاد المتقدمة على أنه لا يمكن مقاومة النمو الحضري أو تغيير مجراه وهكذا ، باءت جهود مضادة لكل ما هو مثمر ولأنه برغم المشكلات التي يتسبب التحضر في وجودها ، إلا أنه يعد مطلباً ضرورياً أكثر منه قيداً على التنمية ، ولذلك هناك حاجة إلى فهم أفضل للنمو الحضري أو تنمية أو تطوير استراتيجيات ملائمة لتوجيهه ، وللتعامل مع المشكلات التي تصاحبه. رابعاً: التباين السكاني والصراع الدولي لقد عمل التقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال والنقل على الزيادة الهائلة في الاتصال الاجتماعي والتفاعل بين الشعوب ذات الخلفيات المتباينة والمختلفة في الثقافة واللغة والدين والنسق القيمي ، و العنصر والسلالة و أسلوب الحياة. و لقد ساهمت الهجرة الداخلية و الدولية وما صاحبها من خليط سكاني كبير في الأمم والمناطق والمحليات في إحداث نوع من عدم التجانس السكاني. ولقد صاحب هذا التباين السكاني ، في كل إرجاء العالم شكلاً للتدرج الاجتماعي يؤكد تدهور مكانة جماعة الأقليات التي صاحبها عموماً مكانة اجتماعية واقتصادية دنيا وفرصاً سياسية أقل. وحتى في الفترات القديمة ، كما في روما ، قد ترتب التباين السكاني على الغزو العسكري وكذلك على تدفق هجرة السكان. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، كان تباين السكان يصاحبه على نحو متزايد الكثير من الاحتكاكات والصراع الواضح. ويعتبر الصراع الاجتماعي أمراً واضحاً بجلاء في كل أرجاء العالم ويظهر بصورة كثيرة. والأمثلة على ذلك تتمثل في الصراعات في ايرلندا الشمالية وفي ما كانت عليه باكستان. وفي إفريقيا يمكن أن نقدم الأمثلة من خلال الصراع في نيجيريا الذي يشمل البافرانز وفي صراعات قبلية أخرى ، وفي آسيا التوتر بين ماليزيا والصين ، وفي الشرق الأوسط ، الصراع الدائر بين المسلمين والمسيحيين في لبنان و التوترات ما بين البيض والسود ، ليس فقط في اتحاد جنوب افريقيا و روديسيا ، و إنما أيضاً في الولايات المتحدة و المملكة المتحدة. ونجد حالياً التوترات بين الكنديين من أصل فرنسي وغيرهم من أصل انجليزي. وتشتمل هذه القائمة بالطبع ، على مناطق التوتر و الصراع داخل الأمم والذي ينشأ عن مصادر التمايز العرقية و السلالية و اللغوية و الدينية وغيرها ، والذي صاحبه عدم المساواة في الفرص ومن ثم في المكانة الاجتماعية و الاقتصادية. وعلى البشرية أن تجد الحلول المرضية لتحقيق فرص متساوية وتعمل على رفع المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجموعة هذه المجتمعات. وذلك لأن التوترات والصراعات المصاحبة للتباين السكاني قد تساهم إلى درجة كبيرة في إعاقة التنمية. ففي البلاد النامية بخاصة حيث يزداد التباين السكاني من خلال الارتباط الوثيق بالقبيلة أو الدين مثلاً والذي يهدد الوحدة القومية ويحول دون تحقيق الاتفاق على الأهداف و الأسلوب التعاوني. وفي الحقيقة ، وعلى المدى القصير ، على الأقل ، قد يعوق التحضر السريع و الصراع الاجتماعي الناشئ عن التباين السكاني جهود التنمية بدرجة تفوق قدرة الخصوبة العالية و النمو السكاني السريع على إعاقة التنمية. خامساً: القوة العاملة والبطالة في العالم القوة العاملة والتنمية في البلاد المتقدمة والنامية تمثل القوة العاملة لأية أمة القطاع الرئيسي من السكان ذي التأثير الحاسم في التنمية وقد حددت القوة العاملة ، طبقاً للاستعمال الدولي لهذه الكلمة ، في الأشخاص الذين يزيدون على الحد الأدنى للعمر و الذين يعملون في مقابل أجر أو ربح أو الذين يبحثون عن عمل. وتمثل ال10 سنوات الأولى حد أدنى للعمر في البلاد النامية ، بينما يتمثل هذا الحد في البلاد المتقدمة فيما يزيد على السن الذي يعد فيه الالتحاق بالمدرسة الزامياً "16سنة". ويشتمل العمل لقاء أجر أو ربح على العمل في الأسرة بدون مقابل ، و العمل لتزويد السوق بالسلع و الخدمات ، و لكن يستبعد من هذا العمل المنزلي وبخاصة أعمال الطبخ و التنظيف والكنس التي تؤدي يدون مقابل. ويعتبر حجم وتكوين القوة العاملة مؤشراً على ثلاثة عوامل رئيسية ونتيجة لها في الوقت نفسه ، هي حجم وتكوين السكان و بخاصة التكوين العمري للسكان و العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تحدد المشاركة في قوة العمل. ومن أهم العوامل الأخيرة يمكن أن نذكر التحديدات الثقافية المتباينة للنوع و الأدوار العمرية فيما يتعلق بنشاط قوة العمل ، ولهذه التحديدات الثقافية قيمة خاصة في تحديد معدلات المشاركة في قوة العمل للنساء. ويتحدد معدل النشاط الخام "نسبة السكان الذين يفوقون الحد الأدنى من العمر والذين يدخلون في قوة العمل" من خلال ثلاثة مكونات مشاركة كل من الذكور والإناث في قوة العمل وفقاً للتكوين العمري والنوعي للسكان ككل. ولقد كشف ديوراند Durand في تحليله المقارن لبيانات التعدادات العالمية خلال العشرين عاماً من عام 1946 حتى عام 1966 عن نمط يأخذ شكل حرف U لمعدل النشاط الخام طبقاً لمستوى التنمية. وأوضح تحليل أنماط التغيرات ما بين التعدادات أن هناك تناقصاً في معدلات النشاط وكانت سرعة الانخفاض ترتبط عكسياً بمستوى التنمية علماً بأن معدل الانخفاض كانت تحكمه عدة عوامل أخرى غير مستوى التنمية بمفرده. ويوضح تحليل ديوراند أيضاً ، أنه مع بقاء عامل العمر ثابتاً انخفضت مشاركة الذكور في قوة العمل كلما ارتفعت مستويات التنمية ، بينما تتبع مشاركة الإناث نمطاً يمثل شكل حرف U حيث تزيد مشاركتهن في البلاد النامية وتنخفض في المستوى المتوسط التنمية ، ثم يعود للارتفاع مرة ثانية مع المستويات العليا للتنمية. وكان "ديوراند" يرد حوالي نصف الانخفاض في معدلات النشاط الخام إلى المشاركة المتناقضة للذكور ويرد معظم الباقي إلى التغيرات في بناء السكان. وقامت منظمة العمل الدولية بمقارنة بيانات القوة العاملة في العالم ، خاصة البلاد المتقدمة والبلاد النامية فيما بين الأعوام 1950-1970 ، و وضعت نموذجاً لتوقع السكان حتى عام 2000. وتوضح الشواهد أنه في عام 1970 قد بلغ معدل النشاط الخام للعالم بالنسبة للنوعين معاً 41.8% ، و أن المعدل في البلاد المتقدمة قد بلغ 45% ، وكان يفوق المعدل في البلاد النامية الذي بلغ 40.4% وكان معدل المشاركة القوة العاملة النوعي حسب العمر بالنسبة للذكور في البلاد النامية أعلى منه في البلاد المتقدمة خاصة فئة العمر أقل من 20 وأعلى من 55 سنة وكان معدل مشاركة القوة العاملة للإناث ، عالياً في البلاد النامية عنه في البلاد المتقدمة بالنسبة للأشخاص الذي يزيدون عن 15 سنة ولكنه كان نفسه في فئة العمر 15-19 سنة ، ويقل عن المشاركة في فئة العمر ما بين 20 إلى 44 سنة ، ثم يزيدون ويرتفع في فئة العمر أعلى من 45 سنة. وعموماً فإن الشيء البارز في المقارنة بين البلاد المتقدمة والنامية فيما يتعلق بمعدلات المشاركة النوعية حسب العمر ، هو النشاط المنخفض لكل من الذكور والإناث في البلاد المتقدمة ، عند مستوى العمر الصغير بسبب الالتحاق بالمدارس ، ومعدلات المشاركة المنخفضة في البلاد المتقدمة لكلا النوعين من الأعمار الأعلى أو أكثر بسبب الرغبة في التقاعد. و تمثل النسبة العالية للعمالة في البلاد النامية خاصة في الزراعة أيضاً عاملاً في تحليل نشاط قوة العمل المتزايد لكلي النوعين في فئة العمر 55 عاماً ما يزيد عليها في هذه البلاد إذ من السهل مع هذا العمر أن يستعمر نشاط العمل في الزراعة عنه في الصناعة. وتوضح الشواهد أيضاً أنه في عام 1970 كانت حوالي نصف قوة العمل في العالم ككل ، تتركز في الزراعة "51%" وأكثر من الربع تشارك في الخدمات وأكثر من الخمس تشتغل بالصناعة وكانت نسبة كبيرة من قوة العمل في البلاد النامية تعمل في الزراعة حيث بلغت 66.6% في مقابل 18.3% في البلاد المتقدمة. وكانت نسبة العاملين في الصناعة في البلاد المتقدمة تزيد "2.4" مرة عنها في البلاد النامية بنسبة 37.6% في مقابل 15.9% ، كما تفوق نسبة العاملين في الخدمات في البلاد المتقدمة "2.5" مرة نظيرتها في البلاد النامية ، بنسبة 44.1% في مقابل 17.5% وينطبق نفس النمط العام المتباين على قوة العمل طبقاً للنوع ، وكانت العملة الزراعية للنساء أكبر منها بالنسبة للرجال. وإذا نظرنا إلى توقعات مكتب منظمة العمل الدولية للقوة العاملة حتى عام 2000 نلاحظ أنه سوف تزيد قوة العمل العالمية بنسبة 69% من 1.509% بليون إلى 2.546 بليون أو بمعدل يزيد على "1" بليون وسيضاف من بين هذه الزيادة "886" مليون إلى قوة العمل في البلاد النامية بنسبة 86% من إجمالي الزيادة وتشكل هذه الزيادة في العمل تحدياً رئيسياً أمام البلاد النامية في جهودها لتحقيق التنمية الكافية وتوفير الوظائف وفرص العمل لقوة العمل المتضاعفة غالباً بها. وسيكون هناك من إجمالي الزيادة في قوة العمل "688" مليون أو 66% من الذكور ، و "349" مليون أو حوالي 34% من الإناث. وهكذا ، بينما كانت عمالة الذكور تتزايد بمعدل 70% في فترة 30 عاماً ، فسوف تتزايد عمالة النساء بمعدل 66% وسوف تتزايد عمالة الذكور في البلاد النامية بحوالي 66 مليون. أو بمعدل 86% ، وتشكل 99% من إجمالي زيادة عمالة الذكور في العالم. كما سوف تزيد عمالة النساء في هذه البلاد بحوالي 281 مليون ، أو بمعدل 84% وتشكل 81% من إجمالي زيادة عمالة النساء في العالم. وفي البلاد المتقدمة سوف تزيد عمالة الذكور عنها في البلاد النامية 86% في مقابل 25% ، وبينما ستزيد عمالة الإناث في البلاد المتقدمة بحوالي 2.4 مرات 84% في مقابل 35%. وفيما يتعلق بتوقع استمرار الاختلاف بين معدلات مشاركة قوة العمل النوعية حسب العمر في البلاد لوحظ أنه كان معدل نشاط الأشخاص ما بين "10-14" عاماً في البلاد النامية في عام 1970 يزيد عشرات مرات عنه في البلاد المتقدمة "18.2% مقابل 1.8%" فسوف يتناقص هذا الاختلاف مع حلول عام 2000 ليصل إلى 7.5 مرات وبالمثل كما لوحظ أنه بينما كان معدل المشاركة للأشخاص في فئة العمر "15-19" سنة في عام 1970 في البلاد النامية قد وصل إلى 17% ويزيد عن المعدل في البلاد المتقدمة ، فمن المتوقع أن يصل إلى 8% فقط في عام 2000 وهكذا ، تفترض توقعات منظمة العمل الدولية حدوث بعض الزيادة في الالتحاق بالمدارس في البلاد النامية تحد من المشاركة في القوة العاملة في عام 2000 ، ولكنها ليست كافية لخفض الهوة بين البلاد النامية والمتقدمة. البطالة و التنمية في البلاد المتقدمة والنامية تشير البطالة إلى الحالة التي يجتهد فيها الإفراد القادرون و الراغبون في العمل ويجدون في السعي نحو البحث عن فرص العمل ولكنهم لا يستطيعون التوصل إلى هذه الفرص. وتمثل البطالة ظاهرة عالمية لها شواهدها في دول العالم المتقدم وأسبابها الخاصة بها ، وكذلك لها معدلاتها وعواملها المغايرة أيضاُ في دول العالم النامي الأمر الذي أثار الدوائر العلمية نحو ضرورة الاهتمام بفهم هذه الظاهرة ، ومحاولة وضع الحلول المناسبة لها ، ولقد ظهر للبطالة أنواع متعددة ، وأمكن الكشف عن تكوين للبطالة ونتائج اجتماعية واقتصادية متباينة لهذه الظاهرة وكان لابد لهذه الجهود أن تقف على طبيعة البطالة تتحسن نتائجها المختلفة قبل بذل أي جهد فعال في سبيل الحد من هذه النتائج. وتمثل الجهود التي ظهرت في نطاق تصنيف البطالة –خطوة جوهرية في طريق التعرف على طبيعة ظاهرة البطالة ، ونستطيع أن نحصر تلك الجهود التي عنيت بتصنيف البطالة في محاولتين اثنتين على الأقل الأولى تصنيف البطالة إلى ما يعرف باسم البطالة السافرة ، وتلك التي تعرف باسم البطالة المقنعة Disguised unemployment. وتعرف البطالة المقنعة بالحالة التي تكون فيها الإنتاجية الحدية للعمل الزراعي مساوية صفر ، وان الناتج الكلي لن يتغير إذا تم سحب الفائض من العمل الزراعي مع افتراض ثبات الظروف الأخرى للعمل على حالتها. ولتوضيح هذا النوع من البطالة يمكن القول أن البطالة المقنعة تعني وجود نسبة من القوة العاملة إنتاجيتها الحدية صفر أو سالبة في قطاع معين من الاقتصاد القومي ، وبالتالي فإن سحب هذه النسبة إلى قطاعات أخرى لن ينخفض معه حجم الإنتاج هذا مع افتراض عدم حدوث تغيرات جوهرية أخرى في عناصر الإنتاج الباقية. أما المحاولة الثانية في تصنيف أنواع البطالة ، فإنها تفترض أن هناك أنواع ثلاثة موسمية ، و دورية ، و بنائية تؤثر في إحداث فجوة بين مجموع الطلب على العمل ، وبين حجم القوة العاملة ، يترتب عليها حدوث أنواع مختلفة من البطالة الموسمية ، والدورية والبنائية. ويقصد بالبطالة الموسمية seasonal تلك الحالات من البطالة التي تحدث بمعدل يتذبذب مع اختلاف فصول السنة ، وهو نمط من البطالة لا يستمر على مدار السنة. بمعنى أنها تستغرق فرصة العمل المناسبة لمهنة الشخص بعض فصول السنة دون غيرها. ويرتبط بهذا النوع من البطالة نوع آخر يعرف باسم البطالة الاحتكاكية frictional ، ويمثل أولئك الأشخاص الذين تتأثر مهارتهم في العمل بمتغيرات دينامية خاصة التغيرات في أساليب العمل والتكنولوجية نظام الإنتاج ، كأن يترتب على الأخذ بالآلية تخلف مهارات معينة وقلة الحاجة إليها. وقد يظل الأشخاص الذين يعانون البطالة نتيجة لهذا العامل التكنولوجي بدون عمل لمدة طويلة أو قد يحصلون على تدريب يساعدهم في الانتقال إلى مهن جديدة. ولكن حتى إذا عثر الأشخاص الذين ينطبق عليهم مفهوم البطالة الموسمية أو الاحتكاكية على عمل في مكان آخر ، فإن الفترة التي تنحصر بين انتقالهم إلى هذا العمل الجديد تستغرق وقتاً كافياً لظهور هذا النمط من البطالة في بناء القوة العاملة. أما البطالة الدورية cychical ، فهي التي اصطلح عليها بنقص الطلب وعدم القدرة على توفير الوظائف أمام كل من يرغبون في العمل ويكونون قادرين عليه. وعليه تقل عدد الوظائف الشاغرة في ظل النظام الاقتصادي ككل ، عن إجمالي عدد الأفراد الذين يبحثون عن عمل. ويطبق مصطلح البطالة البنائية structural عندما تظهر أولاً قطاعات معينة في بناء القوة العاملة ، لا يستطيع الأشخاص الانتقال منها بسهولة إلى قطاعات أخرى بحثاً عن وظيفة جديدة لهم ، الأمر الذي تزيد معه معدلات البطالة في هذه القطاعات عن غيره من قطاعات الاقتصاد ككل. وأكثر من ذلك تميل معدلات البطالة هنا إلى الاستمرار النسبي عبر العصور. أو عندما يظهر ثانياً نقص في الطلب على أنواع معينة من العمل ، نتيجة للتغير التكنولوجي والتحول الناتج في أنماط الطلب. أو عندما يظهر ثالثاً وفرة هائلة في العمالة على نحو لا يمكن استيعابه في نطاق العدد المتاح من وظائف في الاقتصاد ككل. وفي ضوء هذه التصنيفات لأنواع البطالة ، يمكن تصور تكوين البطالة وتوقع وجود معدلات مرتفعة بين القطاعات الأقل مهارة والأقل تعليماً وارتفاع معدل البطالة بين كبار السن ، وبين الجماعات العرقية المختلفة مثل الزنوج في الولايات المتحد الأمريكية. وهكذا. البطالة بين البلاد المتقدمة والنامية على الرغم من أن نسبة البطالة عموماً في أوروبا الغربية كانت تقل عن 4% في عام 1950 وأن نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى 4% خلال العشر سنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وان هذه النسبة تشير إلى انخفاض معدل البطالة في البلاد المتقدمة بعدما كانت نسبة البطالة في فترات التاريخ السابقة "قبل عام 1950" مرتفعة بشكل واضح وتراوحت بين "25% و 12%" خاصة في ألمانيا والمملكة المتحدة. إلا أنه لا يمكن القول بناء على ذلك أن الدول المتقدمة لا تعاني من البطالة أو لا تفتقر إلى صور البطالة الخطيرة التي تحتاج إلى حل. ذلك لأن هناك دول من بينها لا زالت تعاني –باستمرار وبشكل واضح- وفي بعض أقاليمها ، من زيادة نسبة البطالة ، خاصة في إيطاليا وايرلندا. كما ان المعدل البطالة قد استمر في الارتفاع النسبي في الدول المتقدمة إلى النقص الواضح في إجمالي الطلب على العمل ، ولذلك كان التغلب على مشكلة البطالة في نظرهم ينحصر في مجرد زيادة حجم العمالة وزيادة الطلب الامر الذي يحتمل معه أن تنخفض نسبة البطالة مرة أخرى إلى أقل من 4% ولكن بعض وجهات النظر الأخرى وخاصة تلك التي تمثل النزعة البنائية ، تعترض بشدة على هذا التفسير وترى أن أسباب البطالة لا ترد إلى النقص في إجمالي الطلب على العمل و الوظائف ، ولكنها ترد إلى عدم القدرة على التحكم في المتغيرات السريعة الأخرى المؤثرة في فرص العمالة. ذلك لأن تغير نمط الطلب على العمل قد تطلب زيادة الطلب على ذوي التعليم العالي ، ومن يدخلون في فئة ذوي الياقات البيضاء مثل رجال الأعمال والإدارة ، وقل الطلب على ذوي التعليم غير المتخصص وأصحاب المهن غير الماهرة ، ومن يدخلون في فئة ذوي الياقات الزرقاء. ونتيجة لذلك كان التوسع في إجمالي الطلب على العمل يؤدي إلى نقص في فرص العمل أمام المهن التي يقل الطلب عليها. الأمر الذي يمكن القول معه أن طابع القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية. قد خلق عوامل بنائية أدت إلى انخفاض فرص العمالة بين القطاعات الأقل ثراء وان البلاد في حاجة إلى سياسة جديدة تعمل على امتصاص الجماعات المهنية. ومن ناحية أخرى إذا كانت هناك خصائص عامة يمكن أن تجمع بين مجموعة الدول النامية في العالم ، فإنه يمكن أن نشير إلى أنه من أبرز هذه الخصائص ما يعكس قصور استخدام الفائض في عنصر العمل الذي يظهر في صورة البطالة السافرة أو المقنعة. وتعتبر البطالة المقنعة و البطالة الجزئية بمثابة أكثر أشكال البطالة شيوعاً والتي تعكس فائض العمل في الدول النامية. وبرغم عدم توفر البيانات الدقيقة على كل من البطالة الجزئية و البطالة المقنعة في البلاد النامية ، نظراً لصعوبات القياس والتعريف ، إلا أن استخدام بعض الطرق التقريبية في قياس هذين النوعين من البطالة ، سواء على المستوى الدولي أو على مستوى قطاع معين ، قد أوضح لنا أن فائض العمل بمثابة نسبة عالية من قوة العمل في الدول النامية ، وهي نسبة تتزايد مع مرور الوقت بسبب التزايد السريع في حجم السكان ، إذ لوحظ على سبيل المثال ، أن وضع البطالة في الهند ، قد تفاقم في الفترة ما بين 1951-1961 بسبب التزايد السريع في السكان. وهذا ما أكدته نتائج دراسات أخرى أجراها كل من "روزنست ورودن" rossenst B.roden على بعض الدول النامية ، في الفترة ما بين 1930-1940 ، باستخدام الاحصائيات المتاحة عن فائض العمل في هذه الدول ، وكذلك قد جاءت تقارير الأمم المتحدة في عام 1951 لمجموعة الدراسات التي أجريت على فائض العمل في بعض البلاد النامية ، مؤيدة لهذه النتائج ، وكذلك أظهرت "وارينر" warriner في مؤلفها عن الأرض والفقر في منطقة الشرق الأوسط عام 1951 ، أن هناك ما يقرب من 50% من سكان الريف المصري في حالة بطالة مقنعة. وتوضح الحقائق السابقة أن جانباً كبيراً من القوة العاملة في البلاد النامية يتعرض للبطالة السافرة أو المستترة خاصة البطالة المقنعة والبطالة الجزئية ، ولقد أرجع البعض تفاقم البطالة في البلاد النامية إلى زيادة السكان ، و ارجع البعض الآخر ظاهرة البطالة إلى القيود المفروضة على إمكانية تحديث قوى الإنتاج في هذه البلاد. ولقد ساهمت هذه الجهود كذلك في الكشف عن النتائج الاقتصادية و الاجتماعية المترتبة على ظاهرة البطالة. فقد يلحق بالمجتمع نتيجة البطالة نتائج اقتصادية تتمثل في تبديد الطاقة الإنتاجية لهذا الفائض من القوة العاملة الذي يفوت على الاقتصاد فرصة زيادة ناتجة ، بفعل هذا الجانب الضائع من الموارد البشرية. ونتيجة لما يمثله قطاع الزراعة من أهمية رئيسية في غالبية الدول النامية ، وإسهامه بنسبة في الدخل القومي واستيعاب القوة العاملة ، فإن البطالة المقنعة التي تنتشر أساساً في القطاع الزراعي بهذه البلاد ، يعني انخفاض إنتاجية الاقتصاد القومي وتبديد الفائض الاقتصادي والذي كان يمكن تعبئته واستثماره من أجل النمو الاقتصادي. وقد تلحق بالمجتمع نتيجة البطالة كثير من النتائج الاجتماعية و المشكلات ، والتي تتمثل أهمها في صور الجريمة المختلفة. ولقد أثارت هذه الظاهرة و وجودها بمعدلات مختلفة وأسباب متباينة في دول العالم النامي والمتقدم ، اهتمام الدوائر العالمية ، في محاولة لوضع الحلول المناسبة لها و الحد من النتائج المترتبة عليها. وكانت أفكار تحقيق العمالة الكاملة ، والتوازن بين القوى العاملة ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية ، وتغيير أنماط الطلب على العمل ، و التقليل من سنة التقاعد من أهم الأفكار التي تبنتها كثير من البلاد المتقدمة في التغلب على مشكلات البطالة. وكذلك كانت أفكار الإسراع بمعدلات النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل المنتجة وخلق مجالات عمل متنوعة تتناسب مع القدرات المختلفة ، والتوسع في الصناعات الصغيرة.. الخ ، في مقدمة الأفكار التي تبنتها كثير من البلاد النامية في التغلب على مشكلات البطالة بها. الخلاصة ونستطيع أن نلخص من التحليلات السابقة عدة استنتاجات مهمة على نحو التالي: 1 – يزيد حجم السكان في البلاد النامية على نظيره في البلاد المتقدمة بحوالي ثلاثة أضعاف ، بينما قدر مستوى المعيشة في البلاد النامية بما يساوي 2%. من نظيره في البلاد المتقدمة ، الأمر الذي ساهم من جانبه في زيادة الهوة الملحوظة بين هاتين المجموعتين من البلاد. على أن البلاد المتقدمة لم تصل على هذا الحجن لسكانها مرة واحدة وإنما شهدت أيضاً نمواً وزيادة ، لم تقف حائلاً دون التحديث وزيادة مستوى المعيشة. وهذا على خلاف البلاد النامية بما وصلت إليه من حجم متزايد لسكانها يفوق حتى سكان البلاد المتقدمة وكانت في نفس الوقت تعاني من انخفاض مستويات المعيشة ، الأمر الذي يؤكد أنه إذا كان لابد من ضبط السكان فإن من الجوهري في الوقت نفسه ألا نهمل عملية التحديث والتنمية والمساهمة في رفع المستوى المعيشية. 2 – يختلف التكوين العمري للسكان في البلاد النامية عن نظيره في البلاد المتقدمة ، حيث تزيد نسبة المعتمدين الصغار عنها في البلاد المتقدمة ، ويصحب ذلك انخفاض إجمالي الناتج الفردي في البلاد النامية ، وزيادة عدد الافراد الذين يحتاجون إلى غذاء. وقلة فرص الاستثمار الإنتاجي وضآلة فرص التعليم واكتساب المهارات بينما كان يقابل انخفاض نسبة المعتمدين الصغار في البلاد المتقدمة ، وزيادة الاستثمار الإنتاجي ونمو الموارد البشرية ، وزيادة فرص التعليم واكتساب المهارات. الأمر الذي يؤكد أنه إذا كان هناك ضرورة لضبط السكان في البلاد النامية ، فلا يجب أن ينصرف فقط نحو التحكم في نمو السكان ، وإنما ينبغي الاهتمام بتكوين السكان وبخاصة التكوين العمري والنظر بعين الاعتبار إلى نسبة المعتمدين والحرص على تناسبها مع نسبة المنتجين على نحو يسمح بالاستثمار الإنتاجي ونمو الموارد البشرية. 3 – هناك معدلات متعجلة و واضحة للتحضر والهجرة الداخلية في البلاد النامية ترتبت عليها عدة صور للبؤس الإنساني ولظروف الفقر فلقد زاد التحضر في البلاد النامية ووصل معدله إلى ثلاث مرات ضعف الزيادة في البلاد المتقدمة. ولكن لا تتوفر لسكان الحضر في لبلاد النامية اية أسباب الراحة الحضرية ، مثل المياه النقية وشبكة المجاري ووسائل النقل و الإسكان ، هذا مع توقع زيادة حجم السكان الحضريين مستقبلاً في هذه البلاد ، بما يزيد على سكان البلاد المتقدمة مرتين. وفي نفس الوقت يمثل نمو السكان الريف في البلاد النامية 4% من إجمالي نمو السكان في البلاد ، الأمر الذي يشكل تحدياً واضحاً أمام الجهود التي تهدف إلى زيادة تصيب الفرد من الناتج القومي ، وتلك التي تعمل على رفع مستوى المعيشة. 4 – تختلف العلاقة بين التحضر والتنمية في البلاد النامية عنها في البلاد المتقدمة. فكان التحضر في البلاد المتقدمة سابقاً على التنمية أو مصاحباً لها وحدثت هجرة السكان من الريف إلى المدينة لتوفر الأجور الأفضل ومستويات المعيشة الأنسب المترتبة على زيادة الإنتاجية في هذه المدن. بينما كان التحضر في البلاد النامية غير مرتبط بالتنمية ويعتبر الحجم الحالي للمدن الرئيسية في البلاد النامية نتاج لما ورثته من الاستعمار أكثر منه محصلة للتنمية. وشهدت هذه المدن الرئيسية حركة هجرة إليها بفعل عوامل مختلفة تتمثل في الاضطرابات وعدم توفر الأمن في القرى فضلاً عن حملات الغزو وجهود التحرر الوطني ، والانخفاض السريع في معدلات الوفيات وأثره على زيادة حجم السكان وعجز الأرض عن إعالة هذا العدد ، ما دفع السكان إلى الأماكن الحضرية ، يحملون معهم ظروف الفقر. وتختلف كذلك نتائج التحضر بين البلاد المتقدمة والنامية ، إذ أحدث التحضر في البلاد المتقدمة نتائج في طريقة الحياة وفي التفاعل والعلاقات والقيم والنظم ، وظهرت مشكلات مغايرة مثل التلوث وازدحام المواصلات والتعليم والإسكان والصحة... ولم يكن ما حدث من تغيرات وصاحب التحضر كطريقة في الحياة في البلاد المتقدمة واضحاً كذلك وبنفس المستوى في المناطق الحضرية بالبلاد النامية. فبرغم توفر الحجم والكثافة السكانية في البلاد النامية الا أن التفاعل كان محصوراً في أقسام معزولة من المدينة بسبب عوامل الدين واللغة والسلالة والمهنة أو غيرها ، وكانت ظروف العزلة النسبية هذه و الاتصالات المحدودة تعمل على استمرار النظم التقليدية والعادات وأنماط السلوك التي تقاوم التغير وتعوق التنمية ، الامر الذي يؤكد ضرورة أخذ موضوع توزيع السكان والإقامة الريفية و الحضرية في الاعتبار عند التفكير في وضع سياسة للتغلب على مشكلات السكان ، وتحقيق مستويات عليا في تنمية. 5 – ساهم التحضر والهجرة الداخلية والدولية وما يصاحبها من خليط سكاني كبير في تكوين سكاني متباين غير متجانس ، ما ترتب عليه الكثير من صور الاحتكاك والصراع في كل أرجاء العالم ظهرت له صوراً كثيرة في الشرق والغرب وفي افريقيا و آسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وهذه التوترات والصراعات المصاحبة للتباين السكاني كثيراً ما كانت تعوق جهود التنمية وبخاصة في البلاد النامية ، طالما كانت عوامل التباين السكاني العرقية والسلالية ، والثقافية واللغوية والدينية وغيرها تحول دون الاتفاق على الأهداف و الوسائل التي توصل إلى طريقة التنمية. مما يؤكد أيضاً أهمية أخذ جانب التباين السكاني في الاعتبار عند النظر إلى العلاقة بين السكان والتنمية. 6 – يفوق المعدل الخام لنشاط العمل في البلاد المتقدمة نظيره في البلاد النامية. ويلاحظ أن انخفاض نشاط الذكور و الإناث في البلاد المتقدمة من المستويين الصغير والأعلى في العمر ، بسبب التحاق الصغار بالمدراس ورغبة الكبار في التقاعد ، بعكس الحال في البلاد النامية التي تزيد فيها نشاط النوعين من المستويين للعمر. وكان ارتفاع نسبة النشاط الزراعي في البلاد النامية التي تزيد فيها نشاط النوعين من المستويين للعمر. وكان ارتفاع نسبة النشاط الزراعي في البلاد النامية راجعاً إلى نشاط قوة العمل و المتزايد لكلي النوعين في الأعمار الأعلى ، وعموماً تفوق نسبة العمالة الزراعية في البلاد النامية نظيرتها في البلاد المتقدمة. بينما تزيد نسبة العمالة الصناعية في البلاد المتقدمة بمعدل 2.4 مرة عن نظيرها في البلاد النامية. كما أن هناك زيادة متوقعة في البلاد النامية تشكل تحدياً آخر أمام جهود التنمية في هذه البلاد ، وتوفير الوظائف وفرص العمل لهذه الزيادة المتوقعة. وتضاف هذه النتيجة إلى ما سبقها من نتائج ، لتدعم وجهة النظر التي تعتبر الجمع بين سياسات السكان وبرامج التنمية كفيلاً بالتغلب على المشكلات في الجانبين ، والتي تدعو إلى شمول النظرة لجوانب السكان لتشمل عناصره البنائية المختلفة ، وبخاصة التكوين المهني والقوة العاملة. 7 – لا يمكن القول بناء على ضآلة نسبة البطالة في البلاد المتقدمة أنها لا تعاني من هذا النوع من مشكلات العمل والسكان ، ذلك لأن هناك دولا من بينها لا تزال تعاني من زيادة نسبة البطالة ، كما استمر معدل البطالة في الارتفاع في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ناحية أخرى تميزت البلاد النامية بقصور استخدام الفائض من عنصر العمل ، والذي يظهر في صورة البطالة السافرة والمقنعة والجزئية. وتعد هذه الصور للبطالة من أكثرها شيوعاً في البلاد النامية ، بل إن نسبتها تتزايد مع مرور الوقت بسبب التزايد السريع في حجم السكان من ناحية ، و القيود المفروضة على إمكانية تحديث قوى الإنتاج في هذه البلاد من ناحية أخرى. ونتيجة لما يمثله قطاع الزراعة من أهمية في الدول النامية ومساهمته بنصيب في الدخل القومي واستيعابه لنسبة كبيرة في القوة العاملة ، فإن البطالة المقنعة والجزئية التي تنتشر في هذا القطاع يترتب عليها ضعف الإنتاجية وتبديد الفائض الذي يمكن تعبئته واستثماره من أجل النمو الاقتصادي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق