السبت، 14 نوفمبر 2015
محاضرة وسائل جمع البيانات , ثانياً الاستبيان والمقابلة :
الاستبيان والمقابلة questionnaire and interview :
الاستبيان والمقابلة وسيلتان هامتان من وسائل جمع البيانات. ويشيع استخدامهما في البحث الاجتماعي حينما تكون البيانات المطلوبة لها صلة وثيقة بمشاعر الأفراد ودوافعهم وعقائدهم نحو موضوع معين، وكذلك بالنسبة للمواقف التي يصعب الحصول على بيانات عنها بطريقة الملاحظة كالمواقف الماضية والمستقبلية.
وتعتمد هذان الوسيلتان معاً على التقرير الذاتي اللفظي للفرد عن سلوكه وعن المؤثرات التي يتعرض لها، ولذا فإن توفيق الباحث في الحصول على المعلومات التي يطلبها يتوقف إلى حد كبير على مدى فهمه لهاتين الوسيلتين، والمواقف التي يفضل فيها استخدام إحداهما على الأخرى، والقواعد التي ينبغي مراعاتها عند إعداد الاستمارة التي تجمع بمقتضاها البيانات المطلوبة.
ونعرض في هذا الفصل للموضوعات الآتية:
1_ الاستبيان.
2_ المقابلة "الاستبار".
3_ إعداد استمارة الاستبيان والمقابلة.
_ المقصود بالاستبيان:
الاستبيان ترجمة للكلمة الإنجليزية questionnaire وللكملة في اللغة العربية ترجمات متعددة. تترجم أحياناً باسم "الاستفتاء" وتترجم أحياناً أخرى باسم "الاستقصاء". وتترجم أحياناً ثالثة باسم "الاستبيان". وهذه الكلمات جميعها تشير إلى وسيلة واحدة لجمع البيانات قوامها الاعتماد على مجموعة من الأسئلة ترسل أما بطريق البريد لمجموعة من الأفراد أو تنشر على صفحات الجرائد والمجلات او على شاشة التلفزيون أو عن طريق الإذاعة، ليجيب عليها الأفراد ويقوموا بإرسالها إلى الهيئة المشرفة على البحث أو تسلم باليد للمبحوثين ليقوموا بملئها ثم يتولى الباحث أو أحد مندوبيه جمعها منهم بعد أن يدونوا إجاباتهم عليها.
ويطلق على الاستبيان الذي يرسله الباحث بالبريد أو ينشره في الصحف والمجلات اسم "الاستبيان البريدي mailed questionnaire" تمييزاً له عن الاستبيان غير البريدي الذي يتولى الباحث أو أحد مندوبيه توزيعه وجمعه من المحبوثين.
ويتفق الاستبيان البريدي وغير البريدي في أن المبحوث هو الذي يتولى بنفسه الإجابة على أسئلة الاستمارة وملئها بنفسه دون مساعدة من جانب الباحث.
ويستخدم الاستبيان غير البريدي في الحالات التي يمكن فيها جمع المبحوثين في مكان واحد، وتوزيع الاستمارات عليهم، كما هو الحال بالنسبة للطلبة في المدراس، والعمال في المصانع والموظفين في المكاتب.
ومن ومزايا الاستبيان غير البريدي أنه قليل التكاليف، ويضمن للباحث أن المجيب عن أسئلة الاستبيان هو الشخص المطلوب وليس أي شخص آخر، كما أن نسبة الردود تزداد زيادة كبيرة، هذا بالإضافة إلى ان البيانات التي يدلي بها المبحوثون تكون أكثر صدقاً ودقة لوجود الباحث بنفسه وتأكيده لأفراد البحث سرية البيانات وإزالته للمخاوف والشكوك من نفوسهم.
_ مزايا الاستبيان:
1_ يستفاد بالاستبيان إذا كان افراد البحث منتشرين في أماكن متفرقة ويصعب الاتصال بهم شخصياً. وفي هذه الحالة يستطيع الباحث ان يرسل إليهم الاستبيان بطريق البريد، فيحصل منهم على البيانات المطلوبة بأقل جهد وفي أقصر وقت ممكن، فإذا أراد الباحث مثلاً أن يقوم ببحث عن خريجي الجامعات في سنة من السنوات ليحدد المراكز التي وصلوا إليها خلال فترة زمنية معينة، أو الوقوف على آرائهم بشأن مسألة من المسائل، فإن من الأوفق استخدام الاستبيان البريدي في جمع البيانات المتعلقة بالبحث حيث أنهم لا يشتغلون بعد تخرجهم في مكان واحد وإنما يعملون في أماكن متفرقة.
2- يتميز الاستبيان بقلة التكاليف والجهد وخاصة إذا نشر على صفحات الجرائد أو وزع على الأفراد. وحتى في حالة إرساله بالبريد فإنه لا يكلف كثيراً إذا قورن بغيره من وسائل جمع البيانات.
3_ يعطي الاستبيان البريدي لأفراد البحث فرصة كافية للإجابة على الأسئلة بدقة، خاصة إذا كان نوع البيانات المطلوبة متعلقاً بجميع أفراد الأسرة، إذ يمكنهم التشاور معاً في البيانات التي تتطلب إجابة جماعية.
4_ يسمح الاستبيان البريدي للأفراد بكتابة البيانات في الأوقات التي يرونها مناسبة لهم دون أن يتقيدوا بوقت معين يصل فيه الباحث لجمع البيانات.
5_ تتوفر للاستبيان ظروف التقنين أكثر مما تتوفر لوسيلة أخرى من وسائل جمع البيانات. وذلك نتيجة للتقنين في الألفاظ وترتيب الأسئلة وتسجيل الاستجابات. وهو يكفل للمبحوثين مواقف متجانسة نتيجة لعدم اتصال الباحث شخصياً بالمبحوثين.
6_ يساعد الاستبيان في الحصول على بيانات حساسة أو محرجة. ففي كثير من الأحيان يخشى المبحوث إعلان رأيه والتصريح به أمام الباحث كأن يدلي برأيه في سياسة الحزب الحاكم، أو يعلن رأيه في رئيس العمل، أو يتحدث في نواح تتعلق بالعلاقات الزوجية. أما إذا أتيحت له الفرصة لابداء رأيه في مثل هذه المسائل بطريقة لا تؤدي إلى التعرف عليه _كما هو الحال في الاستبيان_ فإنه يدلي برأيه بصدق وصراحة.
7_ لا يحتاج الاستبيان إلى عدد كبير من جامعي البيانات نظراً لان الإجابة على أسئلة الاستبيان وتسجيلها لا يتطلب إلا المبحوث وحده دون الباحث.
_ عيوب الاستبيان:
على الرغم مما يتوافر للاستبيان من مزايا، فإنه لا يخلو من عيوب تجعله غير صالح بالنسبة لجميع المواقف. واهم هذه العيوب ما يأتي:
1_ نظراً لأن الاستبيان يعتمد على القدرة اللفظية، فإنه لا يصلح إلا إذا كان المبحوثون مثقفين أو على الأقل ملمين بالقراءة والكتابة.
2_ تتطلب استمارة الاستبيان عناية فائقة في الصياغة والوضوح والسهولة والبعد عن المصطلحات الفنية، حيث أن المبحوثين يجيبون على الأسئلة بدون توجيه من الباحث. ولذا فإن صحيفة الاستبيان لا تصلح إذا كان الفرض من البحث يتطلب قدراً كبيراً من الشرح، أو كانت الأسئلة صعبة نوعاً او مرتبطة ببعضها.
3_ لا يصلح الاستبيان إذا كان عدد الأسئلة كثيراً لأن ذلك يؤدي إلى ملل المبحوثين وإهمالهم الإجابة على الأسئلة.
4_ تقبل الإجابات المعطاة في صحيفة الاستبيان على أنها نهائية وخاصة في الحالات التي لا يكتب فيها المبحوث اسمه، ففي مثل هذه المواقف لا يمكن الرجوع إليه والاستفسار منه عن الإجابات الغامضة أو المتناقضة أو استكمال ما قد يكون بالاستمارة من نقص.
5_ حينما يكون هدف البحث دراسة الاتجاهات والآراء الشخصية، فإن الاستبيان قد يؤدي للغرض المطلوب، إذ أن في استطاعة المبحوث أن يناقش الآراء المختلفة مع الآخرين ويتأثر بوجهة نظرهم. وبهذا لا تكون إجاباته معبرة عن رأيه الشخصي.
6_ يستطيع المبحوث عند إجابته لأي سؤال من أسئلة الاستبيان أن يطلع على الأسئلة التي تليه. فيربط بين السؤال الذي يجيب عنه وبين أسئلة المراجعة checking questions التي يقصد بها التثبت من صحة إجابة المبحوث وصدقه في إعطاء البيانات. وبهذا ينكشف أمر أسئلة المراجعة فلا تحقق الغرض الذي وضعت من أجله.
7_ لما كان الاستبيان يعتمد على التقرير اللفظي للشخص نفسه، فإن هذا التقرير قد يكون صادقاً أو غير صادق.
ونظراً لعدم وجود الباحث مع المبحوث فإنه لا يستطيع أن يتحقق من صدق البيانات بملاحظة السلوك العام للمبحوث او بمشاهدة الظواهر التي تؤكد له صحة البيانات أو عدم صحتها.
8_ في غالب الأحيان يكون العائد من صحائف الاستبيان قليلاً ولا يمثل المجتمع تمثيلاً صحيحاً. فقد لا تتعدى نسبة العائد أكثر من 20% من المجموع الكلي لأفراد المجتمع. وفي هذه الحالة لا يستطيع الباحث ان يفسر النتائج في ضوء الردود التي وصلته، كما يصعب عليه أن يطلق حكماً على المجتمع بأكمله. وقد وجد في كثير من الدراسات أن صحائف الاستبيان التي تعود إلى الباحث تكون في غالب الأحيان متحيزة وخاصة إذا كان بعض الأفراد يهتمون بموضوع البحث أكثر من غيرهم ويرغبون ف ان تكون النتائج مؤيدة لوجهة نظرهم.
وقد يعتقد البعض أنه لعلاج هذه المشكلة يمكن زيادة حجم العينة. غير أن تكبير العينة مع استبعاد المجموعة التي لم يحصل منها الباحث على البيانات المطلوبة لن يحل المشكلة في شيء.
ويرى موسر moser ان زيادة نسبة الردود تتوقف على عوامل ثلاثة هي:
1_ الهيئة المشرفة على البحث وما تتمتع به من نفوذ.
2_ مادة البحث واهميتها بالنسبة للمبحوثين.
3_ نوع المجتمع الذي تجمع منه البيانات والمستوى العلمي الذي وصل إليه أفراده.
ونود أن نلفت النظر في هذا المجال إلى ان الاستبيان غير البريدي لا يشترك مع الاستبيان البريدي في كل العيوب السابق ذكرها، لأن وجود الباحث أو من ينوب عنه مع المبحوثين يهيئ الفرصة لعلاج كثير من المشكلات السابقة.
_ إعداد الاستبيان:
يتطلب إعداد الاستبيان تصميم استمارة تجمع بمقتضاها البيانات المطلوبة. وتتضمن الاستمارة مجموعة من الأسئلة تتناول جميع الميادين التي يشتمل عليها البحث وتعطينا إجاباتها البيانات اللازمة للكشف عن الجوانب التي حددها الباحث. وكلما كانت الاستمارة دقيقة توافرت لها أسباب النجاح. وأمكن للباحث أن يحصل على البيانات التي يرغب في الحصول عليها.
ونظراً لأهمية الاستمارة، ولتشابه الأسس التي يقوم عليها بناء استمارة الاستبيان مع الأسس المستخدمة في بناء استمارة المقابلة، فقد رأينا أن نؤجل مناقشة بناء الاستمارة وصياغتها واختيارها إلى فقرة تالية.
ثانياً المقابلة "الاستبار":
تستخدم المقابلة في كثير من مجالات الحياة. فالباحث الاجتماعي يستخدم المقابلة كأداة لجمع البيانات، ورجل الاعمال والطبيب ورجل الدين والقاضي ورجل البوليس والصحفي والمدارس والمحامي والإخصائي النفسي والإخصائي الاجتماعي. كل هؤلاء يستخدمون المقابلة للاستفادة بها في التوجيه أو التشخيص أو العلاج. ويختلف الهدف من المقابلة من مجال إلى آخر. ورغم ذلك فإن أسلوب المقابلة، والأسس السيكولوجية التي تقوم عليها والظروف التي ينبغي أن تتوافر لها لتحقيق أغراضها تكاد تكون واحدة بالنسبة لجميع المقابلات أياً كان نوعها.
ولذا فإن كثيراً مما نعرضه عن المقابلة في هذا المجال يمكن الاستفادة به ليس فقط في مجال البحث الاجتماعي، ولكن في مختلف المجالات التي تستخدم فيها المقابلة.
_ تعريف المقابلة:
تستخدم كلمة "الاستبار" بدلاً من كلمة "المقابلة" ويرجع ذلك إلى الأصل اللغوي للكلمة، فالاستبار من سبر وأسبر واستبر الجرح أو البئر أو الماء أي امتحن غوره ليعرف مقداره: واستبر الامر جربه واختبره.
ويعرف بنجهامbingham المقابلة بأنها "المحادثة الجادة الموجهة نحو هدف محدد، غير مجرد الرغبة في المحادثة لذاتها" وينطوي هذا التعريف على عنصرين رئيسيين هما:
1_ المحادثة بين شخصين أو أكثر في موقف مواجهة، ويرى بنجهام أن الكلمة ليست هي السبيل الوحيد للاتصال بين الشخصين، فخصائص الصوت، وتعبيرات الوجه، ونظرة العين والهيئة، والايماءات، والسلوك العام، كل ذلك يكمل ما يقال.
2_ توجيه المحادثة نحو هدف محدد. فالمقابلة تختلف عن الحديث العادي في ان الحديث قد لا يستهدف شيئاً، أو قد يرمي الانسان من ورائه إلى تحقيق لذة يجتنبها من حديثه إلى الآخرين. أما المقابلة فهي محادثة جادة موجهة نحو هدف محدد. ووضوح هذا الهدف شرط أساسي لقيام علاقة حقيقية بين القائم بالمقابلة وبين المبحوث.
ويعرف انجلش، انجلش English, English المقابلة بأنها المحادثة موجهة يقوم بها شخص مع شخص آخر أو أشخاص آخرين، هدفها استثارة أنواع معينة من المعلومات لاستغلالها في بحث علمي أو للاستعانة بها في التوجيه والتشخيص والعلاج. وتعريف انجلش لا يختلف عن تعريف بنجهام في تحديده لخصائص المقابلة إلا انه يتميز عليه في تحديد الأهداف الأساسية للمقابلة وهي:
1_ جمع الحقائق لغرض البحث.
2_ الاستفادة بها في التوجيه والتشخيص والعلاج.
وتعرف جاهودا المقابلة بأنها: " التبادل اللفظي الذي يتم وجهاً لوجه بين القائم بالمقابلة وبين شخص آخر أو أشخاص آخرين. ويشترك هذا التعريف مع التعريفين السابقين في تحديده للتفاعل اللفظي الذي يتم بين القائم بالمقابلة وبين المبحوث، وكذلك في تحديده لموقف المواجهة، إلا انه لا يشير إلى الهدف من المقابلة كما أشار التعريفان السابقان.
أما ماكوبي وماكوبي maccoby, maccoby فإنهما يعرفان المقابلة بانها "تفاعل لفظي يتم بين شخصين في موقف مواجهة حيث يحاول أحدهما وهو القائم بالمقابلة أن يستثير بعض المعلومات أو التعبيرات لدى المبحوث، والتي تدور حول آرائه أو معتقداته". وهذا التعريف يقتصر على تحديد المقابلة كما يستخدم في البحث الاجتماعي فقط، فهو يجعل الهدف من المقابلة هو مجرد استثارة المعلومات أو التعبيرات التي تدور حولها آراء ومعتقدات المبحوث.
ومن العرض السابق لتعريفات المقابلة يمكن أن نحدد الخصائص الجوهرية للمقابلة فيما يلي:
1_ التبادل اللفظي الذي يتم بين القائم بالمقابلة وبين المبحوث، وما قد يرتبط بذلك التبادل اللفظي من استخدام تعبيرات الوجه ونظرة العين والهيئة والايماءات والسلوك العام.
2_ المواجهة بين الباحث والمبحوث.
3_ توجيه المقابلة نحو غرض واضح محدد. وهذا الغرض يجعلها تختلف عن الحديث العادي الذي قد لا يهدف إلى تحقيق غرض معين.
_ مزايا المقابلة:
1_ للمقابلة أهميتها في المجتمعات التي تكون فيها درجة الامية مرتفعة. فالمقابلة لا تتطلب من المبحوثين أن يكونوا مثقفين حتى يجيبوا على الأسئلة حيث ان القائم بالمقابلة هو الذي يقوم بقراءة الأسئلة.
2_ تمييز المقابلة بالمرونة. فيستطيع القائم بالمقابلة أن يشرح للمبحوثين ما يكون غامضاً عليهم من أسئلة، وأن يوضح معاني بعض الكلمات.
3_ تتميز المقابلة في انها تجمع بين الباحث والمبحوث في موقف مواجهة وهذا الموقف يتيح له فرصة التعمق في فهم الظاهرة التي يدرسها، وملاحظة سلوك المبحوث. فيستطيع الباحث مثلاً عن طريق مقابلته لأفراد الاسرة أن يقف على مدى التفاهم بين الزوج والزوجة، وأن يلحظ العلاقات المتبادلة بين أفراد الاسرة كما يستطيع أن يجمع بين بيانات عن بعض الظواهر دون توجيه أسئلة قد تبدو محرجة، وقد يكون لها أثرها في المبحوثين فيرفضون التعاون مع الباحث، هذا بالإضافة إلى أن المقابلة تساعد الباحث على الكشف عن التناقض في الإجابة ومراجعة المبحوث في تفسير أسباب التناقض.
4_ إذا أراد الباحث أن يوجه أسئلة كثيرة إلى المبحوثين، ففي استطاعته أن يقنعهم بالأهمية العلمية والعملية للبحث وما يمكن أن يستفيده المجتمع من ورائه، وبهذا يكسب معونتهم ويضمن استجابتهم للبحث.
5_ توجه الأسئلة في المقابلة بالترتيب والتسلسل الذي يريده الباحث، فلا يطلع المبحوث على جميع الأسئلة قبل الإجابة عليها كما قد يحدث في الاستبيان.
6_ تضمن المقابلة للباحث الحصول على معلومات من المبحوث دون ان يتناقش مع غيره من الناس أو يتأثر بآرائهم. وبذا تكون الآراء التي يدلي بها المبحوث أكثر تعبيراً عن رأيه الشخصي.
7_ يغلب أن تحقق المقابلة تمثيلاً أكبر وأدق للمجتم لأن القائم بالمقابلة يستطيع الحصول على بيانات من جميع المبحوثين خصوصاً إذا أحسن عرض الغرض من البحث عليهم، واختيار الوقت المناسب للاتصال بهم.
8_ يحصل القائم بالمقابلة على إجابات لجميع الأسئلة. وإذا كانت الإجابات ناقصة فإنه يستطيع الاتصال بالمبحوثين ويقوم بمقابلة ثانية وثالثة حتى يحصل على البيانات المطلوبة.
_ عيوب المقابلة:
1_ تتعرض النتائج التي يحصل عليها القائم بالمقابلة إلى أخطاء شخصية راجعة إلى نواحي التحيز bias التي تتعرض لها التقديرات والتفسيرات الشخصية إن كانت خطة البحث تقتضي إصدار مثل هذه الأحكام. زيادة على ذلك فإن المقابلة تعكس الاستجابات الانفعالية للقائم بالمقابلة والمبحوث واتجاه كل منهما نحو الآخر.
وقد أوضح سيتوارت رايس stuart rice في دراسة له الاخطار الخفية الكامنة في تحيزات القائم بالمقابلة واتجاهاته. وكانت الدراسة تحت عنوان "انتقال التحيز في المقابلة" ففي سنة 1913 أمر مكتب نيويورك للبر والإحسان بدراسة الخصائص الجسمانية والعقلية والاجتماعية لنحو ألفين من المعوزين الذين يطلبون مأوى في دار البلدية، وأجرى مقابلة اثنا عشر رجلاً متخصصون في الخدمة الاجتماعية استغرقوا فيها ساعات متعددة من كل ليلة لعدة أسابيع، وقد قسم المتقدمون بطريقة عشوائية حتى يتسنى لكل باحث أن يقابل عينة غير منتقاة من المجموعة الكلية. وكانت المقابلة تستغرق عشرين أو ثلاثين دقيقة توجه فيها أسئلة في أربع صفحات تتصل بالتاريخ الاجتماعي والمهني للشخص. وكشفت مراجعة البيانات التي حصل عليها الباحثون أن أنماطاً محددة من الإجابات تتواتر بالنسبة للمبحوثين الذين يقوم باحثون معينون بمقابلتهم.
وبالرغم من أن كل قائم بالمقابلة كان باحثاً مدرباً إلا ان تفسيراته تأثرت بأحكامه الشخصية. وأظهر تحليل النتائج أيضاً أن تحيزات القائم بالمقابلة كانت تنتقل بواسطة عملية الإيحاء إلى المبحوثين، وكانت تؤثر في إجاباتهم.
2_ لما كانت المقابلة تعتمد على التقرير اللفظي للمبحوث، فإن الفرد قد لا يكون صادقاً فيما يدلي به من بيانات، فيحاول تزييف الإجابات في الاتجاه الذي يتوسم أنه يتفق مع اتجاه القائم بالمقابلة.
3_ تحتاج المقابلة إلى عدد كبير من جامعي البيانات الذين يتم اختيارهم وتدريبهم بعناية. وتتطلب عملية الاختيار والإعداد والتدريب وقتاً طويلاً، ونفقات كثيرة.
4_ كثرة تكاليف الانتقال التي يتكبدها القائمون بالمقابلة، وضياع كثير من الوقت في التردد على المبحوثين.
5_ في المقابلة كثيراً ما يمتنع المبحوث عن الإجابة على الأسئلة الخاصة أو الأسئلة التي يخشى أن يصيبه ضرر مادي أو أدبي إذا أجاب عليها. أما إذا كانت شخصيته غير معروفة للباحث فإنه قد يعطي بيانات اكثر صحة ودقة من تلك التي يعطيها للقائم بالمقابلة.
ونود أن نشير في هذا المجال إلى أن العيوب التي ذكرناها لا تقلل كثيراً من أهمية المقابلة. ولا تدفع الباحث إلى التخلي عن المقابلة كأداة هامة من أداوت جمع البيانات، بل أنها تدفعه إلى العمل على زيادة درجة ثبات وصدق البيانات التي يحصل عليها وذلك بتخطيط المقابلة بحيث تتكيف والهدف المرجو منها. واتخاذ الاحتياطات اللازمة لإكساب المقابلة قيمتها المنهجية التي نعزوها لها.
_ أنواع المقابلات:
للمقابلة أنواع كثيرة وتصنيفات متعددة. وتختلف هذه الأنواع بعضها عن بعض من حيث شكلها وموضوعها ومجالها. على أن من الممكن تصنيفها على النحو التالي:
(أ)من حيث الغرض:
تنقسم المقابلات إلى الأنواع التالية:
1_ المقابلة لجمع البيانات:
ويقصد بها المقابلة التي يقوم بها الباحث لجمع البيانات المتعلقة بموضوع البحث. وغالباً ما تكون هذه البيانات من النوع الذي يصعب الحصول عليه بطريق الملاحظة او تكون ذات صلة وثيقة بمشاعر الافراد ودوافعهم وعقائدهم واتجاهاتهم. وتستخدم المقابلة في الدراسات الاستطلاعية بقصد التعرف على اهم الحقائق المتعلقة بالمشكلة، وتحديد الفروض التي يمكن وضعها تحت الاختبار، وتستخدم أيضاً في مرحلة الاختبار القبلي لبعض أجزاء البحث وخاصة بالنسبة لتصميم الاستمارة، كما تستخدم أيضاً في الدراسات الوصفية والسببية للتحقق من صحة الفروض التي يضعها الباحث.
هذا ويتجه العاملون في مختلف المهن إلى إجراء مقابلات دراسية يهدفون من ورائها إلى جمع البيانات والحصول على المعلومات المتعلقة بالأشخاص والمواقف المحيطة به.
2_ المقابلة التشخصية:
يستخدم الطبيب والاخصائي النفسي والاخصائي الاجتماعي هذا النوع من المقابلة في تشخيص حالات العملاء من المرضى وذوي المشكلات. وتهدف هذه المقابلات إلى التعرف على العوامل الأساسية المؤثرة في المشكلة التي يعاني منها العميل، وتحديد الأبعاد الأساسية للمواقف المحيطة به.
3_ المقابلات العلاجية:
يقصد بها المقابلة التي تهدف إلى رسم خطة لعلاج العميل وتخفيف حدة التوتر الذي يشعر به مع الاستفادة من إمكانيات المجتمع.
وينبغي الإشارة إلى أن المقابلات التي تجري بقصد الدراسة أو التشخيص أو العلاج تتداخل فيما بينها تداخلاً تاماً بحيث يصعب إقامة الحدود الفاصلة بينها. والقائم بالمقابلة حينما يجري مقابلات من أي نوع لا يحاول أن يقيم حدوداً صناعية بين الأنواع الثلاثة، كل ما في الأمر انه يقوم بإبراز هدف واحد في كل خطوة من خطوات العمل. فتتسم مقابلاته الأولى بسمة الدراسة، بينما تتسم مقابلاته التالية بسمة التشخيص، في حين أن مقابلاته الأخيرة تتسم بسمة العلاج.
(ب) من حيث عدد المبحوثين:
يمكن تقسيم المقابلات إلى النوعين التاليين:
1_ المقابلة الفردية:
وهي التي تتم بين القائم بالمقابلة وبين شخص واحد من المبحوثين، ويتطلب هذا النوع كثيراً من النفقات والوقت والجهد، ورغم ذلك فهو النوع الأكثر شيوعاً في الدراسات النفسية والاجتماعية.
2_ المقابلة الجماعية:
وهي التي تتم بين الباحث وبين عدد من الأفراد في مكان واحد ووقت واحد. ويستخدم هذ النوع منم المقابلة لتوفير الوقت والجهد وللحصول على معلومات أوفر، ذلك لأن اجتماع عدد من الأفراد يساعدهم على تبادل الخبرات والآراء وتذكر التفاصيل التي قد تغيب عن أذهان بعض الأفراد إذا أجريت معهم مقابلات على المستوى الفردي، ثم أن وجود أفراد معاً يهيئ لهم فرصة المشاركة في المناقشات الجماعية والتعبير عن آرائهم.
ومن الشروط الواجب توافرها في تكوين الجماعة ألا يكون حجمها كبيراً إلى الدرجة التي يتعذر فيها على بعض الأعضاء الاشتراك في المناقشات الجماعية، كما ينبغي أن يتوفر أكبر قدر ممكن من التجانس بين أعضاء الجماعة سواء من ناحية النوع أو السن أو المستوى الاقتصادي أو الثقافي.
أما بالنسبة لسير المناقشة الجماعية فينبغي أن يأخذ القائم بالمقابلة في الاعتبار جميع الأفكار التي تثار حتى التي تبدو لأول وهلة تافهة أو بعيدة عن الموضوع لأنها قد تنفع في استشارة أفكار أخرى لدى أعضاء آخرين. وإذا كان بعض افراد الجماعة هادئين ساكنين بطبيعتهم أو ممن يشعرون بالعزلة أو الشعور بالاستعلاء، فإن على القائم بالمقابلة أن يخلق الحوافز التي تدفعهم إلى المناقشة وإبداء الرأي، وإذا أراد بعض الأعضاء احتكار المناقشة أو فرض آرائهم على المجموعة فعلى القائم بالمقابلة أن يعالج الامر بلباقته ليسمح للجميع بالمساهمة في الرأي، كما يجب عليه ألا يسمح بظهور معسكرات متضاربة في الرأي، أو وجود مناقشات جانبية بين فرد أو أكثر حتى لا تتشتت المجموعة فلا تؤدي المقابلة أهدافها، كما ينبغي ألا تشتمل المقابلة الجماعية على بعض الموضوعات المحرجة لبعض الأفراد حتى تفسير المقابلة في جو طبيعي.
(ج)من حيث درجة المرونة في موقف المقابلة:
تنقسم المقابلات من حيث درجة مرونتها إلى نوعين:
1_ المقابلة المقننة:
وهي التي تكون محددة تحديداً دقيقاً. وينصب هذا التحديد عن عدد الأسئلة التي توجه إلى المبحوثين وترتيبها ونوعها إن كانت مقفولة أو مفتوحة. وعلى القائم بالمقابلة أن يوجه الأسئلة إلى جميع المبحوثين بنفس الأسلوب وبنفس الترتيب وبنفس الطريقة. وفي حالة وجود أسئلة مفتوحة فلا توجه إلا أسئلة التعمق والاستيضاح فقط.
2_ المقابلة غير المقننة:
وهي التي لا تحدد أسئلتها أو فئات الاستجابات لهذه الأسئلة تحديداً سابقاً. وقد استخدم هذا النوع من المقابلة في البحوث الانثروبولوجية والفحوص الاكلينيكية السيكولوجية، ثم استخدم في مجال البحوث الاجتماعية للحصول على بيانات متعمقة عن الاتجاهات والدوافع الاجتماعية. ويتميز هذا النوع بالمرونة الكافية التي تسمح للقائم بالمقابلة بالتعمق في الحصول على المعلومات المتعلقة بالمبحوث والموقف المحيط به. كما أنه يسمح للمبحوث بالتعبير عن شخصيته تعبيراً حراً تلقائياً، وبقدر ما تكون استجابات المبحوث تلقائية بقدر ما تحقق المقابلة أهدافها. وتصلح المقابلات غير المقننة في الدراسات الاستطلاعية للوصول إلى الفروض التي يمكن اخضاعها بعد ذلك للاختبار المقنن. ونظراً لما تتميز به المقابلات غير المقننة من مرونة فإنها تحتاج إلى مهارة فائقة من جانب الباحث حتى يستطيع تحليل نتائج مقابلاته والمقارنة بينها.
ويقصد بها ذلك النوع من المقابلة الذي يرتكز على خبرة معينة مر بها البؤرية و "المقابلة الاكلينيكية" و "المقابلة المرتكزة حول العميل".
ونشير فيما يلي إلى هذه الأنواع بإيجاز.
(أ)المقابلة البؤرية focused interview:
ويقصد بها ذلك النوع من المقابلة الذي يرتكز على خبرة معينة مر بها المبحوث والآثار المترتبة على هذه الخبرة. فإذا كان هناك موقف معين أو مجموعة مواقف اشترك فيها المبحوثون كرؤية مسرحية أو الاشتراك في حشد أو قراءة رواية معينة، فإن الباحث يبدأ بتحليل المواقف تحليلاً مبدئياً للوقف على عناصره وتحديد بعض الفروض المؤقتة. ثم يحدد الموضوعات التي يرغب في دراستها، ويعد دليلاً للمقابلة interview guide يتضمن الجوانب الرئيسية التي سبق تحديدها دون أن يتضمن تحديداً دقيقاً للأسئلة لأن أسلوب السؤال وتوقيته يترك لتقدير القائم بالمقابلة.
ومن الضروري أن تدور المقابلة حول الموضوعات التي حددها الباحث ولذا ينبغي على القائم بالمقابلة أن يقصر المناقشات على ما سبق تحديده وخاصة الخبرة الذاتية للأشخاص الذين تعرضوا للموقف للتأكد من تعريفهم الشخصي للموقف. وتساعد استجابات هؤلاء الأشخاص على اختبار الفروض، كما أن الاستجابات غير المتوقعة تؤدي إلى فروض جديدة يمكن اخضاعها للبحث العلمي المنظم.
وكلما كان الباحث عارفاً بطبيعة الموقف الذي شارك فيه المبحوث. ازدادت قدرته على الإعداد لموقف المقابلة وفرض الفروض المبدئية عن الموضوعات التي يتضمنها.
ويمكن أن تبدأ المقابلة بسؤال المبحوث عن الموقف الذي تعرض له، ثم التدرج في استطلاع استجاباته. ويمكن استخدام الأسئلة المفتوحة أو الأسئلة المقيدة. فيوجه القائم بالمقابلة سؤالاً مفتوحاً مثل:
_ ما الذي أعجبك في المسرحية التي شاهدتها؟
أو يوجه سؤالاً مغلقاً مثل:
هل تعتقد أن الممثلين: أ_ أدوا أدوارهم بنجاح؟.
ب_ أم أنهم نجحوا على حد ما؟ ج_ أم أنهم فشلوا في التمثيل؟.
(ب) المقابلة الاكلينيكية clinical interview:
تختلف المقابلة الاكلينيكية عن المقابلة البؤرية في ان الأخيرة تهتم بخبرة معينة مر بها المبحوث، في حين أن المقابلة الاكلينيكية تهتم بمختلف الخبرات التي مر بها، فهي تدور حول جوانب الشخصية بأكملها لمحاولة الوقوف على المشكلات الخاصة بالتكيف الانفعالي، وغالباً ما تجمع بين غرض الدراسة والتشخيص والعلاج.
وقد نجح الاخصائيون النفسيون الاكلينيكيون والأطباء الذين يعملون في مجال التشخيص العقلي والعلاج النفسي في معرفة الكثير عن العمليات العقلية التي تتفاعل أثناء المقابلة وبصفة خاصة ما يتعلق بالدوافع والحوافز وترابط الأفكار والكف الذي يعوق الصراحة ويؤدي إلى الوقوف حائلاً دون الافضاء بالحقائق. وتساعد المعرفة بهذه العملية على فهم طبيعة التحيز سواء لدى القائم بالمقابلة أو العميل. وتثير الطريق نحو فهم متبادل، وأقوال صادقة، وأحكام صريحة خالية من التحيز.
ولا يكتفي في المقابلة الاكلينيكية بالتقرير اللفظي الذي يدلي به المبحوث. وإنما يهتم القائم بالمقابلة بملاحظة السلوك غير اللفظي لأهميته الكبرى في الكشف عن حالة العميل.
وهناك أساليب مختلفة يمكن استخدامها في المقابلة الاكلينيكية، ويمكن الاطلاع عليها في المراجع التي تهتم بمثل هذه الموضوعات.
(ج) المقابلة المتمركزة حول العميل:
يعتمد هذا النوع من المقابلة على تشجيع العميل على التعبير عن مشاعره ودوافع سلوكه، والتحدث عن أي شيء يجول في خاطره بأقل قدر ممكن من التوجيه أو التساؤل.
ويعتمد هذا النوع من المقابلة على منهج "كارل روجرز"، في العلاج النفسي الذي يقوم على تشجيع العميل على الافضاء بكل ما يجول في خاطره، والتعبير عن مشاعره تعبيراً حراص تلقائياً.
وينبغي على القائم بالمقابلة أن يصغي جيداً لكل ما يقال، وأن يقول بعض التعليقات المختصرة التي تدفع العميل إلى مواصلة الحديث والاسترسال فيه كلما هم بالتوقف، مع تقبل كل ما يقال دون إصدار أحكام أخلاقية على العميل.
_ كيفية إجراء المقابلة:
لما كانت المقابلة تستخدم لجمع البيانات المتعلقة باتجاهات الأفراد وعقائدهم ودوافعهم ومشاعرهم نحو موضوعات معينة، معتمدة على التقرير الذاتي للمبحوث، في موقف مواجهة يقوم على التفاعل المستمر، والتأثير المتبادل بين شخصين كلاهما غريب عن الآخر، فإن نجاح المقابلة يتوقف إلى حد كبير على مهارة القائم بها، ومدى فهمه لدوافع السلوك، ومقدار وعيه بمختلف العوامل التي يمكن أن تدفع المبحوث إلى الوقوف موقفاً سلبياً من الباحث، أو إلى إعطاء بيانات محرفة لا تتسم بالصدق والثبات.
ويجمع أغلب المشتغلين بالبحث الاجتماعي على أن المقابلة فن تحتاج إلى مهارة وخبرة وتدريب، وهذه المهارة والخبرة يمكن اكتسابها عن طريق الممارسة العملية وذلك بالنزول إلى الميدان، ومقابلة المبحوثين، والاحتكاك بهم مع الاستفادة بالحقائق العلمية التي توصل إليها علماء النفس والاجتماع وخاصة تلك التي تتعلق بدوافع السلوك، ومكونات الشخصية، وأساليب الاتصال والتأثير، وأنواع العلاقات الاجتماعية.
وتفيض المراجع بكثير من النصائح والارشادات التي يمكن الاستفادة بها عند إجراء المقابلة، وهذه النصائح أغلبها مستمد من خبرات الباحثين الميدانيين ومن الحقائق العلمية عن السلوك ودوافعه، والاتصال وأساليبه.
ونعرض فيما يلي بعضاً منها، لا ليلتزم بها الباحث إلتزاماً حرفياً، بل ليأخذ منها ما يتناسب مع الموقف الذي يواجهه، وليغير فيها حسب طبيعة البحث والظروف المحيطة به.
1_ استثارة الدافع للاستجابة:
أن أول ما يسعى إليه القائم بالمقابلة هو استثارة الدافع لدى المبحوث للاستجابة. فالمبحوث يواجه شخصاً غريباً، لا تربطه به صلة سابقة، ويطلب إليه أن يدلي بيانات تتصل بشئون حياته الخاصة، وقد تكون من النوع الذي يقابل بشيء من التستر كما هو الحال عندنا في الريف المصري حينما يرغب الباحث في الحصول على بيانات عن عدد أفراد الأسرة مقسمين إلى ذكور وإناث، والعمر ونوع العمل والحالة الاجتماعية والزواجية والدخل بمقداره ومصادره. فما الذي يحفز المبحوث إلى الاستجابة، ويدفعه إلى التعاون مع الباحث.
ليس من شك في ان درجة الاستعداد للاستجابة تختلف باختلاف الدور الذي يمثله القائم بالمقابلة، وباختلاف المجتمع الذي يجري فيه البحث، ونوع الثقافة السائدة فيه.
فإن كان تقديم الباحث من قبل أصحاب السلطة فإن ذلك قد يشجع المبحوثين على الادلاء بالبيانات المطلوبة إذا كانوا يقدرون هذه السلطة ويحترمونها، وقد يدفعهم إلى الحذر إذا كان أصحاب السلطة لا يحتلون مكانة طبية في نفوس الأفراد، أو إذا كانت البيانات المطلوبة تتطلب تعبيراً عن رأي أو اتجاه يمس هؤلاء من قريب أو بعيد.
وتشير كثير من البحوث التي أجريت في الخارج إلى أن الناس يهمهم لتكوين صلات مع الأشخاص الذين يمثلون مستويات اجتماعية أعلى من مستوياتهم اكثر مما يهمهم تكوين هذه الصلاب مع أشخاص في مراكز اجتماعية أدنى. فالأفراد من الطبقات العليا قد لا يرون فائدة كبيرة في التعبير عن آرائهم للقائم بالمقابلة، بينما يحرص الأفراد من الطبقات الدنيا على إبداء آرائهم والتعبير عن وجهات نظرهم. ويحدث في بعض المجتمعات ان يبدي الأفراد نوعاً من المقاومة للقائمين بالمقابلة، لأنهم يعتبرون المسائل التي يسألون عنها من الأمور التي لا يجوز أن يطلع عليها أي انسان بأي حال من الأحوال، في حين أن مثل هذه المسائل تعتبر أموراً عادية في مجتمعات أخرى، ولا يبدى الافراد أي نوع من أنواع المقاومة إذا سئلوا عنها، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى ظروف المجتمع ونوع التقاليد والقيم والاتجاهات السائدة فيه.
هذا ويتوقف الكثير على القائم بالمقابلة. ومدى فهمه للأشخاص الذين يواجههم ونوع العلاقة التي يستطيع أن يكونها معهم. والانطباع الذي يتركه في نفوسهم.
وينبغي على القائم بالمقابلة أن يعمل على كسب ثقة المبحوثين، فيبدأ بمقدمة مختصرة عن الغرض من المقابلة، والطريقة التي تم اختيارهم بها، ويبين لهم أن البيانات المطلوبة سرية ولن تستخدم إلا لغرض البحث العلمي. وأن البحث يهدف إلى الوقوف على مجموع آراء الأفراد واتجاهاتهم دون البحث عن آراء فرد بذاته، كما ينبغي عليه الاستعداد لتقديم ما يثبت شخصيته إذا تطلب الامر ذلك.
ومن الأمثلة التي اتبعت في بعض البحوث الميدانية التي أجريت بجمهورية مصر العربية ما قام به الأستاذ الدكتور حسن الساعاتي في بحثه عن التصنيع والعمران بمدينة الإسكندرية. فقد بدأت الإجراءات التمهيدية بالاتصال بمديري المصانع لتيسير لقاء القائمين بالمقابلة بالعمال، وفي الوقت ذاته أرسل مكتب العمل بالإسكندرية إلى مدير كل من الستين مصنع _التي وقع عليها الاختيار_ خطاباً دورياً يخطره فيه بطبيعة البحث وأهميته واسم القائم بالمقابلة، وعدد العمال الذين سيجري استبارهم "تجري المقابلة معهم" من مصنعه، وعندما ذهب القائمون بالمقابلة إلى المصانع، وجدوا في كل منها حجرة معدة لهم ليجروا فيها استبار العمال الذين كانوا يحضرون إليهم واحداً إثر الآخر تحت إشراف أحد المسئولين في المصنع.
وعند بدء الاستبار كان القائم بالمقابلة يشرح للعامل الغرض من البحث بإيجاز. أما مدبرو الأعمال في هذه المصانع الستين فقد أظهروا بوجه عام اهتماماً بالبحث واحتفظ كل منهم بنسخة من استمارة البحث المطبوعة.
وفي بحث آخر للدكتورين نجيب إسكندر إبراهيم ومحمد عماد الدين إسماعيل عن الاتجاهات النفسية والاجتماعية نحو العلاقات العائلية، أعدت التعليمات الآتية للقائمين بالمقابلة:
1_ ابدأ بمقدمة مختصرة عن الغرض من المقابلة، ولاحظ أن التطويل في المقدمة قد يستثير ريبة المبحوث، وأن أفضل بداية هي مثلاً " صباح الخير أنا طالب في الجامعة، ومطلوب مني أن أعرف شيء عن الحياة، والعائلات والأولاد وتربيتهم، ودي مهمة بالنسبة لي عشان الدراسة. والمسألة ان هناك شوية أسئلة راح أقولها وأنت تديني جواب عليها وأنا رايح اكتب الحاجات دي من غير ذكر أسماء ولا حاجة، وعلى الله ما يكنشي ده فيه أي تعب ليك".
2_ على القائم بالمقابلة ان يبين للمبحوثين أن فكرة أخذ رأي الناس عن هذه الأشياء مهمة للتعليم وليس لأي شيء آخر، وأن المسألة "مافيهاش ذكر أسماء ولا حاجة ولا فيش جواب صح أو جواب غلط، وإنما دي آراء تفيدنا معرفتها".
3_ تهيئة جو المقابلة:
ينبغي ان يخصص للمقابلة الوقت المناسب مع تهيئة المكان والظروف المناسبة. ويقتضي الأمر في كثير من الأحيان أن تكون المقابلة مقصورة على كل من القائم بالمقابلة والمبحوث، لأن وجود أفراد آخرين قد يثير مخاوف المبحوث ويدفعه إلى العدول عن أقواله. ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: جاء في التقرير الذي نشره المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن البغاء أن الباحثين صادفوا مشكلة مادية انحصرت في عدم وجود حجرة في مكتب حماية الآداب بالقاهرة يمكن تخصيصها لإجراء عملية الاستبار. ولذا كانت المقابلة تتم في الغرف المخصصة للقائمين بالعمل في مكتب الآداب، وكان يحدث أحياناً أن يدخل أحد رجال المكتب لأخذ شيء من مكتبه أو لإنهاء بعض أعماله. فكان ذلك يؤثر في موقف البغي ويثير الخوف في نفسها، وخاصة إذا ما كانت تدلي باعترافات عن ممارسة المهنة، حتى أن بعضهن كن يعدلن عما سبق أن ذكرنه وذلك خشية أن تؤخذ أقوالهن دليلاً لإدانتهن.
وقد ذكر التقرير أيضاً أن استبار البغايا بمكتب حماية الآداب لم يكن يدفعهن إلى الاطمئنان. فالبغي أثناء تواجدها بالمكتب، تكون في موقف اتهام، ولذلك كانت تعد كل سؤال يوجه إليها بمثابة استيفاء لإجراءات التحقيق معها مهما قيل لها غير ذلك. ومن ثم فإنه كان طبيعياً أن تقف بعض البغايا موقف ريبة والحذر والإنكار في كل ما يدلين به من بيانات، سواء أكان ذلك بممارستها للبغاء بصفة خاصة، أو تاريخ حياتهن بصفة عامة.
من هذا نستدل على أن من الضروري ان يعمل القائم بالمقابلة على الاجتماع بالمبحوث في غرفة منفردة بقدر الإمكان ضماناً لصحة البيانات والبعد بها عن عوامل الانحراف.
وتشير أغلب البحوث الميدانية إلى أن إشاعة جو من التقبل وعدم الكلفة يؤدي إلى عدم ظهور توترات نفسية لدى المبحوث وإلى تحرره من الخوف والقلق. مثال ذلك ما جاء في تقرير تعاطي الحشيش من أن هيئة البحث كانت تحسن استقبال المفحوصين، وكانت تحاول الإقلال من الطابع الرسمي للجلسة، فكانت تقدم لهم السجائر أحياناً وكذلك كانت تقدم لهم بعض المشروبات، وأنها حرصت على أن تقلل من التوترات النفسية في جلسة الاستبار ما أمكن، وذلك عن طريق تنظيم خطوات المقابلة، والاستقرار على نمط معين في إلقاء الأسئلة.
ومن النصائح التي يقدمها هايمان بهذا الصدد ما يأتي:
1_ حدد موعد المقابلة مع المبحوثين قبل القيام بها.
2_ خصص الوقت الكافي للمقابلة واجعل المبحوث يشعر بأنك متفرغ لمقابلته.
3_ دع المبحوث يتخير الجلسة المريحة قبل البدء في الأسئلة.
4_ تجنب إجهاد المبحوث بكل الوسائل الممكنة.
3_ توجيه الأسئلة:
ينبغي ألا يبدأ القائم بالمقابلة بتوجيه أسئلة منصبة على الموضوع رأساً، فقد تثير بعض هذه الأسئلة جوانب الخوف والمقاومة لدى المبحوث. ويفضل أن تكون الأسئلة الأولى من النوع الذي يثير اهتمام المبحوث، تليها أسئلة متخصصة لها صلة وثيقة بموضوع البحث، ثم أسئلة أكثر تخصصاً، مع مراعاة أن يكون التدرج في توجيه الأسئلة متمشياً مع تدرج العلاقة الودية التي تنشأ بين القائم بالمقابلة وبين المبحوث.
ولكي يحصل الباحث على الفائدة الكافية من المقابلة، ينبغي اجراؤها بطريق المناقشة، فلا تلقي الأسئلة بطريقة جامدة كما تلقي قطعة الاملاء، ويتطلب ذلك من القائم بالمقابلة أن يقرأ أسئلة الاستمارة قراءة دقيقة قبل ذهابه للمبحوث، وان يتدرب على طريقة ملئ الاستمارة من الميدان بتجربتها على بعض زملائه أو معارفه.
وينبغي على القائم بالمقابلة أن يوجه الأسئلة برفق متجنباً أسلوب التحقيق ومراعياً حالة المبحوث. فقد يكون المبحوث من الأشخاص الذين يتكلمون ببطء شديد، أو من الذين يتكلمون بسرعة لدرجة أنهم يمضغون الكلمات. وفي مثل هذه الحالات يجب أن يمنح القائم بالمقابلة للشخص الذي أمامه الفرصة الكاملة التي تجعله يعطي ما يريد بسرعته الخاصة دون أن يستحثه على التأني أو الإسراع في الإجابة.
هذا ولا يجب توجيه أكثر من سؤال في وقت واحد حتى يستطيع المبحوث أن يستجمع أفكاره بالنسبة لكل سؤال وأن ينظم إجاباته تنظيماً دقيقاً.
وفي حالة استخدام المقابلة غير المقننة ينبغي توجيه الأسئلة بالطريقة التي يفهمها المبحوث. وقد يجد الباحث أنه من الأنسب تفتيت السؤال الواحد إلى جملة أسئلة ليتدرج في استخلاص البيانات من المبحوث حسب مستواه الثقافي. أما في المقابلة المقننة فمن الضروري توجيه الأسئلة بنفس الأسلوب وبنفس الترتيب لجميع المبحوثين. وإذا لم يفهم المبحوث المعنى المقصود من أحد الأسئلة فينبغي على القائم بالمقابلة أن يعيد السؤال بتأنٍ مع تأكيد بعض الأجزاء الهامة التي توضح المعنى دون أن يحاول تفسيره من عندياته، فإذا استمر المبحوث في عدم فهمه للسؤال، فيمكن الانتقال إلى السؤال الذي يليه.
ويجب أن يظل القائم بالمقابلة ممسكاً بزمام المناقشة بحيث يوجهها إلى الناحية التي تحقق اهداف البحث دون أن يترك الامر للمبحوث يوجهه كيفما يشاء.
4_ الحصول على الإجابة:
يحصل ان يسعى القائم بالمقابلة إلى الحصول على إجابات عن جميع الأسئلة، فإذا وجد أن المبحوث قد أجاب على السؤال في سؤال سابق فلا ينبغي أن يتخلى عن ذلك السؤال. فمثل هذا السؤال غالباً ما يوضع للتأكد من صحة الإجابة الأولى.
أما إذا كانت الإجابة ناقصة فعليه أن يحاول استكمال المعلومات الناقصة والتي يرى أنها ضرورية للبحث.
وإذا لم يجب المبحوث على أحد الأسئلة قائلاً: " لا أعرف"، فعلى القائم بالمقابلة أن يحاول معرفة العوامل التي تدفعه إلى عدم الإجابة. فقد يكون المبحوث حقاً لا رأي له في الموضوع، أو لا يكون قادراً على التعبير عن رأيه بالألفاظ أو يكون السؤال غير واضح. وعلى القائم بالمقابلة أن يميز بقدر الإمكان بين هذه الحالات وأن يتصرف في كل موقف بما يناسبه. فقد يجد أن من المناسب إعادة السؤال مبتدئاً بعبارة مثل "أنني لم أعبر لك تعبيراً كافياً عن السؤال". ثم يعيد السؤال ببطء مع تأكيد النقط الهامة. او بعبارة مثل " أن أشخاصاً كثيرين لا رأي لهم بشأن هذا الموضوع، لكني أرغب في معرفة رأيك الشخصي". أو بعبارة مثل " إن الإجابة التي تدلي بها ليس فيها صحيح وخطأ، ولكنها مسألة رأي".
وإذا حاول المبحوث ان يسأل القائم بالمقابلة عن رأيه هو، فعليه أن يبتسم ممتنعاً قائلاً له: " إن مهمتي الآن أن أحصل على معلومات لا أن أدلي برأيي الخاص".
ويجب أن يتجنب القائم بالمقابلة الإيحاء إلى المبحوث بإجابة معينة. وأن يجيد الإصغاء لكل ما يقوله، وأن يمنحه الفرصة الكاملة ليقول كل ما يريده بالصورة التي يريدها دون ان يخرج عن الموضوع.
فإذا حدث واستطرد المبحوث خارجاً عن الموضوع، فما على القائم بالمقابلة إلا ان يعيده إلى الموضوع برفق ولباقة.
وينبغي ألا يظهر القائم بالمقابلة نفوراً أو اشمئزازاً من المبحوث، وألا يظهر دهشة أو استنكار لما يقول، وألا يصدر عليه احكاماً خلقية، فوظيفة القائم بالمقابلة هي الحصول على بيانات من المبحوث دون أن يقف منه موقف الناقد أو الواعظ أو المحقق.
ولكي يحصل الباحث على الفائدة الكاملة من المقابلة لابد من ملاحظة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمبحوثين اثناء إجراء المقابلة ومطابقتها بما يحصل عليه من إجابات، ومن الضروري أيضاً ملاحظة سلوك المبحوثين وما يطرأ على هذا السلوك من تغير أثناء توجيه الأسئلة التي تلقي الإجابة عليها. ومن المستحسن أن ينظر القائم بالمقابلة إلى عملية جمع البيانات كأنها دراسة لطباع الناس، ودراسة الناس بما يصدر عنهم من سلوك حركي وسلوك لفظي هي من امتع الدراسات في الحياة. وبهذه الطريقة يمكن أن يتحول جمع البيانات من عملية روتينية آلية أولها مريح وآخرها متعب إلى عملية ممتعة أولها متعب وآخرها مريح.
5_ تسجيل إجابات المبحوثين:
ينصح فريق من المنشغلين بمناهج البحث الاجتماعي بعدم تسجيل إجابات المبحوثين أثناء المقابلة لأن التسجيل من شأنه أن يثير مخاوف المبحوثين، ويدفعهم إلى الافتعال والتكلف، ويمنعهم من الانطلاق التلقائي في الإجابة، فلا يعبرون تعبيراً صريحاً عن آرائهم. ويرون أن واجب الباحث أن يكتفي بتسجيل الاسم والعنوان والسن والوظيفة وما إلى ذلك من بيانات أولية، ثم يعمد إلى استكمال البيانات وتسجيل الإجابات بعد انتهاء المقابلة.
غير أننا لا ننصح بتأجيل تدوين الإجابات إلى ما بعد المقابلة. فقد أظهرت البحوث الميدانية المختلفة –سواء في جمهورية مصر العربية أو في الخارج أن معظم الاعتراضات التي سبق ذكرها وهمية ولا أساس لها من الصحة.
فالخوف والتكلف وعدم الانطلاق من جانب المبحوثين، كلها أمور يمكن التغلب عليها في بداية المقابلة بخلق الظروف الملائمة لموقف المقابلة، وبإشاعة جو من السماحة والتقبل بين الباحث والمبحوث. هذا بالإضافة إلى أن تسجيل إجابات المبحوثين يشعرهم بجدية الموقف فيجعلهم يهتمون بالإجابة والتدقيق فيها. ومن ناحية أخرى فإن تسجيل إجابات المبحوثين يجعلهم يشعرون بأهميتهم لأن شخصاً ما يهتم بهم لدرجة أنه يكتب أقوالهم. ويلاحظ بوجه عام أن المبحوثين يعتبرون تدوين أقوالهم شيئاً طبيعياً وأمراً متوقعاً.
وتشير كثير من البحوث إلى أن عدم تدوين إجابات المبحوثين وقت سماعها يؤدي إلى نسيان كثير من المعلومات وتشويه كثير من الحقائق. فقد أظهرت نتائج إحدى الدراسات أن التقارير التي تكتب بعد الانتهاء من المقابلة مباشرة تحتوي 39% فقط من مضمون الإجابات، والتقارير التي تكتب بعد المقابلة بيومين تحتوي على 30% من مضمون الإجابات، والتقارير التي تكتب بعد إجراء المقابلة بسبعة أيام تحوي على 23% من مضمون الإجابات.
وقد تبين من إحدى الدراسات أن الباحثين الذين يكتبوا تقاريرهم عن المقابلة اعتماداً على الذاكرة كانوا يميلون إلى ربط بين نقاط لم يربط بينها المبحوثون ف إجاباتهم فعلاً.
وعلى هذا فإن من الضروري تدوين إجابات المبحوثين بعد أن ينتهوا من أقوالهم مباشرة، وأن يتم ذلك على مرأى منهم، وأن يكون مطابقاً تماماً لما يتفوهون به ضماناً لدقة البيانات وسلامة النتائج التي يمكن الوصول إليها. ويمكن أن يتم تسجيل إجابات المبحوثين باستخدام وسائل متعددة ففي غالب الأحيان يستعين الباحث الاجتماعي باستمارة مقابلة. وكلما كانت الاستمارة مقننة ذات إجابات محددة، سهل على القائم بالمقابلة أن يدون إجابات المبحوثين لأن مهمته لن تنحصر إلا في وضع علامة (صح) أمام الاستجابة التي يتخيرها المبحوث. وإذا كانت هناك بعض الأسئلة المفتوحة النهاية فإنها لن تحتاج إلى كتابة كثيرة نظراً لقلة عددها. أما إذا كانت المقابلة حرة "غير مقننة" فينبغي تدوين كل ما يقوله المبحوث تدويناً حرفياً إلا في الحالات التي يمكن فيها الاستغناء عن بعض الكلمات التي لا تؤثر في سلامة المعنى. ومن الممكن الاستعانة بالاصطلاحات المختصرة في الكتابة أو باستخدام طريقة الاختزال.
وإلى جانب استمارات المقابلة يمكن استخدام أجهزة التسجيل لتسجيل كل ما يقوله المبحوث. وقد يكون ذلك بعلم المبحوث أو بغير علمه. ويعارض كثيرون في إخفاء أجهزة التسجيل لأن ذلك يتعارض مع النواحي الأخلاقية التي يجب مراعاتها في مختلف مواقف البحث. ويناقش المركز القومي البحوث الاجتماعية والجنائية هذه النقطة في تقرير الحشيش الذي يقول " ونريد أن نناقش موضوع التسجيل الآلي الذي لجأت إليه الهيئة في بعض استباراتها. فقد قررت الهيئة أن تضع جهاز التسجيل واضحاً في قاعة الاجتماع، وكان يجري إعداده على مشهد من المفحوص، وكانت الهيئة تكتفي بذلك أحياناً كأنما هو امر مسلم به أن يوجد معنا هذا الجهاز كأداة من أدوات البحث، وأحياناً أخرى كانت تزيد على ان تستأذن المفحوص. ولم يحدث أن رفض أي شخص من المفحوصين تسجيل إجاباته.
واستخدام جهاز التسجيل على هذا النحو يثير تساؤل البعض على النحو الآتي: ولماذا لا نخفي الجهاز بحيث لا يشعر المفحوص بوجوده، وبذلك نحفظ عليه تلقائيته وانطلاقه، غير أن الاقتراح يتعارض مع مقتضيات المسئولية الأخلاقية للباحث نحو مفحوصيه، وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة بالنسبة لمستقبل البحث إذا ما عرف ذلك بعض المفحوصين، ولو على سبيل الظن دون اليقين. فإذا ادخلنا في حسابنا أن هذا النوع من البحوث العلمية الاجتماعية لا يزال في بداية طريقه في مجتمعنا ادركنا إلى أي مدى يمكن ان تعم هذه العواقب الوخيمة على مستقبل هذه البحوث جميعاً. وقد نبه "ماكوبي وماكوبي" على ضرورة مراعاة هذا الجانب الأخلاقي في استخدام آلات التسجيل الميكانيكي في جلسات الاستبار، كما نبها إلى أن محاولة بعض الباحثين إخفاء الآلة طوال جلسة الاستبار ثم إظهارها بعد ذلك للحصول على إذن من المفحوص قد يبدو كذلك عملاً لا أخلاقياً ويثير ثائرة المفحوص.
وعلى هذا فإن من الضروري أن يهتم الباحث بتسجيل إجابات المبحوثين مباشرة تسجيلاً كتابياً أو آلياً. وعلى مشهد منهم، لتفادي الاخطار التي تترتب على التسجيل من الذاكرة وأهمها النسيان والتحريف.
ثالثاً إعداد استمارة الاستبيان والمقابلة:
تستلزم عملية جمع البيانات بطريق الاستبيان أو المقابلة إعداد خطة مفصلة للاهتداء بها عند جمع البيانات. وتكون هذه التفاصيل مكتوبة في شكل أسئلة وأمامها فراغات ليملأها المبحوث بنفسه أو يملأها الباحث بناء على مشاهداته الخاصة وعلى ما يدلي به المبحوثون من بيانات.
ويستخدم بعض المشتغلين بالبحث الاجتماعي مصطلحات متعددة للتفرقة بيت استمارتي الاستبيان والمقابلة، فيطلقون على الأولى مثلاً مصطلح "صحيفة الاستبيان أو الاستخبار" بينما يطلقون على الثانية مصطلح " كشف البحث أو الاستمارة"، ولكننا نفضل إطلاق مصطلح واحد على كلتيهما وهو "استمارة" نظراً لعدم وجود فوارق جوهرية بين الاستمارتين ولا في طريقة إعداد كل منهما. وللتفرقة بينهما يمكن أن تقول: استمارة الاستبيان أو استمارة المقابلة "الاستبار".
وسنحاول في هذا المجال أن نناقش القواعد الرئيسية التي تستخدم ف إعداد الاستمارة وطريقة صياغة الأسئلة وتسلسلها.
_ خطوات إعداد الاستمارة:
هناك عدة خطوات يجب اتباعها عند إعداد الاستمارة. وهذه الخطوات هي:
1_ تحديد نوع المعلومات التي يرغب الباحث في الحصول عليها.
2_ تحددي شكل الأسئلة والاستجابات والصياغة وتسلسلها.
3_ اختبار الاستمارة قبل تعميم تطبيقها على المبحوثين.
4_ تنسيق الاستمارة وإعدادها في صورتها النهائية.
(1)تحديد نوع المعلومات المطلوبة:
ينبغي تصميم استمارة البحث في ضوء الإطار العام لموضوع الدراسة.
ومن الضروري أن يتم هذا التصميم بناء على خطة محكمة تضمن احتوائها على جميع النقط الرئيسية والفرعية التي يشتمل عليها البحث، كما يضمن تسلسل هذه النقط بطريقة منطقية.
ويبدأ تصميم الاستمارة بتحديد الأبواب والميادين الرئيسية التي يتضمنها البحث، ثم توضع قائمة بالنقط التي يحتويها كل ميدان تمهيداً لوضع أسئلة متعلقة بكل نقطة من هذه النقاط.
وينصح بعض المشتغلين بمناهج البحث الاجتماعي بأن يبدأ الباحث بدراسة كل ميدان من ميادين البحث مبتدئاً من الداخل إلى الخارج، أي أن يبدأ الباحث بخبرته الخاصة في تحديد الميادين التي تتضمنها مشكلة البحث، ثم باستشارة الزملاء والأصدقاء في نواحي المشكلة، ثم باستشارة الخبراء في الموضوع.
وبعد أن ينتهي الباحث من تحديد الميادين العامة للاستمارة والنقط التي يمكن أن تشتمل عليها، ينبغي أن يتجه إلى تحديد عدد الأسئلة اللازمة لكل ميدان من الميادين، وينصح البعض أن يضع الباحث عشرة أسئلة لكل ميدان من هذه الميادين ويرتبها ترتيباً منطقياً متسلسلاً. ويسجل بجوار كل سؤال في الاستمارة مثل 3ج أو 4د او 7أ. وفي رأيي أنه ليس من الضروري أن يكون عدد الأسئلة متساوياً بالنسبة لكل ميدان بل ينبغي أن يتناسب عدد الأسئلة مع أهمية كل ميدان وما يمكن أن يحتويه من نقاط.
ولتحديد نوع البيانات المطلوبة ينصح كثيرون بضرورة تخيل الباحث للنتائج الفعلية التي يمكن أن يحصل عليها. ومن أفضل الطرق لتحقيق ذلك أعداد مجوعة من الجداول التخيلية أو الصماء dummy tables وتتجلى أهميتها في حصر احتمالات الإجابة في أضيق الحدود وفي تحديد صيغة السؤال. ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي:
نفرض أننا وضعنا إطار للبحث عن: الأحوال الاجتماعية التي تؤثر في الكفاية الإنتاجية للعامل المصري، وأننا فكرنا في النتائج التي يمكن الحصول عليها من سؤال خاص بحالة العامل المعيشية.
هل يعيش بمفرده أم في داخل أسرة؟ فإننا نجد أن من الممكن الحصول على استجابات مختلفة. ومن الممكن تحليل النتائج التي يمكن الحصول عليها من العمال _وليكن عددهم 500 عامل_ في جدول كالآتي:
الحالة المعيشية عدد العمال
يعيش بمفرده
مع أسرة
مع أقارب
مع أصدقاء
مع آخرين
المجموع 500
ولكي يتمكن الباحث من الحصول على مثل هذه النتيجة، كان لزاماً عليه أن يوجه السؤال التالي: مع من تعيش؟ ثم عليه ان يضع الاحتمالات المختلفة للإجابة بما يتفق مع الفئات التي حددها في جدول التخيلي ليختار المبحوث إحداها.
2_ تحديد الأسئلة وصياغتها وتسلسلها:
_شكل الأسئلة:
هناك نوعان من الأسئلة إحداهما يطلق عليه اسم الأسئلة المفتوحة النهاية "غير المقيدة" والآخر يطلق عليه اسم الأسئلة المقيدة أو المحددة structured ولكل نوع مزاياه وعيوبه. فالأسئلة المفتوحة لها فائدتها الكبرى إذا كان الميدان جديداً. وإذا أراد الباحث أن يسمح للمبحوث بالتعبير الحر التلقائي. فيترك له حرية التعبير عن مشاعره وانفعالاته. وفي كثير من الأحيان تعتبر الأسئلة غير المقيدة خطوة لازمة لعمل الاستمارات ذات الأسئلة المقيدة حتى تكون الأخيرة نابعة من واقع الحياة الاجتماعية وليس نتيجة التفكير الذاتي لباحث وحده. ومن عيوب الأسئلة المفتوحة أن كثيراً من البيانات المطلوبة قد لا يتيسر الحصول عليها من توجيه أسئلة مفتوحة، ذلك أن المبحوث قد يغفل الإجابة عن بعض النقط الهامة بالنسبة للبحث، فيستحيل في هذه الحالة المقارنة بين المبحوثين. ومن عيوب الأسئلة المفتوحة أيضاً أن البيانات التي يحصل عليها الباحث يصعب تحليلها إحصائياً.
أما الأسئلة المحددة أو المقيدة فهي التي يطلب فيها الاستجابة بأحد المتغيرات المحددة مثل "نعم" أو "لا" أو "موافق" أو "لا أعرف". وقد تتدرج المتغيرات في كل سؤال من النفي المطلق إلى النفي المعتدل إلى التأييد المعتدل إلى التأييد المطلق.
مثال ذلك: أوافق _أوافق نوعاً ما_ لا أدري_ لا أوافق نوعاً ما_ لا أوافق. وقد توضع قوائم إجابات متعلقة لك سؤال، وما على المبحوث إلا أن يضع خطأ تحت الرأي الذي يميل إليه أو علامة (صح) ليقرر بذلك اختياره وإجاباته.
وتسمى هذه الأسئلة في بعض الأحيان بالأسئلة الانتخابية لأنها تستخدم غالباً في الدراسات التي تحاول التنبؤ بنتائج الانتخابات، ويستخدم هذا النوع من الأسئلة إذا كانت الاستجابات محدودة ومعروفة. ومن مزايا هذا النوع من الأسئلة أنها توجه ذهن المبحوث وجهة معينة بحيث تتفادى الاستطرادات التي لا مبرر لها والتي تستند احياناً إلى تداعيات سطحية. وهذا من شأنه أن يوفر كثيراً من الوقت والجهد ثم أنها تجعل الإجابة سهلة على المبحوث دون أن تحتاج الإحصائي للبيانات. ومن عيوبها أنها لا تسمح للمبحوث بأن يعبر عن نفسه تعبيراً حراً كاملاً. ويحاول البعض أن يجمع بين مزايا هذين النوعين. فيصممون الاستمارة بحيث تكون الأسئلة مفتوحة، ثم تقيد في الحالات التي يتوقعون فيها احتمال بعد الإجابة عن المطلوب.
ومن أمثلة الأسئلة المفتوحة ما يأتي:
1_ ما أكثر مشكلة تتوقع أت تواجهها في عملك الجديد؟
2_ ما هي في رأيكم الأسباب العامة المؤدية إلى انحراف بعض الطلاب؟
3_ ما هي أهم الاقتراحات التي ترى إدخالها في المدرسة لمعالجة نواحي الانحراف التي أشرت إليها؟
ومن أمثلة الأسئلة المقيدة ما يأتي:
1_ أي الطبقات الاجتماعية تعتقد أنك تنتمي أليها؟
أ_ الطبقة الغنية ()
ب_ الطبقة فوق المتوسطة ()
ج_ الطبقة المتوسطة ()
د_ الطبقة دون المتوسطة ()
ه_ الطبقة الفقيرة ()
2_ كيف تقضي إجازتك الأسبوعية؟
أ_ في المقهى ()
ب_ في نادي رياضي ()
ج_ في البيت ()
د_ في منظمة دينية ()
ه_ أماكن أخرى ()
3_ هل أنت راض عن مسكنك؟
أ_ نعم ()
ب_ لا ()
4_ في حالة الإجابة بالنفي: ما سبب عدم رضاك عن مسكنك؟
أ_ ضيق السكن ()
ب_ ارتفاع الايجاز ()
ج_ بعده عن العمل ()
د_ أسباب أخرى تذكر ()
وتفضل الأسئلة المفتوحة في الدراسات الاستطلاعية حيث يكون الميدان جديداً والاستجابات غير معروفة للباحث. ولذا فإنه يبدأ بعدد من الأسئلة المفتوحة ليكشف عن طريق إجابتها الميادين التي يمسها البحث ونوع الاستجابات اللازمة.
أما في حالة معرفة جميع الاحتمالات الممكنة للإجابة فإن الأسئلة المقفلة تكون أفضل بكثير من الأسئلة المفتوحة.
_ الأسئلة من حيث الصياغة والمضمون:
هناك قواعد أساسية يجدر بالباحث مراعاتها بشأن صياغة الأسئلة. ونورد هنا أهم القواعد المتفق عليها لتكون بمثابة توجيهات وإرشادات للباحثين، ولمعرفة طبيعة الأخطاء التي يمكن أن يتعرض لها الباحث حتى يمكنه تلافيها. وهذه القواعد هي:
1_ يجب أن تكون لغة السؤال سهلة وبسيطة ومتمشية مع مستوى ثقافة المبحوثين. فأسلوب استمارة موجهة إلى طائفة من المثقفين يجب أن يختلف عن أسلوب استمارة موجهة إلى العمال والفلاحين. وفي حالة وجود عناصر تختلف في مستوياتها الثقافية يجب اختيار اللغة التي يفهمها أقل الناس ثقافة. وليس هناك ما يمنع من استخدام اللغة العربية البسيطة أو اللغة العامية. وقد استخدمت اللغة العامية. وقد استخدمت اللغة العامية في كثير من الاستمارات التي وضعت في جمهورية مصر العربية نظراً لانخفاض المستوى التعليمي بين كثير من فئات المجتمع.
ففي بحث أجراه بعض طلبة بكالوريوس الخدمة الاجتماعية تحت إشراف. المؤلف والأستاذ سليمان مرزوق عن عمال التراحيل بمحافظة الدقهلية، حاول الباحثون مساعدة المبحوث على التعبير الحر عن رأيه دون تحرج أو تزمت أو اصطناع لهجة أو أسلوب معين يختلف عن الأسلوب الذي يستخدمه في حديثه العادي، فبدأوا بصياغة الأسئلة باللغة العربية البسيطة ثم قاموا بما يشبه الترجمة على اللهجة العامية ليفهمها جميع أفراد العينة. وهذه عينة من الأسئلة تعد تحويلها إلى العامية:
1_ ما نوع العمل السابق:
كنت بتشتغل إيه؟
2_ كم كان أجرك اليومي؟
كنت بتاخذ كم في اليوم؟
3_ كم ساعة كنت تشتغل يومياً؟
كنت بتشتغل كم ساعة في اليوم؟
4_ ما مصادر الدخل التي كنت تعتمد عليها أثناء التعطل؟
لما كنت بتتعطل كنت بتصرف منين؟
وفي بحث للدكتورين نجيب إسكندر إبراهيم ومحمد عماد الدين إسماعيل عن الاتجاهات الوالدية في تنشئة الطفل استخدام الباحثان اللهجة العامية في صياغة أسئلة الاستمارة. ولنضرب مثالا لنوع الأسئلة:
1_ ساعات الواحد يبقي عنده وقت فاضي ويبقي عاوز يقضيه في حاجة غير الشغل، إيه الحاجات اللي الواحد ممكن يعملها في وقت ده؟
2_ فيه ناس لما تجيلهم ناس صحاب يخلوا الست "الجماعة" تقعد معاهم، إيه رأيك؟ موافق وإلا مش موافق؟
وفي بحث تعاطي الحشيش حاولت الهيئة أن تصوغ الاستمارة باللغة العربية البسيطة، إلا أنها بعد تجربة الاستمارة رأت أن من الضروري صياغة أسئلة الاستمارة باللهجة العامية تماماً ليفهمها جميع أفراد العينة. وقد وضعت الهيئة قامة بالكلمات العربية بعد تحويلها إلى العامية منها:
هل = ياترى؟
ماذا = إيه؟
ما سبب = إيه أو إيه السبب؟
الأرق = بتقلق بالليل؟
رئيس = ريس.
باهت = بهتان.
وتنصح الهيئة التي أشرفت على بحث تعاطي الحشيش بأنه لا يكفي أن يجلس الباحث إلى مكتبه ويقوم بعملية الترجمة إلى العامية، فهناك ألفاظاً كثيرة لا يشيع استخدامها إلا داخل فئات اجتماعية معينة، ولذا لابد من التجريب المباشر للألفاظ حتى يتمكن اختيار الكلمة المناسبة التي تنقل المعنى الذي يقصده الباحث إلى المبحوث بأوضح صورة ممكنة.
2_ يجب ألا تشتمل الأسئلة على وقائع شخصية أو محرجة دون أن تكون هناك فرصة للمناقشة بين الباحث والمبحوث لشرح الهدف من هذه الأسئلة بنوع خاص، وإعطائه الضمانات الكافية للتأكد من أن البيانات التي سيدلي بها ستظل سرية ولن تستخدم إلا لغرض البحث العلمي.
3_ يجب صياغة الأسئلة بطريقة لا توحي بإجابة معينة فلا نقول:
اظنك مواقف على كذا؟ بل نقول: ما رأيك في كذا؟ كما يجب أن نبتعد عن الأسئلة التي تدفع المبحوث على الادعاء، فلا نقول له: أظنك تذهب إلى المسجد أو الكنيسة بانتظام؟ بل يستحسن أن نسأله: هل لديك وقت الذي يسمح لك بالذهاب على المسجد أو الكنيسة؟
ولاسلوب السؤال تأثير كبير في النتائج التي يحصل عليها الباحث. ومن الدراسات الكلاسيكية في هذا المجال الدراسة التي أجراها السوكيولوجي الإنجليزي "مسكيوmuscio" فقد أراد أن يقيس دقة البيانات التي يحصل عليها بالإجابة عن أسئلة متنوعة الأساليب. وكانت الأسئلة ذات ثمانية أنماط. فبعضها يحتوي على على أداة معرفة مثل: هل رأيت ال.....؟ وبعضها الآخر لا يحتوي على أداة معرفة مثل: ألم ترى........؟ إلى غير ذلك من أنماط. وقد وجد أن الإجابات التي يحصل عليها تختلف باختلاف النمط الذي يوضع فيه السؤال. وعلى هذا فإن من الضروري مراعاة الدقة التامة في صياغة الأسئلة.
4_ يجب ألا تكون صيغة السؤال قابلة للتأويل حتى يفهم المبحوث المعنى الذي يقصده الباحث دون غيره.
5_ يجب الابتعاد عن الأسئلة المزدوجة، فلا نقول: هل أنت طالب وموظف؟ أو هل انت راض بحالتك أم غير راض؟ فقد تأتي الإجابة عليها بنعم أو لا. فلا يكون لهذه الإجابة معنى. ولذلك يحسن أن نذكر احتمالات الإجابة منفصلة، ويترك لمبحوث أمر الاختيار بينها بما يلائمه.
6_ عند السؤال عن شيء يمكن قياسه فيجب الابتعاد عن الأسئلة الكيفية كلما أمكن استخدام مقاييس كمية. فلا نسأل عن الوقت الذي يستغرقه في الوصول إلى العمل بأنه طويل أو قصير، بل نسأل عن الزمن بالساعات أو بالدقائق، ولا نسأل عن الحرارة إذا كانت معتدلة أو مرتفعة أو منخفضة، بل نسأل عن درجة الحرارة. وبالمثل إذا سألنا عن طول شارع أو التهوية في المنزل وهكذا.
7_ إذا كانت الأسئلة من النوع المحدد. فيجب إعطاء جميع الإجابات المحتملة عليها، وفي حالة عدم التأكد من أن الإجابات لا تمثل جميع الاستجابات الممكنة، ينبغي إضافة جملة: بيانات أخرى تذكر.
8_ يجب أن يكون الباحث متأكداً من أن لدى المبحوثين المعلومات أو الآراء التي يستطيعون الإجابة بواسطتها على الأسئلة. وفي حال احتمال عدم معرفتهم الإجابة ينبغي اعطاؤهم فرصة للتعبير عن ذلك بأن توضع في السؤال خانة: لا أعرف.
9_ يجب صياغة بعض الأسئلة بأكثر من صياغة للتأكد من صحة الإجابات التي يدلي بها المبحوث، ويعرف هذا النوع من الأسئلة باسم أسئلة المراجعة. فالسؤال عن السن قد يعززه سؤال آخر عن تاريخ الميلاد، أو عن السن وقت الزواج ومدة الحياة الزوجية. على أنه يستحسن أن تصاغ أسئلة المراجعة بشكل يخفي مغزاها الحقيقي، كما يحسن الا تتلو بعضها بعضاً.
10_ ينبغي ألا تتطلب الأسئلة من المبحوث تفكيراً عميقاً أو القيام بعمليات حسابية معقدة. فليس من المعقول أن يطلب إلى المبحوث تقرير المصروفات موزعة على المأكل والملبس في سنة مثلاً، وإنما تؤخذ فترة زمنية محددة ولتكن إسبوعياً أو شهراً.
11_ يجب أن يحدد الباحث نوع الإجابة المطلوبة من المبحوث: هل المطلوب منه وضع علامة معينة، أو الإجابة بكلمة، أو يترك المبحوث ليعبر عن رأيه بحرية؟ وإذا كان المطلوب وضع علامة معينة فلا ينبغي أن تصاغ الأسئلة بحيث يوضع أمام كل سؤال: ضع علامة (صح) أما الإجابة التي تعبر عن وجهة نظرك، بل يكتفي بوضعها في بداية الاستمارة.
12_ يجب أن تكون الأسئلة محدودة العدد بقدر الإمكان وبالصورة التي تخدم أغراض البحث فقط، ولذا يجب الاستغناء عن كافة الأسئلة التي لا يستفاد من نتائجها.
_ تسلسل الأسئلة:
يجب أن تتدرج الأسئلة بحيث تساعد تدرجها على إثارة اهتمام الأفراد الذين يجيبون عنها. وأن يكون ترتيبها متمشياً مع تدرج العلاقة الودية بين الباحث والمبحوث وخاصة في مواقف المقابلة. ومن الأساليب المعروفة في تسلسل الأسئلة ما يسمى بالترتيب القمعي funnel approach وذلك بأن يبدا الباحث بتوجيه سؤال عام جداً وغير مقيد ويليه بعد ذلك أسئلة تضيق وتتخصص بالتدريج.
ويجب ان نتابع الأسئلة في تسلسل منطقي حتى يتسنى للأفراد البحث أن ينظموا أفكارهم. ويجب تقسيم الأسئلة إلى مجموعات متناسقة توضع لها عناوين فرعية وخاصة إذا كان البحث متشبعاً ويشمل أكثر من ظاهرة واحدة. ويجب أن تعطي الأسئلة أرقاماً مسلسلة حتى يمكن الاستدلال على أي سؤال بسهولة.
2_ اختبار الاستمارة قبل تعميم تطبيقها على المبحوثين:
ينبغي قبل النزول إلى الميدان أو إرسال الاستمارات لأفراد البحث تجربة الاستمارة على مجموعة منهم مع مراعاة أن تكون المجموعة المختارة من الناس متفقة في خواصها وصفاتها مع افراد البحث لكي يصح الاسترشاد بإجاباتهم في حذف أو توضيح بعض الأسئلة إذا ما اقتضى الامر ذلك. وترجع أهمية اختبار الاستمارة قبل تعميمها على المبحوثين على ما يأتي:
1_ تحديد درجة استجابة المبحوثين للبحث بصفة عامة وللاستمارة على وجه الخصوص.
2_ تحديد طول الاستمارة والزمن الذي يستغرقه الباحث في ملئها.
3_ تحديد صعوبات اللغة ومعرفة ما إذا كانت الالفاظ والعبارات في مستوى فهم المبحوثين أم لا.
4_ الوقوف على الأثر الذي يحدثه تتابع أسئلة الاستمارة لإرجاء بعض الأسئلة التي تبدو أنها محرجة إلى أجزاء أخرى من الاستمارة. ويستحسن ان يتم هذا الاختبار بطريق المقابلة الشخصية لملاحظة سلوك الأفراد وقت الإجابة ومناقشتهم في بعض الأسئلة والاستفادة من الملاحظات التي يبدونها.
وإذا قام الباحث بهذه التجربة فإن هناك دلائل على اشتمال الأسئلة على نواح تحتاج إلى تعديل. وأهم هذه الدلائل ما يأتي:
1_ عدم انتظام توزيع الإجابات على الأسئلة، فالإجابات التي لا يمكن تجميعها في رتب ومجموعات والتي لا تتبع نظاماً معقولاً عادة ما تكون نتيجة لعيب أو عيوب في نظام الأسئلة.
2_ قد يحصل الباحث على استجابة واحدة لا تتغير من جميع أفراد العينة رداً على سؤال من أسئلة الاستمارة. ومثل هذه الأسئلة يجب اسقاطها أو تعديلها.
3_ إذا كثرت الاستجابات المحايدة أو من نوع "غير متأكد" أو "لا أعرف" دل ذلك على أن السؤال المستخدم يحتاج إلى تعديل أو حذف. وقد يكون سبب ذلك أنه يمس مشكلة صعبة الحل، أو أن السؤال غامض غير محدد، أو أنه يمس ناحية لا يرغب الأفراد في الإفصاح عنها.
4_ إذا امتنع كثيرون عن الإجابة فقد يكون ذلك نتيجة لطريقة صياغة الأسئلة، وعلى الباحث أن يعدلها ويجربها من جديد.
5_ قد تكون هناك تعليقات كثيرة على الاستمارة في الوقت الذي تكون فيه الأسئلة من النوع المقيد.
6_ إذا اختلفت النتائج التي يحصل عليها الباحث بتغيير ترتيب الإجابات المعطاة دل ذلك على أن الأسئلة تحتاج إلى تعديل.
وبعد تجربة الاستمارة ينبغي تعديل الأسئلة بما يتلاءم النتائج التي أسفرت عنها بالتجربة. وإذا كانت التعديلات جوهرية في تصميم الاستمارة أو في صياغة أسئلتها، فإن من الواجب إعادة اختبارها إلى أن تصبح وحداتها منسجمة وقادرة على التمييز وتقيس ما يجب قياسه فعلاً وتكون عباراتها قد مرت في سلسلة من التهذيب والتعديل عن طريق اختيار أصلحها وأدقها وأكثرها تحقيقاً لغرض البحث.
4_ تنسيق الاستمارة وإعدادها في صورتها النهائية:
بعد أن تنتهي الباحث من الخطوات السابقة تكون الاستمارة قد مرت في سلسلة من التهذيب والتعديل تجعلها أداة صالحة لتحقيق أغراض الحث. ولكي تكتمل الفائدة لابد من العناية بتنسيق الاستمارة، وإعدادها بطريقة مشوقة تثير اهتمام المبحوثين وتحفزهم على الاستجابة وتدفعهم إلى التعاون مع الباحث.
ويتطلب الاستبيان اهتماماً أكبر بتنسيق الاستمارة، لأن الباحث او من ينوب عنه يتولى بنفسه شرح الغرض من البحث في موقف المقابلة، وهو الذي يملؤها بنفسه، أما في الاستبيان وخاصة الذي يرسل بالبريد، فإن المبحوث يحكم على البحث بما يراه. وهو في تلك الحالة لا يرى إلا الاستمارة التي تتولى مهمة التعريف بالبحث والقائمين به. فإذا كان إعدادها محكماً، وشكلها العام مناسباً، وطريقة عرضها منسقة، زاد إقبال المبحوثين على الاستجابة، وكثرت نسبة الردود.
ولتنسيق الاستمارة وإعدادها في صورتها النهائية ينبغي اتباع ما يأتي:
1_ يجب أن يكون حجم الاستمارة مناسباً ونوع الورق جيداً يمكن الكتابة عليه بالحبر أو بالقلم أو باستخدام الآلة الكاتبة، ويمكن تداوله بين الباحثين والمبحوثين والمرمزين دون أن يفقد شكله أو يتمزق. كما يجب أن تكون الاستمارات ذات أحجام متساوية وذلك لتسهيل وتبسيط الأعمال المكتبية الخاصة بتصنيف البيانات من جانب وحفظ الاستمارات وتداولها من جانب آخر.
2_ لوحظ أن ألوان الورق المستخدم في الاستبيان وألوان الكتابة مما يؤثر في وضوح الأسئلة ويشجع المبحوثين على الإجابة. وقد أظهرت التجارب أن اللون الأسود على الأرضية الصفراء يعتبر من الدرجة الأولى لترتيب الوضوح في القراءة، يليه اللون الأخضر على الأرضية البيضاء، أما اللون الأسود على الأرضية البيضاء فيأتي في المرتبة السادسة من مراتب الوضوح في القراءة، ويعتبر اللون الأحمر على الأرضية الخضراء أقل درجات الوضوح إذ ظهر أن ترتيبه الثالث عشر والأخير في مراتب الوضوح في القراءة.
3_ إذا كانت الاستمارة مكونة من عدة صفحات فيفضل أن تكون على شكل كراسة، وإذا استدعي الامر ثني الاستمارة فيجب أن يكون ذلك في أماكن غير مخصصة للإجابة.
4_ في حالة ما إذا كان الباحث يرغب في المقارنة بين استجابات مجموعات من الأفراد فيفضل وضع علامات مميزة على الاستمارات لتسهيل التعرف على كل فئة منها، ومن أمثلة هذه العلامات تلوين أطراف الاستمارات وتثقيب إحدى الزوايا ووضع أرقام تحت أطرافها واستخدم حرف ابجدي لكل منها واستخدام شعار معين أو صورة رمزية لكل فئة.
5_ في الاستبيان البريدي يفضل أن يكون طلب الإجابة على أسئلة الاستمارة في شكل خطاب موجه إلى المبحوث. ويحدد فيه الباحث عنوان البحث واسم الهيئة المشرفة عليه، والغرض منه، مع دعوة المبحوث إلى ملء الاستمارة وإعادتها، والإشارة إلى ما يفيد سرية البيانات وعدم استخدامها إلا لغرض البحث العلمي.
6_ يجب طبع الاستمارة على وجه واحد فقط لتكون سهلة القراءة، ويستحسن عدم كتابة أكثر من سؤال واحد على السطر الواحد. وأن يخصص أمام او تحت كل سؤال المكان الكافي للإجابة عليه، ولا تطلب الإجابة على ورقة منفصلة.
7_ يجب تقسيم الأسئلة إلى مجموعات توضع لها عناوين واضحة، ويجب إعطاء الأسئلة أرقاماً مسلسلة. وفي حالة الرغبة في استخدام الآلات الإحصائية يفضل وضع دليل رقمي code لإجابات كل سؤال.
8_ في استمارة المقابلة يجب تخصيص مساحة كافية لتسجيل البيانات المميزة مثل رقم الاستمارة، والمكان والتاريخ والاسم والحالة الزواجية والمهنية وعدد الأبناء. ويفضل أن ترد هذه البيانات في نهاية الاستمارة بعد ان يكون المبحوث قد أجاب على أسئلة الاستمارة بحرية وصراحة.
9_ يجب توضيح المصطلحات المستخدمة في الاستمارة وتحديدها لمساعدة المبحوث على الإجابة الصحيحة على الأسئلة. وفي استمارة المقابلة ينبغي كتابة التعليمات في صفحة منفصلة لمساعدة جامعي البيانات على أداة مهمتهم أثناء ملء الاستمارات، ويجب أن تتوافر في هذه التعليمات البساطة والإنجاز والوضوح.
10_ في الاستبيان البريدي ينبغي إرسال الاستمارة ومعها مظروف معنون عليه طابع بريدي لتيسير مهمة الرد بالنسبة للبمحوثين.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق